هذا السؤال شغلني كثيرا، وعلى هدي ما توصلت إليه والمتمثل في :
الارتباك والعشوائية التي نعيشها علاوة على التردي المستمر لأحوالنا ، بسبب تشتيت قوانا الناجم عن سير كل منا في طريق مختلف ، وعدم وجود رؤية واضحة يمكن الاختيار بناء عليها .
ظهر أمامي سؤال أكثر أهمية لأنه ذاتي وآني وهو :
كيفية اختياري لطريقي في مثل هذه الظروف ؟
وجدت أن هناك خياران بينهما مساحة .
إما أن أهتم بذاتي وأعمل ما يحقق مصالحي الشخصية بما يتواءم مع المناخ الذي أعيشه وهو سيء ولا أبالي بالصالح العام وهذا ما يفعله الكثيرين منا .
وإما أن أحاول المساهمة في إقالة هذه الأمة من عثرتها في مناخ مرتبك من التوجهات المتعددة التي توجد على الساحة .
هذان الاتجاهان بينهما مساحة يقع كل منا على نقطة فيها تحدد مدى القرب أو البعد عن كلا الخيارين .
وأمام الرؤية المعتمة أقف إما عاجزا أمام اختيار موقعي قريبا أو بعيدا عن كلا الخيارين ( الشخصي ، العام ) أو متحيزا لأي منهما بدون منطق .
والنتيجة نجد أنفسنا نسير فرادى أو شراذم مبتعدين عن خيار العمل لصالح الأمة لعدم رؤيتنا لأمل يمكن أن نعمل معا لتحقيقه .
وهنا نجد سؤال خاص بجدوى مسعانا نحن أهل القرآن .
هل نعيش مع القرآن في إطار الاختلاف والتناقض الذي نُتَهم به من داخلنا ، وهذا كان مسير السلف الذين لم يصلوا بنا إلا إلى مستنقع الأخطاء المتراكمة والارتباك الذي نحن جميعا غرقى فيه ، وأي منا لكي يعيش لابد وأن يتواءم مع هذا المستنقع لتحقيق ولو الحد الأدنى من متطلباته أو يفر هاربا بعيدا عنه إلى أمة أخرى سواء كان فرار مادي أو معنوي ، يخلع فيه المرء عنه تراثه وقيمه ويعيش بتراث وقيم الأمة الفار إليها .
ولم نجد عند أحد رؤية تنير لنا للخروج من هذا المستنقع والذي ما زلنا نعيشه باطراد ، وذلك بارتكاب الجميع المزيد من الأخطاء التي تزيد من تفتتنا ، وتنشأ عنها العداوات والاتهامات وتصيد الأخطاء بل والقتل على الهوية المذهبية ناهيك عن الإبادة الجماعية المستمرة للمسلمين وعلى أرضهم .
، وإن وجد البديل لا يقابل إلا بالنكران والتهرب والإهمال والكذب بل والإقصاء .
فهل نحن كأهلٍٍِِِِ للقرآن ليس لنا دخل أمام تكريس هذا الذي يتم تحت سمعنا وبصرنا داخل هذا المستنقع ، ونكتفي بمحاربة ما يسمى بالسنة ( التراث العملي ) والذي له مناصرون عديدين ، وبذلك نكون دفعناهم دفعا ليناصبونا العداء الذي يشتت قوانا ناهيك عن تشتيت باقي القوى الإسلامية .
ومن جانب آخر تركنا المناهج الواجب الأخذ بها في التعامل مع القرآن الكريم ( النقدية والعلمية ) ، واتبعنا نفس المناهج التي اتبعها السلف والتي بنيت على عشوائية اللغة والتي لن تنتج لنا سوى مثل ما أنتجته .
لذا وجب علينا أن نقبل العالم بكل ما فيه ومن فيه ، وخاصة قبولنا لأنفسنا أولا مهما كانت أخطاؤنا بديلا عن الاتهامات والعداوات المتبادلة التي يتحاشاها خيارنا بشق الأنفس ( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هى أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم 34 فصلت ) .
ومن الأولى بهذا الدفع ؟ ألم يكن لمن يقولون أنهم شركاء لنا في العقيدة ، ناهيك عن الاتهامات الموجهة لديننا من الغير ولا نستطيع لها دفعا ، فعلى الأقل إن لم نستطع فعل شيء فعلينا بأنفسنا ( يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم . 105 المائدة ) .... ( خليك في حالك ) .
هل لدينا أمل في أن نتمسك بكلمة سواء بيننا وبين كل الفرق والمذاهب كمسلمين ، ناهيك عما يجب أن يكون بيننا وبين أهل الكتاب ، ولا نشرك بالله شيئا ؟ .
هل فتش كل منا في نفسه ووجد أن ليس بها شرك ؟
فإن كنا لا نشرك بالله فلم لا نتوحد ألم يقل الله تعالى ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا . 103 آل عمران ) ؟ . هل نحن نقر الفرقة والاختلاف ولا يعنينا أن يزيدا اتساعا ؟ .
فأين نحن إذن من أوامر الله .
هل عبادتنا موحدة كمسلمين ؟ ( لا أتحدث عن المناسك فحسب ) .
حتى بداية أو نهاية شهر الصوم هل هي واحدة بين أقطارنا ؟ . الإجابة : لا
ولِمَ ميقات الحج واقعيا واحدا ؟ .
هل لأن هناك من يمتلك المكان دون غيره من المسلمين وبذلك هو المنوط وحده بميقات الحج ، أما الصوم فلا مكان له ، وعليه يتحكم فيه كل قطر على حدة فتزيد فرقتنا ؟
ألا يستغرقنا هذا الفارق وأنه بإمكاننا التوحد عمليا بإرادتنا ولنا فيمن حولنا عبرة ( عصر التكتلات ) ناهيك عما يمكن أن يكون بأفكارنا والتي لها نبع واحد ؟ .
هل ما يمكن أن يوحدنا ولو بغير منطق هو إزالة الفواصل الجغرافية بالسيف تحت حكم واحد ؟ ، وتاريخنا مليء بهذه التجارب .
ألا يمكن أن نتوحد كالأمم المتحضرة بالفكر لتحقيق مصلحة المجموع ؟.
والإجابة : نعم تنقصنا الإرادة ناهيك عن العمل .
وأخص بهذه الأسئلة المعارضين منا لتكامل الأمة الإسلامية فكريا من خلال القرآن الكريم .
أم أن هذه الأمة ليس لها كيان جماعي والمسألة أن أفرادها يجب أن يعيشوا فرادى لأن الله سبحانه وتعالى سيحاسب الناس فرادى !!!؟ .
وحتى لو كان هذا الافتراض صحيحا ، ألم يكن حساب الله عادلا وسيحاسب الناس بنفس المقاييس ، وهو ما أخبرنا عنه في كتابه ، أليس من الواجب علينا في هذه الحالة أن نتعاون لنعرف حقيقة تلك المقاييس حتى نخرج من تحت طائلتها ، أم أن كل منا يختار المقاييس حسب فهمه الخاص وبذلك تتعدد تلك المقاييس ويقع الكثيرين منا تحت طائلة العقاب .
أم أن مسألة الاختلاف التي يتمسك بها البعض منا هي ذريعة شرعية للخروج عما لا يجب الخروج عنه ( الالتزام الاجتماعي ) ليس بالمعنى الضيق ولكن التزام المسلم للمسلم ، وهذا ما نراه في لهو البعض في حين قتل المسلمين سواء من بعضهم أو من غيرهم ، ولا أود أن أذكر بإبادة الهنود الحمر .
خاصة والإنسان بصفة عامة يعيش على الإفساد وسفك الدماء ، لذا أرسل الله الرسل وأرسل معهم الكتاب ليجتبي من الناس من ينصره .
أكتب هذا إلى إخواني وقلبي يدمع ، ولا أراني عجول فأنا دائب السعي لهذه الدعوة على مدى ثلاثين عاما ، ولكني لا أطيق أن أرى بابا للإصلاح وأجد نفسي عاجزا عن فتحه ، لذا كان دأبي ، وبالطبع أتوق إلى رؤية نتائج عملي ، ولكن حين تذكري أن ليس على إلا بذل الجهد ولا أملك استجابة من أحد ، أهدأ ويملؤني الصبر فيطمئن قلبي ، وهذا ما أتعايش به .
ومن جانب آخر هل وضعنا في اعتبارنا لما وجدت الحروف المقطعة في أوائل بعض السور ؟ .
وهل الحروف المقطعة حين تكرار حرف منها في أكثر من سورة هل يتغير معناه ؟ .
أم هي زوائد لا لزوم لها لذا أهملناها ؟
وهل فهمنا السياق الواردة فيه والذي نقول أنه يغير المعنى ؟
ولا ندري على أي أساس .
أليس هجران تلك الحروف هجر للقرآن ؟ .
وإلا من هم الذين جعلوا القرآن مهجورا ؟ .
في حين لا أحد من المسلمين لا يأخذ بشيء من القرآن ( بعضه ) والنسب تتفاوت .
وعليه فالجميع ونحن فيهم مشتركون في هجر القرآن .
ألم نكن عقلاء بما فيه الكفاية حتى تستوقفنا هذه المسألة !!! ؟ .
لقد وجدت عناء شديدا حين قراءتي لكتاب أُشير على به لعالم سبيط النيلي بعنوان اللغة الموحدة ، ووجدت تباينا بين كثير مما توصلت إليه وما توصل إليه الكاتب .
ولكن من خلال محاولاتي لكي لا أكون متحيزا لأحد الطرفين ( أنا أو هو ) في تناولي لموضوعنا المشترك ، في حين أستشعر أن قدر الصواب لديه أكثر مما لدي لأنني وجدت أن مساحة رؤيته أكثر من مساحة رؤيته فهو يعمل على الربط بين لغات العالم في لغة موحدة ، وأنا لا أنظر إلا إلى ألفاظ العربية فقط ، وهو يربط مابين الفكرة والنطق والكتابة ، وأنا لا أتناول إلا الفكرة وكتابتها .
فحين يكون ملما برؤيته - وهذا ما أحاول أن أتناوله بالبحث - فلابد وأن تكون رؤيته أكثر استقامة ( عمودية ) مما لدي ، وبالتالي أيضا عمق الرؤية علاوة على المساحة ..وسأتعرض لذلك فيما بعد بهدف التعرف على كيفية تمحيص الأفكار بتجرد عن ألذات ناهيك عن النور الذي سيشمل رؤانا بهذا التجرد ، هذا إن كان هدفنا هو الاقتراب من الحقيقة وليس الانتصار للذات ، في حين أجد نفسي تتوق إلى أن أكون على صواب ولو نسبي .
وهذا هو المحك لاختبار ألذات ( يأيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم او الوالدين والأقربين ..135 النساء )
لأن الرؤى للأشياء تختلف حسب زاوية الرؤية و عمقها ومساحتها .
لذا كانت لنا رؤى متباينة لتفاوت مستوياتنا ، وليكن لنا في قصة العميان والفيل عبرة وعظة ، كل منا يرى الموضوع من زاوية معينة لمساحة محددة وعمق معين ، والمطلوب هو التجميع مثل تجميع الأجهزة ، كل جزء بذاته وهو خارج الجهاز يعتبر غير صالح لما صنع من أجله ، ولا يكون صالحا إلا إذا وضع في موضعه الصحيح داخل الجهاز وعمل مع باقي الأجزاء ( المجموع ) ، وهكذا تكون الآلات .
وهذا التجميع يحتاج إلى خبراء أكفاء ، وليس من العسير اعتبار هذه النخبة ( أهل القرآن ) هم الخبراء ليس في إنتاج الأجزاء فحسب ولكن بوضع كل جزء في موقعه الصحيح ، باعتبار أن هذا القرآن هو كل موحد ، ومبني بنظام لا نعلمه حتى الآن فنحن نتجادل حول أجزائه ، هل هي صالحة متناسين وجود الجهاز ( المجمع ) ، لذا نجدها في معظم الأحيان غير صالحة لشيء أكثر من محاولات التأويل والفتنة .
ومن هنا وجب على كل منا أن يقدر هذا التباين بحسن نية وبالحب والبحث عن الحقيقة سوف نصل إلى هذا المجمع الذي سيجمعنا ، إن أخلصنا النية .
نحن يا سادة مازلنا نعيش هذا الطور التراثي ، والذي أدى إلى سوء أحوالنا كما هو واقع ، ويجب أن نخرج عنه وإلا الهاوية .
خواطر :
لقد أعلنت سابقا أنني أعتبر نفسي أقل الموجودين على هذا الموقع من الجانب الشخصي وليس الفكري .
وذلك لأن جوانبنا الشخصية خافية عنا ، وأمام هذا الإخفاء يجب أن أعتبر نفسي هكذا لأنه احتمال قائم ولو بنسبة 1 % ، وخصوصا أن من عايشتهم من هؤلاء لا أتخير عن أي منهم : الدكتور احمد ، الدكتور عثمان ، الأساتذة محمد وشريف وأمير والدكتور حسن والأستاذ عساكر وأيضا من تحاورت معهم من كتاب الموقع وأعتقد أن الاحتمال الأرجح والذي لا يعلمه إلا الله هو أن أكون على مسافة ما بين النقيضين باعتبار النقيضين ( الأعلى والأقل ) نقطتين بينهما خط مستقيم ، وجميعنا على هذا الخط كل حسب قيمته قربا أو بعدا عن أي منهما .
وعندما جاء موضوع بروتس ( حتى أنت يابروتس ) مما يعني أن هناك من يعتبرني أقل الموجودين فعلا على المستوى العام وليس الشخصي فقط دون أن يعرفني إلا من خلال كتاباتي والتي لا أعتقد أنها تدل على هذا الاعتبار .
مما جعلني أقف أمام مدى مصداقيتي ، فوجدت أن هذه المصداقية قد اضطربت نتيجة إحساسي بالمرارة من هذا القول .
ولكن حين التفكير الهادي وجدت أن هذا الاضطراب طبيعي .
لأن هناك فارق بين أن أعتبر نفسي هكذا ( قد يكون تواضعا ) ، وبين أن يعتبرني إخواني هكذا ( التقليل من شأني ) فهذا شأنهم ، وجاء ردي العفوي على ذلك بمنتهى المصداقية ، لأن القضية التي أتبناها أهم وأعظم من تريليون أحمد شعبان ، فوجدت أن انتصاري لقضيتي وإهمالي لشخصي يجري بصورة طبيعية أمامي وبذلك إطمئننت على مصداقيتي .
فالحمد والشكر لله رب العالمين .