سورة الماعون 29-03-2008 إصدار 1.03
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)
إن الله يخبرنا خبر من يُكذب بما أُنِزل علينا منه و بما ندين به له و مراده، و صيغ ذلك بصيغة سؤال، و ما هو بسؤال، و لكن لنُعُمل عقولنا فيه، و لكن أكثرنا لا يعلمون، لأن هؤلاء المكذبين يتخفون تحت ستار أشكال ظاهرة من الورع و التقوى يصعب علينا كشفهم ومعرفة حقيقتهم المتناقضة مع مراد الله، لأنهم أمامنا هم من المؤمنين، فلا يكون أحسن من الله ليجيب عن السؤال لعِلمه سبحانه بأن أكثرنا لا يفقهون.
و يبين الله لنا فى جوابه على السؤال أن هؤلاء المكذبين بالدين هم الذين يأتون بأعمال مناقضة لتعاليمه ومراده، ويسوق لنا ببعض من أفعال هؤلاء المكذبين مثل صد اليتيم الضعيف وزجره و عدم حث الدعوة لإطعام الفقير و المسكين وذلك على نقيض قضاء الله بوجوب الإحسان له و بالمخالفة عن حض الله على التكافل و الصدقة، و بذلك نتبين أن مراده على عكس ما يفعلون وعلى غير ما يُظهرون من أشكال الورع و التقوى.
و ليبين الله لنا أن الشكل لا يغنى عن المضمون و لا يكفى عنه وأن فهم المضمون و العمل عليه هو المراد لصلاح الدنيا والمبين لحسن العقيدة و المُظهر للتصديق بالدين، جاء الله لنا بعبادة من أكثر العبادات ممارسة ظاهرية أمام الناس وهى الصلاة وجعلها مثالا لنا نقيس عليه باقى العبادات التى لها جانب مظهرى مثل الحج والصيام و السعى لتزكية النفس عند الله بالصدقة.
و وعد الله هؤلاء المكذبين الممارسين لتلك العبادة بويل الفضيحة و أنذرهم بعذاب شديد، لأنهم يؤدون عبادة الصلاة بشكلها فقط، يظنون أنهم قد أبرءوا ذمتهم عند لله، بأنهم أدوا الفرض عليهم و أتموا العبادة، ولكنهم لقصور فهمهم لمراد الله و غايته، هم يسهون عن تفعيل مضمون صلاتهم لله، بالغفلة و الالتفات عن صلتهم به، و ذكرهم له، و دوام العمل بتعاليمه المنزلة إليهم، التى هى - أى العمل عليها - تنهاهم عن الفحشاء والمنكر والبغى.
وأخيرا أدانهم الله ووصمهم بأوصاف مذمومة بأنهم أصحاب رياء و نفاق و أظهرهم لنا - بصفة فى غاية الشمول - لنرصدهم ونتعرف عليهم و لا ننخدع بهم ونتأسى بمثلهم، بأن هؤلاء من هم عند الشدائد و وجوب المعونة، هم من يمتنعون ويمنعون.
آيات شارحة
{إِنَّ الإنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) إِلا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ (23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (31) وَالَّذِينَ هُمْ لأمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (32) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (33) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34) أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (35)} المعارج
و نستطيع أن نقول إن هذه الآيات تبين لنا كيف يكون الإنسان المداوم و المحافظ على الصلة بالله و كيف تكون عقيدته و أفعالة و أعماله و هى آيات مثالية شارحة لفهم المعنى المراد من {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ}
{لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177) البقرة} (البر عكس العقوق ويدل على زيادة الإحسان)
و إجمالا هنا الدلالة واضحة لتلك الآيات السابقة بأن المطلوب ليس حركات الصلاة متمثلة بالتوجه نحو القبلة التى تستقبل عند الصلاة بالتوجه لها شرقا أو غربا حسب موقع مؤدى الصلاة الجغرافى، وإنما المطلوب من الإنسان ليكون من الأبرار هو فعل الأفعال المذكورة فى الآية التى من شأنها صلاح الدنيا حسب مراد الله و أساسها أقامة الصلاة بمعنى إدامة الصلة بالله التى بحضورها يزكى الإنسان نفسه عند الله و يتقيه
{ اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45) العنكبوت}
و هذه الآية على الخصوص رسالة من الله، تعنى أن علينا تدبر الرسالة و المنهج المرسل إلينا من الله و أن نتذكره دائما و تذكر تعاليم رسالته ومنهجه و العمل به عند القيام بأفعالنا و أعمالنا و لن يكون ذلك إلا بدوام الصلة بالله على مدار الساعة {وَأَقِمِ الصَّلاةَ} و هنا فقط ينتهى الإنسان عن الأفعال التى يصفها الله بالفحشاء و المنكر و بذلك يتحقق كامل ذكر الله و ليس بعد ذلك شيء.
ثم تختم الآية بما يؤكد و يذكر المؤمنين على شمول علم الله بكل ما نصنع جهرا و خفية من أفعال و أعمال، فإما نريد وجهه أو نفاقا و رياء لآخرين من دونه.
{قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24) قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون (25) قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم (26) سباء}
هذا قولنا و فهمنا فى زماننا و مكاننا و حسب علمنا و يجب أن يأتى من بعدنا من يفعل مثلنا.
والله أعلم
مصطفى فهمى
المراجع:
(1) العقل للفهم. (2) القرآن بفهمه بالعقل.