بسم الله الرحمن الرحيم
الإسلام والإيمان (الجزء الثالث)
معنى الإيمان
في الجزء الأول شرحنا معنى الإسلام من وجهة نظرنا تدبرا من كتاب الله ، وقلنا الإسلام له معنيان أحدهما عقائدي وهو مرادف لمعنى التوحيد ، والآخر شرعي ديني وهو مجموعة الأوامر والنواهي التي نزلت على الرسول عليه السلام ، والذي يكون من المسلمين وفقا للمعنى الأول وأول المسلمين وفقا للمعنى الثاني ، ثم في الجزء الثاني من بحثنا تطرقنا لتفنيد زعم الحديث (بني الإسلام على خمس) وانتهينا أن الحديث مخال&te;ف للنقل الصحيح من القرآن ، وللعقل الصريح ، لأنه يجعل العبادات الأربعة المذكورة في الحديث غايات لذاتها ، على خلاف تقدير العزيز الحكيم أن جعلها وسائل لغايات أسمى ، فكان هذا الحديث هو السبب المباشر للتدين السطحي ، وأصبحت العبادات كل العبادات لا تنهي عن الفحشاء والمنكر والبغي بل أصبحت الطريق إلي كل هذه الموبيقات على نحو ما أسلفنا البيان في الجزء الثاني من دراستنا.
وفي هذا الجزء سنتعرض لمعنى الإيمان ، ثم نجيب على سؤال طرحناه في الجزء الثاني ،إذا كان الاسلام بمعناه العقائدي هو التوحيد ، فما الفرق بينه وبين الإيمان؟
ونرى أنه من الأوفق أن نبدأ بتعريف الدكتور شحرور للإيمان كما فعلنا في الجزء الأول الذي بدأناه بتعريف الدكتور شحرور للإسلام ثم انتهينا إلي نقد هذا التعريف ، والسبب الذي يجعلنا نبدأ بتعريف الدكتور شحرور هو أنه أحقاقا للحق ، فإن كتاب الدكتور شحرور عن (الاسلام والإيمان) هو السبب المباشر لكتابتي هذه الدراسة ، وكذلك فمع عظيم تقديرنا وأحترامنا له كمفكر وباحث في دين الله ، فإن مقدماته التي ساقها لا تؤدي على الإطلاق للنتائج التي توصل إليها ، ذلك أن الأدلة التي أقتطعها من سياق باقي الأدلة لو عادت لمكانها مرة أخرى بين باقي الأدلة لوصلنا لنتائج مغايرة لما توصل إليه سيادته
جاء في تعريف الدكتور الكريم / محمد شحرور للإيمان أن قال ما نصه (ونفهم أن المسلم قد يكون مؤمناً وقد لا يكون، أي أن المؤمن بالله واليوم الآخر والعمل الصالح، قد يكون مؤمناً بالرسالة المحمدية وقد لا يكون، لكن لا بد للمؤمن من أن يكون مسلماً أولاً) ، وقال مانصه (أما نحن فنرى الإيمان إناءين، لا يحتمل كل منهما بذاته الزيادة أو النقص، وشاهدنا في ذلك الآية الخامسة، التي تشبه الكفر بالمرض والإيمان بالصحة، والصحة كالمرض لا تتجزأ ولا تزيد ولا تنقص. ونفهم من الآية الرابعة أن السكينة هي التنزيل الحكيم، وأن المؤمنين هم المؤمنون بالله واليوم الآخر والعمل الصالح الذين امتلأ إناؤهم الأول بهذا الإيمان، ثم نزلت هذه السكينة لتضيف (مع) إنائهم الأول إناء مترعاً آخر بإيمان آخر هو الإيمان بمحمد (ص) وكتابه) ، كما قال مانصه (هناك دين واحد عند الله هو الإسلام، بدأ بنوح (ع)، وتنامى متطوراً متراكماً على يد النذر والنبوّات والرسالات، إلى أن خُتم متكاملاً بالرسول الأعظم محمد (ص). والإسلام هو دين الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وهو منظومة المثل العليا، وهو العروة الوثقى، وهو الصراط المستقيم. الإسلام فطرة.. والإيمان تكليف. الإسلام يتقدم على الإيمان، إذ لا إيمان دون إسلام يسبقه يأتي قبله. المسلمون هم معظم أهل الأرض، وأما المؤمنون فهم أتباع محمد (ص). فإبراهيم (ع) أبو المسلمين، ومحمد (ص) أبو المؤمنين)
ونستخلص من ذلك أن الدكتور شحرور خالفنا في معنى الإسلام والإيمان أن جعل الإسلام واحد والإيمان إيمانان أو كما قال [إناءين] ، ومن راينا أن الإسلام إسلامين كما شرحنا والإيمان نوع واحد فقط – كما سيأتي بإذن الله –
الإيمان:
قال تعالى "قالت الاعراب امنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا اسلمنا ولما يدخل الايمان في قلوبكم وان تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من اعمالكم شيئا ان الله غفور رحيم" الحجرات14
في الواقع لقد وقفت كثيرا أمام هذه الآية الكريمة ، لأن الله سبحانه وتعالى نفى الإيمان عن الأعراب وأقر لهم بالإسلام ، مع أن الإسلام في أحد معناه العقائدي هو التوحيد ، لقوله تعالى"قلْْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (84) وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)"[سورة آل عمران] ، من الواضح في هذه الآية أن الله سبحانه وتعالى جعل الإيمان هنا مرادفا لكلمة (الإسلام) ولتوكيد المعنى أردف الآية 84 من آل عمران بالآية 85 تحمل حكما مفاده أن من يبتغي غير الإسلام – المذكور في الآية السابقة – دينا فلن يقبل منه وسيصبح في الآخرة من الخاسرين لا محالة.
إذا لماذا أعتبر سبحانه الأعراب مسلمين رغم أنهم غير مؤمنين؟
هنا يجب أن نعود لما قلناه من قبل أن لكل كلمة في القرآن (مدلول) واحد فقط لاغير ، ولكن لا يمنع كون لها مدلول واحد أن يكون لها أكثر من (معنى) شرعي وفقا لمكانها في سياق الدليل القرآني شرط أن يكون المعنى المستخرج مما يسمح به مدلول الكلمة ، بمعنى آخر أن يستغرق المدلول جميع المعاني التي تحتملها الكلمة.
وللدليل على ذلك ، ما أشرنا إليه في الجزء الأول من بحثنا عن مدلول كلمة (إسلام) أنها التسليم والانقياد دون شرط ، بمعنى أن من أسلم فقد سلم(بتشديد اللام) قياده متبعا لما أنزل الله ، ولكن معناها العام (العقائدي) هو التوحيد لقوله تعالى"انما امرت ان اعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء وامرت ان اكون من المسلمين" النمل91 ، ومعناه الخاص (التشريعي) هو التكليف الشرعي في كتاب القرآن كآخر دين لقوله تعالى"قل ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين(162) لا شريك له وبذلك امرت وانا اول المسلمين[الأنعام] ، ولكن المعنيين يشملهما المدلول الوحيد للكلمة وهو التسليم والانقياد ، فمن عبد الله سبحانه وآمن بأنه لا شريك له فقد سلم وأنقاد لهذا الإيمان ، ومن دخل دين الإسلام الخاتم ، وألتزم بالتكاليف أيضا سلم وأنقاد.
لذا لزم معرفة مدلول كلمة إيمان أولا ثم نعرج للبحث عن معناها
مدلول كلمة إيمان:
الايمان لغة من الأصل (أمن) وهو الطمئنينة والسكينة والركون مع الرضا ودليله قوله تعالى "وان كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة فان امن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن امانته وليتق الله ربه ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فانه اثم قلبه والله بما تعملون عليم"البقرة283 ، والأمن لا يرى ولا يحس ولكن يستشعر وهو من أعمال القلوب ، ومشتقاتها (أمان) وهو عدم الخوف من أي اعتداء ظاهر أو باطن ودليله قوله تعالى"ان الله يامركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها واذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل ان الله نعما يعظكم به ان الله كان سميعا بصيرا"النساء 58 ، و(أئتمان) وهو الاطمئنان على المال والملك في يد الغير ودليله قوله تعالى"ومن اهل الكتاب من ان تامنه بقنطار يؤده اليك ومنهم من ان تامنه بدينار لا يؤده اليك الا ما دمت عليه قائما ذلك بانهم قالوا ليس علينا في الاميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون" آل عمران75 ، و (أيمان) وهي الحلف على أشياء أطمئن قلبنا على حدوثها ، منها ما هو لغو والذي لم يصل حد الاطمئنان إلي درجة الإحكام والعقد ، كأن أحلف الأيمان على صديق ليأكل معي وأنا لا أعلم حالته ولكنني مطمئن إلي حالتي أنا من يسار ووجود للطعام ، وغير عالم بقدر سماح وقته وصحته ، ويكون ذلك من باب اللغو ، أما الأيمان في باب العقد التي تتعلق بمقدرتي وحدي وقد أطمئن قلبي على إمكانية حدوثها ، كأن أحلف على بيع ملك أو عتق أو طلاق ، ودليله من القرآن قوله تعالى"لا يؤاخذكم الله باللغو في ايمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان فكفارته اطعام عشرة مساكين من اوسط ما تطعمون اهليكم او كسوتهم او تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة ايام ذلك كفارة ايمانكم اذا حلفتم واحفظوا ايمانكم كذلك يبين الله لكم اياته لعلكم تشكرون" المائدة89.
و(إيمان) وهو ما وقر في القلب إقتناعا بشيء أو فكرة قائما على يقين لا يشوبه شك وعلم لا يشوبه جهل ودليله من القرآن عشرات الآيات على نحو ما سنوضح في بحثنا.
هذا هو المدلول اللغوي للكلمة ومشتقاتها ، ولكن لكي نعرف مدلول الكلمة من الناحية الشرعية يجب أن نعرف خصائص الموصوفين بها ، قال تعالى "ان الذين امنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من امن بالله واليوم الاخر وعمل صالحا فلهم اجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون"البقرة62 ، وقال تعالى"ان الذين امنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله اولئك يرجون رحمت الله والله غفور رحيم"البقرة218 ، وقال تعالى"ان الذين امنوا وعملوا الصالحات واقاموا الصلاة واتوا الزكاة لهم اجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون" البقرة277
يتبين من وصف المؤمنين ، أنهم كل من (آمن) بالله وهنا تعني (أعتقد) إعتقاد لايقبل الشك أو الريبة أن الله سبحانه مدبر الأمر حكيم ، و(آمن) باليوم الآخر ، أي أعتقد إعتقادا يقينيا أن هناك يوم القيامة وأنه يوم الحساب وأن الله سبحانه وتعالى خلق الجنة والنار وجعل الأولى للمحسن والثانية للمسيئ ، وعمل صالحا لأن (اليقين) هو قاعدة العمل ، فلا يقين بدون عمل ، وقال عنهم الله (يرجون) رحمة الله ، أي أن يقينهم أن الله سبحانه وتعالى الذي آمنوا به هو الذي يرحم وهو الذي يعاقب ، ولكنهم مشفقون من عقابه ، لذا فإنهم يرجون رحمته.
نخلص من ذلك أن مدلول كلمة (الإيمان) هو الاعتقاد واليقين والجزم الذي لا يقبل الشك أو الريبة أو غالب الاحتمال ، وعليه فإن الإيمان يكون من عمل القلوب ، وليس من عمل الجوارح ، وهذا المدلول الشرعي يتفق والمدلول اللغوي للكلمة وأصلها ومشتقاتها
معنى الإيمان:
يقول الحق سبحانه وتعالى"قولوا امنا بالله وما انزل الينا وما انزل الى ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب والاسباط وما اوتي موسى وعيسى وما اوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين احد منهم ونحن له مسلمون" البقرة136
ويقول الحق سبحانه وتعالى " امن الرسول بما انزل اليه من ربه والمؤمنون كل امن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين احد من رسله وقالوا سمعنا واطعنا غفرانك ربنا واليك المصير" البقرة285
ويقول الحق سبحانه وتعالى"إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً (150) أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا (151) وَالَّذِينَ آمَنُواْ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُواْ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ أُوْلَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (152)[النساء]
إذا الإيمان هو (الإعتقاد إعتقادا جازما لا يقبل الشك أو غالب الظن في الله سبحانه وتعالى ، ثم في وجود ملائكته ، وفي إرسال كتبه ورسالاته وفي بعث أنبياءه مقترنا بالسمع والطاعة وطلب الغفران)
وقبل أن نناقش هذا المعنى ، نضع أيدينا على نفحتين من عند الله في الآية285 البقرة ، على النحو التالي
النفحة الأولي: في قوله (لانفرق بين احد من رسله) ، لأن التفريق يعني اليقين ببعضهم والشك في بعضهم ، ولما كان المطلوب منا في باب الإيمان هو اليقين والاعتقاد الذي لا يقبل الشك ، فإن التفريق بين الرسل في الإيمان ببعضهم والكفر ببعضهم ، يعني الشك في قدرة (المرسل) – بضم أوله وكسر ما قبل آخره – وهو غير مقبول إيمانيا ، لأنه يخرج من محيط الجزم إلي هاوية الشك السحيقة.
النفحة الثانية: في قوله (سمعنا وأطعنا) سبحان الله الذي يفتح بمفاتيح غيوبه عقول تاهت وقلوب إحتارت ، فيبين لهم الحق ويعلمهم ما لم يكونوا يعلمون.
سمعنا و اطعنا: والسمع أحد الحواس الخمسة ، بل هو أهمها لأنه الدليل على وصول الدليل وإقامة الحجة يقول تعالى"واني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا اصابعهم في اذانهم واستغشوا ثيابهم واصروا واستكبروا استكبارا" نوح7 ، إذا السمع دليل العلم ، أي عندما يقولون (سمعنا) أي علمنا ووعينا وفهمنا ، علما لا جهل فيه ووعيا لا نقص فيه وفهما لا تداخل فيه ، وعندما نصل إلي هذه المرحلة فإننا نطيع بقولهم (اطعنا) ولكنها طاعة ليست كطاعة الجاهل التي تقف عند باب التسليم ، ولكنها طاعة تخطت باب التسليم الضيق لتصل لساحة الاعتقاد الرحبة ، طاعة قامت على قدمين ووقفت بدعامتين ، قدم التسليم وقدم اليقين ، دعامة الانقياد ودعامة الاعتقاد.
فإذا ما تمكنت هذه الحالة من المؤمن (التسليم واليقين) فإن أول ما يسعى اليه هو مرضاة رب العالمين وطلب المغفرة (تسليم) واليه المصير(يقين)
إذا لا يتفق الجهل والايمان ، ولنتدبر قوله تعالى
"هو الذي انزل عليك الكتاب منه ايات محكمات هن ام الكتاب واخر متشابهات فاما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تاويله وما يعلم تاويله الا الله والراسخون في العلم يقولون امنا به كل من عند ربنا وما يذكر الا اولوا الالباب" آل عمران7
"شهد الله انه لا اله الا هو والملائكة واولوا العلم قائما بالقسط لا اله الا هو العزيز الحكيم" آل عمران18
"لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما انزل اليك وما انزل من قبلك والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة والمؤمنون بالله واليوم الاخر اولئك سنؤتيهم اجرا عظيما"النساء162
"ثم يوم القيامة يخزيهم ويقول اين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم قال الذين اوتوا العلم ان الخزي اليوم والسوء على الكافرين"النحل27
"قل امنوا به او لا تؤمنوا ان الذين اوتوا العلم من قبله اذا يتلى عليهم يخرون للاذقان سجدا"الاسراء107
"وليعلم الذين اوتوا العلم انه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم وان الله لهاد الذين امنوا الى صراط مستقيم"الحج54
"فلما جاءت قيل اهكذا عرشك قالت كانه هو واوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين"النمل42
"وقال الذين اوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن امن وعمل صالحا ولا يلقاها الا الصابرون"القصص80
"بل هو ايات بينات في صدور الذين اوتوا العلم وما يجحد باياتنا الا الظالمون"العنكبوت49
"وقال الذين اوتوا العلم والايمان لقد لبثتم في كتاب الله الى يوم البعث فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون" الروم56
"ويرى الذين اوتوا العلم الذي انزل اليك من ربك هو الحق ويهدي الى صراط العزيز الحميد"سبأ6
"...انما يخشى الله من عباده العلماء ان الله عزيز غفور"فاطر28
"يا ايها الذين امنوا اذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم واذا قيل انشزوا فانشزوا يرفع الله الذين امنوا منكم والذين اوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير"المجادلة11
أعتذر للقارئ على استدلالي بثلاثة عشر آية كاملة من كتاب الله ، ولكن أردت أن أوضح لكم ، كيف أن الإيمان والعلم صنوان لا ينفصمان ، فكل مؤمن متعلم ، وليس كل متعلم مؤمن ، لأن الإيمان أعتقاد ويقين ، واليقين لا يكون على عاقدة من الجهل بل أن اليقين هو العلم الواضح الجلي ، وإلا لو شاب العلم شكا لا يرقى لمرتبة اليقين.
فالايمان هو اليقين واليقين هو العلم الذي لا يداخله شك أو ابهام ، إذا الإيمان هو العلم ، لذلك عندما قالت الأعراب أمنا – ظنا منهم أنهم عندما ينقادون ويسلمون للرسول عليه السلام – يكونون مؤمنين ، ولكن الله سبحانه وتعالى رد عليهم قولهم وايمانهم ، لأن أيمان الأعراب لم يتخطى باب التسليم لجهلهم بمعنى الإيمان ، وقال سبحانه لرسوله (قل لم تؤمنوا ولكن قولوا اسلمنا ولما يدخل الايمان في قلوبكم) ، فالانقياد بلا علم (تسليم) يقف بصاحبه على باب الإسلام ، والانقياد مقترن بالعلم (يقين) يدخل بصاحبة في باحة الإيمان.
فالإيمان معين واحد وليس اناءين ، أساسه اليقين الذي لا يأتيه باطل والعلم الذي لا يشوبه جهل بالله وأنه سبحانه خلق الملائكة ، وأنزل الكتب وأرسل الرسل والكل يدور في فلك التوحيد ، والذي هو دين الإسلام الذي أرتضاه رب العالمين كدين وحيد لمن يفوز في الآخرة ومن يبتغي غيره فهو من الخاسرين
هل يزيد الإيمان وينقص؟
وفي الاجابة على سؤال هل يزيد الإيمان وينقص ، يجب أن نشير لنوع من الإيمان ، هو ليس نوع جديد من الإيمان ولكنه أحد الأدلة الظاهرة على حالة الإيمان الحقيقي واليقين والعلم ، وهو (أيمان القتال)
أيمان العزم والتصميم (أيمان القتال)
• قال الحق سبحانه وتعالى" الذين قال لهم الناس ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم ايمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل"آل عمران173 ، وقال عز من قائل" ولما راى المؤمنون الاحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم الا ايمانا وتسليما" الأحزاب 22 ، وقال تعالى" هو الذي انزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا ايمانا مع ايمانهم ولله جنود السماوات والارض وكان الله عليما حكيما" الفتح4
• المتدبر لهذه الآيايات الكريمة يظن من الوهلة الأولى أن الإيمان يزيد وينقص ، ذلك لأن الله سبحانه وتعالى قال (زادهم ايمانا) ثم حصر الزيادة في الآية الثانية (بما ... وإلا) على الإيمان والتسليم ، ثم أقر بالزيادة بقوله ليزدادوا إيمانا ، ولكن المراجع لسياق النص يجد أن الآيات في باب القتال الدفاعي عن الدين ، ففي الأولى قال لهم الناس ان الناس قد جمعوا لكم ، ولما كان المؤمنون أقل عدد وعدة فقد بادروا بحسبنا الله ونعم الوكيل ، وازدادوا إيمانا أي تصميما على القتال وعزما على حسن البلاء ، لأنه ذلك هو تطبيق عملي وإختبار ليقينهم أن الله سبحانه وتعالى يدبر الأمر وأن كل شيء بيديه والنصر من عنده ، ولصدق إيمانهم بذلك قالوا (حسبنا الله ونعم الوكيل) ، وكذلك في الآية الثانية ، فإنهم أي المومنون رآو الأحزاب رأي العين وقد اجتمعوا من كل حدب وصوب ، ليقاتلوهم ، فعلموا أن وعد الله حق الذي قال لهم (ان تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) وقال لهم (ولا تهنوا ولا تحزنوا وانتم الاعلون ان كنتم مؤمنين) ، فبادروا بقولهم ذلك ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله ، وما زادهم إلا إيمان بالله أي إصرار على المضي قدما في طريق الله ، وتسليم للرسول بحرب الكفار تحت لواءه مهما كانت النتائج ، وفي الآية الثالثة نجد أن الله قال (ليزدادوا ايمانا مع ايمانهم) ولم يقل (على إيمانهم) أو (يزيد إيمانهم) ولكن قال (((مع))) أي أن الإيمان الأصلي كما هو لم تعتريه الزيادة أو النقصان ، أما هذا النوع من الإيمان الذي يظهر ساعة الحرب وفي ساحة الوغى فهو نوع من الربط على القلوب فلا تولي الأدبار ، إذا هو زيادة عزم وتصميم وليس يقين ، إذا الآيات التي تتكلم عن زيادة الإيمان لا يأخذ منها حكم شرعي بأن الإيمان يزيد ، لأنها لم تأتي في باب العمل بالاحكام الشرعية ، أو الاعتقاد في الأمور الغيبية ، ولكنها جائت في باب الحرب والقتال.
• إذا هو نوع من الإيمان إذا صح التعبير يظهر ويتجلي ساعة الحرب ، فمن عزم على القتال ، فقد إزداد إيمان (مع) إيمانه ، أي إزداد عزم وتصميم نابع من باب اليقين ، ويقابله الهروب من ميدان القتال وتولية الأدبار ، لقوله تعالى" يا ايها الذين امنوا اذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الادبار(15) ومن يولهم يومئذ دبره الا متحرفا لقتال او متحيزا الى فئة فقد باء بغضب من الله وماواه جهنم وبئس المصير(16)[سورة الأنفال] ، وهنا الهروب من المعركة يساوي الجبن المرتبط بعدم التصديق فيهوى بالانسان من قمة الإيمان إلي هوة الكفر ، أو الانحياز لفئة الكفار ضد فئة المؤمنين فيصبح كفرا وفي الحالتين مأواه جهنم وبئس المصير
• كما أنه إذا قلنا أن الإيمان يزيد ، فيجب أن نعترف أنه ينقص ، ولكن الله لم يخبرنا بنقص الإيمان بل برده ، قال تعالى" ود كثير من اهل الكتاب لو يردونكم من بعد ايمانكم كفارا حسدا من عند انفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى ياتي الله بامره ان الله على كل شيء قدير" البقرة109 ، وقال تعالى" يا ايها الذين امنوا ان تطيعوا فريقا من الذين اوتوا الكتاب يردوكم بعد ايمانكم كافرين"آل عمران100 ، فالايمان لا ينقص ولكن يرد بالكلية ، ورد الإيمان كفر ولنتدبر قوله تعالى" كيف يهدي الله قوما كفروا بعد ايمانهم وشهدوا ان الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين" آل عمران86
• ثم أن الكفار أيضا لهم إيمان ولكنهم لن ينفعهم هذا الإيمان لأنهم تلبسوه بظلم أي (بشرك) ، ولنتدبر قوله تعالى" الذين امنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم اولئك لهم الامن وهم مهتدون"الأنعام82 ، والظلم هو الشرك مصداقا لقوله تعالى" واذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله ان الشرك لظلم عظيم" لقمان 13 ، وقال تعالى" فلم يك ينفعهم ايمانهم لما راوا باسنا سنت الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون" غافر85 ، السلف على تفسير هذه الآية أن ألإيمان المتأخر وقت الموت لا ينفع ، وهذا حق لقوله تعالى" إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (17) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (18)[سورة النساء] ، ولكن الآية تنسب الإيمان لم رأوا بأس الله والعياذ بالله ، فقال سبحانه (ايمانهم) ، ولو أتفقنا مع من قال أن الإيمان (نشأ) وقت معاينة العذاب ، فإن الآية أيضا تحتمل وجود الإيمان لديهم أبتداءا قبل العذاب ولكنه إيمان ناقص تلبسوه بظلم أي بشرك فلم يقبل منهم ، وهنا نحتاج لوقفه لتفسير قوله تعالى"يا أيها الذين آمنوا أمنوا... الآية"
• قال تعالى" يا ايها الذين امنوا امنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي انزل من قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر فقد ضل ضلالا بعيدا" النساء 136 ، وعندي أن هذه الآية قد نزلت في كفار أهل الكتاب ، الذين آمنوا بموسى أو بعيسى عليهما السلام أو بكليهما ، ولكنهما لم يؤمنوا بمحمد عليه السلام ، فأصبح إيمانهم مردود عليهم ، لأن الكفر بأحد رسل الله هو كفر تام بالله ، لأنه ضد اليقين بقدرة الله على إرساله ، وملائكته لأن الله سبحانه أنزله على قلب نبيه بأمره لجبريل أن يفعل ففعل ، وكفر بكتبه لأن الكتب السماوية سلسلة ذهبية تدعوا كلها لرب واحد ومعبود واحد نقض أحد هذه الكتب كفر بالكتب جميعا ، وما يسري على كتبه يسري على رسله لأن كل رسول بشر بمن بعده كما ذكر في القرآن ، وفي النهاية هو كفر بيوم الحساب اليوم الآخر لأنه يظن أن كفره برسول واحد أو رساله واحده لن يؤثر في دخوله الجنة ، وهو مناقض لمعنى الإسلام الذي هو التسليم والاتباع دون قيد أو شرط ، ولنتدبر قوله تعالى" قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا ايمانهم ولا هم ينظرون" السجده29 ، ويمكن تدبر هذه الآية أن يوم (الفتح) هو يوم القيامة لقوله سبحانه وتعالى" قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم" سبأ26 ، لا ينفع الذين كفروا (بمحمد عليه السلام) وبالقرآن الكريم ، وبملة الاسلام ، إيمانهم بما عداه من رسل عليهم وعليه السلام ، وما دونه من كتب منزله ، ثم أنهم لا ينظرون ولا يمهلون وقتا أضافيا يرجعون فيه ليؤمنوا بما كفروا به إبتداءا وسيكون مثواهم هو مثوى المكذبين ، والله تعالى أعلم.
نخلص من ذلك أن الإيمان لا يزيد بالطاعات ولا ينقص بالمعاصي ، وهو ما عليه الجمهور وقد وافقهم الكثير ممن يأخذون بالقرآن مصدرا وحيدا للتشريع على ما فهموا من ظاهر الآيات ، ولكن كما نقول أن آيات القرآن لا تفسر بمعزل عن باقي الآيات ، ولكنها تفسر مكتملة لنصل للمعنى الحقيقي ومراد رب العالمين ، فالايمان لا يزيد ولا ينقص لأنه من عمل القلوب والقلب يتأرجح بين اليقين وبين الشك ، ففي حالة الشك فهو مازال في الكفر أما في حالة اليقين فقد خرج من الكفر للإيمان ، فلو قلت لك عندنا عاصفة ، فكلامي جملة خبرية تحتمل لديك الشك واليقين أو الكذب والصدق ، فلو عاينت آثارهذه العاصفة أنتقل الكلام من التكذيب (الشك) إلي التصديق (اليقين) الذي هو الإيمان ، ولا مرحلة وسطى ، لأن الشك ليس مرحلة وسطى ولكنه درجة من درجات التكذيب ، لذلك يقول الله سبحانه وتعالى" ان في خلق السماوات والارض واختلاف الليل والنهار لايات لاولي الالباب(190) الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والارض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار(191) [سورة آل عمران] ، أي أن الله يأمرنا أن نتفكر لأن التفكر هو الذ سينقلنا من حالة الشك إلي حالة اليقين ، فلو وصلنا لحالة اليقين ، المرتبط بالعلم الجزمي الذي لا جهل فيه فنحن على الإيمان.
أما العمل الصالح فهو وظيفة الأركان لبيان ما في القلوب من اعتقاد ويقين ، فالعمل الصالح لا يزيد الإيمان ولا ينقصه ولا يعدوا كونه دليلا عليه وإشارة إليه ، ثم أن الإيمان بلا عمل صالح هو يقين بلا تسليم ، والتسليم هو الإسلام بمعناه العام ، والاسلام هو معيار القبول يوم القيامة لقوله سبحانه وتعالى" ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الاخرة من الخاسرين" آل عمران 85 ،
لذلك نرى ان الله قرن الإيمان بالعمل الصالح في كثير من آياته ومنها قوله " ان الذين امنوا وعملوا الصالحات واقاموا الصلاة واتوا الزكاة لهم اجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون"البقرة277 ، هنا بين الله أن الجنة يدخلها من آمن وعمل صالحا أي من تيقن وأذعن ، اليقين والإذعان هو الإيمان والإسلام ، أو بالتعبير القرآني الفريد (الإيمان والعمل الصالح)
ونخلص أننا أمام الحالات الآتية
1- يقين قائم على علم لا يعتريه جهل مرتبط بتسليم وإذعان وانقياد هو المؤمن المسلم ، وهو من أصحاب الدرجات العلى في الجنة بمشيئة رب العالمين
2- يقين بجهل ، مع تسليم وأنقياد وهو إسلام يدخل صاحبه الجنة بمشيئة رب العالمين ، ولكنه أقل درجة من حالة الإيمان المقترن بالإسلام
3- يقين لا يرتبط بعمل ، وهو إيمان ليس فيه إسلام ، ولم يتخطى عمل القلوب لعمل الجوارح والأركان ، وهو إيمان مردود غير مقبول ، وأمر صاحبه لرب العالمين.
4- شك ، ولكن مقترن بعمل صالح وتسليم وهو من قال فيه رب العزة والذين كفروا اعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمان ماء حتى اذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب" النور 39 ، ويستوي الشك الجزئي (الكفر التام) والجزئي (الكفر الناقص) أو (الشرك).
5- شك بدون عمل صالح وصد عن سبيل الله وهو إجرام وهم ممن قال فيهم رب العزة " فمن اظلم ممن افترى على الله كذبا او كذب باياته انه لا يفلح المجرمون"يونس17
ومن لطائف رحمة رب العالمين أن جعل المقارنة بين المجرمين والمسلمين وليست بينهم وبين المؤمنين بقوله سبحانه وتعالى" افنجعل المسلمين كالمجرمين(35) ما لكم كيف تحكمون(36) [سورة القلم] ، لأن المجرم عكس المسالم وإن لم يسلم (بتشديد اللام) ، بل هو الذي أصر على الحرب والعدوان ، فلو وقف الكافر عند باب كفره دون الدعوة اليه المقترنة بتسفيه المؤمنين وتحقيرهم وازدرائهم ، والتعريض بهم ، فهو ممن قال فيهم رب العزة " الا الذين يصلون الى قوم بينكم وبينهم ميثاق او جاؤوكم حصرت صدورهم ان يقاتلوكم او يقاتلوا قومهم ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم فان اعتزلوكم فلم يقاتلوكم والقوا اليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا" النساء 90 ، وقال فيهم " لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم ان تبروهم وتقسطوا اليهم ان الله يحب المقسطين" الممتحنة8 ، أما من تعرض منهم للمسلمين بالقتال أو حتى بالاستهزاء والسخرية فقد قال فيهم رب العزة سبحانه وتعالى" إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (30) وَإِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُواْ فَكِهِينَ (31) وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاء لَضَالُّونَ (32) وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ (33) فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34) عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ (35) هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36)[سورة المطففين]
ونأتي للإجابة على سؤال: إذا كان الاسلام بمعناه العقائدي هو التوحيد ، فما الفرق بينه وبين الإيمان؟
نقول وبالله التوفيق أن الإسلام بمعناه العقائدي هو التوحيد المرتبط بالتسليم.
والإيمان أول شروطه يجب أن يكون بالله ، والايمان بالله هو التوحيد الذي هو اليقين بأن الكون كله له خالق واحد وهذا الخالق هو المتفرد بتدبير الأمر وتسير الكون وفقا لمشيئته ، لا يشاركه أحد في ذلك ، ومن صفاته القدرة والكمال والخلق والابداع ، لا يحتاج لمخلوقاته وكلهم له محتاجين ، أبدي سرمدي لا تدركه الأبصار والحواس وهو يدركها ، لا يحاط به وهو المحيط ، عالم عليم ، رحمن رحيم ، منتقم جبار ، مالك الملك ذو الجلال والإكرام ، لا يعتريه نقص ولا تأخذه سنة ولا نوم ، وهذا الخالق الجامع لصفات جمال الكمال تنزيها وتعظيما ، هو وحده المستحق للعبادة إستحقاق إجلالا وكمالا ، فلا تصرف عبادة إلا له ، نحبه تقديسا ونخافه رهبة وجلالا ، ونرجوه رغبة وتسبيحا ، نؤمن بقضاءه فينا وندعوه أن يرأف بنا فيما جرت به مقاديره ، نعمل ليوم لقاءه ونتقيه حق تقاته يقينا وإيمانا ، كما نتقيه ما أستطعنا عملا وإحسانا
فيكون الاسلام بمعناه العقائدي مرادف لجزء من الإيمان وهو (الايمان بالله) ، لأن الإيمان بالله يجب أن يقوم على قاعدة التوحيد والتزيه لا الشرك والتشبيه كما أسلفنا القول
الايمان العام والايمان الخاص
الايمان العام هو الايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ودليله من القرآن قوله تعالى "امن الرسول بما انزل اليه من ربه والمؤمنون كل امن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين احد من رسله وقالوا سمعنا واطعنا غفرانك ربنا واليك المصير" البقرة 285 ، والايمان الخاص هو الإيمان برسالة ما في زمن معين مصداقا لقوله تعالى "كتاب انزل اليك فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين" الأعراف2 ، وقوله تعالى"ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب ارني انظر اليك قال لن تراني ولكن انظر الى الجبل فان استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما افاق قال سبحانك تبت اليك وانا اول المؤمنين" الأعراف 143 ، وقوله تعالى"قالوا يا هود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي الهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين" هود 53 ، وأخيرا قوله تعالى" انا نطمع ان يغفر لنا ربنا خطايانا ان كنا اول المؤمنين" الشعراء 51
من كل هذه الآيات نتبين معنى الإيمان الخاص وهو الإيمان برسالة ما في زمن معين ، فرسول الله محمد عليه السلام أنزل إليه الكتاب لينذر به ، فمن تذكر فهو من المؤمنين بهذا الكتاب ، وهذا هود عليه السلام ينذر قومه فيقولون له (وما نحن لك بمؤمنين) ، وهؤلاء سحرة فرعون يعلنون إيمانهم بما جاء به موسى عليه السلام بل يؤكدون أنهم (أول المؤمنين) – طبعا بدين موسى عليه السلام – وأيضا يمكن الإيمان بفكرة ما ، كإيمان موسى بأنه يستحيل أن يرى ربه ، فموسى كان يكلم الله ويكلمه الله ، فظن في نفسه أنه أقرب إنسان فرصة وأوفر الناس حظا لرؤية رب العالمين ، فقال (ارني أنظر إليك) ، ولكن الله سبحانه وتعالى قرر له حقيقة وعقيدة أنه لا يمكن لأحد أن يراه ، فلما أصبح الجبل دكا وخر موسى صعقا ثم أفاق ، ماذا قال ؟ ، قال سبحانك (تنزيها لرب العالمين أن تراه عين مخلوق أو يحيط به بصره) ، تبت إليك (من عقيدة فاسدة كنت أظن بها أنه يمكنني رأيتك والنظر إليك) ، وأنا أول المؤمنين (بإستحالة حدوث الرؤية).
وهنا تتجلى لنا حقيقة الفرق الجوهري بين الإيمان والإسلام ، لأن الإسلام تسليم وإذعان على العموم ، أما الإيمان يقين وإقرار على الخصوص ، حتى في المعنى العام للإيمان ، فإنه تقترن به أداة الجر (بـ) (بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الأخر).
لذلك فمن الطبيعي أن يكون الإسلام نصيب الجوارح والأركان ، لأنه التسليم والأذعان بوحدانية الله في معناه العقائدي ، وتسليم وإذعان للأوامر الربانية الواردة في الآيات القرآنية بمعناه التشريعي ، أما الإيمان فهو نصيب القلب من الاعتقاد واليقين والجزم .
ونقف عند هذا الحد في هذا الجزء ، ونتعرض في الجزء القادم لمفهوم نواقض الإسلام ونواقض الإيمان ، مع تحديد معاني الكفر والشرك
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شريف هادي