الفدية فى القرآن الكريم .
بسم الله الرحمن الرحيم .
فى بحثه التاصيلى عن صيام رمضان فى القرآن الكريم الذى أعده تحت عنوان (صيام رمضان بين الاسلام والفقه السنى (1 ) طرح الأستاذ الدكتور – أحمد صبحى منصور – رأياً فقهياً جديداًجاء فيه ، من كان يطيق الصوم ـ أى يقدر عليه ـ ولكن شاء الفطر فعليه أن يدفع فدية (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ).فالذى لا يستطيع الصوم يمكنه الافطار ودفع الفدية ، فاذا تطوع المفطر فى رمضان بزيادة الفدية فهوو خير له ، ولو كان يستطيع الصوم ولكن بمشقة بالغة ولكنه تطوع بقبول مشقة الصوم فهو خير له ، وفى الصوم فائدة على كل حال (وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُم إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ). فتباينت ردود الأفعال الإجتهادية حوله ،ما بين موافق ,و متحفظ ، ورافض للرأى المطروح ، وما بين آتٍ برأى جديد حول مفهوم الفدية فى الآية الكريمة (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ)، وقال عنها أنها تعنى زكاة الفطر ...وقد زاد الأستاذ الدكتور – منصور – إيضاحاً لرأيه راداً على الإستفسارات التى طرحت حوله فى الرد الذى طرحه تحت عنوان رمضان بين الاسلام والفقه السّنى -2-( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ
إلا أن الرأى القائل بانها تتحدث عن زكاة الفطر مازال يطرح وجة نظره وبقوة حتى قال أو بمعنى أصح وأخطر (إذن حسب منظوري و فهمي لهذه الجملة (على الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ) فإنها تشرعن لنا صدقة الفطر و لا علاقة لها بترخيص الافطار..
ورغم أنى لم اتفق مع هذا الرأى منذ أن طٌرح ،إلا أننى و للإنصاف عَدت للقرآن الكريم لأتتبع وأتبع أيات الفدية فى القرآن الكريم .وقبل أن أبدأ بحثت عن مفهوم الفدية فى القاموس المحيط لنرى هل جاء متوافقاً مع مفهومها فى القرآن الكريم أم مختلفاً عنه .فكان التعريف اللغوى للفدية كالتالى .
فدى وفدى فداء استنقذه بمال أو غيره فخلصه مما كان فيه يقال فداه بماله وفداه بنفسه فهو فاد ( ج ) فداة والمستنقذ مفدي
( فاداه ) مفاداة وفداء دفع فديته وقبل فديته وحرره والأسرى عنده حررهم مقابل تحرير مثلهم من الأسرى عند عدوه
( افتدى ) قدم الفدية عن نفسه وفي التنزيل العزيز ) لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به ( ويقال افتدى منه بكذا تحاماه به والأسير فداه
( الفداء ) ما يقدم من مال ونحوه لتخليص المفدي وما يقدم لله جزاء لتقصير في عبادة ككفارة الصوم والحلق ولبس المخيط في الإحرام والأضحية
-------الفدية أو الكفارة هي تصرف أوجبه الشرع الإسلامي لمحو ذنب معين أكد الشرع على
اجتنابه, وتكون الكفارة بالصيام أو الإعتاق أو إطعام المساكين وغير ذلك.
أما الفدية فى القرآن الكريم فجاءت على النحو التالى فى الأيات القرآنية التالية :
فقد جاءت فى الحديث عن فداء نبى الله إسماعيل
فى قوله تعالى (وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ [الصافات : 107]
وفى الحديث عن فدية بعض أعذار مناسك الحج
يقول القرآن الكريم (وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [البقرة : 196]
وفى الحديث عن فداء الأسرى
جاء قول ربنا سبحانه (ثُمَّ أَنتُمْ هَـؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [البقرة : 85
وقوله تعالى (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ [محمد : 4]
وفى الحديث عن الفدية فى موضوعات الطلاق يقول العزيز الحكيم (الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [البقرة : 229]
وفى الحديث عن أمنية الذين ظلموا بأداء الفدية خلاصاً من العذاب يوم القيامة ورد المولى عز وجل علهم يقول القرآن الكريم (لِلَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ أُوْلَـئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ [الرعد : 18]
وقوله تعالى (وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِن سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ [الزمر : 47]
وقوله سبحانه (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ [آل عمران : 91]
وقوله تعالى (ِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُواْ بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [المائدة : 36]
(ويقول ربنا سبحانه وتعالى (فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [الحديد : 15]
فهل جاءت الفدية بمعنى مختلفاً عما جاءت به فى الأيات القرآنية السابقة ؟؟ لنرى ،يقول ربنا سبحانه (أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) [البقرة : 184] .
..بالتأكيد لا و ألف لا . لم يختلف مفهوم الفدية فى هذه الآية الكريمة عما سبقها من أيات كريمات .... فالفدية فى كل الآيات القرآنية الكريمة جاءت بمفهوم ،،الفدية أو الكفارة هي تصرف أوجبه الشرع الإسلامي لمحو ذنب معين أكد الشرع على اجتنابه....هذا من ناحية ومن ناحية آخرى .
فإن كل الأيات القرآنية المتحدثة عن الزكاة أو الإيتاء المادى أو الإنفاق التشريعى للحق المعلوم (أى الزكاة الرسمية لدى المسلمين ) لا دخل للفدية فيها لا من قريب ولا من بعيد ، بل وايضا لا يوجد تشريع خاصاً يعرف بزكاة الفطر ،وإنما الزكاة والإنفاق والإيتاء المادى للفقراء مرتبط بالربح الآنى والوقتى ، أى أن الزكاة عملية مستمرة غير مرتبطة بمناسبة ما ،وإنما مرتبطة بالربح والدخل فقط فى أى وقت وفى أى يوم وفى أى مكان تعيش فيه ،ويصرف لفقراء أى مجتمع تعيش فيه بغض النظر عن دينه .
إذن فإن الرأى القائل بأن فدية الصيام يعتبر دليلا ً على زكاة الفطر .لم يكن موفقاً ،ولم يأتى موافقا لمواصفات حقائق القرآن الكريم الآخرى .. ولذلك فإنى أرفضه تماما ً ،وأوصى إخوانى من الكتاب وباحثى الموقع المبارك أن يتحلوا بالصبر قبل نشر إجتهاداتهم وأبحاثهم إلى أن يعرضوها على مواصفات القرآن الكريم الأآخرى فإن وافقتها فلينشروها ، وإن إختلفت معها فليعيدوا إجتهادهم مرة آخرى بل ومرات أٌخر ،فإن إختلف معها مرة آخرى فليوقنوا ان بحثهم خاطىء وليتخلصوا منه سريعا لكى لا يصبح عبئا على تركيزهم العقلى ،وليحتكموا إلى ما جاء فى القرآن الكريم وليتبعوه ـوليعلوه فوق أرائهم مهما كانت .....وشكرا لكم على سعة صدركم ...