حين أدى اليمين الدستورية رئيسًا لسوريا في 17 يوليو (تموز) عام 2000، بعد وفاة والده حافظ الأسد، لم يتبادر إلى ذهن الكثيرين أن بشار الأسد، هذا الشاب اليافع طويل القامة سيظل في السلطة سنوات عدة، نظرًا لأنه كان بعيدًا كلّ البعد عن دائرة الحكم قبل وفاته أخيه، تولى بشار الأسد منصبه وهو يبلغ 34 عامًا، بعد أن تم تعديل الدستور خصيصى لتمكينه من تولي منصب الرئاسة، بحيث تم تعديل الفقرة الثالثة من المادة 83 المتعلقة بتخفيض سنّ الترشح من 40 سنة إلى 34 وهو عُمر بشار آنذاك في سابقة هي الأولى لتوريث السلطة في دولة من الدول المفترض أنها ذات نظام جمهوري في المنطقة.
الجميع في سوريا كان يعلم أن خليفة الأب حافظ الأسد هو الشقيق الأكبر لبشار، باسل الأسد، نظرًا لعمل دائرة الحكم في سوريا على تجهيزه وإعداده لتولي منصب الرئيس ولكن وفاته الغامضة في حادث سير قرب مطار دمشق الدولي عام 1994 كانت نقطة تحول دفة الخلافة لصالح طبيب العيون بشار، الذي تم استدعاؤه على وجه السرعة من لندن حيث كان يعمل طبيبًا بمستشفى ويسترن آي. وها قد مرت 17 سنة على مراسم تسلمه السلطة، وفي هذا التقرير نعرض أبرز ما ميّز حكم بشار الأسد طيلة فترة رئاسته.
بشار الأسد يسحق ربيع دمشق
اتسمت بداية عهد بشار الأسد بالحكم في سوريا بما وصفه البعض بالهدوء والتأني، وهذا انعكاس لما ألمح إليه الأخير في خطاب تنصيبه ببدء عهد جديد من الانفتاح والإصلاح، تلك التلميحات التي تضمنها خطاب بشار الأسد دفعت شخصيات معارضة وجبهات الانفتاح بموافقة السلطات إلى عقد حلقات نقاش واجتماعات لنقد النظام والعمل على الرفع من الحرّيات في تطور لم يسبق له نظير، مما دفع البعض إلى تسمية المرحلة بـ«ربيع دمشق» نظرًا لانفتاحها. الوضع الديمقراطي والانفتاحي المفاجئ من الأسد ذاك لم يدم سوى عدة أشهر حتى عاد الواقع لما كان عليه في السابق، فقد تم منع انعقاد الاجتماعات وتم اعتقال المعارضين والزج بهم في السجون لعدة سنوات.
بالعودة إلى التفاصيل، اندلعت شرارة ربيع دمشق بوفاة الأب حافظ الأسد في العاشر من يونيو (حزيران) 2000، ليخلفه ابنه بشار الأسد في الرئاسة، موازاةً مع ذلك، بدأ نشاط المعارضة يخرج للعلن بعد سنوات من السريّة والعمل في خوف، بدأ العمل على يد عدد من المثقفين في دمشق أبرزهم ميشيل كيلو ورياض سيف، الذين عملوا على إنشاء المنتديات السياسية غير الرسمية في محاولة لتشجيع السوريين على فتح النقاش بخصوص القضايا السياسية وقضايا المجتمع المدني والإصلاحات. عملت هذه المنتديات، والتي كان أشهرها منتدى للحوار الوطني الذي أنشأه رياض سيف، ومنتدى جمال الأتاسي الذي أنشأته سهير الأتاسي، إلى جانب تشكيل لجان إحياء المجتمع المدني في سوريا، على إظهار الإصلاح في المجالين السياسي والقضائي على أنّه مطلب شعبي عاجل.
أُعلنت هذه المطالب رسميًا أولًا في بيان وقع عليه 99 شخصية سورية عرف ببيان الـ99 في سبتمبر (أيلول) عام 2000، طالبوا فيه إدارة الأسد بإنهاء العمل بقانون الطوارئ والعفو عن السجناء السياسيين والسماح للمبعدين والمنفيين بالعودة للبلاد والحماية القانونية لحرية التعبير وحرية التجمع، ليضيف المعارضون بيانًا ثانيًا أسموه ببيان الـ1000 في (كانون الثاني) يناير 2001، وكان أكثر تفصيلًا من البيان السابق له، بحيث عمل على انتقاد حكم الحزب الواحد الخاص بحزب البعث ودعا إلى الديمقراطية والتعددية الحزبية مع وجود قضاء مستقل ودون تمييز ضد المرأة.
رغم عدم اعتراف الأسد بمطالب الحركة، إلا أنّه عمل على حلّ بعض مطالبها، حيث تم إعلان العديد من قرارات العفو، وعلى الأخصّ إطلاق سراح المئات من السجناء السياسيين، وذلك بعد قرار إغلاق سجن المزة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2000 الذي كان يحوي العديد من المعارضين، وفي ميزة أخرى للربيع، كانت العديد من منظمات حقوق الإنسان المخفية قبل تلك الفترة قد عاودت الظهور من جديد أو تأسّست من أجل حثّ النظام على مواصلة خطواته الحذرة نحو الإصلاح، في وقت سمحت فيه السلطات لمنظمات المجتمع المدني بالانتشار.
لكن سرعان ما تم سحب هذه الإصلاحات الطفيفة وسحق حركة المعارضة باسم الوحدة الوطنية والاستقرار، وقد تم إجهاض محاولة رياض سيف لإنشاء حزب سياسي جديد، تحت مسمى الحركة من أجل السلم الاجتماعي، وفي فبراير (شباط) 2002 أُغلقت المنتديات السياسية قسرًا، وتم اعتقال رياض سيف والترك ومأمون الحمصي وعشرات المعارضين ووجهت إليهم تهمة «محاولة تغيير الدستور بوسائل غير مشروعة»، وبحلول صيف عام 2002 تسبّبت حملة إعلامية منسّقة من النظام بفقدان حركة المعارضة زخمها ووحدتها عمليًا، وذلك عبر التشويه الإعلامي والاعتقالات والتهديدات التي مارسها النظام، ليأتي بيان إعلان دمشق 2005، ليدعو مجددًا نظام الأسد للرحيل، ويكون المميّز فيه أنّه جمع معارضة الداخل.
دور الأسد في اغتيال رفيق الحريري
أثارت شهادة النائب وليد جنبلاط أمام المحكمة الدولية الخاصة بمقتل رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري تساؤلات عديدة حول من قتل رفيق الحريري، بعد أن أشار جنبلاط في حديثه إلى أن تلاقي المصالح بين بشار الأسد وإميل لحود الرئيس اللبناني السابق، أدى لاتفاقهم على اغتيال الحريري بحسبه.
سعى الرئيس الراحل رفيق الحريري جاهدًا لاستصدار قرار من مجلس الأمن الدولي لدعوة كافة القوات الأجنبية المتواجدة في بلاده إلى الانسحاب وفي مقدمتها الجيش السوري، وتفكيك كل الميليشيات اللبنانية ونزع سلاحها، في إشارة إلى حزب الله اللبناني ودعم بسط سلطة الحكومة اللبنانية على كل أراضيها، وتأييد انتخاب رئيس الجمهورية المقبل انتخابًا نزيهًا من دون أي تدخل أجنبي لدى القوى السياسية، هذه الجهود على ما يبدو أغضبت بشار الأسد الذي اعتبرها خطرًا على وجوده ونفوذه في سوريا، فبعد اغتيال رفيق الحريري أشارت أصابع الاتهام إلى حزب الله ومن ورائه بشار الأسد، بصفتهما أكبر المستفيدين من مقتله، بسبب خلافاتهما المستمرة مع الراحل، هذه الشبهات التي ثارت حول نظام الأسد ودوره في اغتيال الحريري سرعان ما أثيرت من جديد بعد أن خرج عبد الحليم خدام نائب الرئيس السوري في تصريحات صحفية أسالت الكثير من الحبر، بحكم قرب خدام من عائلة الأسد، مؤكدًا شكوك البعض عن مسؤولية النظام السوري في مقتل الحريري، حيث صرّح خدام قائلًا: «إن الرئيس السوري بشار الأسد هو قاتل رئيس الحكومة اللبناني الراحل رفيق الحريري، ولا يمكن أن تقوم جهة أمنية بعمل مماثل من دون اللجوء لرأي الأسد، كما أنه ليس هناك من له مصلحة بقتل الحريري غير بشار الأسد».
الانسحاب من لبنان
في 14 فبراير (شباط) 2005 وبُعيد مقتل الرئيس رفيق الحريري قامت تظاهرات ضخمة في بيروت عرفت بثورة الأرز، وهذا بعد رواج اتهامات للنظام السوري بدوره في اغتيال الحريري، لذا كان الهدف الرئيس من تلك التظاهرات هو إنهاء الوجود العسكري السوري على الأراضي اللبنانية والذي استمر طيلة 30 عامًا (منذ عام 1976)، كانت القوة السورية داخل لبنان تقدر بحوالي 14 ألف جندي بالإضافة لعناصر استخباراتية داخل لبنان، وإثر الضغط الأمريكي والفرنسي على سوريا واتهامها بدور مباشر في اغتيال الحريري قرر بشار الأسد سحب القوات السورية من لبنان في 27 أبريل (نيسان) عام 2005، تاركًا حليفه حزب الله وصيًّا على لبنان.
العقد الضائع ما بين 2000 و2010
بعد أن خلف بشار الأسد والده رئيسًا للبلاد في يوليو (تموز) 2000، راودت الآمال الكثير من السوريين بأن تتحسن حالة حقوق الإنسان، خاصةً بعد خطاب الأسد أثناء تنصيبه في 17 يوليو (تموز)، حيث تحدث الأسد عن الحاجة إلى «تفكير إبداعي»، و«الحاجة الماسة إلى نقد بنّاء»، و«الشفافية والديمقراطية».
بعد عشر سنوات، لم تتحقق هذه الآمال الأولية، ولم تترجم كلمات الأسد إلى أي نوع من العمل الحكومي لتعزيز النقد، والشفافية، والديمقراطية، وفي هذا الصدد أعدّت هيومن رايتس ووتش تقريرًا عن العقد الأول لحكم بشار الأسد تحت مسمى« العقد الضائع»، وأبرز ما جاء فيه:
-
ربيع دمشق، الذي أعقب وصول الأسد للسلطة، والذي بدأت خلاله عدد من المجموعات غير الرسمية بالاجتماع في المنازل الخاصة لمناقشة الإصلاح السياسي، لم يدم طويلًا، حيث عاد الاعتقال والقمع سريعًا للمعارضين.
-
آلية صنع القرار الغامضة في سوريا والافتقار إلى المعلومات حول المناقشات السياسية داخل النظام تجعل من الصعوبة بمكان معرفة الأسباب الحقيقية التي دفعت بشار الأسد لتخفيف القيود القائمة في أوائل عهده.
-
الواضح أنه بعد عشر سنوات في السلطة، لم يتخذ بشار الأسد الخطوات اللازمة لتحسين سجل بلاده بصدق في مجال حقوق الإنسان.
-
لا تزال حالة الطوارئ التي فرضت في العام 1963 مطبقة، وتستمر الحكومة في استخدام سلطات الطوارئ في الحكم. وتواصل الأجهزة الأمنية السورية والمخابرات احتجازَ الأشخاص دون مذكرات اعتقال.
-
أتاح بشار الأسد للسوريين الوصول إلى شبكة الإنترنت، لكن أجهزته الأمنية تعتقل المدونين وتحجب مواقع رائجة، مثل فيسبوك، ويوتيوب، وبلوجر.
-
الأقلية الكردية، التي تقدر بـ10% من السكان، محرومة من حقوقها الأساسية، بما في ذلك الحق في تعلم اللغة الكردية في المدارس أو الاحتفال بالأعياد الكردية، مثل عيد النوروز (رأس السنة الكردية). وازداد القمع الرسمي بحق الأكراد بعد أن أقام الأكراد السوريون مظاهرات واسعة النطاق.
قمع الثورة
خرج السوريون منتصف مارس (آذار) 2011 في مظاهرات سلمية، مطالبين نظام الأسد بإجراء إصلاحات ديمقراطية بسيطة، فواجهتها قوات أمن رفضت مطالبهم وشنت حملة عنيفة لقمع المتظاهرين المدنيين، ليبدأ قمع بشار الأسد في التدرج.
قتل ما يزيد عن نصف مليون سوري خلال الثورة
ربما لم يعانِ شعب في العصر الحديث كما يعاني اليوم الشعب السوري، حيث نشرت مؤسسات بحثية وحقوقية أرقامًا صادمة عن أعداد ضحايا بعد ست سنوات من القتل والاعتقال والنزوح والتهجير، فاتورة دموية كبيرة دفعت المفوضية السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة للعجز والتوقف عن إحصاء أعداد القتلى والجرحى منذ يناير (كانون الثاني) 2014، وأخذت عدة منظمات حقوقية محلية على عاتقها مسؤولية توثيق وإحصاء أعداد القتلى والجرحى، وفي منتصف مارس (آذار) 2017 واستنادًا لدراسة ميدانية أعدها، أظهر تقرير حديث نشره المرصد السوري لحقوق الإنسان، وهو مؤسسة بحثية مستقلة غير حكومية، أن 11.5% من السوريين إما قتلوا أو أصيبوا منذ اندلاع الثورة في مارس 2011 حتى 2017، حيث بلغ عدد القتلى جراء الصراع 471 ألفًا، إضافة إلى 6.1 مليون نازح و4.8 مليون طالب لجوء، وكان هناك ما يقدر بمليون نسمة يعيشون في المناطق المحاصرة محرومون من المساعدات الضرورية للحياة والمساعدات الإنسانية.
تعذيب وإعدام أكثر من 13 ألفًا في سجن صيدنايا
يقع سجن صيدنايا في قرية صيدنايا الجبلية الواقعة شمالي العاصمة السورية دمشق بالقرب من مدينة التل ويقع تحت الجبل الكبير ويتسع لأكثر من 15 ألف سجين، ويُعد سجن صيدنايا من أكبر وأحدث السجون السورية حيث أنهت الحكومة بناءه عام 1987، ويتكون المبنى من ثلاثة طوابق ويضم كل جناح في كل طابق 20 زنزانة جماعية، ويحوي الطابق الأول 100 زنزانة انفرادية.
ويُحتجز حاليًا في سجن صيدنايا، ما بين 10 و20 ألف معتقل؛ غالبيتهم من المدنيين يقيمون في «المبنى الأحمر»، في حين يُشكل ضباط وعناصر قوات النظام نزلاء «المبنى الأبيض»، وقتل فيه، منذ بداية الثورة السورية وحتى العام 2016، بحسب تقرير «منظمة العفو الدولية» المعنون بـ«المسلخ البشري»، ما يقرب من 13 ألف شخص، من أصل 17 ألفًا قتلوا في المعتقلات السورية خلال الفترة ذاتها. «منظمة العفو» قالت إن هؤلاء تعرضوا «إلى جريمة الإبادة»، وهي إحدى «الجرائم ضد الإنسانية».
واتهمت المنظمة – في تقريرها الصادر تحت عنوان: «مسلخ بشري: شنق جماعي وإبادة في سجن صيدنايا» – الحكومة السورية بانتهاج «سياسة الإبادة»، واستند التقرير على شهادات 84 شخصًا أجرت معهم المنظمة مقابلات، من بينهم حراس وسجناء سابقون وقضاة، وكشف التقرير أنه في الفترة من 2011 إلى 2015، كانت تؤخذ مجموعات لا تقل عن 50 من نزلاء سجن صيدنايا كل أسبوع إلى خارج الزنزانات ويُضربون ثم يُشنقون في منتصف الليل، في «سرية تامة»، وأضاف التقرير: «خلال هذه العملية، كان السجناء يساقون معصوبي الأعين، وهم لا يعرفون كيف ومتى تكون نهايتهم حتى يلف حبل المشنقة حول رقابهم».
وأشار التقرير إلى أن أغلب من أُعدموا شنقًا كانوا من المدنيين ومن الإسلاميين المعارضين للأسد، وقال أحد القضاة الذين أدلوا بشهادتهم للمنظمة وشاهد إحدى عمليات الإعدام، إنهم «(السجناء) كانوا يعلَقون على المشانق مدة تتراوح بين 10 إلى 15 دقيقة»، وأضاف نفس الشاهد على أنه «بالنسبة للصغار، لم تكن المشنقة كافية لقتلهم بسبب وزنهم الخفيف، فكان نواب الضباط يسحبونهم بقوة إلى الأسفل ويكسرون رقابهم»، وقالت المنظمة الدولية إن هذه الممارسات تُعد جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، مرجحة أنها ما زالت تحدث حتى الآن.
مراكز التعذيب.. أرخبيل التعذيب
«أرخبيل التعذيب» هذا هو الاسم الذي أطلقته منظمة هيومن رايتس ووتش على شبكة واسعة ومعقدة من مراكز التعذيب والاعتقال التي تديرها قوات الأمن السورية وعناصر المخابرات، وعززت منظمة «هيومان رايتس ووتش» الأمريكية لحقوق الإنسان شهادات المعتقلين السياسيين في سجون النظام السوري بأدلة ووثائق تؤكد استخدام الاستخبارات النظامية السورية لوسائل تعذيب عنيفة وممنهجة لقمع المناهضين لبشار الأسد، وتضمنت الأدلة التي حصلت عليها هيومان رايتس ووتش من أحد مراكز الاعتقال في محافظة الرقة الخاضعة لتنظيم الدولة، أهم وسائل تعذيب والمعروفة باسم «بساط الريح» وتقوم على ربط المعتقل في لوح منبسط على هيئة صليب، وتشد أطرافهم ويتم بعدها ثني الألواح الخشبية على نحو يجعل المعتقل في مواجهة قدميه.
وناشدت هيومن رايتس ووتش قوات المعارضة السورية بحماية جميع الوثائق ووسائل التعذيب وتسجيلات الاعترافات التي أخذت قسرًا من المعتقلين، وذلك لمساءلة ومحاسبة المسؤولين عن ارتكاب هذه الجرائم المصنفة ضمن انتهاكات حقوق الإنسان، كما أعلنت المنظمة عن إصدارها تقريرًا تحت عنوان أرخبيل التعذيب والذي يحدد بالتفصيل جميع أماكن المعتقلات والسجون في سوريا، وذلك لزيارتها من قبل مفتشين دوليين للتأكد من صحة شهادات المعتقلين السياسيين ومحاسبة المسؤول عن تلك الجرائم مستقبلًا.
إسقاط البراميل المتفجّرة على المناطق السكنية المكتظة
اعتمد بشار الأسد على «البراميل المتفجرة» سلاحًا رئيسًا في حربه على المدنيين السوريين وهذا لكون سلاح البراميل رخيصًا وفتاكًا بالآن ذاته، ومخصصًا لقتل البشر وتدمير المدن فقط، إذ لا فائدة عسكرية له، لأنه غير متحكم به، وهذه القنابل البرميلية الفتاكة لا يمكن توجيهها والتحكم بمسارها.
في المرحلة الأولى من استخدامه، كانت مروحيات النظام ترمي البراميل من ارتفاعات منخفضة، مما كان يحقق لها احتمالًا أكبر في إصابة الهدف المنشود، ولكن سرعان ما تمكن الثوار السوريون من التصدي للمروحيات وإسقاط عدد منها، لذا عمد النظام إلى رمي براميله المتفجرة من ارتفاعات أكبر تصل إلى 3000 متر، وهذا يجعل عملية إسقاط البراميل عشوائية تمامًا وأنقص من حدّة تحقيق أهدافها، وكان أكثر من 13 ألف برميل متفجر أسقطتها مروحيات الأسد على مناطق سيطرة المعارضة السورية العام الماضي (2016) خلفت آلاف القتلى والجرحى، غالبيتهم من المدنيين.
وتشير إحصاءات منظمات حقوقية إلى مقتل أكثر من 2700 شخص منذ بدء الثورة جراء إسقاط طائرات النظام للبراميل المتفجرة عشوائيًا، وعرفت معركة حلب استعمالًا كثيفًا للبراميل المتفجّرة من طرف النظام ما تسبّب في مقتل أكثر من 600 شخص منهم خلال أسبوعين من القصف، الأمر الذي دفع الناشطين والحقوقيين للتساؤل عن سبب اهتمام العالم بالسلاح الكيميائي إلى درجة التهديد بالتدخل العسكري، بينما لا تكاد هذه البراميل تثير اهتمام أحد في المجتمع الدولي حتى لو بلغ عدد ضحاياها أضعاف أي سلاح آخر، وقالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان إن «94 مدنيًا قتلوا، بينهم 41 طفلًا و20 سيدة، جراء إلقاء قوات النظام 4 آلاف و252 برميلًا متفجرًا في أنحاء متفرقة من البلاد، خلال النصف الأول من 2017».
طلب التدخل الروسي ضد شعبه لحمايته
ما أن أحسّ بشار الأسد بالضعف وبأن احتمال بقائه وانتصاره على الثوار بدون تدخل أجنبي لصالحه ضعيف، حتى سارع بطلب من بوتين للتدخل العسكري لصالحه في سوريا، وقررت موسكو تلبية النداء، فبعد مضي خمس سنوات على الحرب المشتعلة في سوريا، قررت روسيا التدخل العسكري في تلك الأزمة، بعد إعلان الكرملين منح الرئيس فلاديمير بوتين تفويضًا بنشر قوات عسكرية في سوريا، بعيد طلب الرئيس السوري بشار الأسد مساعدة عاجلة من موسكو، وكان بوتين قد أعرب عن رغبة بلاده في مواجهة «تنظيم الدولة الإسلامية» في سوريا وأنه لا نيّة لها في قتال الجيش الحرّ.
وجاءت أولى الضربات الروسية في 30 سبتمبر( أيلول) 2015 على مواقع تابعة لتنظيم الدولة وفقًا لوزارة الدفاع الروسية؛ إلا أن رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض خالد خوجة صرح بأن الغارات استهدفت مدنيين في مناطق ليست تابعة للتنظيم، كما شكك قادة غربيون في الغارات، وكان هؤلاء القادة الغربيون قد طالبوا روسيا بتوضيح مسبق بالأهداف التي تنوي ضربها في سوريا.
بعض مجازر بشار الأسد ضد السوريين
مجزرة الحولة
في جمعة «دمشق موعدنا القريب» الموافقة للخامس والعشرين من مايو (أيار) 2012، في وقت كان السوريون يحضرون للخروج لتظاهراتهم الأسبوعية، حدثت مجزرة مروعة في الحولة التي تبعد 20 كم شمال غربي مدينة حمص، ووفقًا للمرصد السوري لحقوق الإنسان في لندن، ارتُكبت المجزرة على يد الجيش السوري والذين حاولوا اقتحام المدينة بعد أن شهدت عدة احتجاجات مناهضة للنظام السوري، وقال نشطاء سياسيون إن القوات الحكومية السورية والموالين لها استخدموا الأسلحة الثقيلة في ارتكاب المجزرة، وفقًا للمجلس الوطني السوري، قتل في المجزرة أكثر من 110 مدنيين نصفهم من الأطفال دون السنوات العشر، بعضهم ذُبح وبعضهم قُتل نتيجة للقصف المدفعي المكثف، في وقت اتهمت فيه السلطات السورية «مجموعات إرهابية مسلحة» بارتكاب المجزرة، وكردّ فعل على المجزرة قامت عديد الدول بطرد سفراء سوريا من بلدانها كأول إجراء دولي ضد نظام الأسد.
مجزرة نهر حلب
مع نهاية شهر يناير (كانون الأول) عام 2013 عثر على ما يقرب من 110 جثة لرجال وأطفال مقيدين من الخلف ومكممي الأفواه بشريط لاصق، كما تم العثور على آثار طلقات نارية في الرأس، وذلك على ضفاف نهر حلب أو ما يسمى بنهر قويق في الجزء الواقع تحت سيطرة قوات الجيش السوري الحر، غالبية الجثث التي عثر عليها كانت لشباب دون الثلاثين من العمر ظهرت عليهم آثار عمليات تعذيب بشكل واضح.
وفي تقرير لمنظمة «هيومان رايتس ووتش» أشار إلى أن هؤلاء القتلى لم ينخرطوا يومًا مع قوات المعارضة، وأنهم مجرد سكان في المدينة تم إلقاء القبض عليهم خلال نقاط التفتيش الخاصة بجيش النظام السوري، وفي الفترة بين فبراير (شباط) ومنتصف شهر مارس (آذار) 2013 تم العثور على ما بين 80 إلى 120 جثة إضافية بنفس الوصف السابق، ومن هول المجزرة تغير لون مياه النهر من كثرة الجثث، واتهم النظام جبهة النصرة بارتكاب المجزرة في وقت أكد العديد من شهود عيان أن نظام الأسد هو ما ارتكب المجزرة.
اقرأ أيضًا: بعد مرور شهر على «الإبادة».. إليك 3 محطات شبيهة في تاريخ «حلب»
مجزرة الغوطة وتسليم الأسد سلاحه الكيماوي مقابل تفادي ضربة عسكرية دولية
استيقظ سكان الغوطة بشقيها الشرقي والغربي يوم 21 أغسطس (آب) 2013، على مجزرة غير مسبوقة في تاريخهم، استعملت فيها صواريخ تحمل مواد كيميائية تعرف بغاز السارين، قضى على إثرها أكثر من 1450 شخصًا أغلبهم من الأطفال. وتم الهجوم بعد ثلاثة أيام من وصول بعثة مفتشين دوليين إلى دمشق.
ودعت المعارضة السورية ممثلة في الائتلاف الوطني السوري إلى محاكمة جنائية لرأس النظام السوري، وتحقيق دولي نزيه، وهو المطلب الذي دعمته تركيا ودعت للتحقيق في استعمال أسلحة محرمة دوليًا ضد المدنيين، فيما دعا وزير الخارجية الأمريكية جون كيري النظام السوري إلى تسليم كامل مخزونه من الأسلحة الكيماوية في مقابل عدم تنفيذ ضربة عسكرية عليه، وهذا ما قام به الأسد.
مجزرة خان شيخون
واحدة من أبشع المجازر التي ارتكبها بشار الأسد بالأسلحة الكيميائية، حدثت في الرابع من أبريل نيسان 2017، وقع الهجوم في مدينة خان شيخون التي تسيطر عليها قوات المعارضة السورية في ريف إدلب، مما أدى إلى وقوع 100 قتيل معظمهم من الأطفال، وأسفر عن إصابة 400 شخص، في مأساة هزت العالم خاصة بعد انتشار صور وفيديوهات الضحايا، وتختلف الآراء حول مصدر الغازات السامة بعد وقوع القصف، حيث تقول المعارضة السورية إن النظام استخدم غاز السارين في القصف والأعراض التي يعاني منها المصابون ترجح ذلك، والتي تتمثل بخروج زبد أصفر من الفم وتشنج كامل.
فيما نفت الحكومة السورية استخدام أي سلاح کيميائي معربة أنه ليس لديها أي نوع من الأسلحة الكيميائية منذ تسليم ترسانتها الكيميائية من قبل، بينما تؤكد وزارة الدفاع الروسية أن طائرات سلاح الجو السوري قد قصفت مستودعًا للذخائر يحتوي على أسلحة كيميائية ومعمل لإنتاج قنابل تحتوي على مواد سامة.
اقرأ أيضًا: كيف غيَّرت مجزرة خان شيخون مصير سوريا والعالم؟
وقصفت مدمرات تابعة للبحرية الأمريكية في شرق البحر المتوسط في الساعات الأولى من اليوم السابع من أبريل (نيسان) 2017 مطار الشعيرات العسكري في محافظة حمص بـ59 صاروخًا موجهًا من طراز توماهوك، جاء القصف الأمريكي بأمر من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كردّ فعل على الهجوم الكيميائي الذي يُعتقد أنّه انطلق من القاعدة الجوية بالشعيرات.
5 ملايين لاجئ سوري
أعلنت الأمم المتحدة أن عدد اللاجئين الذين فروا من النزاع في سوريا إلى تركيا ولبنان والأردن والعراق ومصر تجاوز 5 ملايين شخص، وقالت مفوضية الأمم المتحدة للاجئين في بيان إنه ومع تجاوز عدد الرجال والنساء والأطفال الذين فروا خلال ست سنوات من الحرب في سوريا عتبة 5 ملايين شخص، فإن على المجموعة الدولية أن تبذل جهودًا إضافية لمساعدتهم، وارتفع إجمالي عدد اللاجئين السوريين من 4,6 ملايين في أواخر 2015 إلى 4,85 ملايين في أواخر العام الفائت بحسب أرقام المفوضية.
كما أفاد موقع المفوضية عن تسجيل أكثر من 250 ألف لاجئ سوري إضافي في الأشهر الثلاثة الأولى من 2017 من دون توضيح أسباب هذا الارتفاع.
وما زالت تركيا البلد الذي يستقبل أكبر عدد من اللاجئين السوريين الفارين من النزاع وبلغ عددهم فيها حوالى ثلاثة ملايين، فيما يعد لبنان أكثر من مليون والأردن 657 ألفًا، ويتوزع الباقون في العراق ومصر ودول أخرى في شمال إفريقيا، كما فر مئات آلاف السوريين إلى أوروبا لكنهم لم يمنحوا جميعًا وضع لاجئين.
وتشير العديد من أصابع الاتهام إلى بشار الأسد كونه السبب الأول في هجرة السوريين وطلبهم اللجوء، وتبقى مسألة مستقبله أحد العوائق في طريق عودة اللاجئين إذ يرفض جلهم العودة إلى سوريا ما دام الأسد في السلطة، والحرب مستمرة.