تحية طيبة:
هذا المقال هو محاولة أخرى من محاولاتي لتفسير الآية 7 من سورة ال-عمران
هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ
هذا المقال يعرض وجهة نظر أخرى لتفسير الآية, تبدوا لي أكثر أقناعا من وجهات نظري في محاولاتي السابقة, والله أعلم.
الشرح:
الله أنزل على الرسول محمد الكتاب أي القرآن , منه أي من القرآن ومن هنا للتبعيض, أي ان بعضا من آيات القرآن هي آيات محكمة , وهذه الآيات المحكمات بمجموعها تشكل "أم" الكتاب, والأم في اللغة معناها "الأصل", أي أن هذه الآيات هي أصل الكتاب, بمعنى أن هناك آيات أخرى في القرآن لايمكن فهمها بصورة صحيحة الا بالأستعانه بمجموعة الآيات المحكمة هذه لشرحها. وهنا يجب التأكيد على ان الآية لم تقل "هن أمهات الكتاب" وأنما قالت بأن مجموعة الايات المحكمة هي "أم" الكتاب, وجاءت "أم" بلفظ المفرد.
وهذا مهم, لأنه يعني أن أي محاولة تفسيرية سليمة للقرآن أنما يجب ان تنبع من مجموعة الآيات المحكمة, ولايجب ان تخالفها, وأنما يجب أن تفسر في ضوئها.
وأخر متشابهات: التقدير هو "ومنه أخر متشابهات", وكلمة أخر هنا تدل دلالة قاطعة على ان الآيات المتشابهات هي غير الآيات المحكمات, أي أنه لايمكن ان توجد آية محكمة ومتشابهه في نفس الوقت.
لكن هل من الممكن ان توجد آيه لامحكمة ولامتشابهه؟
الجواب: هو ان ظاهر هذه الآية لم يتطرق الى هذه الأحتمالية, ولذلك فلايوجد جواب قطعي على ذلك من ظاهر هذه الآية لوحدها, وهذا يدل على أن ذلك قد يكون ممكنا.
لكن ماذا تعني كلمة متشابهات؟
سوف أحاول أن أفسر ذلك من خبرتنا البسيطة مع التشابه بصورة عامة.
عندما نقول بأن س تشبه ص فأننا نعنى بأن كلا من س وص يشتركان بخواص معينه لنفترض بأن مجموعة هذه الخواص هي ع , لذا نقول بأن س وص متشابهتان من جهة ع.
فنقول بأن هذا الطفل يشبه والده من ناحية اللون, لكن يشبه والدته من ناحية العيون مثلا, وهكذا.
أذن التشابة بصورة عامة ينتج من الأشتراك. وكلما أشترك شيئان بخواص أكثر كلما كانت درجة التشابه بينهما أكبر.
بصورة عامة في اللغة يطلق التشابه على أشياء مختلفه, فعندما نقول بأن س يشبه ص, فهذا يتضمن بأن س مختلف عن ص , لكن في نفس الوقت س يشترك مع ص بخواص معينه. وبالتالي فأننا لانقول مثلا بأن الشخص يشبه نفسه, وأن كان الشخص من الناحية المنطقية يشترك مع نفسه في كل الخواص , وذلك لأن التشابه في اللغة عادة يستعمل بين أشياء مختلفه وليس بين الشيء ونفسه.
وفي السياقات القرآنية نفسها أيضا نرى ان التشابه يطلق على أشياء مختلفه لكن تشترك بخواص معينه.
أنظر الآية 25 من سورة البقرة:
وبشر الذين امنوا وعملوا الصالحات ان لهم جنات تجري من تحتها الانهار كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل واتوا به متشابها ولهم فيها ازواج مطهرة وهم فيها خالدون
هنا من الواضح بأن هذه الثمار هي ليست نفسها التي نراها في الدنيا, لكن لها بعض الخواص المشتركة.
وكذلك خذ مثلا موضوع بقرة بني أسرائيل حين تشابهت عليهم الأبقار (أي توجد أكثر من بقرة واحدة تحمل الصفات التي أخبر بها الله تعالى بني أسرائيل فلم يستطيعوا ان يميزوا من هي البقرة المقصودة). أنظر الآيات التالية من سورة البقرة:
قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُواْ مَا تُؤْمَرُونَ (68)قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاء فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69) قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِن شَاء اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70) قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلاَ تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لاَّ شِيَةَ فِيهَا قَالُواْ الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ (71)
فالحالة هنا أنه أشتركت أكثر من بقرة بالصفات التالية:
لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ صَفْرَاء فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ
ولذلك قالوا بأن البقر تشابه عليهم.
لكن وجدت بقرة واحد فقط تحمل الصفات أعلاه مع صفة لاَّ ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلاَ تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لاَّ شِيَةَ فِيهَا
أذن خلاصة القول بأنه السياقات القرآنية توضح لنا بأن التشابه يحصل بين أشياء مختلفة تشترك فيما بينها بصفات معينه, ونطلق المصطلح متشابهه على هذا الأشياء , لكننا لانطلق المصطلح متشابهه على الصفة التي تشترك بها هذا الأشياء, وأنما نطلق ذلك المصطلح فقط على الأشياء التي التي تحمل صفات مشتركة.
كل هذا يجرني الى القناعة التالية:
الآيات المتشابهات معناها الايات التي تشترك مع الايات المحكمة بخواص معينه , لكنها في نفس الوقت غير محكمة.
وتصوري الخاص ان التشابة هو في الموضوع التي تطرحه الآيات.
مثال: لنأخذ موضوع القتال, فمثلا الآية المحكمة في هذا الموضوع هي:
وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين ( البقرة 190)
لكن هناك آيات كثيرة تشترك (وبالتالي تتشابه) مع الآية أعلاه في أنها تتناول موضوع القتال, وهذه كثيرات في القرآن, وفي نفس الوقت هذه الآيات ليست محكمة.
أذن تعريفي للآية المتشابهه: هي الآية التي تشترك مع آية محكمة في موضوع معين, لكنها في نفس الوقت ليست محكمة.
لكننا هنا علينا أن نفسر ماذا تعنيه كلمة "محكمة" كي يكون هذه التعريف مفهوما.
من تأملي للآية, ومن أقران الآية مابين الذين في قلوبهم زيغ وأتباع ماتشابه من القرآن, يتبين لي بأن المحكم لا يجذب الذين في قلوبهم زيغ.
من هذا أستنتج بأن الآية المحكمة معناها آية لاتقود الى الفتنه, والفتنه هنا هي الميل عن الحق.
ومن هنا فأنا أعتقد بأن الآية المحكمة معناها الآية التي أذا تدبرها الأنسان بقلب سليم وبعقل سليم فأنه حتى وأن وصل الى عدة تفاسير لها لكن كل تلك التفاسير لاتقود الى الميل عن الحق, أي لاتقود الى الفتنه.
وربما أصل تسمية "محكم" يعود الى الأمتناع, فالآية المحكمة بالمفهوم أعلاه هي الآية التي يمتنع أن تزيغ المتدبر لها بقلب سليم وعقل سليم عن الحق.
أما الآية المتشابهه: فهي ليست محكمة أي من الممكن حتى بالنسبة للمتدبر بقلب سليم وعقل سليم أن يخطيء مقصودها بدرجة كبيرة الى درجة الأنحراف عن الحق أذا أعتمد على ظاهرها فقط من دون حملها على أم الكتاب. وسميت متشابهه لأنها تطرح نفس المواضيع التي تطرحها بعض الآيات المحكمات, فهي متشابهه معها من هذا الجانب, لكنها مختلفة عنها في أنها تتناول بعضا من جانب الموضوع التي تطرحه الآية المحكمة, وبالتالي فهي بمثابة تطبيقات للمحكم, وبالتالي فهي آية نسبية متغيره حسب الجانب الذي تطرحة, وبذلك قد تتعدد فيها التفاسير بما يقود للميل عن الحق.
مثال: لنأخذ الآية 29 من سورة التوبة:
قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الاخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين اوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون
هنا هذه الآية متشابهه لانها تشترك مع الأية المحكمة 190 من سورة البقرة في كونها تتناول موضوع القتال.
وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين ( البقرة 190)
لكن الآية 29 من سورة التوبة تتعرض لجزء من مسأله القتال الا وهو القتال مع فئة معينه معتدية من الذين أوتوا الكتاب.
وهنا فأن هذا الآية أذا فهمت على ظاهرها فأنها قد تقود بمتدبرها الى الأنحراف عن مقصودها, لابل عن المقاصد القرآنية الموجودة في أم الكتاب التي تؤكد على عدم الأعتداء وعلى أفشاء السلام والمحبة والتسامح.
لذلك فأن هذه الآية غير محكمة ولاشتراكها مع الآية المحكمة 190 من سورة البقرة في كونها تتناول موضوع القتال ايضا لذا فأنها آية متشابهه حسب التعريف أعلاه.
أذن الآية 7 من سورة آل عمران هي آية تتكلم عن هيكلية فهم القرآن. فهناك آيات محكمة صيغت بصورة بحيث يمتنع على متدبرها صاحب القلب السليم والعقل السليم (المنهاج العقلي السليم في تدبر القرآن) ان يزيغ عن الحق لدرجة الفتنه, وهذه الآيات بمجموعها تشكل أم الكتاب أي المنبع الذي يجب ان تفسر به الآيات المتشابهه, وهذه الأخرى هي آيات غير محكمة تتناول نفس موضوعات الآيات المحكمة.
لنتابع الشرح:
فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ
هنا الآية تتعرض لبعض الناس الذين في قلوبهم زيغ وليس لكل من في قلبة زيغ, وذلك معلوم بالضرورة, حيث أن كثيرا من الناس الذين في قلوبهم زيغ لايحاولون تفسير القرآن بتاتا, وخذ على ذلك مثلا الالاف المجرمين والمحتالين في كل البلاد الأسلامية وغير الأسلامية.
أذن الآية تتكلم عن بعض الناس الذين في قلوبهم زيغ, اي ميل عن الحق, والذين يريدون ان يفسروا القرآن في نفس الوقت, فهولاء يميلون الى أتباع تفسيراتهم الزائغة لمجموعة معينه من الأيات المتشابهه من القرآن, وطبعا انهم يميلون نحو المتشابه بعيدا عن المحكم لكون طبيعة الآيات المتشابهه في القرآن التي لاتمنع متدبرها من الزيغ, وهنا فهم يميلون نحو التفسيرات التي تتلائم مع زيغهم مما يقودهم الى الأنحراف الكبير عن الدين الحق وهو ماسمته الآية بالفتنه.
الآن من هم هؤلاء الذين في قلوبهم زيغ, وما هو مقدار هذا الزيغ؟
هذا السؤال سؤال مهم وجوهري في هذا الموضوع.
أجابتي الشخصية: هو أن الآية لم تحدد مقدارا للزيغ, لذا فسوف يترائى للمتدبر بأنها تعني كل أنسان في قلبة زيغ صغيرا أم كبيرا ويبتغي تفسير القرآن في نفس الوقت .
لكن الفتنه تعني الأنحراف الكبيرعن الدين وليس مجرد أنحراف صغير.
لذلك يبدوا من هذا كلة أن الذين في قلوبهم زيغ هم المنافقين فما فوق, أي الكفار والملحدين وغيرهم أيضا.
المكذبين بالقرآن من الكفار والملحدين هؤلاء يريدون ان يقنعوا أنفسهم بأن القرآن ليس من الله, لذلك فهم يتبعون التفسيرات للمتشابه من القرآن التي يرونها ضد قيمهم التي يؤمنون بها, وتستطيع ان ترى كتابات الشيوعيين والملاحدة حول القرآن لترى ذلك. فهم يلجأون لتفسيرات سيئة للمتشابه من القرآن وبعد ذلك يقولون بأن هذه التفسيرات هي المقصود القرآني ( أي تأويل القرآن) وبعد ذلك يتبرأون من القرآن كونهم يعتقدون بأن مقصوده هو تلك التفسيرات التي يفرضونها على المتشابة من القرآن. وتستطيع أن تقرأ قرآءة نقدية في الأسلام للدكتور كامل النجار[20] لتفهم ذلك.
من ناحية أخرى: المنافقين أهدافهم أخطر حيث أنهم يريدون حرف الأسلام من الداخل, فهولاء سوف يفرضون تفسيراتهم السيئة للآيات المتشابهه ومن ثم يقولون لغيرهم بأن هذه التفسيرات هي "المقصود القرآني" أي هي تأويل القرآن, وبالتالي يفرضونها على غيرهم, ويصمون كل من لايتفق معهم على تفسيراتهم المغرضة بأنه خارج عن الدين ويحكمون عليه بتفسيراتهم العنيفة بأبشع العقوبات , وتلك هي الفتنه, وتأريخ المسلمين شاهد على ذلك, وليراجع كل منكم مقال الدكتور أحمد صبحي منصور حول التأويل ليرى كيف تحقق ذلك على مدار التأريخ الأسلامي.
وها هنا أقتباس من مقاله المشهور التأويل يحكي لنا ن معنى الفتنه.
تحدث رب العزة عن اولئك الذين فى قلوبهم زيغ الذين يتبعون ما تشابه من القرآن ابتغاءالفتنة وابتغاء تأويله .
والفتنة فى مفهوم القرأن الكريم حين تتعلق بتعامل رب العزة مع البشرفانها تعنى الاختبار."ونبلوكم بالشر والخير فتنة. الأنبياء 35". والفتنة فى تعامل البشر مع بعضهم البعض تعنى الاكراه فى الدين والقمع الفكرى والاضطهاد للمخالفين فى الرأى والعقيدة ، أقرأ فى ذلك قوله تعالى عن المشركين المعتدين وضحاياهم المؤمنين: ".. والفتنة أكبر من القتل , ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم ان استطاعوا" البقرة. ." "217" ."ثم ان ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا ان ربك من بعدها لغفور رحيم" .النحل "110". ولهذا كان المقصد التشريعى من الجهاد فى الاسلام هو منع الفتنة فى الدين أى منع الاضطهاد الفكرى والعقيدى ليكون الدين علاقة خاصة وخالصة بين الله تعالى والبشر وليكون للبشر تمام الحرية فى الاختيار لتتحقق مسئوليتهم الكاملة عن هذا الاختيار الدينى يوم الدين او يوم القيامة. أو بالتعبير القرآنى :" وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله: الأنفال 39".
وقد عرفنا ان التأويل يعنى التحقيق والتطبيق ، والمعنى المقصود ان الذين فى قلوبهم زيغ يقيمون لانفسهم مفاهيم مختلفة على اساس ذلك الزيغ ويتلاعبون بالايات بقصد اكراه الاخرين فى الدين وتطبيق ذلك الاكراه عمليا انطلاقا من مفاهيم اخترعوها وجعلوا لها قدسية . وذلك بأختصار مجمل التاريخ الفكرى للمسلمين فى العصور الوسطى ، زيغ عن القرآن الكريم ، وقمع للفكر المخالف ، والتفصيل لذلك يحتاج الى مجلدا ضخما [21].
أنتهى الأقتباس
أما أذا فسرنا معنى الفتنه بأنها أي أنحراف عن الدين صغيرا أم كبيرا, عندها يكون من جملة الذين في قلوبهم زيغ هؤلاء الذين يكونون تفسيرات خاطئة للقرآن ويتمسكون بها ويحاولون فرضها على غيرهم وكأنها من الله نفسه, وهنا فأن الآية ستكون بمعنى تذكير لهم بأنه لايعلم تفسير القرآن علما مطلقا الا قائله الله سبحانه وتعالى, وبأن الراسخون في العلم أنما يقولون بأنهم يؤمنون به من عند الله, لكنهم لايدعون العلم المطلق به. هنا يجب أن أتطرق الآن لبحث ماذا تعني " وأبتغاء تأويله" , لأن هذه الجملة من الآية هي المحيرة, والتي حصل حولها خلاف تفسيري للآية.
هنا أن أقول بأن "التأويل" في القرآن أستعمل بمعنى "المقصود". وهذا هو أجتهادي في هذه المسأله.
بينما الدكتور الكبير أحمد صبحي منصور يعتقد بأن التأويل جاء في القرآن بمعنى " التحقق والتجسيد"
ولفهم رأي الدكتور منصور يرجى قرآءة مقاله المشهور "التأويل".
يقول الدكتور منصور التالي:
والطريف ان مصطلح التأويل نفسه له مفهوم فى القرآن يخالف المفهوم الواقعى الذى سار عليه الفكر البشرى للمسلمين.
فالتأويل فى المصطلحات القرآنية والسياق القرآنى يعنى التحقيق والتجسيد
الأ أني ومن خلال قرآئتي لمقالة التأويل للدكتور منصور أكتشفت بأنه يعني أن تأويل الأحلام هو العلم بالمعنى الحقيقي للأحلام وكيفية تحققها مستقبليلا على أرض الواقع, ونستطيع ان نستشف ذلك من العبارة التالية للأستاذ منصور:
وكان من معجزات يوسف قدرته على التأويل بالمفهوم القرآنى ، اى قدرته على الاخبار بالمعنى الحقيقى للاحلام وكيف ستتحقق عمليا على ارض الواقع . ولان هذه المعجزة تقع فى نطاق العلم ببعض الغيب الذى اختص به الله تعالى هذا النبىالعظيم فقد تكرر فى سورة يوسف مدحه بتلك الخصوصية ( وكذلك مكنا ليوسف فى الارض ولنعلمه من تأويل الاحاديث ) ( ربى قد اتيتنى من الملك وعلمتنى من تأويل الاحاديث ) : يوسف 21، 101 }. ولان التأويل بهذا المعنى يقع ضمن الغيب الذى اعطى الله تعالى العلم به لبعض الانبياء وليس لهم جميعا ، فان ملك مصر حين رأى الحلم المشهور عن السبع بقرات السمان والسبع سنابل وسأل الملأ والحاشية فأنهم عجزوا عن التفسير الحقيقى للحلم ، يقول تعالى ( قالوا اضغاث احلام وما نحن بتأويل الاحلام بعالمين ) : يوسف 44 }.فان التأويل هنا جاء من عند يوسف اخبارا بالمستقبل , وتحقق التأويل وتجسد واقعا حيا بالفعل [21]
أذن هنا لايعني منصور بأن التأويل هو التحقق والتجسد , وأنما العلم بما سيتحقق ويتجسد.
كذلك يقول الدكتور منصور التألي:
يقول تعالى فى سورة يوسف ( وخروا له سجدا وقال يا ابت هذا تأويل رؤياى من قبل قد جعلها ربى حقا : يوسف 100)اى ان تأويل رؤيا يوسف هو تحقيقها عمليا وتجسيدها فعليا فى الدنيا أمام عيني يوسف حين جعل الله تعالى رؤيا يوسف حقا.[21]
وهنا يقصد الدكتور منصور بأن التأويل هنا جاء بمعنى التحقق والتجسيد.
كذلك يقول الدكتور منصور بأن التأويل قد آتى بمعنى التجسيد الواقعى لآيات القرآن الكريم عن الاخرة وذلك معنى التأويل في الآية التالية:
هل ينظرون الا تأويله؟ يوم يأتى تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاء ت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا او نرد فنعمل غير الذى كنا نعمل ؟ قد خسروا انفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون : الاعراف 53
أذن عند الدكتور منصور التأويل في القرآن له أكثر من معنى واحد. لكن كل المعاني مرتبطة بشيء سيتجسد واقعا مستقبلا. فالتأويل عند منصور هو أما العلم بكيفية تحقق وتجسد المأول أو تحققه وتجسده في الواقع.
أما بالنسبة لرأي الدكتور منصور في معنى التأويل في الآية 7 من ال عمران فهو يميل ألى ان معناه هو كيفية تحقق وتجسد الاخبار الغيبية في القرآن. ويميل الدكتور منصور الى تعريف الآية المتشابهه بأنها تلك الآية التي تشبه لنا مايحدث في الآخرة, وبالتالي فالمتشابهات حسب مفهوم الدكتور منصور لها هي الآيات التي تختص بالاخبار الغيبي قي القرآن.
المشكلة في قول الدكتور منصور هو أنه لايفسر لنا معنى كلمة التأويل في كل الآيات القرآنية, لابل لايفسرها حتى في بعض أمثلته:
فمثلا يقول الدكتور منصور ( وخروا له سجدا وقال يا ابت هذا تأويل رؤياى من قبل قد جعلها ربى حقا : يوسف 100)اى ان تأويل رؤيا يوسف هو تحقيقها عمليا وتجسيدها فعليا فى الدنيا أمام عيني يوسف حين جعل الله تعالى رؤيا يوسف حقا. [21]
أنا أرى ان هناك ضعفا واضحا في هذه العبارة للدكتور منصور. لأنه حسب هذا المفهوم يصبح معنى الآية
....وقال يا أبت هذا تحقق رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا....
ومن الواضح أن هناك تكرار في المعنى بهذا المفهوم.
بينما أذا أستخدمنا المفهوم الآخر للدكتور منصور الا وهو أن تأويل الأحلام جاء بمعنى أدرك المعنى الحقيقي للحلم, لوجدناه يتلائم أكثر مع الآية ويكون التفسير هو
....وقال يا أبت هذا المعنى الحقيقي لرؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا....
فكما نعلم أنما الرؤيا بمعناها الحقيقي وليس بما تحتوية من رموز, فيكون المقصود من الآية هو
أن هذا كان المعنى الحقيقي لرؤياي من قبل (أي سجودهم أمامه) قد جعل ربي الرؤيا بهذا المعنى حقا...
الآن دعنا نستخدم المنهاج القرآني للتعرف على معنى التأويل كمصطلح :
أولا سوف أدرج السياقات التي جاءت فيها كلمة التأويل (مأخوذه من بحث للمحقق : الدكتور عبد الهادي الفضلي)
وردت كلمة ( تأويل ) في القرآن الكريم سبع عشرة مرة ، مرادًا بها المعاني التالية :
1ـ تعبير الرؤيا ( تفسير الأحلام ) :
و كان هذا في آيات سبع من سورة يوسف ، هي :
﴿ وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ ... ﴾ [1]
﴿ ... وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ ... ﴾ [2]
﴿ وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ * قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلاَمِ بِعَالِمِينَ ﴾ [3]
﴿ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ ... ﴾ [4]
﴿ وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ ﴾ [5]
﴿ وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَاْ أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ ... ﴾ [6]
فكلمة ( تأويل ) في سياق هذه الآيات الكريمة تعني تعبير الرؤيا ، أما كلمة ( الأحاديث ) فالمراد بها ـ هنا ـ الأحلام ، و أطلقت الأحاديث على الرؤى و الأحلام ، لأن النفس تحدث بها في منامها ﴿ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ ... ﴾ [7] [8] .
2ـ بيان سبب إيقاع الفعل :
كما جاء في قصة موسى و صاحبه ، و ذلك في آيتين من سورة الكهف ، هما :
﴿ ... سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا ﴾ [9]
﴿ ... ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا ﴾ [10]
و هي في الموضعين تعطي معنى واحدًا ، هو بيان سبب إيقاع الفعل .
3ـ الرجوع إلى الموئل الحق :
جاء في سورتي النساء و الإسراء في الآيتين التاليتين :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ﴾ [11]
﴿ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ﴾ [12]
4ـ تفسير المتشابه :
كان هذا في الآية السابعة من سورة آل عمران : ﴿ هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ ﴾ [13]
5ـ التفسير ( بيان المعنى) :
﴿ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ ... ﴾ [14]
﴿ بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ... ﴾ [15]
هذا كان جزء من بعث الدكتور عبد الهادي الفضلي[22]
رأيي في ذلك هو أنه لو أخذنا جميع الآيات لتبين لنا ان معنى التأويل جاء في القرآن بمعنى " المقصود" وتأويل الشي معناه المقصود من هذا الشيء على مراد فاعله بالضبط.
ف"تأويل الرؤيا" جاء في القرآن بمعنى " المقصود من الرؤيا على مراد واضع تلك الرؤيا في منام ذلك الشخص الا وهو الله عز وجل"
أما "تأويل الأفعال" (الآيات حول الرجل الصالح) فمعناه " المقصود من فعل هذه الأفعال على مراد فاعلها (وكان الرجل الصالح في هذه الآيات)".
أما القسطاس المستقيم فهو أحسن للمقاصد التي عمل من أجلها المكيال, والله عز وجل هو من شرع المكيال لاستيفاء الحقوق بين الناس.
وكذلك أرجاع فظ النزاع لله والرسول هو أحسن مقصدا, أي أن الله والرسول هم خير من يقصد في فظ النزاع.
أما تفسير هل ينظرون ألا تأويله فهو تسآول لهؤلاء المكذبين للقرآن والذين يطالبون بدليل عيني على الآخرة, فهنا يقول القرآن هل ينتظرون أن يكشف لهم عن المقصود من الأخبار الغيبية في القرآن حول الآخرة على مراد قائلها الله عز وجل حتى يؤمنوا, لكن عندها يخبر القرآن بأن هذا الأنكشاف لن يحصل ألا يوم القيامة, أي أنه ليس حاصل في هذه الدنيا, فأن أنتظروا هذا لحد الآخرة للتصديق بالقرآن والعمل به, فهم سوف يخسرون لأن مدة الأختبار عندها ستكون قد أنتهت, ولن يفيدهم أيمانهم عند مشاهدتهم ماكانوا ينتظرونه.
من كل هذا نرى أن التأويل جاء في القرآن بمعنى " المقصود على مراد الفاعل".
ومن هنا نستطيع ان نفسر " وأبتغاء تأويله" الموجوده في سورة ال-عمران.
فالهاء في تأويله ضمير عائد على "القرآن" أي أن المعنى هو "وأبتغاء تأويل القرآن".
تأويل أي آية من القرآن معناه "المقصود من هذه الآية على مراد الله سبحانه وتعالى بالضبط".
أما " أبتغاء تأويله" فمعناه "أدعاء العلم بالمقصود من آيات القرآن على مراد قائلها بالضبط", أي ببساطة معناها, أدعاء العلم المطلق بتفسير بعض آيات القرآن.
وهنا فأن الآية 7 من سورة ال-عمران تشير الى أمر خطير الا وهو تلازم أبتغاء الفتنه مع الأدعاء بمعرفة المقصود من الآيات القرآنية على مراد الله سبحانه وتعالى بالضبط.
حيث أن الذين في قلوبهم زيغ يبتغون الفتنه ويبتغون التأويل. ويبتغون التأويل معناها هنا "يدعون العلم المطلق بتفسير الآية على حد مراد قائلها الله سبحانه وتعالى".
فهنا هذا الأدعاء لازم لكل من يريد الفتنه!
لكن لماذا؟ ما هو وجه أرتباط الفتنه بالأدعاء بالعلم المطلق بتفسير آية من آيات القرآن وخصوصا الآية المتشابهه.
السبب هو أن مريد الفتنه يريد ان يثبت على أنحرافه, ولهذا الغرض لابد له من أن يدعى العلم المطلق بتفسير تلك الآية المتشابهه, وألا فلن يكون أتباعة لتفسيره المنحرف للآية مقنعا ولازم له ولغيره, فتصور مثلا بأن واحد من فقهاء الموت هذه الآيام طرح فتواه القاتله قائلا بأن تفسيره للآيات يؤيد مثلا ما أضحى يسمى بالعمليات الأستشهادية, الآن لوقال طارح هذه الفتوى بأن تلك الفتوى هي عبارة عن تفسيرة الشخصي لآيات القرآن وبأنها ممكن ان تكون خاطئة, وأن علمه نسبي وليس مطلق بتفسير الآيات, لما وجدنا شابا واحدا يفجر نفسه في سبيل الفهم النسبي والشخصي للقرآن, لكن هؤلاء الفقهاء يطرحون فتواهم على أنها المراد من القرآن على قصد الله سبحانه وتعالى, ولذلك يتبعهم هؤلاء الشبان المغرر بهم ويفجرون أنفسهم وهي قمة الفتنه أعتقادا منهم بأنهم ينفذون أوامر الله.
أذن من كل هذا نشاهد هذا الأرتباط المرعب الذي تشير الية الآية الكريمة 7 من سورة ال عمران. فكل من يريد الفتنه لابد له من أن يدعى بأنه يعلم المعنى المطلق لبعض آيات القرآن على مقصد الله سبحانه وتعالى نفسه.
وهنا يأتي الرد الحاسم في الآية:
وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ
تقول الآية بوضوح بأنه لا أحد يعلم المقصود من آيات القرآن الا الله, وهنا معناها المقصود على مراد الله سبحانه وتعالى.
فلا أحد من البشر أجمعين يمكن أن يدعى بأنه يعلم المقصود من آيات القرآن علما يقينيا قاطعا, وهنا فهذه الآية تؤكد على المعرفة القاصرة للبشر, فالكلام الآلهي وأن كان ميسرا للذكر والأفهام لكن لا أحد يمكنه أن يقول بأنه يملك الحقيقة المطلقة في معرفة تفسيرها, فهذه لايعلمها الا الله وحده.
الراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا, أي كل آيات القرآن من عند الله, لكنهم لايقولون بأنهم يعلمون علما مطلقا معنى هذه الآيات.
أولوا الألباب يعلمون مقدار ضعف المعرفة البشرية, وحدودها لذلك فهم ينأون عن الأدعاء بالمعرفة المطلقة بتفسير القرآن أي تأويله. ويصرحون بنسبية تفسيراتهم وقصرها.
هذا هو تفسيري الشخصي القاصر لهذه الآية المحكمة من كتاب الله العزيز.
وهنا لابد أن أنبه على نقطه مهمه, الا وهي ان هذه الآية نفسها لابد ان تكون محكمة وألا لبطل العمل بها, ولكن في نفس الوقت قد أختلفت الافهام في تدبرها أختلافا كبيرا, وبالتالي فأن تعريف المحكم على أنه القطعي الدلاله بمعنى الكلام الذي له تفسير واحد فقط, هو تعريف خاطئ والدليل هو أن هذه الآية محكمة ومع ذلك فهناك عشرات التفسيرات لهذه الآيه. ومن أراد ان يعرف هذه التفسيرات عليه ان يراجع ماكتبة صاحب كتاب الميزان في تفسير القرآن [23]عن تفسير هذه الآية والتفسيرات السابقة لها ليرى بنفسه كثرة الاقوال في تفسير هذه الآية. كذلك ممكن مراجعة مقالي السابق حول المحكم والمتشابة في القرآن [24].
اذن تعريفي للمحكم والمتشابه والتأويل هو:
1. الآية المحكمة : الآية التي أذا تدبرها الأنسان بقلب سليم وبعقل سليم فأنه حتى وأن وصل الى عدة تفاسير لها لكن كل تلك التفاسير لاتقود الى الميل عن الحق, أي لاتقود الى الفتن.
أو بعبارة أخرى أسهل:
الآية المحكمة :الآية التي يمتنع أن تزيغ المتدبر لها بقلب سليم وعقل سليم عن الحق.
2.الآية المتشابهه: الآية التي تشترك مع آية محكمة في موضوع معين, لكنها في نفس الوقت ليست محكمة.
3.تأويل الشي : المقصود من هذا الشيء على مراد فاعله بالضبط.
وفي النهاية لابد وأن أشير بأنه بأعتماد تلك التعريفات للمحكم والمتشابه نصل الى أنه من الممكن ان تكون هناك آية لامحكمة ولامتشابهه.
فمثلا الآيه "الم" , هي آية غير محكمة لكنها لاتشترك مع المحكم في شيء, لذلك فهي ليست متشابهه أيضا.
الخلاصة من المحكم والمتشابه: هو أن الآيات المحكمة مصاغة بحيث يمتنع على المتدبر لها بقلب سليم وبعقل سليم وبأستخدام المنهاج الصحيح لفهم القرآن من أن ينحرف عن الحق أنحرافا كبيرا. ومجموعة هذه الآيات المحكمة هي أم الكتاب أي أصله أي هي من يرجع اليها في تفسير غيرها من الآيات الغير محكمة في القرآن, أي يفهم القرآن في ضوئها, وهي بمثابة الدستور القرآني, أما المتشابهات فسميت كذلك لانها تشترك مع بعض الآيات المحكمه في المواضيع التي تطرحها لكنها ليست محكمة, أي أنه من الممكن حتى للمتدبر بقلب سليم وعقل سليم أن يفهمها فهما خاطئا اذا لم يفهمها في ضوء أم الكتاب أي مجموعة الآيات المحكمة, وبالتالي فهي تابعة في حقيقة تفسيرها للمحكم, أي أنها يجب ان تحمل على المحكم, ويشابه ذلك النصوص القانونية التي يجب ان تفهم في ضوء النصوص الدستورية, فالنصوص القانونية هي مثل الآيات المتشابهه والنصوص الدستورية هي مثل الآيات المحكمة.
كذلك تؤكد الآية 7 من سورة ال عمران على نسبية الفهم البشري وقصوره عن أدراك المقصود من الآيات القرآنية على حد قائلها بصورة مطلقة. فتفسيراتنا للقرآن هي ذات حقيقة نسبية وليست مطلقة, وبذلك تقطع الطريق على التقول بأسم الله. نحن نتدبر القرآن أي نحاول أن نصل الى معنى الآيات لكننا لانقول بأننا وصلنا للمعنى الحقيقي للآيات على مراد قائلها الله بالضبط, فقط الذين في قلوبهم زيغ يتبعون هذا الأدعاء حيث أنه مهم لهم لاحداث الفتنه أي الأنحراف عن الحق وهو ما تأمره به قلوبهم الزائغة. ولايعتبر بذلك الا أولو الالباب, الذين يعرفون حدود معرفتهم, ويعرفون أهمية الأيمان مع وجود قصرهم النسبي لادراك المعنى الكامل من الآيات.
وهنا آتي الى نهاية هذا المقال, أتمنى أن يكون ذا فائدة.
مع التقدير
--------------------------------------------------------------------------------
[1] القران الكريم : سورة يوسف ( 12 ) ، الآية : 6 ، الصفحة : 236 .
[2] القران الكريم : سورة يوسف ( 12 ) ، الآية : 21 ، الصفحة : 237 .
[3] القران الكريم : سورة يوسف ( 12 ) ، الآية : 43 و 44 ، الصفحة : 240 .
[4] القران الكريم : سورة يوسف ( 12 ) ، الآية : 101 ، الصفحة : 247 .
[5] القران الكريم : سورة يوسف ( 12 ) ، الآية : 36 و 37 ، الصفحة : 239 .
[6] القران الكريم : سورة يوسف ( 12 ) ، الآية : 45 ، الصفحة : 241 .
[7] القران الكريم : سورة يوسف ( 12 ) ، الآية : 101 ، الصفحة : 247 .
[8] معجم ألفاظ القرآن الكريم ، مادة : حدث .
[9] القران الكريم : سورة الكهف ( 18 ) ، الآية : 78 ، الصفحة : 302 .
[10] القران الكريم : سورة الكهف ( 18 ) ، الآية : 82 ، الصفحة : 302 .
[11] القران الكريم : سورة النساء ( 4 ) ، الآية : 59 ، الصفحة : 87 .
[12] القران الكريم : سورة الإسراء ( 17 ) ، الآية : 35 ، الصفحة : 285 .
[13] القران الكريم : سورة آل عمران ( 3 ) ، الآية : 7 ، الصفحة : 50 .
[14] القران الكريم : سورة الأعراف ( 7 ) ، الآية : 53 ، الصفحة : 157 .
[15] القران الكريم : سورة يونس ( 10 ) ، الآية : 39 ، الصفحة : 213 .
[16] القران الكريم : سورة آل عمران ( 3 ) ، الآية : 7 ، الصفحة : 50 .
[17] القران الكريم : سورة الأنعام ( 6 ) ، الآية : 95 ، الصفحة : 140 .
[18] القران الكريم : سورة الأنعام ( 6 ) ، الآية : 95 ، الصفحة : 140 .
[19] القران الكريم : سورة آل عمران ( 3 ) ، الآية : 7 ، الصفحة : 50 .
[20] د.كامل النجار :قراءة نقدية في الأسلام.
[21]د. أحمد صبحي منصور: التأويل.
[22] د. عبد الهادي الفضلي: معنى التأويل كمصطلح .
[23] العلامة محمد حسين الطباطبائي: الميزان في تفسير القرآن.
[24] د.زهير الجوهر: دراسة حول المحكم والمتشابه.