شبح نيكسون يخيم على الولايات المتحدة.. هل سيعزل ترامب قريبًا؟

في الجمعة ٠٩ - يونيو - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

في مايو (أيار) عام 1972، اقتحم مجموعة من الملثمين مكتب اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي «DNC» في فندق «watergate»، وقاموا بزراعة أجهزة تنصت أسفل المكاتب وفي سماعات التليفونات وعلى مقابض الأبواب، وفي يونيو (حزيران) من نفس العام، عادت نفس المجموعة لتحوم حول الفندق، ولكن هذه المرة تم القبض عليهم، واتضح أنه من بينهم شخص يدعى «جيمس مكورد».

كان هذا الشخص عميلًا سابقًا  لوكالتي التحقيق الفيدرالي «FBI»، ووكالة الاستخبارات الأمريكية  «CIA»، وما جعل من هذه الحادثة أكبر فضيحة في تاريخ السياسة الأمريكية؛  هو أن جيمس مكورد وقتها كان يعمل لحساب اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري، التي اتضح فيما بعد أنها نسقت تلك الحادثة أثناء الانتخابات الرئاسية حتى تحول مسار الانتخابات لصالح الرئيس «ريتشارد نيكسون» الذي فاز بأريحية في نوفمبر (تشرين الثاني) من نفس العام، ولكن لم يستمر نيكسون في المكتب كثيرًا لأنه استقال عام 1973، بعد أن واجهه قرار العزل الرئاسي من الكونجرس، ورغم أن التحقيقات لم تثبت تورط نيكسون بشكل مباشر في هذه الفضيحة، فقد وجهت له تهمة «عرقلة العدالة»، وعلى أثرها عزله الكونجرس الأمريكي.

وفي الانتخابات الرئاسية الماضية لم تسلم اللجنة الوطنية بالحزب الديمقراطي من الاعتداء، ولكن ليس من قبل مجموعة من الرجال الملثمين؛ فالتقدم التكنولوجي والإلكتروني سلاح ذو حدين، ويمكن استخدامه للقرصنة والاعتداء على خصوصية المستخدمين واختراق شبكاتهم، وهذا ما حدث بالفعل، فقد أصدرت وكالة الاستخبارات الأمريكية بيانًا في ديسمبر (كانون الأول) من عام 2016، تُفيد فيه بأن الاعتداء على اللجنة الوطنية بالحزب الديمقراطي قد تم تحت إدارة الحكومة الروسية، وذلك للتأثير في نتائج الانتخابات الرئاسية، ويرى البعض أن روسيا فعلت هذا من أجل دونالد ترامب،  وذلك طبقًا لحالة الود والمدح التي لم تنقطع بين الرئيس بوتين وترامب.

وإثبات تحقيق الـ CIA أن روسيا هي الجاني في هذه الجريمة؛ كان أول الخيط في التحقيق الكبير الذي بدأه مكتب التحقيق الفيدرالي «FBI» لتقصي حقائق وجود علاقة بين بعض من رجال دونالد ترامب المُقربين، وبين روسيا أثناء الانتخابات للتنسيق بين الحملة الانتخابية لدونالد ترامب وروسيا، من أجل تحويل مسار الانتخابات لصالح ترامب، ومع الوقت تطور هذا التحقيق وبدأت «FBI» إعلان أسماء بعينها مثل «جاريد كوشنر» زوج إيفانكا ترامب، و«مايكل فلين» مستشار ترامب للأمن القومي السابق – وهو الذي يمتلك نصيب الأسد من الاتهامات-،  بالإضافة إلى المحامي العام الحالي «جيف سيسيونس»، وهذا ما يجعلنا نقول إن شبح ريتشارد نيكسون قد عاد لأن عزله من الرئاسة بدأ بأن مكتب التحقيق الفيدرالي أصدر مذكرةً رسميةً تُفيد بأن أحد المُقربين من نيكسون متورطٌ في قضية الاعتداء على اللجنة الوطنية بالحزب الديمقراطي، وهو جوردون ليدي المستشار المالي في فريق نيكسون الرئاسي.

أخذت الأزمة الحالية طور التصاعد على مر شهور، وشهدت تطورًا كبيرًا عندما أقال دونالد ترامب مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية جيمس كومي، والذي عاد مساء أمس ليدلي بشهادته أمام لجنة مجلس الشيوخ التي تستقصي حقيقة تورط دونالد ترامب وحملته الانتخابية مع روسيا، من أجل التلاعب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية؛ لإخراج النتيجة في صالحه، وكانت هذه الشهادة مثيرةً للجدل على الصعيد السياسي والإعلامي، ليس فقط في أمريكا بل على مستوى العالم، وطبقًا لما قيل على لسان جيمس كومي؛ فإن هناك الكثير من الأسئلة تطرح طبقًا لكلامه، وهي التي سنحاول أن نناقشها في هذا التقرير، وأهمها هو السؤال عن: هل ستتجدد حادثة عزل رئيس أمريكي، كما حدث مع ريتشارد نيكسون، بعد فضيحة ووترجيت؟

هل وضعت شهادة «جيمس كومي» دونالد ترامب في مأزق؟

أثناء الاستماع لشهادته بالأمس، أكد كومي أنه قال للرئيس دونالد ترامب في ثلاث محادثات مختلفة دارت بينهما؛ إن التحقيق الذي يجريه مكتب التحقيقات الفيدرالي «FBI» يستهدف مجموعة من المقربين لدونالد ترامب، والذين كانوا على علاقة بروسيا وقت حملة دونالد ترامب الانتخابية، وكان هذا كفيلًا بإبعاد دونالد ترامب عن هذا التحقيق حتى قرر أن يدلو ترامب بدلوه؛ فوضع نفسه في كثير من المشاكل:

المشكلة الأولى: مايكل فلين

مايكل فلين هو مستشار الأمن القومي السابق الذي أجبره دونالد ترامب على الاستقالة، بعد أن أفادت التحقيقات أن مايكل فلين من أبرز المُتهمين من حملة دونالد ترامب الانتخابية بالتعاون مع روسيا في تأثيرها على الانتخابات الرئاسية التي فاز بها ترامب، ولكن تعاونه مع روسيا لم يكن السبب الرئيسي لكي  يجبره دونالد ترامب على الاستقالة؛ بل إن مايكل فلين  ضلل مايك بنس «نائب الرئيس» في علاقته بسفير روسيا لدى الولايات المتحدة «سيرجي كيسلياك».

وسبب معرفة أن مايكل فلين أصبح أزمة لدونالد ترامب؛ هو تصريح جيمس كومي أمس بأن دونالد ترامب طلب منه بشكل مباشر أن ينهي جميع التحقيقات المُتعلقة بمايكل فلين، وهو طبقًا للقوانين الفيدرالية التي تحكم الولايات المُتحدة ما يعتبر «عرقلة العدالة»، وهي الجريمة التي واجه بسببها كل من بيل كلينتون وريتشارد نيكسون العزل من الكونجرس الأمريكي.

ومن وجهة نظر البعض؛ فإن تدخل ترامب في هذه القضية قد يشير إلى أن  هناك صفقة عقدت خلف الكواليس بين مايكل فلين، ودونالد ترامب، فربما كان على مايكل فلين أن يستقيل من فريق دونالد ترامب الرئاسي على أن يساعده ترامب في الإفلات من تحقيق مكتب التحقيقات الفيدرالي الذي قد يجعل منه أكبر المتواطئين مع روسيا.

محاولة مساومة جيمس كومي: أزمة دونالد ترامب الثانية

طبقًا لشهادة جيمس كومي؛ فإنه أثناء عشاء خاص جمع بينه وبين الرئيس دونالد ترامب يوم 27 يناير (كانون الثاني) الماضي، قال له دونالد ترامب إن كان يريد أن يحتفظ بوظيفته رئيسًا لمكتب التحقيقات الفيدرالية، فعليه أن يقدم قرابين الولاء والطاعة له، وقال جيمس كومي إن الرئيس قال له نصًّا: «أنا أحتاج إلى الولاء،أنا أتوقع الولاء».

وهذا ما يدعم ادعاء جيمس كومي وادعاء الآخرين، أن ترامب عندما أقال جيمس كومي من منصبه كان بسبب أن كومي لم ينصاع إلى دونالد ترامب في نواياه لإسقاط التحقيق، ووضع دونالد ترامب وفريقه فوق سيادة القانون الفيدرالي، وعلى الرغم من ذلك فإن الضرر الذي تعرض له دونالد ترامب في هذه المسألة هو ضرر سياسي أكثر منه قانوني؛ لأن هناك الكثيرين من مؤيدي دونالد ترامب قد أصبحوا الآن مقتنعين بأن الرئيس الذي وضعوا ثقتهم فيه يحاول التلاعب بالقوانين التي أقسم اليمين على احترامها قبل تسلمه منصب رئاسة الجمهورية، وهذا ما قد يقلل من شعبيته بشكل كبير في الانتخابات الرئاسية القادمة، وهذا بالطبع في حالة تمكن ترامب من عبور الأزمة الحالية بسلام، وإنقاذ فترته الرئاسية حتى نهايتها.

دونالد ترامب يحاول التملص ليخلق لنفسه مشكلة جديدة

قال جيمس كومي إن دونالد ترامب مرارًا وتكرارًا طلب منه أن يصرح بأن الرئيس نفسه ليس قيد التحقيق، بل مجموعة من أعضاء فريقه الرئاسي، وأعضاء حملته الرئاسية، وطلب منه – حسب رواية كومي- أن يتابع التحقيق، وأن يجد كل من تورط مع روسيا في التدخل في الانتخابات الرئاسية، ويعلن أسماء المذنبين إن أراد، ولكن على ألا يترك فرصة إلا ويبرأ دونالد ترامب فيها.

وفي حالة أنه بالفعل ثبت تعاون بين حملة ترامب الانتخابية وبين روسيا؛ فهذا الأمر يقلل من قيمة دونالد ترامب في نظر من عاونه على الوصول إلى الرئاسة، ويضع مصير ترامب الرئاسي في مهب الريح؛ ففي حالة أن نهاية التحقيق جاءت بوجود أدلة قاطعة على وجود تنسيق بين مُقربين من دونالد ترامب، وبين روسيا للتلاعب بالديمقراطية الأمريكية، فلن يحفظ سر دونالد ترامب شخص قد تخلى ترامب نفسه عنه طبقًا لشهادة  جيمس كومي.

ما هو المثير للشك في شهادة جيمس كومي؟

هناك بعض الأسئلة لم تكن لها إجابة في جلسة استماع جيمس كومي أمام لجنة مجلس الشيوخ التي تتقصى حقائق قضية تلاعب روسيا بالانتخابات الرئاسية لمصلحة دونالد ترامب، فعلى سبيل المثال عندما تطرقت أسئلة اللجنة إلى قضية هيلاري كلينتون، قال إنه كان من الواجب على مكتب التحقيقات الفيدرالية إصدار بيان رسمي يفيد فيه أن هيلاري كلينتون لم تتعد أي قانون عندما استخدمت بريدها الإلكتروني الشخصي بدلًا من البريد الحكومي المؤمن؛ فالسؤال هنا: لماذا رأى جيمس كومي أنه من الضروري تبرئة كلينتون علنًا؟ ولماذا لم يخرج إلى العلن ليقول إن تحقيق مكتب التحقيقات الفيدرالية لا يستهدف دونالد ترامب نفسه بل يستهدف آخرين مُقربين منه؟ لماذا اكتفى بإخبار دونالد ترامب بهذا في محادثات سرية بينهما؟ ولماذا لم يدفع جيمس كومي فريق تحقيقه للبحث وراء تورط دونالد ترامب في القضية وإثبات أنه يريد أن يطيح مكتب التحقيقات الفيدرالية حتى يستطيع النجاة من الفضيحة كما قال في شهادته؟ لماذا كل اتهاماته لدونالد ترامب لم تكن في التحقيق الرسمي؛ بل كانت في شكل ملاحظات دونها هو في مذكرة خاصة به؟ ولماذا طلب من صديق له تسريب هذه الملاحظات إلى الإعلام ولم يفعل هو ذلك بنفسه؟

كل هذه الأسئلة السابقة قد تقلل من فاعلية  شهادة جيمس كومي في التحقيق الذي يجريه مجلس الشيوخ في الوقت الحالي.

هل يواجه دونالد ترامب العزل من منصب رئاسة الولايات المتحدة بعد شهادة جيمس كومي؟

اتفق كل المحللين السياسيين والمهتمين بالسياسة الأمريكية أن شهادة جيمس كومي سوف تضر دونالد ترامب، وقد تدمر مصداقيته، ولكن اختلفوا فيما بينهم في الإجابة عن سؤال: «هل يصبح ترامب الرئيس المعزول قريبًا؟»، فالبعض يتوقع هذا والبعض يرى أنه حتى الآن نتائج التحقيقات لا تستدعي عرض فكرة العزل بشكل رسمي في الكونجرس من الأساس.

فأصحاب وجهة النظر الثانية يستبعدون فكرة العزل لهذه الأسباب:

  1. دونالد ترامب لديه الحق دستوريًّا في تقديم طلب لمكتب التحقيقات الفيدرالي بوقف أحد تحقيقاته.
  2. ترامب قد لا يمتلك الوعي الكامل في كيفية التعامل مع وضع أفراد فريقه تحت التحقيقات؛ لأنه لا يمتلك خبرة العمل الحكومي؛ فرئاسة الجمهورية هي أول منصب حكومي لدونالد ترامب.
  3. الأمر الذي يستدعي طرح فكرة العزل هي جريمة « عرقلة العدالة»، وهي الجريمة التي ما زال أمام لجنة تحقيقات مجلس الشيوخ طريقًا طويلًا لإثباتها.
  4. جيمس كومي بدا متحاملًا على دونالد ترامب ووجه له الكثير من الاتهامات غير المثبتة في تحقيقات مكتب التحقيقات الفيدرالية.

أما عن الفريق الآخر، وهو في الأغلب من الديمقراطيين – الحزب المعارض- فيرون أن ترامب لم يترك فرصة أثناء حملته الانتخابية إلا ومدح فلاديمير بوتين الرئيس الروسي، فضلًا عن إقالته لجيمس كومي في هذا التوقيت؛ مما  يجعل من رواية جيمس كومي أقرب إلى التصديق، فهم يرون أن ترامب بالفعل قد يهدد مدير مكتب التحقيقات بإنهاء هذا التحقيق لأنه يعلم أنه متورط بشكل أو بآخر.

 فهل ترى عزيزي القارئ أن الرئيس ترامب سوف يُعزل قريبًا؟

اجمالي القراءات 2915