كان يا ما كان كان فيه ناس عطاهم الله أرض جنة بها من كل الخيرات رزقا لهم ، ولكن لأنهم بدوا وأعراب لم يحافظوا على هذه الجنة التي سكنوها ، وحولوها لصحراء جرداء لا زرع فيها ولا ماء ، ثم ضربوا خيامهم وأقاموا ديوانياتهم على هذه الصحراء ، ومنذ ذلك التاريخ وهم عايشين بهذه الطريقة الغبية ، وكلما ظهر بينهم مصلح يرجموه أو يقتلوه أو ينفوه من أرضهم.
وأخيرا ظهر فيهم واحد عاقل وعالم ، وقال لهم الأرض دي أصلها جنة من جنان الله ، وأنتم خربتوها وجعلتم الناس ينفرون منها ، في الأول صدو&arinaring; وتعرضوا له ونزلوه من مكانته اللائقة به ، لكنه صبر واحتسب عند الله ، ولما حصن نفسه منهم ، بدأ يزرع في أرضه لتكون دليل على صحة كلامه ولم يضرب حولها سياج لتشرق على الصحراء وتسر عين الناظرين ، وبنى فيها بيتا ، ودعى خمس رجال ممن ظن فيهم الخير ويؤمنون كما يؤمن هو أن هذه الأرض أصلها جنة ، وقال لهم ، فكركم مع فكري ورأيكم مع رأي ، ونحط دستور لنا نمشي عليه كلنا ، وقد سلبت نفسي حق طردكم من هذه الأرض وهذا عهدي ولن أخلفه ، ساعدوني ، وإزرعوا لي أرضي (اقصد أرضنا) وارعوا بيتنا ، وقد أثار ذلك فيهم الهمة وتحول البيت إلي قصر ، والحديقة إلي جنة ، وبدأت العصافير تأتي من كل حدب وصوب إلي مبتغاها ، لتغرد وتتمتع بالحرية ، وبالصفاء والجمال.
طبعا زي ما فيه عصافير حضرت لتغرد ، جائت بعض البوم والغربان لتنعق ، وكان منهم غراب متكبر بدأ ينعق حتى صم صوته الآذان ، وكان لزاما على الفلاحين الخمسة أو قل البنايين الخمسة أو قل العمال الخمسة ، أو حتى المديرين الخمسة ، أن يقفوا في وجه الغراب ، ويرفضوا نعيقه ، ويطردوه من الجنة التي لم يحافظ على وجوده بها ، ولكن هذا الغراب لف ودار ورجع يقسم بأغلظ الإيمان أنه من المتحولين فقد تحول في يوم وليلة من غراب إلي عصفور جميل مغرد مع السرب ، ولحسن نية صاحب القصر توسط له عند الأعمدة الخمسة ، ولطيب قلبهم قبلوه مرة أخرى ليدخل جنتهم وقصرهم شرط أن يغرد ولا ينعق ، وقد قبل الشرط ، ولكن وآه من ولكن ، عاد ينعق ، فوقف له بعضهم ، وحدث الاختلاف وهو سنة الحياة ، ولكن الغريب في الأمر أن صاحب القصر كان يسمع نعيقه تغريدا ، وصياحه المزعج شدوا كشدوا البلابل
بدأ بعض هذه الأعمده ينصح صاحب القصر ويذكره بالعهد الذي بينهم ، ولكن ومن سنة الحياة أيضا أن صوت النصيحة ثقيل وصوت المدح جميل ، ووقع الاختلاف وانضم قطعا لصاحب القصر أحدثهم عهدا بهم وأقلهم بناءا وأضعفهم فلاحة ، وحدث أن تنكب صاحب القصر عن كل عهوده ووعوده مع الأعمدة الخمسة ، وقال أنا لا أحتاجكم بعد الآن ، فمن أراد أن يبقى معي أهلا به بشروطي ، وأنتم لا ترون ولا تسمعون إلا ما أرى وأسمع ، فمن تعتبرونهم غربان هم بلابل مغرده ، وأنتم لا تعرفون لجهلكم أو لضلالكم ، يكفيكم مهنة الفلاحة وليس لكم الحراسة أو الإدارة ، وتشكرونني على ذلك
هذه الخطوة صفقت لها الغربان وصاحت من أجلها البوم ، ووقفت لها بعض الصقور المتربصة بهذه الجنة والقصر وقفة إنتظار ، صاح العقلاء من الأعمدة ، وقالوا لصاحب القصر ، نحن نستطيع أن نبني قصورا أخرى ونزرع جنان وأنت تعلم ذلك تماما ولكن نحن مازلنا نردد قوله تعالى (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) ، من يؤيدك لا يعدوا كونه يسمعك صدى صوتك ، فلو أشجاك ذلك فقد كتبت نهايتك بنفسك ، ومن ينصحك يسمعك صوت العقل ، فاسمع وتدبر لعله على حق ولعلك على باطل كما أنه لعلك على حق وهو الذي على باطل فلن يكون ذلك إلا بالتدبر والنقاش والصراحة ، من قال لك آمين وعظيم لم يضف جديدا ومن قال لك اسمع وفكر فهو يهديك سبيلا ، وهذه الأعمدة ليست أطفالا صغيرة ولكنها من وقفت بجانبك عندما هبت رياح عاتيه ، وكل منهم ضحى من أجل هذه الجنة وذلك القصر ، وكلهم يعرفون أنك المتحكم الوحيد ، ولكنهم مازالوا يظنون فيك الخير كل الخير ، أرجوك أن تسمع هذه النصيحة.
وأخيرا اعلم أن نصيحتنا لك من موقع القوة وليست من موقع الضعف وأنت تعلم ذلك جيدا ، لا تكن كحكام البدو والأعراب الذين مازالوا يعيشون في الخيام من حولنا ولم يتمتعوا بالقصور مثلنا ، أولئك الذين ننتقدهم لديكتاتوريتهم وإنفرادهم برأيهم ، فما يحدث يجعلنا لا نختلف عنهم في قليل أو كثير ، نحن نخاف على القصر الجميل أن تتهدم حوائطه ، وترعى الفئران في جوانبه وتعشش الغربان والبوم في أركانه الفسيحة ، وتذبل ورود الحديقة وتموت أزهارها وتهجر العصافير أعشاشها ، ولو جئت بأعمدة أخرى تردد كلامك وتفكر بعقلك ، فأنت بذلك تستنسخ نفسك ولن يفيدك ، فاتقي الله ثم اتقي الله ثم اتقي الله.
بعد أن قالت له الأعمدة العقلاء ذلك ، قرروا ألا يتكلموا بعد ذلك في هذا الموضوع ، وأن يكون هذا الكلام هو آخر عهدهم بهذه الأزمة الطارئة على القصر الجميل والجنة الغناء ، منتظرين رد فعل صاحب القصر ، حتى يتخذوا قرارا نهائيا
فماذا كان رد فعل صاحب القصر؟
الحقيقة أن الكتاب الذي قرأت منه هذه القصة القديمة جدا ، كانت أوراقه الأخيرة ممزقة فلم أعرف نهاية القصة ، فهل يستطيع أحدكم أن يكتب نهاية منطقية لهذه القصة؟ ، أتمنى من كل قلبي أن تكون نهاية سعيدة لأنني أحب النهايات السعيدة كوني متفائل بطبعي ، وتوته توته فرغت الحدوته
شريف هادي