عباس شومان سفير شيخ الأزهر الذي يحارب تجديد الخطاب الديني
وكيل مؤسسة الأزهر عباس شومان اعتاد أن يكون شخصية مثيرة للجدل مستغلًا مكانته الدينية والوجاهة الاجتماعية التي منحه إياها الإمام الأكبر.
عباس شومان رجل الدين والعديد من الأقنعة
القاهرة- يوصف عباس شومان وكيل مؤسسة الأزهر بمصر في الأوساط الدينية بأنه الرجل الذي يستخدمه شيخ الأزهر أحمد الطيب لتوصيل رسائله لمعارضي الأزهر، ويجعل منه منصة كلامية للردّ عليهم بحسم وقوة وشراسة تكاد تصل إلى حد “الافتراس″ لكل من يعتب على الإمام، حتى أنه قال ذات مرة إن الشيخ من حقه أن ينتقد من يشاء دون أن ينتقده أحد.
وببشرة سمراء ووجه لا يبتسم تعلوه عمامة أزهرية بيضاء وعقلية لا تقبل التغيير أو الحداثة وفكر يتشبث بكل ما هو من التراث القديم، يعتلي شومان كرسي وكالة الأزهر الشريف، ليكون الرجل القوي داخل المؤسسة الدينية الإسلامية العريقة، والذراع اليمنى للطيب شيخ الأزهر.
صانع المشاكل
لا يحتاج البحث في سيرة عباس شومان إلى جهد خارق لفهم توجهاته الفكرية والسياسية وحتى الدينية، بعكس باقي أقرانه ممن لمعت أسماؤهم داخل المجتمع سريعًا، فقد اعتاد أن يكون شخصية مثيرة للجدل، سواء بالأقوال أو الأفعال، مستغلًا في ذلك المكانة الدينية والوجاهة الاجتماعية التي منحه إياها الإمام الأكبر، بعدما أصبح بمثابة “سفير الأزهر” في مختلف المحافل الدولية.
بسببه وقعت الكثير من الصدامات بين الأزهر والعديد من مؤسسات الدولة ورموز المجتمع من مثقفين ومفكرين وكتاب وصحافيين. ومع ذلك يتمسك الطيب به في منصب الوكيل بل وجعله من أهم معاونيه، ولا تروق لكثيرين تلك الطريقة التي يخاطب بها شومان منتقدي الأزهر وشيخه، حيث يصرّ على التمسك بإطار معين لتجديد الخطاب الديني يحمي التراث أيّا كانت سلبياته ويحصن الأزهر وعلماءه مهما بلغت أخطاؤهم.
من سمعوا مخاطبة الرئيس عبدالفتاح السيسي للإمام الطيب في احتفالية ليلة القدر قبل أشهر قائلًا له “أتعبتني يا فضيلة الإمام”، رأوا أن السيسي كان من ضمن مقاصده وجود شخصية مثل عباس شومان ممّن يشاركون في تجديد الخطاب الديني ويرفضون الاقتراب بأيّ شكل من المناهج الأزهرية، باعتبار أنه (شومان) المسؤول عن هذا الملف.
شومان حاصل على ليسانس الدراسات الإسلامية والعربية عام 1985، وتدرج وظيفيّا بكلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر حتى ترقّى إلى رئيس قسم الشريعة في عام 2009، ثم عُين وكيلا للأزهر في سبتمبر 2013 بقرار رئاسي من الرئيس السابق المستشار عدلي منصور بناءً على اختيار الطيب.
الفئات الداعية إلى تجديد الخطاب الديني في مصر بما يواكب العصر تنظر إلى شومان على أنه عقبة أمام أي تقدم يمكن إنجازه في هذا المشروع، خاصة وأنه يعتبر الداعين إلى التجديد فئة تسعى إلى نقل الثقافات الغربية والأوروبية المتحررة التي تتنافى مع العقيدة الإسلامية والتقاليد الشرقية المحافظة
لكن الفئات الداعية إلى تجديد الخطاب الديني في مصر بما يواكب العصر تنظر إلى الرجل على أنه حجر عثرة أمام أيّ تقدم يمكن إنجازه في هذه القضية، خاصة وأنه يعتبر الداعين إلى التجديد فئة تسعى إلى نقل الثقافات الغربية والأوروبية المتحررة التي تتنافى مع العقيدة الإسلامية والتقاليد الشرقية المحافظة، كما أنهم في نظره يريدون أن يكون التحرر بلا قيود كبديل للإسلام المحافظ، وهذا ما سيقف الأزهر له بالمرصاد حسب وصفه.
إدارة التناقضات
مشكلة عباس شومان أنه شخصية لا تؤمن بالاختلاف وقبول الرأي الآخر حتى وإن سعى إلى الإيحاء بعكس ذلك، فهو من شنّ حملة شرسة ضد بعض المثقفين الذين انتقدوا الأزهر بسبب جمود أفكار ومواقف وآراء البعض من رموزه ودفاعهم المستميت عن التراث القديم الذي لم يعد يصلح للتطبيق حرفيّا في هذا الزمان.
من بين هؤلاء جابر عصفور وزير الثقافة الأسبق الذي وصفه شومان بأنه يسعى إلى تخريب الأزهر بالطعن في أفكاره ومناهجه في إطار حرب شاملة على الإسلام من جانب مثقفين ومفكرين من عينة “عصفور”، وإلى الآن يرى أن دعاة الحرية والانفتاح من المثقفين والمفكرين والمجددين بشكل عام يمثلون الخطر الأكبر على الإسلام في المجتمعات الشرقية وبسبب أفكارهم المتحررة حدث التطرف العقائدي.
وبرغم حساسية منصبه وتصنيفه ضمن كبار علماء الأزهر إلا أنه لا يمتلك الرد بالحُجّة، بل اعتاد أن يتحدث بلغة خشنة ونبرة صوت مرتفعة تحمل أحيانا بين ثناياها شيئا من التعالي على الآخر، من خلال كيل الاتهامات لمن ينتقدون المؤسسة التي ينتمي إليها، فلا يذكر له معارضوه أنه واجههم بطريقة تقنعهم أو استند إلى ما يقوّي موقفه في معاركه بعيدًا عن التحقير من عقولهم وشأنهم.
لذلك تخلو معظم أحاديثه من الوسطية والاعتدال والاستناد إلى البراهين التي تعزز آراءه، بل إن هناك توصيفات أصبحت ملتصقة بلسانه دائمًا عند الدفاع عن الأزهر وشيخه، على شاكلة “الجهلاء والمتخلفون والحمقى وأعداء الإسلام وأعداء الله في الأرض”، وهو ما يصعّد المعارك والصدامات مع الأزهر وعلمائه.
لكن تحسب لشومان قدرته على إدارة تناقضات نفسه وتغيير المواقف بشكل بارع ليجد لنفسه مكانًا وسط الكبار في الساحة الدينية، لذلك يراه البعض رجلا يحاول التفرد والسيطرة والسعي إلى تنامي نفوذه بأيّ وسيلة كانت.
شومان والإخوان
في الماضي القريب اعتاد الرجل أن يقدم خلطة دينية نسجها وهو يرتدي الجلباب الأزهري والعمامة البيضاء لا تخلو من صبغات سياسية ليستطيع من خلالها نيل رضا الحاكم، بينما يرى حاليًا أن رجل الدين الحق هو البعيد عن السياسة والحاكم.
من ليس معنا فهو ضدنا
اعتلى منبر أحد مساجد القاهرة ليخطب في الناس خلال عهد الرئيس الإخواني محمد مرسي واصفًا إياه بأنه “مثل الخلفاء الراشدين في الأرض، وقراراتهم نافذة ولا يجوز الخروج عليها، ويحق له (مرسي) أن يقرر ما يشاء ويعزل خصومه مهما كانت مناصبهم، فهو من سلطاته أن يحكم بين الناس ويعتلي منصة القضاء إن أراد”.
كانت كلمات شومان تستهدف مساعدة مرسي على أن يكون “دكتاتوريّا” في أوج صراع الإخوان مع القضاء وكثير من القوى السياسية والحزبية بعد إصدار الإعلان الدستوري المكمّل في نوفمبر 2012، وأراد من خلاله تحصين كل قراراته الرئاسية وإقصاء المستشار عبدالمجيد محمود النائب العام من منصبه، وتحصين مجلس الشورى من الحل.
استخدم شومان علمه الديني لتحقيق مكاسب بتأييد الإخوان وتمجيدهم ووصفهم بأنهم “المنقذ للدين الإسلامي”، وقدّم نفسه ناشطا ثوريا على مواقع التواصل لضرب معارضيهم، وفي إحدى تدويناته قال “إن مكتب إرشاد الإخوان في منزلة الأزهر.. وجلالة وهيبة ووقار المرشد العام للجماعة محمد بديع من هيبة شيخ الأزهر”.
ولأنه يتمتع بمهارة فائقة في القدرة على التخفي بالأقنعة، نجح بشكل بارع في تبديل مواقفه بعد سقوط حكم الإخوان إبان ثورة 30 يونيو 2013 لنيل ثقة النظام الجديد، ولم يتردد في استبدال جلباب الأزهر الداعم للجماعة بآخر للتقرب من الإمام الطيب الذي دعّمه ورشّحه لمنصب وكيل الأزهر.
هكذا تحوّلت الجماعة ومرشدها العام عند شومان من “المنقذ للإسلام” إلى “أعداء الله في الأرض”، ويرى أن خروجهم في مظاهرات لعودة ما يصفونه بشرعية مرسي حرام شرعًا، وذهب إلى أبعد من ذلك فوصفهم بأنهم “يهود بني النضير”.
ما يثير علامات الاستفهام حول بقاء شومان في منصبه إلى الآن، بالرغم من موقفه الواضح من الإخوان، أنه لم يسبق له التأييد المباشر والصريح للسيسي وقراراته مهما علت نبرة الغضب ضدها، مثل ما كان يفعل مع مرسي وهو في الحكم، ودائمًا يبرر ذلك بشكل غير مباشر بأن “رجل الدين لا يجب أن يكون تابعًا لحاكم”، في انعكاس واضح لمواقفه الحالية مقارنة بما كان يحدث منه كعالم دين أثناء حكم الإخوان لمصر.
اللافت أن هناك تناغما بين وسائل الإعلام الإخوانية وما يقوله شومان عند الردّ على منتقدي الأزهر، من حيث المديح لكلامه وطريقة هجومه على من يهاجمون هيئة كبار العلماء.
الرضوخ للمشيخة
مشكلة شومان الحقيقية أنه ينظر إلى أن تقبيل علماء الأزهر، وهو أولهم، يد الإمام أحمد الطيب من مظاهر الحداثة، بينما الدعوة إلى تجديد الخطاب الديني وتنقيح المناهج من النصوص التي تحض على التطرف وإقصاء الآخر وإصلاح التعليم الأزهري من قبيل التخلف.
ويقول شومان عن ذلك “إن كان البعض يرى في تقبيل يدي الطيب غير مناسب للعصر فهذا شأنه ولسنا معنيين بما يلائم عصره، وحاول الإمام الأكبر جاهدا إثناء قيادات الأزهر وعلمائه عن تقبيل يده ومع أننا جميعا نأتمر بأمره عصيناه في هذا الأمر ونصرّ على تقبيل يده ونشعر بالفخر والشرف بذلك على الملأ وفيهم علية القوم”.
وينظر بعض الباحثين عن التجديد الديني، ومنهم الكاتب والأديب يوسف القعيد، إلى أن ما يفعله شومان وغيره من بعض علماء الأزهر يعود بالدين إلى عصر الجاهلية، وهؤلاء العلماء لا يمكن أن ينتظر منهم أحد خطوة واحدة نحو التجديد لا الفكري ولا الديني، لأنها تتواءم مع فكرهم وعقليتهم.
وحتى مع توجه مختلف الدول العربية والإسلامية إلى التركيز على اللغات الأجنبية لطلاب المدارس لمحاكاة واقع العولمة واعتبار أن هذه اللغات إحدى سمات التقارب مع دول العالم المتقدم، فإن شومان يعارض ذلك بشدة ويرى أن تعليم الصغار للغات الأجنبية فيه تدمير للتقاليد، ويقول “لو كان الأمر بيدي لمنعت تدريس اللغات للطلاب الصغار لأنها تغيّر ثقافاتهم وتجعلها منفتحة”.
شومان يتوعد كل طالب بالتعليم الأزهري لا يتبنى فكر الأزهر بالإبعاد
تهديد الأزهر ووعيده
يؤخذ على شومان فكره غير القابل للتجديد ومسايرة الواقع، واقتناعه بأن كل ما هو دعوة إلى الحداثة نوع من التحرر غير الأخلاقي، وترسخ في وجدانه أن الدعوة إلى إطلاق العنان للعقل حرب علمانية على الإسلام، وهي نفس المعتقدات الموجودة في مناهج الأزهر ولا يريد الرجل تغييرها تحت أيّ ظرف أو ضغوط.
توعّد شومان كل طالب بالتعليم الأزهري لا يتبنى فكر الأزهر بالإبعاد النهائي عن الدراسة في توجه يقضي على فكرة التعددية الفكرية وممارسة الدكتاتورية التعليمية على طريقة “من ليس معنا فهو ضدنا”.
يتواءم هذا النهج مع تأكيده على أن منتقدي الأزهر أعداء للإسلام، وكأن كلّ من لا ينتسب للأزهر، دينيا أو فكريا، ليس إسلاميا، وهو ما يتناقض مع دوره كرجل دين مسؤول عن ترسيخ فكرة قبول الآخر.
وبهذه اللغة يسعى شومان إلى ترسيخ فكرة تقديس الأزهر واعتباره وحده ممثلًا للإسلام، وبالتالي فإن من الحرام انتقاده أو السير عكس نهجه لأنّ من حقه تقرير ما يشاء وانتقاد ما يحلو له أما الآخرون فإن هذا الحق مسلوب منهم.
ويبدو لكثيرين أن الرجل استمد اللغة المتعالية من الصلاحيات التي أوكلها إليه الطيب حتى أصبح رد الجميل أن يتحدث شومان عن “الإمام” بطريقة توحي أنه “إمام المؤمنين”، وقال ذات مرة “يحق للإمام الطيب أن ينتقد ويهاجم ويوجّه وينصح كيفما شاء، وما على الآخرين سوى الاستجابة”.
ويفسر البعض الإسراف في التقرب من شيخ الأزهر بأنه محاولة لإخفاء عدم حفاظه على الأمانة التي أوكلت إليه من الطيّب نفسه، حيث نشرت وسائل إعلامية محلية كيف استغل منصبه وسيطرته على الأزهر في تعيين بعض أقاربه بالأزهر بالمخالفة للقانون والشرع.وبحسب الوثائق التي لم يرد عليها شومان لنفيها أو إثبات صحتها ونشرت بأكثر من وسيلة إعلامية فإنه اختار ابن عمه في منصب قيادي بمنطقة الوادي الجديد الأزهرية (جنوب غرب القاهرة)، وتعيين ابن عمته وكيلًا لوزارة الأوقاف في المحافظة ذاتها، واختار ابن عمه مديرًا لمنطقة مرسى مطروح الأزهرية (شمال غرب مصر)، كما تدخل في تعيين 10 من أقاربه بدرجات وظيفية أخرى في عدد من المناطق الأزهرية. ولأن الرجل غارق في الدفاع عن الأزهر بعد تنصيب نفسه حاميا له ضد كل انتقاد أو محاولة لتطوير مساره كان من البديهي أن يغرق أيضًا في أهم الملفات التي أوكلت إليه وتمثل أهمية بالغة في تطهير الأزهر من تهم الفساد والأخونة التي تطارده طوال الوقت.
فهو الذي أوكلت إليه مسؤولية ملف تطوير التعليم الأزهري قبل 3 أعوام، ولم ير الجمهور أي تطوير، كما أنه المسؤول عن الحصول على إقرارات إبراء الذمة لقيادات الأزهر الإدارية من الانتماء إلى الإخوان ولم يحسم الملف بعد، ما يمكن تفسيره بأنه لا يريد توريط نفسه (كإخواني قديم) ولا هيئة كبار العلماء التي تُتهم بأنها تضم شخصيات إخوانية.