الطريق إلى كرسي الرئاسة مقطوع على المرأة العربية
-
الفجوة في الطموح السياسي بين الجنسين لا تزال كما كانت قبل عشر سنوات بسبب العوائق التشريعية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية التي فرضت على النساء العربيات مجموعة من الضغوط، أضعفت حظوظهن في الوصول إلى مراكز صنع القرار في بلدانهن.
كلثوم كنو تعكس أنظار بنات عليسة على عرش قرطاج
قوّضت شخصيات نسائية بارزة الاعتقاد السائد بأنهن يفتقرن إلى القدرات العقلية والثبات العاطفي وأعطين صورة أكثر إشراقا عن المرأة في المسؤوليات القيادية.
ووصل النساء في مختلف بلدان العالم إلى مراكز سياسية مرموقة من بينها وزيرات وحتى رئيسات دول، وتوجد حكومات نصف أعضائها على الأقل من النساء في خمس دول هي كندا وفرنسا والسويد ونيكاراغوا وبلغاريا.
وتتوّلى العديد من النساء حاليا قيادة بلدانهن من أبرزهن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي ورئيسة تشيلي ميشيل باشيلي ورئيسة ليبيريا أيلين جونسون سيرليف ورئيسة ليتوانيا داليا غريباوسكايتي، وتضمّ القائمة مسلّمات مثل رئيسة جزر موريشيوس أمينة غريب فقيم والشيخة حسينة واجد رئيسة وزراء بنغلاديش، بخلاف مسلمات تولين القيادة في أوقات سابقة في بلادهن مثل بناظير بوتو التي كانت رئيسة وزراء باكستان.
النساء القويات لم يحولن أنظارهن بعيدا عن كرسي الرئاسة ويحدوهن أمل في أن تتغير العقلية الرجعية المقصية لجنسهن وتتصدع القيود التي تحول دون تكامل الأدوار بين الرجل والمرأة في صناعة القرار صورة: كلثوم كنو تعكس أنظار بنات عليسة على عرش قرطاج
ويحفل التاريخ بأسماء سيدات شرقيات وصلن إلى أعلى المناصب وتسلمن زمام الحكم المطلق أمثال زنوبيا ملكة تدمر وأروى بنت أحمد اليمنية الملقبة ببلقيس الصغرى وحكمت اليمن أيام الدولة الصليحية الإسماعيلية، والكاهنة ديهيا الأمازيغية التي حكمت شمال أفريقيا مدة 35 سنة وكوبابا العراقية التي حكمت مدينة كيش في العهد السومري وامتد حكمها حوالي قرن من الزمن، والملكة شبعاد السومرية التي كانت من أهم الشخصيات في مدينة أور السومرية خلال عصر الأسرة الأولى من أور (حوالي العام 2600 قبل الميلاد)، وشجرة الدرّ التي حكمت مصر لمدة قصيرة لكنها قدمت نموذجا رفيعا للقائد الفذ، والملكة عليسة التي أسست مدينة قرطاج التونسية وغيرهن كثيرات، ولكن هذا لا يعني أن العالم العربي اليوم يرحب بحكم المرأة لبلادها فالعديد من المجتمعات ما زال يربط دور المرأة ببنيتها النفسية والجسدية وصورتها النمطية داخل الأسرة.
ورغم النجاح الملحوظ الذي حققه العديد من النساء العربيات في مختلف المجالات ومراكمتهن على مدى عقود من الزمن خبرات سياسية طويلة مكنتهن من تجاوز الكثير من الصعاب والأزمات، إلا أن ذلك لم يخوّل لهن تولي رئاسة الدولة أو رئاسة الوزراء في بلدانهن وظل الوضع الغالب في مجتمعاتهن هو قلة تواجد المرأة في المواقع القيادية على مختلف المستويات، وكل ذلك بسبب الموروث الثقافي المليء بالإجحاف ضدّ المرأة وتفسيرات رجال الدين للشريعة الإسلامية التي أضعفت حظوظهن في الوصول إلى المراكز الهامة.
ويعتقد أيضا أن من ضمن الأسباب الرئيسية التي تجعل الرجال يسودون ويحكمون في العالم العربي هو عدم ثقة النساء بكفاءتهن وقدرتهن على تولّي المناصب المهمة والمنافسة في الانتخابات، إضافة إلى تحمّلهن الجزء الأكبر من مسؤولية رعاية الأطفال والأسرة.
ولكن مهما يكن من أمر فالنساء القويات لم يحوّلن أنظارهن بعيدا عن كرسي الرئاسة ويحدوهن أمل في أن تتغير العقلية الرجعية المُقصية لجنسهن وتتصدع القيود التي تحول دون تكامل الأدوار بين الرجل والمرأة في صناعة القرار والذي من خلاله يمكنهن النظر إلى مشاكل بلدانهن من منظورات مختلفة والوصول إلى حلول متنوعة تساعد على بناء مجتمعات أكثر تماسكا وتطورا.
فاطمة الزهراء بن إبراهم: الصورة الذكورية لمنصب الرئيس هي المهيمنة على مخيال المجتمع الجزائري
مجتمع ذكوري
يبدو تأثير المرأة الجزائرية في الحياة السياسية لبلادها بارزا على الدوام فقد لعبت دورا مهما في تحرير بلادها من الاستعمار الفرنسي ولم يخفت صدى صوتها في صناعة التاريخ الحديث للجزائر وتفوقت على مثيلاتها في دول عربية أخرى في الحصول على العديد من الامتيازات، لكن ما تزال هنالك فجوة بين القانون والتقاليد المتجذّرة في المجتمع الجزائري والتي تجعل تطلعها لحكم بلادها صعب المنال.
وترى المحامية والقاضية السابقة فاطمة الزهراء بن إبراهم أن مسألة تولّي المرأة ومنصب الرئاسة تختلف من بلد إلى آخر في العالم العربي وذلك حسب الوضع الحقوقي العام للمرأة في بلدها، لكن يبقى القاسم المشترك بين نساء المنطقة أن ذكورية المجتمع غير مستعدة للتنازل عن المنصب للمرأة.
وقالت بن إبراهم في حديث لـ”العرب” إن “ما يتم التسويق له ظاهريا في بعض الدول العربية، والجزائر تحديدا، هو فتح المجال أمام المرأة لنيل حقوقها والرفع من شأنها في مجتمعها بفضل ترسانة القوانين والنصوص التشريعية، إلا أن الثابت أن منصب رئاسة البلاد يبقى حكرا على الرجل، والحضور المحتشم للمرأة لخوض الاستحقاقات الرئاسية يبقى شكليا لأن المجتمع لا زال يرفض الفكرة من الأصل”.
وأضافت “هناك تراكمات شرعية وعقائدية مترسّبة لدى المجتمع الجزائري، ولئن قبل بالمرأة في مناصب تنفيذية وإدارية وبرلمانية وحكومية، فإن الأمر يختلف تماما عندما يتعلق بمؤسسة الرئاسة، لأن الصورة الذكورية للمنصب هي المهيمنة على مخيال المجتمع″.
وأوضحت القاضية الجزائرية أن مشاركة سياسيات في الانتخابات الرئاسية والظهور بمظهر المنافس على منصب الرئاسة، كما هو الشأن بالنسبة إلى اليسارية لوزيرة حنون التي ترشحت مرتين للرئاسة، أمر لا تتقبله الذهنية الجزائرية التي لم تتعود على رؤية هذه المرأة أو غيرها في قصر المرادية”.
ولم يكن دخول المرأة المصرية المعترك السياسي أمرا يسيرا بل خاضت كفاحا طويلا، لتفتكّ حقها في التصويت والترشّح في الانتخابات عام 1956 إلا أنّ تجربتها السياسية الثرية وقدرتها على تولي المناصب القيادية لم تكن كافية ليساندها مجتمعها في الوصول إلى سدة الحكم.
وأرجعت الكاتبة سكينة فؤاد التي شغلت منصب مستشارة للرئيس المصري السابق تأخّر تولّي المرأة منصب رئاسة الدولة أو الوزراء إلى الأفكار الرجعية والذّكورية التي لا علاقة لها لا بالدين ولا بالحضارة ولا بالثقافة.
وأكّدت فؤاد لـ”العرب” أنّ “مشاركة المرأة عبر تاريخ مصر الطويل في كافة المجالات تاهت في غياهب التّضليل العقلي والأفكار الرجعية المتخلفة، إذ عادة ما يتمّ تغليف العادات والتقاليد برداء الدين الحنيف للتقليل والتهوين من إسهامات المرأة وقدراتها رغم أنّ الدين منها براء”.
وأشارت الكاتبة المصرية إلى تعدد النماذج النسوية الناجحة التي ساهمت في الرقي بالمجتمع المصري داعية المشككين في ذلك بالرجوع إلى التاريخ فهو على حد قولها الحكم الفاصل.
وشددت على أن الأمة العربية تعيش الآن مرحلة من أكثر المراحل ألما بسبب تصاعد دور الجماعات الإرهابية التي تستخدمها قوى إقليمية ودولية كأداة لتحقيق أغراضها. وتساءلت فؤاد مستنكرة “هل وسط هذا المشهد المريض يمكن أن يكون هناك إيمان بأن تتولى المرأة أعلى المناصب السيادية في الدول العربية؟”.
سكينة فؤاد: مشاركة المرأة في صناعة تاريخ مصر تاهت في غياهب الأفكار الرجعية
ثقة واقتدار
حصلت المرأة التونسية على مكتسبات تشريعية مهمة خاصة أيّام الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة إذ سبق لتونس أن وقّعت على اتفاقية “القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة” سنة 1979 ودخلت حيز التنفيذ سنة 1981، وتنصّ على أن “من حق المرأة أن تقوم بشروط مساوية للرجل بالتصويت في جميع الانتخابات وشغل المناصب العامة وممارسة جميع المهام التي يحدّدها القانون الوطني” غير أن ما نصت عليه القوانين لا يوجد له تطبيق كامل على أرض الواقع.
ووصفت القاضية التونسية كلثوم كنو ترشحها للانتخابات الرئاسية في عام 2014 بالتجربة الهامة، ليس فقط لاعتباراتها السياسية بل لأنها على حد تعبيرها مست العقلية التونسية ودغدغت العقلية الذكورية بصفة خاصة، موضحة أن تجربتها حفّزت النساء التونسيات على المشاركة في الانتخابات البلدية وفتحت الباب لهنّ لخوض معترك السياسة بكل ثقة واقتدار.
واعتبرت كنو في حديثها لـ”العرب” أن ترشحها للانتخابات الرئاسية كان بمثابة النجاح الضمني للمرأة التونسية بشكل عام، نظرا لأنها احتلت المرتبة 11 بين 27 مرشحا للرئاسة، مشددة على أن ذلك له تداعياته على المدى الطويل.
وقالت إنها خلال حملتها الانتخابية لم تلمس أيّ رفض للمواطنين لفكرة تولّي امرأة للرئاسة، موضحة أنها تقدمت كمرشحة مستقلة واعتمدت في حملتها بالأساس على تزكية الناخبين من المواطنين المرسّمين في القائمات الانتخابية، وهو ما تطلب منها لقاء مباشرا مع المواطنين من كل الجهات.
وأضافت القاضية التونسية “لاحظت أن كل الفئات العمرية الأكثر من خمسين عاما يرحّبون بفكرة تولّي امرأة منصب الرئيس، لكن الفئات العمرية بين 30 وخمسين عاما كانت غير متحمّسة لذلك وتحجّجت بقلة الخبرة والزاد السياسي للنساء، وكأن الخبرة مقتصرة فقط على الرجال، وأن المرأة التونسية رغم نجاحها في توليها مناصب هامة مازلت غير مهيأة لتولي الرئاسة، وكانت هناك نسبة ضئيلة ممن تحججوا برفضهم تولّي المرأة للرئاسة لأسباب دينية”.
وأشارت كنو إلى أن ما حال دون نجاحها في تولي منصب الرئاسة هو غياب الدعم الحزبي نظرا لأنها تقدمت كمرشحة مستقلة، بالإضافة إلى ضعف الدعم المادي لحملتها الانتخابية، موضحة أنها اكتفت بالدعم المادي الذي قدمته الدولة وبمالها الخاص لتغطية مصاريف حملتها الانتخابية ورفضت دعم جهات لم تذكرها بالاسم من أجل الحفاظ على المصداقية والشفافية.
وعتبت القاضية التونسية على الإعلام الذي ترى أنه اكتفى بالتركيز على مرشحين معينين ولم يكن موضوعيا في نقل حملات كافة المرشحين للرئاسة التونسية وقتها.
شانتال سركيس: لا بديل عن المشاركة الفاعلة في الحياة السياسية قبل المطالبة بالمناصب
المشاركة الفاعلة
لم تستطع المرأة اللبنانية اختراق أسوار مجلس النواب سوى بعدد محدود جدا رغم أنها حصلت على حق التصويت والترشح للانتخابات منذ عام 1952.
وترى الأمينة العامة لحزب القوات اللبنانية شانتال سركيس أنه لا توجد أسباب قانونية تعيق وصول المرأة إلى سدة رئاسة الجمهورية، وأن المسألة مرتبطة بشكل كبير بالمرأة ذاتها التي يجب عليها أن تفرض نفسها كشخصية سياسية وتقدم أفكارا وطروحات، مشددة على ضرورة تشجيع ودعم الأحزاب السياسية للنساء حتى يتمكنّ من الوصول إلى المراكز القيادية.
ولفتت سركيس إلى “أهمية تفعيل انخراط المرأة في الأحزاب السياسية لأنها المركب الذي يمكن أن يساعدها على انتزاع مناصب نيابية أو وزارية وصولا إلى منصب رئاسة الجمهورية”.
وأكدت الأمينة العامة لحزب القوات اللبنانية أن المرأة حين تفرض حضورها داخل التيارات السياسية فإن “ترشيحها للمناصب العليا يصبح أمرا طبيعيا وتلقائيا، ولذا فإنه لا بديل عن المشاركة الفاعلة في الحياة السياسية قبل المطالبة بالمناصب”.
ووجهت سركيس لومها إلى الأحزاب وإلى المرأة في هذا الصدد موضحة أن “الأحزاب لا تستثمر بشكل مناسب في النساء، وأيضا لأن عددا كبيرا من النساء يوجّهن اهتمامهن إلى النشاط الاجتماعي والعمل التجاري ويهملن النشاط السياسي”.
وأضافت “يجب الدفع في اتجاه خلق مناخ يجعل من النجاح الاجتماعي والتجاري للمرأة منسجما مع النشاط السياسي لا أن يكونا متناقضين في سبيل تسهيل وصول المرأة إلى أعلى المراتب القيادية في البلد والتي تشمل رئاسة الجمهورية”.
ويتحجّج الرافضون لفكرة تولي المرأة العربية لرئاسة الدولة في بلدها بالدين الذي لا يبيح للمرأة حكم بلادها، غير أن آمنة نصير أستاذة العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر أشارت في تصريحات لـ”العرب” إلى أن ما يتم تداوله من أن النساء ناقصات عقل ودين، ومن ثم فهنّ غير جديرات بتولي أعلى المناصب القيادية، فكر دخيل على المجتمع المصري وليس جزءا من الشخصية المصرية.
ما يتم تداوله من أن النساء ناقصات عقل ودين، ومن ثم فهنّ غير جديرات بتولي أعلى المناصب القيادية، فكر دخيل على المجتمع المصري
وأرجعت ذلك إلى اغتراب ملايين المصريين منذ السبعينات من القرن الماضي في مجتمعات كثيرة مجاورة، وتأثر عقلية هؤلاء بفقه وعادات وثقافة تلك الدول، وبعودتهم إلى مصر حملوا معهم ثقافة مغايرة لتلك التي نشأ عليها مجتمع ضفتي النيل منذ آلاف السنين.
وأشارت نصير إلى أن المنظور الفكري المتطرف القادم من الخارج ساهم في تأجيجه التراجع الشديد في دور الأزهر والمؤسسات الدينية والتعليمية.
وأكدت أستاذة العقيدة أنه إذا لم تتغير تلك المعتقدات فليس هناك أمل في أن تتولى المرأة ولا حتى منصب رئيسة الوزراء، فما بالنا أن تكون رئيسة للدولة.
فيما ترى هدى زكريا أستاذة مصرية في علم الاجتماع في حديثها لـ”العرب” أن المرأة العربية يمكنها أن تكون رئيسة دولة لأنها استطاعت في العصور الغابرة أن تصبح قائدة، وضربت المثل بالملكة المصرية في العصر المملوكي شجرة الدر.
وأوضحت زكريا أنه لا توجد مشكلة في أن تحكم المرأة في الدول العربية لكن المشكلة تكمن في أنه على الرغم من وجود صفوة نسائية، مثل الوزيرات، إلا أنه لا توجد نساء جماهيريات، ولا حاضنات اجتماعية لنساء الجماهير وهذا ما يدفع بالنساء إلى الوراء.
وأشارت أستاذة علم الاجتماع، أن منح السلطة للمرأة في أيّ مجتمع عربي لا يترتب عليه تغيير واقعها تماما، لافتة إلى مسألة هامة وهي أن كل المجتمعات التي تشعر بالذنب تجاه نسائها هي التي تتشدق كثيرا وتغالي في الحديث عن ضرورة تحقيق المساواة ما بين الرجل والمرأة.