4 طرق تستخدمها الأنظمة لتقتل بضمير مرتاح

في الخميس ٢٠ - أبريل - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

في نظر العديد من الفلاسفة فإن الإنسان ذئب الإنسان، يعمد إلى المهاجمة قبل أن يكون عرضة للهجوم، وذلك بغية استباق الخطر. كانت الحرب أسوأ الحلول، لكن الناس خضعوا لها، فمن المنطقي أن نحاول فهم كيفية إنتاج العجرفة الحربية التي تدفع الناس إلى أن يقتل بعضهم بعضًا بطريقة شرعية، ذلك أن الحرب هي – قبل كل شيء – ترخيص ممنوح شرعًا لقتل أناس لا نعرفهم – أو أحيانًا نعرفهم حق المعرفة كما في الحروب الأهلية – لكنهم يتحولون فجأة إلى طرائد يجب تعقبها والقضاء عليها.

كتاب «صنع العدو أو كيف تقتل بضمير مرتاح»، لبيار كونيسا، يبدو للوهلة الأولى كتابًا بعنوان عنيف، لكنه كتاب يبحث عن العنف بداخل الإنسان، والطريقة التي تجعل العنف شرعيًا ومقبولًا؛ إذ في دول ديموقراطية يجب على الحرب أن تكون «ديموقراطية» أيضًا.

«الناس يتصرفون بصورة عنيفة والتنظيم المشترك وحده يمنعهم» *هوبز

 

بيار كونيسا هو باحث فرنسي وأكاديمي ودبلوماسي، شغل منصب مساعد مدير لجنة الشؤون الإستراتيجية في وزارة الدفاع الفرنسية، وهو حاليًا أستاذ في معهد العلوم السياسية.

من مؤلفاته دليل الجنة، وآليات الفوضى، والكتاب الذي نحن بصدد مناقشته أصدره «المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات»، وأنجز ترجمته المترجم: نبيل العجان، وهو باحث ومترجم من سوريا.

لا يعتقد كونيسا بأن الديموقراطية حاملة للسلام بذاتها، وإلا لما قامت الاستعمارات الفرنسية والبريطانية قط، ولما وجد الأمريكان في العراق، ولما استعمر الإسرائيليون الأراضي المحتلة، من وجهة نظره، ولهذا قد يجد البعض في كتابه تحذيرًا مرة مما قد تفعله الأنظمة بنا، وتصريحًا مرة بمصطلحات لم نعتد عليها، أو كما يراها الحكام. وهنا حرصنا أن نذكر بشكل أدق أربع طرق تستخدمها الأنظمة لصنع العدو والقتل بضمير مرتاح؛ ولكن – قبل ذلك – وجدنا من الأهمية تعريف العدو والحرب أولًا.

تعريف العدو

يؤدي العدو دورًا اجتماعيًا وسياسيًا في المجتمعات المعاصرة؛ فيعتبر كارل شيميت أن صناعة العدو هي مهمة السياسي؛ فالعدو هو الآخر، الشر، التهديد، وهو يقدم خدمات كثيرة، ويعمل مهدئًا، خصوصًا عبر المسؤولية التي يمثلها – سواء حقيقية أو متخيلة – في قلقنا الجماعي؛ فيمكن لصناعة العدو أن ترسخ الأواصر المجتمعية، ويمكنها أن تكون مخرجًا لسلطة تواجه المصاعب على الصعيد الداخلي.

وفي حالات يفقد العدو هويته القانونية إذا كان «ثائرًا»، أو«إرهابيًا»، أو«متمردًا متطرفًا»، أو «مثيرًا للقلاقل»، وتضعه هذه الصفات في وضع الحد الأدنى للحقوق.

تعريف الحرب

تعرف الحرب بأنها نزاع بين دولتين تملكان جيوشًا نظامية، وتتحقق عبر فعل إرادي؛ أي إعلان الحرب الذي يسبق بدء الأعمال العدوانية، ومنذ ذلك الحين يندمج الجندي الذي يرتدي بزة عسكرية في نظام تسلسلي يعطي ويتلقى الأوامر، ويصبح جزائيًا غير مسؤول عن الأشخاص الذين يتسبب في قتلهم ضمن حدود قانون الحرب، ويقول المؤلف: إن الحرب هي اللحظة – غير الطبيعية – إذ تمكن ملاحقة من يرفض قتل «العدو» بالموت، لذا يتعين علينا القيام بذلك عن طيب خاطر، والاقتناع بما نفعل.

وها هنا نبدأ في سرد 4 طرق اعتمادًا على كتاب كونيسا، تستخدمها الأنظمة لتقتل بضمير مرتاح.

1- كل من هو غيري عدوي .. الحاجة إلى الهوية

«بما أن الحرب على الإرهاب ليست حربًا على دولة، فاتفاقات جينيف لا تطبق على هؤلاء الناس الذين تم اعتقالهم في الطرف الثاني من العالم، مع سلاح أو من دونه» *الإدارة الأمريكية في عهد بوش الابن

يستشهد المؤلف بكتاب «وهم الهوية» لجان فرانسوا بايار، والذي يبرهن على أن الوقائع السياسية ليست موجودة كما هي، لكنها موجودة كموضوع تفسير وفق محددات عاطفية ومعرفية ورمزية خاصة بكل مجتمع، ويشكل المجال السياسي مسرحًا، حيث نرى – ليس أهمية أفعال الناس فحسب – بل صداها، وطريقة فهمها، وإدراكها وتفسيرها.

ويحلل رينيه جيرار في كتابه «العنف والمقدس» دور الأضحية في وضع الأزمات؛ ليحرف اتجاه العنف الجماعي نحو شخص أو حيوان، وهكذا تحافظ الأضحية على وحدة الجماعة، حيث تصبح الضحية كبش الفداء.

تسمح الإشارات الرمزية للانتماء لجماعة معينة بتمييز العدو المختار، حيث يسمح اللباس الموحد مثلًا بتصنيف الإسلاميين وتمييزهم من غير المسلمين؛ إذ يرتدي التكفيريون – بحسب استكمال هذه السردية إذن – البنطال الذي يغطي نصف الساق، ويطلقون اللحية، وينتعلون صنادل من جلد الجمال، ونرى طقوسًا أخرى عند جماعات «الهوليغان» ومراهقي الضواحي الذين يوشمون أجسادهم. كل هذا يضمن عدم عدالة المعركة، وعدم معاقبة الجندي، إذا قتلهم.

وتصل جذور الهوية المتغلغلة في الحرب حتى إن النصب التذكارية الفرنسية لقتلى الحرب في فترة الجزائر الفرنسية، لم تذكر أسماء الجنود المسلمين الذين فقدوا حياتهم في ساحة الحرب، وتستثنى نصب الولايات المتحدة الجنود البورتوريكيين الذين جندوا وفقدوا حياتهم في فيتنام.

2- بناء العدو في سياق مخاوف جماعية .. مهدئ لحالات القلق الجماعي

«حين يعاني المجتمع يشعر بالحاجة لأن يجد أحدًا يمكنه أن يعزو إليه ألمه، ويستطيع أن ينتقم لخيبات أمله» *دوركايم

المجتمعات الغربية هي الأكثر أمانًا في تاريخ البشرية، فهي تخترع «مبدأ الحيطة» الذي يؤدي إلى إضفاء طابع المأساة والمبالغة فيما يتعلق بالخطر، فسكان المجتمعات المتقدمة تهتز مشاعرهم أمام التنبؤات الاستراتيجية المأساوية، وينتظرون من السلطات العامة أن تحميهم من كل ما هو غير متوقع، وتحميهم حتى من القدر، ويرافق هذه الأزمات الطارئة قلق تنبؤي بنهاية العالم، ذو تأثير مستمر، ويمكنه أن يغير موضوعه، لكن ليس طبيعته، ومن ثم نحتاج إذن إلى مهدئ.

في هذه الحالة لن تلعب التحليلات السياسية دورها، لكن يلعبه النتاج الأدبي الإعلامي والسينمائي، ليمثل القلق سوقًا – صنعته هوليوود ببراعة على سبيل المثال – من اللاإنسانية الخائنة، فكان دور الشرير يؤديه – لفترة طويلة في أفلام الغرب الأمريكي – رجل ميكسيكي، قاسٍ وغير حليق الذقن، ويسيل منه العرق.

وفي الأفلام الحربية يتسم الجاسوس الألماني، ثم السوفيتي، بهدوء بارد، مثل الرجال الآليين، وفي أفلام التشويق – في مرحلة التسعينات – يستعيد دور الشرير الكولومبي مهرب المخدرات المهذب المهتم بمظهره، لكنه قاسٍ بشكل لا يصدق مع ابتسامة مقلقة.

أخيرًا، ومنذ 2001، نتعرف إلى الشرق أوسطي من خلال لكنة مضحكة ينشر بواسطتها خطابه المتعصب، والضحكة التهكمية التي ترافق الفعل الخبيث.

اقرأ أيضًا: أمريكا التي لا تعرفها.. 5 كتب تكشف الجانب المظلم للسياسة الأمريكية

لتعبير الخوف الجماعي وقع خاص في المحافل الاستراتيجية التي تفكر في الأمن الدولي. بحسب كونيسا، فعندما نكتب أن «العالم يتحول»، وأنه «متغير ومتقلب» و«يعج بالمخاطر» و«التحديات» وأننا نقلق من «النمو الاقتصادي في الصين» الموصوف كـ«صعود محتمل» كما كنا قلقين من «الثورة الثقافية»، كل هذا جزء من المفارقات التي يفيض بها تاريخ الجغرافيا السياسية، وبعد اعتداءات 11 سبتمبر (أيلول) لم تكن منصات التليفزيون متاحة، إلا للخبراء الذين يعلنون عن أعمال إرهابية نووية أو كيماوية للأسابيع المقبلة.

 

3- العدو كائن مختلف ونحن مميزون عنه

«الحرب ظاهرة تفريق جنسي مزيف بين البشر» *إيريك إيريكسون

يمكن لمجموعة أن تعتبر أفراد مجموعة أخرى كأنها تنتمي إلى جنس آخر يجب صيده وتدميره من دون رادع، وتقتل الحروب الحديثة 90% من المدنيين مقابل 10% من العسكريين، وهكذا أصبح العدو عبارة عن كلٍ، صار في الإمكان أن تقتل شرعيًا ذراته المختلفة.

يكون التمييز – أولًا – شفويًا، فيجب على الآخر أن يُقصى من المفردات، فهو: قاطع طرق، ثوري، بربري، قاتل، عنيف، إرهابي.

لكن لا يسمى محاربًا أو عدوًا، ويمكن للمثقفين أن يسهموا في ذلك، فقد كتب سارتر في نوفمبر (تشرين الثاني) 1961 «المعادي للشيوعية هو كلب. باسم المبادئ، باسم الإنسانية والآداب القديمة الإغريقية والرومانية، باسم الحرية والمساواة والأخوة، كنت أضمر للبرجوازية كراهية لن تنتهي إلا مع نهاية حياتي». ويحكي ميكايل إغناتييف «في القبو الصربي المحصن، سمعت جنود احتياط يقولون: إنهم يكرهون تنفس الهواء ذاته الذي يتنفسه الكرواتيون، وأنهم يكرهون الوجود في الغرفة ذاتها معهم».

يكون التمييز بعد ذلك ثقافيًا، ذلك أننا نعرف النظريات العنصرية الأوروبية المختلفة، كما طورت اليابان فكرًا قوميًا مهيمنًا تجاه الأسيويين الآخرين. منذ الثلاثينات وضِع مبدأ التفوق العرقي الياباني بالارتكاز على نظرية كوكوتاي نوهونغي «مبادئ الأمة»: «يعيش الغربيون الماديون المنحطون في مجتمع فرداني ومادي، ولن تكون نتيجة هذا التوسع سوى حرب بين «الروح والمادة»، والآسيويون الآخرون منحطون ضعفاء لا يستطيعون حماية أنفسهم، وعلى العرق الياباني أن يتكفل بمصير الآسيويين من خلال تأمين الحماية لهم تعويضًا عن إسهامهم بدعم جهده في الحرب ودعم توسعه».

4- العدو حيوان بربري

«إنهم يأتون حتى بين ذراعيكم ليذبحوا أبناءكم وزوجاتكم» *كلمات من النشيد الوطني الفرنسي

تحمل كلمات النشيد الوطني الفرنسي دلالات حربية خالصة، ففي زمن روجيه دو ليل كان الآخر بربري مستعد لأن يفعل أي شيء، يذبح، واليوم قد يغتصب.

لم تكن أحداث 11 سبتمبر (أيلول) القطيعة الاستراتيجية الأولى، فقد جرت أول عملية إرهابية بيولوجية ناجحة في دالاس 1984، حيث نشرت طائفة «راجنيشي» بكتيريا السالمونيلا في طعام المطاعم للتأثير على نتيجة انتخابات محلية، ولم يتخذ وقتها أي إجراء أمني تجاه «طوائف الرؤيا الأخروية» بسبب حماية الحرية الدينية.

تبع هذا الحادث أول عملية إرهابية واسعة النطاق على أرض أمريكا قادها تيموتي ماكفي المنتمي لطائفة دينية مؤمنة بتفوق العرق الأبيض من اليمين المتطرف الأمريكي، ثم حادث أوكلاهوما سيتي وتفجير دار الحضانة التي تقع في المبنى الفيدرالي مخلفة 168 قتيل في إبريل (نيسان) 1998.

بالرغم من الأحداث السابقة، إلا أن الانهيار النفسي الذي طبع أحداث 11 سبتمبر (أيلول)، وعلى نحو يفوق الحدث ذاته – كما يرى المؤلف – بالنظرة إلى الحدث والتغطية الإعلامية التي تبعته، وتدل الوثائق القليلة التي وجدت بين أوراق ابن لادن على إرادته في وضع استراتيجيات التوتر، وهو عمل معتاد لدى الجماعات الإرهابية، بغية إرغام الآخر على الإفراط في ردة فعله، وتشتيت قوات الأمن، وإرهاقها، والمحافظة على حالة تأهب قصوى، وخلق هاجس لدى السكان.

بعد 11 سبتمبر (أيلول) كان يجب أن تكون ردة الفعل أمنية، وأن تبقى شأنًا تعني به أجهزة الاستخبارات، لكنها جاءت كما توقع ابن لادن. فبحث البيت الأبيض عن «أعدائه»، وأعلن «حربًا شاملة» على مستوى العالم، تحركه غطرسة حربية حقيقية: حربان، و86 «مجموعة إرهابية» مسجلة على قائمة وزارة الخارجية الأمريكية عام 2002، ومئات الآلاف من القتلى.

أخيرًا فإن العدو خيار سياسي، فإيران أقل استخدامًا للطاقة النووية، وأقل إرهابًا من باكستان، في نظر الكاتب، التي هي قوة نووية، ومقر العديد من المدارس الدينية التي يخرج منها الإرهابيون الأكثر نشاطًا، بحسبه، ولكن واشنطن اختارت من طرف واحد باكستان.

وإيران هي أيضًا أقل إسلامية من السعودية التي ترسل بواعظيها إلى الغرب، وهي على الرغم من ذلك حليف لأمريكا، بحسب الكاتب.

اجمالي القراءات 2191