رمضان - شاعر الشهور-

يحي فوزي نشاشبي في الثلاثاء ٠٩ - سبتمبر - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

بسم الله الرحمن الرحيم

رمضان
شاعر الشهور

(( يا ايها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقــون ))
- البقرة - رقم 183-

(( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هــدى للناس وبينات من الهدى والفرقان ))-
البقرة رقم : 185-

(( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون )) – البقرة - رقم 186-

********************************************************

يحدث للإنسان أن تسافر به تأملاته من حين لآخر ( وزاده أحلام اليقظة ) ، ويحدث أن يرجع من رحلته تلك وهو محمل بسؤاl;ل أو أسئلة . وأما بالنسبة لي فقد تمتعت أيما تمتع في رحلتي الخاطفة المفعمة بالذكريات ومنها بتلك الشخصية المحترمة التي كان يظهر بها شهر رمضان في كل سنة ، وجال في خاطري أن هناك بيتا شعريا لشاعر ما يصف شهر |أيار بشاعر الشهور ، ووددت أن أستعير منه هذا لأقول بل إن شاعر الشهور هو رمضان . نعم رمضان المتسم بالرحمة والود والكرم والضبط والإنضباط والنظام والتحسيس بأن الوقت حقا وفعلا هو من ذهب ، وتلقين المسلم بأن الواجب هو تقدير كل شئ حق قدره .

ورجعت إلى التأمل في حديث الرحمان الموجه إلينا ، ذلك الذي كنا نسمعه مرات ومرات لا تعد ولا تحصى من لدن المرشدين من على منابرهم وهم يرددونه لاسيما أن الصيام كتب علينا كما كتب على الذين من قبلنا لعلنا نبلغ درجة محترمة من التقوى وأن شرف هذا الشهر هو كون القرآن العظيم أنزل فيه هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان .

ثم مباشرة تأتي تلك الآية المبشرة الودودة التي يقول لنا فيها الخالق الرحمن الرحيم بأنه قريب ويجيب دعوة الداعي ، ولعل أهمية دعوة الداعي تكون وهو صائم .

نعم لقد رجعت من سفرتي وأنا محمل بهذه الأسئلة التي هي في الحقيقة أم لسؤال ما زال واقفا محيرا ، وكم أتمنى أن يكون الناس كل الناس الآخذين الأمر بجدية تحت ثقل هذا السؤال وهو :
كيف يمكن لنا نحن المسلمين في هذا العصر المتلقين القرآن العظيم ، وكيف أمكن لغيرنا من أولئك الذين سادوا ثم بادوا منذ عهود طويلة ، وعلى الأقل منذ خمسة عشر قرنا .

كيف يمكن أن يفهم أن كل طائفة من المسلمين تظل مستجيبة لتعاليم الله عز وجل ، وتظل صائمة وقائمة وقانتة وداعية الله ، ومع ذلك فإن حالها وحالنا نحن في العصر الراهن ينبئ بأن دعواتنا يبدو أنها لم يستجب لها ولم تؤت أكلها وعلى الأقل في ما يلي :

* إن كل طائفة من المسلمين وكل مذهب وكل مدرسة متخندقة في خندقها الخاص بها والذي حفرته أو نحتته نحتا ، فمنهم من هو غارق فيه إلى الركبتين ومنهم إلى الصدر وأغلبيتهم إلى الذقن ، والجميع مستجيبون لله أو يتراءى لهم أنهم كذلك .
والكل صائم وقائم وقارئ القرآن ومتأمله ( والرجاء أنه متدبره ) ومع ذلك فلسان حال كل طائفة وكل مذهب وكل قبيلة ، نعم لسان حال الجميع ولسان حال كل منهم يقول ويفصح بأنه قابع أو متحصن في خندقه لا يحيد عنه قيد أنملة ولا يبغي عنه حولا ، ويقول لسان حاله بأنه هو فقط لا غيره المسلم المؤمن الصائم حقا المهتدي إلى الصراط المستقيم ، وأن الله العلي الخبير بمعيته هو فقط دون غيره . بل وإن لسان حالنا يقول أيضا إن أهل كل خندق من تلك الطوائف والمدارس والمذاهب الأخرى قريرو العين ومطمئنون بأنهم على الصواب وبأن أهل جميع الخنادق المقابلة الأخرى في وضعية لا يحسدون عليها وبأن الله العلي القدير الرحمن الرحيم لا يمكنه ولا يسعه ولا يعقل أن يتواجد إلا في خندق واحد ، وأما عن تلك الخنادق الأخرى التي تبلغ السبعين أو تتجاوزه فكلها ضالة .

ويزيد السؤال المحير في بث مزيد من حيرته قائلا :

لماذا لم يهتد المؤمنون ، كل المؤمنين إلى أن عبادة الصوم من بين ما تؤدي إليه أنها تنظف القلب وتطهره من الأدران ، ذلك القلب السليم الذي سيكون هو المعتبر يوم لا ينفع مال ولا بنون ؟
فإذا كنا نخوض بحر رمضان الذي يزخر بالتوجيهات ، فإذا كان الغرض من تمرسنا في كل عام هو الرقي إلى درجة التقوى .
وإذا كنا نخرج من رمضان - وهذا ما حدث ويحدث مع الأسف الشديد – وهو أن كلا منا يبقى متشبثا بما وجد عليه آباءه من غرور وتزكية واستهزاء بالغير ، بل والتطاول على المحاسبة وإصدار الحكم على غيره من المؤمنين ، لا لذنب اقترفوه إلا لكونهم مؤمنين ولكن بشكل ثان .
فإن ذلك يعني أن هناك خلل ما في مستوى ما وهذا يعني أو يجب أن يعني أن صيامنا ما زال مصابا ويعاني من فقدان المناعة وأن مادة التقوى فينا ما زالت سقيمة .

وأما عن تلك العلامات أو الإشارات التي يمكن أن يحدث في يوم من الأيام أن تأتي مبشرة بأننا على الصراط المستقيم فيمكن أن نلتمسها في ما يلي :
* عندما يكون المسلمون ، جميع المسلمين بما هم عليه من طوائف ومذاهب وقبائل وشعوب ومدارس وآراء وممارسات متفاوتة غير متطابقة .
عندما تكون هذه الأطياف أو عندما تبلغ سن التمييز ثم سن الرشد وتقتنع مطمئنة بأن الله الرحمن الرحيم هو القدير وحده لا شريك له بأن تسع رحمته الجميع على ما هم فيه من تفاوت واختلاف ( الذي يمقت الخلاف ) .
عندها فقط يمكن لنا أن نرجح أننا صائمون وسائرون على الصراط المستقيم المؤدي إلى القلب السليم .

ولعله من الحكمة التأمل في الآيات التالية ، لأنها ستثير حتما في متدبرها بكل فطرة وجدية أسئلة مثل التي طرحت وغيرها :

*(( ولا تخزني يوم يبعثون – يوم لا ينفع مال ولا بنون- إلا من أتى الله بقلب سليم - وأزلفت الجنة للمتقين )) - الشعراء : 87 + 88+ 89 +90 –

* (( فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى )) . سورة النجم - الآية رقم : 32.

* (( إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون - وإذا مروا بهم يتغامزون – وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فاكهين - وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون - وما أرسلوا عليهم حافظين - فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون - على الأرائك ينظرون - هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون . )) سورة المطففين - 29 + 30+ 31+ 32 ++33 +34+35+36.

* (( يا ايها الذين آمنوا لايسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكــن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الإسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون . )) - سورة الحجرات – الآية 11.

• (( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير .)) الحجرات : 13.

* (( وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار - أتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الأبصار - إن ذلك حق تخاصم أهل النار . )) سورة – ص - رقم 62+63+64.

اجمالي القراءات 10817