بلا اختيار أو قرار، دُفع إلى هناك، وسط البنادق والرصاص، تاركًا اللعب بالكرة، كما تركت هي لعتبها وعروستها لترتدي الحزام الناسف؛ أطفالُ قتلت أحلامهم بغير رجعة، فقط محاولات للبقاء أحياء داخل صراعات ونزاعات مسلحة في العالم العربي.
براءة تستغل في سوريا واليمن والعراق ومصر، وأرقام رسمية تكشف أن آلافًا من الأطفال مجندون في مجموعات مسلحة، ولم يعد الأمر على استحياء كما كان، بل بات في العلن، بل تتفاخر به تنظيمات مسلحة.
وأصدرت الأمم المتحدة في يونيو (حزيران) الماضي تقريرًا حول الأطفال والنزاعات المسلحة في عدد من دول العالم، بينها دول عربية، كالعراق وسوريا واليمن والصومال، كشف عن زيادة أعداد الأطفال المستغلين في الصراعات المسلحة، واصفةً ما يحدث بـ«الانتهاكات الجسيمة» بحق هؤلاء الأطفال.
واختتم التقرير بمطالبة لمجلس الأمن بنشر قوات لحماية الأطفال، ضمن عمليات الأمم المتحدة للسلام، مطُالبًا أيضًا الدول الأعضاء بالنظر في الإجراءات العسكرية والتشريعات، لمنع الانتهاكات بحق الأطفال.
التخوفات الدولية كثيرة ومتعددة، ففي مارس (أذار) الماضي، وخلال مؤتمر حقوق الإنسان في دورته 31، المنعقد في مقر منظمة الأمم المتحدة بجنيف، دارت مناقشات حول استغلال الأطفال في النزاعات المسلحة، حيث قال ميشيل فوتي، نائب رئيس مكافحة استغلال الأطفال في النزاعات بالأمم المتحدة: إن «هناك 250 مليون طفل، ضحية للنزاعات المسلحة في العالم، بينهم ثمانية ملايين طفل سوري، ستة داخل سوريا، ومليونان خارجها، مُشيرًا إلى ما يحدث في اليمن أيضًا، واصفًا ما يحدث بقوله «استغلال الأطفال القاصرين، تجاوز المعقول».
لماذا يجند الأطفال
وتعد أبرز الأسباب في تجنيد الأطفال، والذي رصده «ساسة بوست»، هي العائلة والأيديولوجيا، واللعب على الوتر الطائفي، أو القومي، أو العرقي.
هناك أيضًا الجانب الاقتصادي، والذي قد يكون الأهم، فما يُصرف على الطفل في الحرب، مغرٍ لاستغلالهم من قبل الميليشيات المسلحة، كبديل عن الشباب والرجال، وقد أشارت إلى ذلك منظمة اليونيسيف، بقولها «هناك ما يُفيد بقيام أطفال، بتشجيع الأطفال على الانضمام للحرب، بأن يعرضوا عليهم الهدايا، ورواتب قد تصل إلى 400 دولار شهريًا»، فيما يأتي حماس الأطفال كسببٍ ثالث، يُمكن للميلشيات من خلاله السيطرة على الطفل، ويكون هؤلاء الأطفال الأكثر عرضة للقيام بعمليات انتحارية.
وينقسم استخدام الأطفال في الصراعات المسلحة لعدة أنواع، كالقتال المباشر كجندي مقاتل في ساحات المعارك، أو عن طريق غير مباشر، كالتخفي ومراقبة التحركات، أو في الأعمال اليدوية القريبة من ساحة المعارك، كإعداد الطعام والتنظيف.
وحسب دراسة لفهيمة كريم رزيج، فإن التقرير العالمي حول تجنيد الأطفال، يشير أيضًا إلى أن هناك 17 ألف طفل في قوات الحكومة والميليشيات المتحالفة وجماعات المعارضة في السودان، خلال السنوات السابقة، كما خدم ما بين 2500 و5000 طفل في الجيش الشعبي لتحرير السودان في الجنوب. ويقدر عدد الأطفال المشاركين في صراعات مسلحة في الصومال نحو 200 ألف طفل نحو»5% من أطفال الصومال«.
أطفال سوريا نجوم الفيديوهات
يعتقد البعض أن مقطع الفيديو المنشور منذ أيام، لشخص يدعى «أبو النمر»، وهو يودع طفلتاه (تسع وسبع سنوات)، بعد أن جهزهما بحزامين ناسفين؛ أنّه الأول لأطفال يُستخدمون في أعمال مسلحة داخل سوريا، فيما أنّه قد ظهر قبل ذلك مقطع فيديو لعدد من الأطفال في سوريا ينفذون إعدامًا لجنود من النظام السوري وبعض الأكراد، كما نُشر في فبراير (شباط) 2016 مقطع مصور لوالد طفل يجهزه لتنفيذ عملية انتحارية باستخدام عربة مفخخة.
لم يقتصر الأمر على الجماعات المسلحة من المعارضة في سوريا، إذ إن النظام السوري أيضًا، جنّد أطفالًا للعمل المسلح، بعد أن أعلن دمج الأطفال دون الـ18 في صفوف ما عُرف بـ«جيش الدفاع الوطني» و«قوات اللجان الشعبية»، التي يُمثل الأطفال 40% من قوامها.
وذكر تقرير الأمم المتحدة المتعلق بالأطفال واستغلالهم في الصراعات المسلحة، أن الأمم المتحدة حققت في نحو 362 حالة لتجنيد الأطفال واستخدامهم في النزاع المسلح في سوريا، الأغلبية في تلك الحالات لـ«تنظيم الدولة الإسلامية» (داعش)، بنحو 274 حالة، ويتوزع الباقون على كل من الجيش السوري الحر والجماعات المرتبطة به، والقوات الموالية للنظام السوري.
في العراق.. الجميع يستغل الأطفال
في تقرير لمنظمة «هيومن رايتس ووتش» الحقوقية، صدر في 30 أغسطس (آب) الماضي، نقل عن شهود عيان أن مجموعتين مسلحتين من الحشد الشعبي، جنّدتا أطفال، من مخيم ديبكة، في إطار الحرب الدائرة ضد «تنظيم الدولة» هناك. وأكّدت المنظمة على أن هناك آلاف الأطفال خطفوا في العراق، وأُجبروا على المشاركة في القتال، وإلا تعرضوا لاعتداءات جنسية.
ومن أشهر العمليات التي تشير إلى توريط الأطفال في الصراعات المسلحة، مقطع الفيديو للشرطة العراقية، بعد أن ألقت القبض على طفل يبلغ من العمر 12 عامًا، قبل تنفيذه عملية انتحارية في نقطة أمنية.
وفي العراق هناك العديد من التشكيلات العسكرية وبعضها تعترف بها الحكومة، ووفقًا لتقرير صادر عن الأمم المتحدة، أكّدت المنظمة الدولية على أنها تحققت من تجنيد واستخدام 36 طفلًا في العراق، بينهم نحو 19 من قبل «تنظيم الدولة»، وستة من قبل مجموعات مسلحة كردية، فيما كان نصيب قوات الحشد الشعبي، 12 طفلًا.
وأشار التقرير إلى أن قوات «الحشد الشعبي»، التابعة منذ أبريل (نيسان) 2015 للحكومة العراقية، أجبرت ثمانية أطفال صبية على الانضمام لمعسكر تدريب عسكري، ودفعت بنحو أربعة للقتال في معارك دارت ضد «تنظيم الدولة» في محافظة صلاح الدين.
"font-family:times new roman,times,serif;">
ويرى المتحدث باسم منظمة اليونيسيف في اليمن، «محمد الأسعدي»، أن أبرز أسباب تجنيد الأطفال في اليمن، هو الفقر، مُوضحًا أن البعض يعتبر تجنيد أطفاله مصدر دخل للأسرة، وذلك في تصريحات صحافية له.
أطفال سيناء لرصد ومراقبة تحركات الجيش
لا يُعد استغلال الأطفال في الأعمال المسلحة، في مصر، ظاهرة بالمفهوم الواسع، في حين قد يقترب الأمر لكونه ظاهرة في الصراع السياسي.
وكشف الرصد الرسمي للحكومة المصرية، حول استغلال الأطفال في الصراعات المسلحة، التي تتركز في سيناء، بين الجيش المصري، وتنظيم «ولاية سيناء» التابع لـ«تنظيم الدولة»، استغلال طفل واحد، هو «أيوب موسى عيّاد»، وقد ألقي القبض عليه في 2014، وكان يبلغ من العمر وقتها 14 عامًا.
وفي ديسمبر (كانون الأول) 2015، قال «مدحت الشناوي»، مساعد وزير الداخلية لقطاع الأمن المركزي آنذاك: إن «الإرهابيين يلجؤون إلى استخدام الأطفال والنساء كدروع بشرية، وهذا من أصعب المواجهات مع الخارجين على القانون، وذلك للمحافظة على أرواح المواطنين».