الاخوان المسلمون والأقباط
محمد منصور
في
الخميس ١٢ - أكتوبر - ٢٠٠٦ ١٢:٠٠ صباحاً
1 ـ أدين بالفضل فى تكوينى الثقافى الى والدى الدكتور أحمد صبحى منصور والدكتور سعد الدين ابراهيم. بفضلهما عايشت منذ صغرى الفكر المستنير فى رواق ابن خلدون الاسبوعى حين كان يديره أبى ويغذيه دكتور سعد باسهاماته العلمية .
كانت ندوات الرواق الاسبوعية تتشابك بالنقد مع كل المحظورات السياسية والدينية ، وأهمها موضوعان هما الاخوان المسلمون والاقباط .
2 ـ من الندوات التى تأثرب بها فى الرواق ندوة حضرها قادة حزب العمل بعد تحوله ليكون بوقا للاخوان المسلمين. كان حزب العمل يقدم للرواق مشروعا للدستور المصرى فى اطار دعوة الرواق فى سنة 1997 لاصلاح الدستور المصرى . كان من ضمن المتحدثين عن الحزب الدكتور حلمى مراد الوزير الأسبق والاستاذ الجامعى الأشهر وثانى شخصية فى حزب العمل وقتها. المفاجأة فى مشروع الدستور الذى أعده حزب العمل وكتبه الدكتور حلمى مراد أنه أفرد بابا خاصا فى الدستور للأزهر يكرس ويقعد فيه لسيطرة الأزهر وشيوخة الجامدون المتحجرون على الحياة الفكرية والفنية والأدبية فى مصر المحروسة . كانت مفاجأة ان يكتب هذاالعبث مفكر مصرى بحجم وتاريخ الدكتور حلمى مراد بعد نصف قرن من تاريخ قضاه مدافعا عن مصر العلمانية. قال الدكتور أحمد صبحى منصور ان اضافة باب للأزهر فى هذا الدستور يؤكد ان الدولة المراد اقامتها هى دولة دينية وليست الدولة المدنية العلمانية وهو الثمن الذى يجب أن يدفعه كل من يتحالف مع الاخوان المسلمين حتى لوكان الدكتور حلمى مراد وحزب العمل اليسارى السابق.
من وقتها فهمت أن تراث الأزهر هو المرجعية الحقيقية لفكر الاخوان ومنهاجهم السياسى .
3 ـ ندوة اخرى تكلم فيها ابو العلا ماضى عندما أعلن انشقاقه عن الاخوان وانشائه حزب الوسط وضم اليه شخصية مسيحية مرموقة وهى الدكتور رفيق حبيب ابن الاستاذ صموئيل حبيب رئيس الكنيسة الانجيلية . حضر رفيق حبيب مع ابو العلا ومعهم جمال سلطان وآخرون من اعضاء حزب الوسط تحت التأسيس . كان برنامج الحزب غاية فى الروعة ، يذهل من يقرؤه من تسامحه و عصريته . قبل الندوة أعطى والدى برنامج الحزب لنا ـ نحن شباب الرواق ـ لندرسه ولنجهز اسئلة عليه للمتحدث . قدمنا الأسئلة لأبى فلم تعجبه ، قال لا تسألوه عما كتب فى برنامجه ، بل اسألوه عما لم يكتب ، وهو كيف سيتصرف مع الفكر الدينى الذى يجعل الأقباط أهل ذمة ؟ والذى يأمر بقتال غير المسلم حتى يسلم ؟ والذى يمنع بناء الكنائس، اسألوه عن حد الردة، عن حد الرجم ، كيف سيطبق حد السرقة ..الخ .قمنا باعداد هذه الأسئلة وتوزيعها علينا. وبعد أن انتهى ابو العلا من عرض برنامجه السياسى وبعد أن انتهى حليفه المسيحى رفيق حبيب من التصديق على كلامه انتفتح باب الاسئلة وفوجىء أبو العلا بأن عليه ان يجيب بصراحة على المسكوت عنه ، حاول المراوغة فلم نعطه الفرصة ، فنحن من الأزهر ونعرف مناهجه الدراسية وفكره وثقافته . هاج أبو العلا واضطر لأن يقولها صريحة : ان الأزهر هو مرجعيته فى كل هذه القضايا ولا يستطيع انكار الشريعة التى يتمسك بها الأزهر. عندها ظهر وجهه الحقيقى وضاع كل الكلام الجميل الذى ملأ به برنامجه. من وقتها وحتى الآن لا يزال ابو العلا ماضى ناقما على والدى معتقدا أن ابى قد نصب له فخا واوقعه فيه.
4 ـ اننى أنتمى لعائلة أزهرية عريقة. أبى وجدى وبعض أعمامى وأبناء أعمامى من شيوخ الأزهر وخريجيه. ولقد أدخلنى أبى الأزهر ومعى أخى شريف وقت أن كان فى خلاف معلن مع الأزهر. ودرسنا فى الأزهر فى كل مراحله الابتدائية والاعدادية والثانوية الى أن تخرجنا فى جامعته أنا وشقيقى شريف. وتزامن تعليمنا فى الازهر مع تكويننا الثقافى بصحبة أبى فى معاركه ضد الفكر المتطرف والاخوان داخل مركز ابن خلدون وخارجه. أى أننا كنا ولا نزال نجمع بين دراستين متناقضتين: الدراسة الأزهرية الظلامية والافكار التنويرية. ومن هنا أستطيع أن اتأمل ما ينتظر الأقباط اذا وصل الاخوان لحكم مصر لأن مرجعية الاخوان هى مقررات الأزهر التى درستها وتعلمتها وعايشت النضال ضدها.
5 ـ لقد درسنا فى الأزهر ان المسيحيين كفرة، وأهل ذمة يجب أن يدفعوا الجزية ، أى أنهم مواطنون من الدرجة السفلى . فلا يمكن أن يلقى المسيحى فى بلاد المسلمين نفس المعاملة التى يلقاها المسلم. على سبيل المثال فان المسلم اذا قتل مسيحيا لا يقام عليه القصاص، ولا يمكن للمسلمة أن تتزوج مسيحيا ، ولا يمكن للمسيحى أن يرث أباه المسلم بينما يجوز لمن أسلم من المسيحيين أن يرث أباه النصرانى. وبينما يتم الاحتفال بالمسيحى الذى أسلم فان المسلم يحكم عليه بالقتل اذا تنصر . هذا بالاضافة الى فتاوى أخرى متفرقة يفهم منها استحلال دماء وأموال الأقباط والتأكيد على اذلالهم واضطهادهم والجائهم الى السير فى الحارات بدلا من الشوارع وتضييق الطريق عليهم وعدم رد السلام عليهم. هذه مجرد أمثلة لما درسناه فى الأزهر. وهناك تفصيلات أكثر فى كتاب " فقه السنة " الذى كتبه الشيخ الأزهرى سيد سابق ، الفقيه الأشهر للاخوان المسلمين, وقد كتب مقدمة هذا الكتاب وأشاد به الشيخ حسن البنا نفسه . ومن المعروف أن عبد الناصر كان يسمى الشيخ سيد سابق " مفتى الدم ".
6 ـ المرشد الأسبق للاخوان المسلمين صرح مرة بضرورة فرض الجزية على الأقباط ونادى بعدم تجنيدهم فى الجيش ، وقد أثارت تصريحاته ضجة . وهى تعبر عن حقيقة المنهج الفكرى الأزهرى للاخوان المسلمين. ولقد صبر الاخوان كثيرا على فرج فودة وهو يهاجمهم ويتحداهم بأن يقدموا برنامجا سياسيا محددا للحكم. لكنه عندما بدأ ينتقد الفكر السنى الأزهرى ويتحدى الأزهريين علنا على صفحات جريدة الأحراروفى مناظرته الشهيرة بمعرض الكتاب سارعوا بالتخلص منه لأنه اقتحم قدس الأقداس وهو مناهج الأزهر التراثية .
7 ـ لم يصل الاخوان للحكم بعد ، ولكن تأثير ثقافتهم السلفية يتحكم الآن فى الاعلام والتعليم والمساجد والشارع المصرى ، ولذلك فان اضطهاد الأقباط قائم على المستوى الشعبى والرسمى . والسؤال الآن عن المستقبل : ماذا سيحل بالأقباط اذا وصل الاخوان للحكم ليطبقوا شريعتهم السلفية الوهابية ؟
من خلال ما تعلمته من الأزهر أقول الآتى:
أ ـ المحاكم الشرعية ستعود حتى لو تنكرت فى ثياب مدنية . وستكون خصما للآقباط بحكم عقيدتها الوهابية السلفية الحنبلية، وستعتمد فى أحكامها على الفقه السنى الذى لا يزال يدرس فى الأزهر. وسيعاونها فى التطبيق لهذه الأحكام " الشهود " وفق نظم القضاء فى العصور الوسطى الذى كان يعتمد على الشهود العدول، ويفسر العدالة فى الشهود بمعنى أن يكونوا من أهل الثقة، باختصار أن يكونوا تابعين للسلطة والقضاء ينفذون أوامرها .
ب ـ أخطر ما سيعانيه الأقباط سيأتى من خلال " حد الردة ".
قد يقال ان حد الردة لا شأن له بالأقباط ، فهو عقوبة بقتل المسلم اذا ارتد عن الاسلام واعتنق دينا آخر. ولكن الصحيح أن هناك حيل كثيرة موجودة فى الفقه السنى فى مجال ضخم اسمه فقه الحيل الذى كتبت فيه مئات المجلدات. ومن السهل بعثها من مرقدها فى عصر تحكم الاخوان للكيد للأقباط باستعمال حد الردة ضدهم.
على سبيل المثال: يشهد اثنان من الشهود العدول أمام القاضى أن القبطى حنا قد أعلن أمامهم اسلامه ونطق "بالشهادتين ". ويكتب الشاهدان العدلان محضرا رسميا بذلك ، وتصبح شهادتهما رسمية ومقبولة، اذا أنكر حنا حدوث ذلك ، أو اذا تمسك بدينه يصبح مرتدا ويتم قتله بعقوبة الردة، وتصادر امواله كأى مرتد.
أيضا قد يشهد الشاهدان أن فلانا القبطى الذى مات وخلف ثروة هائلة قد أعلن أمامهما اسلامه قبل موته. عندها لا يجوز للورثة الأقباط ان يرثوا أباهم المسلم ، وتؤول التركة للدولة. أيضا قد يشهد الشاهدان على أن فلانة القبطية قد أسرت لهما باسلامها وهى تخشى من أذى زوجها الذى لا يزال على مسيحيته، عندها لا بد ان تحكم المحكمة بالتفريق بين الزوجين لاختلاف الدين. .. وأمثلة أخرى كثيرة فى موضوع الأبناء والأرحام والثروة والأحوال الشخصية يمكن فيها استخدام حد الردة المزعوم لاضطهاد النصارى والمفكرين المسلمين أيضا.
ج ـ وما فعله الوهابيون بمزارات الشيعة فى العراق وبمزارات آل البيت فى الحجاز ليس ببعيد ، فاذا كانوا يفعلون هذا بأماكن العبادة لدى المسلمين الشيعة والصوفية وهم أغلبية المسلمين فكيف سيتصرفون مع أماكن العبادة للأقباط وهم أقل عددا ؟ ان الوهابية السلفية المتشددة هى العقيدة الحقيقية للاخوان مهما حاولوا اخفاءها والتمويه عليها. وعليه سينال الكنائس المصرية ضرر هائل اذا ما وصل الاخوان للحكم. هناك بعض آراء معتدلة فى الفقه السنى تجيز الابقاء على الكنائس القديمة وتجيز تجديدها. ولكن الفقه السنى المتشدد الحنبلى الذى ينتمى اليه الوهابيون والاخوان المسلمون يرى هدم الكنائس القديمة ومنع بناء أى كنيسة جديدة .
د ـ الآثار القبطية والفرعونية ستتعرض للازالة باعتبارها أوثانا لا بد من تدميرها. واذا كان النفوذ الاخوانى قد نجح فى تجاهل الحقبة القبطية من مقررات مادة التاريخ فى التعليم المصرى ، فان وصول الاخوان للحكم سيمكنهم من تدمير البقايا المادية لآثار هذه الفترة. ولنتذكر تدمير الطالبان لتمثال بوذا .
8 ـ نأتى للسؤال الهام : ماذا نفعل؟
الجواب هو الاصلاح عموما ، واصلاح لأزهر على وجه الخصوص ليكون قلعة تدافع عن الأقباط فى مواجهة الاخوان وتؤكد من خلال الاسلام على حقوق الانسان وحقوق المواطنة وحرية الفكر والمعتقد والعدل. وهذا هو الطريق الذى نسير فيه نحن القرانيين المسلمين.
اننى ادعو من خلال هذا المقال الى عقد مؤتمر خاص لإصلاح الأزهر لكى يكون حصنا حقيقيا يدافع عن الاقباط والأقليات عموما والديمقراطية والعدل والحرية.
وشكرا لكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
محمد أحمد صبحى منصور