أولا :
عدد المسلمين اليوم يزيد على البليون وربع البليون ، وعدد القرآنيين عدة الاف. فهل القرآنيون اقلية؟ .. سؤال ساذج فى مظهره ، ولكنه بالغ الاهمية فى حقيقته.
مظهريا ، كيف تقارن عدة آلاف ببليون واكثر؟ ولكن لأنه سؤال جاد فلا يمكن أن يتوقف عند الكثرة العددية ، ولكنه يحتكم الى شئ آخر: هو تلك الرابطة التى تجمع البليون ونصف البليون شخص ، وهى الاسلام.
اذا تركنا (الكم او العدد) وقصدنا (الكيف او المضمون) فإن القرآنيين هم الاكثرية الساحقة المطلقة بين المنتسبين الى الإسلام.
كيف ؟
إصبر على قراءة هذا المقال الى نهايته ..
ثانيا :
المقصود هنا هو الفاعلية الفكرية والحيوية العقلية فى الاطار الاسلامى وعلى اساسه ننظر الى المسلمين لنرى من هم الاكثرية ومن هم الاقلية.
من ناحية الفاعلية الفكرية والعقلية ، فإن الاغلبية الساحقة العظمى من المسلمين هم تلك الاغلبية الصامتة الساكنة الميتة التى تمارس اديانها الارضية بنفس ما وجدت عليه آباءها ، سواء كانوا شيعة ام سنة ام صوفية . وهذه الاغلبية الساحقة فى حالة استسلام تام للحاكم المستبد ، وحالة سكون تام لما تسمعه فى المساجد واجهزة الاعلام ، لا تهتم الا بالبقاء على قيد الحياة وتوفير المعاش. اسعدهم حظا هو الذى يسعى الى التحرر قليلا من اسر الفقر لتعليم الاولاد عسى ان يتغير بهم الحال ،أويبيع نفسه رقيقا بالسعى للحصول على عقد عمل فى دول الخليج لبناء البيت وتزويج البنات.
( الستر ) هو كل املهم. و( الستر ) هو لقمة عيش تكفيهم وسقف بيت يأويهم وامل فى مستقبل افضل للاولاد والبنات يحميهم ..
بعد ذلك لا يأبهون بالصراع على السلطة او التكالب على الثروة او الاختلاف الفكرى والعقيدى بين السنة والشيعة وبين التراثيين والقرآنيين..
تلك هى الاغلبية الساحقة التى تبلغ نسبتها اكبر من نسبة الموافقين فى الانتخابات العربية وهى 99.9999% المأثورة و المشهورة ، هذه النسبة تعبر فى حقيقتها عن الوضع السياسى العربى القائم القاتم ، فالاغلبية بتلك النسبة المليئة بالعدد تسعة لا تذهب للانتخابات ولا تهتم بنتائجها ، والمستبد الشرقى الذى يحترف تزوير الانتخابات يحوز لنفسه على نسبة 99.9999% ،معتبرا سكوت الاغلبية علامة رضا ، بينما هو سكوت فرضه المستبد العربى بالتعذيب والقهر.
ولكن هذه الاغلبية الصامتة المقهورة الراضية بحالها الساكنة الساكتة الخاملة الخانعة هى الارض البور التى يتصارع علي اصلاحها (أو استغلالها ) اقليات متفرقة من اصحاب الفكر وذوى (الاحتياجات الخاصة) ممن يخلط الدين بالسياسة املا فى الوصول الى السلطة اوالاحتفاظ بها.
وتلك الاغلبية الصامتة لا تستجيب لهذا او لذاك الا اذا ادركت ان لها مصلحة مباشرة وحقيقة وعينية وملموسة وفورية من هذه الاستجابة..
فمثلا ، انظر الى تلك المظاهرات الحاشدة التى قامت فى باكستان بسبب الرسوم المسيئة للرسول وتأمل عدد المتظاهرين ، لم يزد العدد عن بضعة الاف. هم لا شىء بالنسبة لعدد سكان باكستان ، وباكستان من اكبر دول المسلمين .
أنظر لتلك المظاهرات البائسة التى تحشدها حركة (كفاية ) فى مصر، بضع مئات تجد أضعاف عددهم يتزاحمون حول رغيف الخبز أمام مخبز فى حى شعبى ..
قارن هذا بالمظاهرات المليونية فى بلد قليل السكان متعدد الطوائف مثل لبنان ، وقد حشدتها المعارضة وحشدتها الموالاة ، هنا لا توجد اغلبية صامتة ، بل اغلبيات حية صارخة زاعقة لأن لكل فرد منها له مصلحة مباشرة تتمثل فى الدفاع عن طائفته لانها وجوده وحياته.
هذه الأغلبية الساحقة الساكتة الساكنة الميتة هى أرض جدباء عطشى للماء ،فقد امتص المستبد رحيق الحياة فيها ، ولكن اذا جاءها ماء الأمل تفجرت بالحياة وأنبتت من كل زوج بهيج .
هل تريد دليلا على قابلية الأكثرية الميتة المسحوقة لأن تشتعل فجاة بالحياة والحركة ؟
تخيل لو اعلنت السفارات الكندية والاسترالية والامريكية فى العالم (الاسلامى ) عن قبولها مهاجرين بدون قيد او شرط ، وانها ستعطى لكل مهاجر وظيفة او قطعة ارض و تصنع له مستقبلا مضمونا ، عندها ستدب الحياة فى الاغلبية الصامتة وستتحول الى مظاهرات وصفوف تمتد من اقصى قرية الى ابواب تلك السفارات ، وسيجد الحاكم المستبد نفسه وحيدا (ياعينى) بلا شعب يركبه وبدون اغلبية يمتطيها ويتحدث باسمها كذبا وبهتانا.
هذه الاغلبية الساحقة الساكنة اخذ منها الاستبداد والفساد كل مقومات الحياة الكريمة فردت عليه بالانكفاء على ذاتها والاستغراق فى حل مشكلات حياتها البسيطة لتعيش يوما بيوم على امل ان يأتى المنقذ على حصان ابيض أو حتى حمار اسود ـ لا يهم ـ سواء كان اسمه (المهدى المنتظر) او (المسيح المنتظر) او (زاباتا).
ثالثا :
ومن هذه النافذة يتسلل المتطرفون السلفيون الى الاغلبية الساحقة الساكنة يرسمون مستقبلا وهميا اذا هم اتبعوا ( الاسلام ) وان لم يتحقق هذا فى الدنيا ، فأمامهم الجنة والحور العين فى الاخرة . هو خطاب يعتمد على التضليل والتزييف والاحاديث الكاذبة.
ولكن اصحاب (الاحتياجات الخاصة ) والطموح السياسى الوهابى يبذلون كل جهدهم فى تسويق تلك البضاعة الفاسدة ، ويستعملون كل المتاح من اجهزة الاعلام والتعليم والمساجد والقنوات الفضائية والمواقع الالكترونية لخداع الأغلبية المسحوقة .
وكان يحدوهم الامل فى اجتذاب اكبر عدد من الاغلبية الصامتة الساكتة لولا ظهور القرآنيين.
ظهر القرآنيون فتغيرت معادلات الصراع الفكرى والسياسى.
قبل القرآنيين كان يوجد علمانيون ذوو توجهات مختلفة يسارية او يمينية ، قومية او الحادية ... ولكن يجمعهم انهم كانوا - ولا يزالون - يواجهون تيار التطرف الارهابى من خارج الاسلام.
بل بلغت بهم السذاجة انهم يطلقون على تيار التطرف الارهابى الوهابى لقب ( اسلامى ) ، اى يؤكدون للخصم مقدما انه هو الذى يعبر عن الاسلام ، وهذا غاية يتمناه الخصم ، وبالتالى يستغل الوهابيون اعتراف الخصم بأنهم (اسلاميون) فى اتهام العلمانيين بأنهم اعداء الاسلام ، واعداء شعار (الاسلام هو الحل) وشعار (تطبيق الشريعة).
بهذا حكم التيار العلمانى على نفسه بالخروج مبكرا من المواجهة ، وظن تيار الوهابية والاخوان (المسلمين ) ان الساحة قد خلت لهم للانفراد بالاغلبية الساحقة الصامتة ، فظهر لهم تيار اسلامى صميم ، هم الذين اطلقوا عليه اسم (القرآنيين)، لانه ينكر بقوة وبالحجة ان تكون سنة الوهابية وابن حنبل والبخارى والشافعى جزءا من الاسلام ، وينكر بقوة أكثر أن تكون للاسلام تلك الدولة الدينية المستبدة التى تتحكم فى عقائد الناس وحياتهم بل وآخرتهم ، ويؤكد على العكس وهو أن أقرب الدول لشريعة الاسلام وعقيدته هى الدولة العلمانية الغربية .
رابعا :
بعد استبعاد الاغلبية الساحقة من ساحة الحيوية الفكرية والنضالية وبعد خروج العلمانيين وهزيمتهم امام تيار التطرف وثقافة الارهاب لا يبقى فى الساحة سوى خصمين : أهل التراث وأهل القرآن .
لو افترضنا ان عدد المتطرفين التراثيين يصل الى مليون شخص فى العالم ( الاسلامى) والجاليات المسلمة. فلننظر لهم وفق الاعتبارات الاتية:-
1- بغض النظر عن الانقسامات العقيدية من سنة وشيعة فان المعيار هنا ليس الانتماء العقيدى المذهبى ولكن الحماس المتطرف الذى يتحول به شخص ما من مجرد رقم فى الأغلبية الساحقة من السنة و الشيعة و التصوف الى شخص متدين يجعل التدين محور حياته ، ومن خلاله ينظر للاخرين يصنفهم بين كافر ومشرك وفاسق وملحد وعميل وخائن ومنافق ..الخ ..ويتعامل معهم على هذا الأساس متمسكا بدستور يقوم على احاديث كاذبة مثل حد الردة و (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا .. ) و ( من رأى منكم منكرا فليغيره )و ( النساء ناقصات عقل ودين )..الخ .. ويريد فرض معتقده عليهم فان رفضوا فهم عنده من أهل النار.
هؤلاء المتطرفون درجات ، منهم من يعتدل فى تحمسه ، ومنهم من يقتصر على تطبيق معتقده على أسرته وعائلته ، ولكن بعضهم يصل به تحمسه الى الفاعلية الحقيقية فى المجتمع . وبهذا فان المليون متطرف لا تجد بينهم سوى النصف على الأكثر ـ من الفاعلين المؤثرين .
2- وهذا النصف الفاعل المؤثر ينقسم قسمين: نشطاء وعلماء ، وداخل هذا التقسيم يتنوعون الى صنفين: احدهما يخدم السلطة القائمة مثل علماء السلطة وشيوخها الرسميين ، والاخر ثائر متمرد عليها كالاخوان المسلمين وبقية التنظيمات من الجهاد الى الجماعة الاسلامية و القاعدة.
3- النشطاء: ألوان متعددة ، منهم متطرفون لم ينخرطوا بعد فى اعمال ارهابية ولكنهم الجمهور الزاعق فى المظاهرات وفى اجهزة الاعلام ومواقع الانترنت ، وقادة سياسيون فوق الارض وتحتها يصدرون الاوامر الى اتباعهم من المتطرفين للتظاهر اوالتحرك ثم ممولون متبرعون او يجمعون التبرعات ، ثم مشجعون تحت الأرض داخل مؤسسات الدولة وأجهزتها الأمنية الحساسة طبقا للعبة الاختراق والاختراق المضاد التى يلعبها العسكر والاخوان منذ قيام انقلاب العسكر فى مصر عام 1952. ومصر مجرد مثال هنا..
4- ثم الارهابيون المجرمون الذين يخططون للعمليات الدموية ويجتذبون الشباب المتدين ويحولونه من متدين متطرف الى وقود للارهاب.
5- النشطاء فى اغلبهم يخضعون للقادة الفكريين مثل تبعية ابن لادن للظواهرى ... وتبعية عاكف للعوا والقرضاوى ...
والقادة الفكريون الوان مختلفة حسب وقوفهم من السلطة، منهم الخانع لها تماما مثل قادة الازهر وشيوخ الوهابية فى السعودية ، ومنهم المتمرد الناقم تماما مثل المسعرى والفقيه - زعماء المعارضة السعودية - وهم يقيمون فى لندن ، ومنهم المنافق والذى يتراقص مخادعا السلطة محاولا التوفيق بينها وبين اعدائها من الوهابيين الناقمين مثل القرضاوى ومدرسته.
6 ـ والقادة الفكريون لثقافة التطرف والارهاب الوان مختلفة من حيث الخطاب الدينى ...
منهم من يتظاهر بالابتعاد عن العمل السياسى مقتصرا على العمل الدعوى للدين السلفى ، ومهمته ان يجتذب الشباب (الغافل) الى حظيرة القطيع الوهابى ، ليتولى اخرون تحويله الى التدين الوهابى اى التطرف الوهابى ، ثم الى الارهاب ... قادة هذا التيار كثيرون من الشعراوى الى القرضاوى الى سيد سابق الى قادة التيار السنى (المعتدل ) فى سوريا ، ثم يتبعهم الجيل الصاعد من وعاظ الفضائيات امثال عمر خالد الى خالد الجندى. . ونادية الجندى .!!
ثم هناك دعاة صرحاء فى الدعوة للدولة الدينية يجدون مجالا لهم فى الفضائيات ومواقع الانترنت وحتى داخل المؤسسات الرسمية التابعة للدولة مثل جبهة علماء الازهر داخل جامعة الازهر.
7 ـ وكان هناك تنسيق مستتر بين الوان الطيف الوهابى من منافق متظاهر بالاعتدال الى صريح قبيح . وهذا التنسيق المستتر كان يخفيه خلاف علنى مصطنع لخداع العسكر . ولكن واقع الحال انهم جميعا على عقيدة واحدة هى تقديس الأحاديث الكاذبة وأئمتها . ظهور القرآنيين ووقوفهم ضد عقيدة الدين السنى الوهابى ذاته جعل جميع شيوخ السنة من المنافقين المعتدلين والصرحاء المتطرفين يتوحدون معا ، ويكشرون عن انيابهم ويقفون صفا واحدا يفتى بقتل القرآنيين وردتهم عن الاسلام ، وداخل هذا الاتحاد اختفى رداء الاعتدال ، وظهر الجميع على حقيقتهم لا فارق بين الغزالى والشعراوى والقرضاوى وصفر الحوالى والمحلاوى والزعبلاوى.. وابن آوى ...
خامسا :
وبعد ان تعرفنا على تيار التطرف والارهاب ما ظهر منه وما بطن ... دعنا نناقش فاعليته الحركية والفكرية :
1 ـ فاعلية التطرف الحركية اسفرت عن اتهام الاسلام بالتطرف والارهاب ، وسقوط الوف القتلى الأبرياء فى قتل عشوائى أو اغتيالات لقادة ومفكرين مسالمين. وأغلب الضحايا من المسلمين ، وفى مقدمة الضحايا منفذو العمليات الانتحارية انفسهم.
هذه الفاعلية الحركية الارهابية ، هل هى اضافة ايجابية ام سلبية؟
نترك الحكم للقارئ.
ولكن يكفى ان قادة الارهاب انفسهم هم الذين يسارعون - نفاقا وتقية – الى شجب الاعمال الارهابية تمسكا بسنة حسن البنا ، الذى كان يأمر بتنفيذ الاغتيالات فاذا وقع الجناة فى يد الأمن سارع بالتبرئ منهم قائلا عبارته المشهورة (ليسوا اخوانا وليسوا مسلمين).
وكان من العادة ان ينخدع البسطاء والسطحيون بهذا النفاق ويجعلون فارقا بين المعتدلين والمتطرفين ، ولكن ظهور القرآنيين اثبت ان المعتدلين قادة (الجناح المدنى للإرهاب) هم الاخطر (لأنهم الذين يصدرون فتاوى القتل ، ثم يتوضأون بدم الضحية ، ويتحدثون عن سماحة الاسلام) على حد قولى فى التعليق على اغتيالهم للدكتور فرج فودة 1992.
وبالتالى فإن العار الاكبر فى العمليات الارهابية يقع على العمائم الكبرى التى تدعى الاعتدال وهى تدافع بكل ما تملك عن احاديث البخارى ومنها (امرت ان اقاتل الناس حتى ....) ومنها (من رأى منكرا فليغيره ....) وغيرها من المنابع الاساسية لربط الارهاب زورا بالنبى محمد عليه السلام ودين الاسلام القائم على السلام.
2 ـ ولو تركنا الفاعلية الحركية الى الفاعلية الفكرية وتحدثنا عن الافكار الجديدة التى جاءت بها (الصحوة) او (الدعوة الوهابية الاصلاحية .!!..) فلن نجد سوى نفس الفكر السنى باوراقه القديمة الصفراء التى اصبحت بفضل قطار النفط السريع اكثر بياضا وفخامة وانتشارا . لم يقم السلفيون باضافة فكرة واحدة جديدة. كل ما هنالك انهم حملوا أسفارهم المقدسة على ظهورهم وطلبوا من الناس أن يكيفوا حياتهم وفق ما قاله أئمة العصور الوسطى.
صحيح ان من علماء السلفية من يحفظ صحيح البخارى كلها بمتنه وأسانيده ويفتخر بذلك ، ويحضرنا هنا رواية ازهرية عن شيخ كان يتفاخر بانه يحفظ صحيح البخارى بكل احاديثه واسانيده ، فقيل له : انك لا تعدو ان تكون نسخة اضافية من كتاب البخارى.
علماء السلفيين ليسوا فى العدد أكثر من العلماء القرآنيين . ولو تمتع القرآنيون بالأمن وأعلن كل منهم عن نفسه وكتب بتوقيعه فلربما نجد عددهم يفوق عدد علماء السلفيين الحاليين .
ولكن دعنا نفترض ان عدد العلماء السلفيين الف بليون شخص ، ولكنهم لايقولون جديدا ، بل يرددون ماكان يقال فى العصور الوسطى ، فإن تقديرهم الفكرى ليس سوى صفر .
كل الببغاوات التى تتحدث نفس الكلام المعاد والمكرر من اكثر من الف عام هم مجرد صفر. هم أصفار كثيرة على الشمال مهما بلغ عدد مواقعهم الالكترونية وقنواتهم الفضائية ومساجدهم الايديولوجية ومعاهدهم التعليمية ومدارسهم الفكرية ومنظماتهم العلنية والسرية وجماهيرهم المليونية او البليونية.
3 ـ القرآنيون هم الذين اثبتوا ان هذا القطيع الوهابى السنى هو صفر ضخم ، صحيح أنه قد يبدو ضخما ولكنه مجرد صفر.
القطيع الوهابى نفسه هو الذى اثبت انه صفر فى مواجهة القرآنيين ، اذ انه استعمل نفوذه السياسى فى مواجهة القرآنيين فكريا ، ليس مع القرآنيين من سلاح وعتاد الا الحجة القرآنية والمعرفة بالتراث السلفى اكثر مما يعرفه اتباع السلف انفسهم. وانتظر القرآنيون ان يرد عليهم السلفيون الحجة بالحجة ، فلم يجد السلفيون سوى نفس الاسطوانة المكررة التى قالها الشافعى فى رسالته منذ ثلاثة عشر قرنا. ورد عليها القرآنيون بالقرآن فافحموها ،فلجأ السلفيون الى القوة والنفوذ والسلطة ، وهكذا وقع القرآنيون تحت نير الاضطهاد ... ولا يزالون ... ونتيجة هذه المعاناة فان القرآنيين اثبتوا ان الفكر السلفى لا يمكن ان يصمد الا بالاعتماد على قوة تحميه وتفرضه على الناس كرها ، وتقوم هذه القوة الحاكمة بمصادرة اى فكر اخر يناوىء دين السلف أو يختلف معه.بدون السلطة والارهاب لا يمكن ان يعيش فكر التطرف الوهابى ، والدليل انه انهزم ولا يزال ينهزم ويتراجع امام القرآنيين ، مع كل ما يملكه من انظمة حكم واجهزة اعلام واجهزة اعدام .
سادسا :
1 ـ فى مواجهة الفكر السلفى صاحب الصفر (المقدس) يقف القرآنيون ... يبلغ عددهم اكثر من عشرة الاف مثقف وباحث ومفكر فى مصر وخارجها، ولكن الذين يعلنون عن انفسهم منهم اقلية لانهم يعيشون بين مطرقة الحكومة وسندان الارهاب السلفى.
2 ـ التناقض اساس بين القرآنيين والسلفيين.
القرآنيون اقلية عددية ، ولكن ثرية بافكارها المبتكرة من داخل الاسلام لانهم اول من قرأ القرآن قراءة عقلية موضوعية ، فاكتشفوا فيه كنوزا ولا يزالون. وكل يوم يقدمون جديدا من كنوز القرآن.
والقرآنيون يبتغون الاصلاح السلمى من داخل الاسلام ، وليس لهم هدف سياسى او مطمع دنيوى ، وهم لا يفرضون انفسهم على احد ، ولا يفرضون فكرهم على احد ، ويقدمون رؤية عصرية انسانية للاسلام تتماشى مع الديموقراطية والعدل وحقوق الانسان.
القرآنيون فى دعوتهم الاصلاحية السلمية لا بد أن يوضحوا التناقض بين الاسلام الحق الذى جاء فى القرآن الكريم وأباطيل التراث من أحاديث وتشريعات وفتاوى وعقائد . وفى توضيح هذا التناقض هم يحتكمون الى القرآن الكريم فتأتى آيات القرآن تحكم بكفر ذلك القول وذلك الفعل . وبينما يحكم الوهابيون بكفر كل من لا يعتقد نحلتهم واستباحة دمه وماله ونسائه فان القرآنيين لا يحكمون بكفر الأشخاص وانما الأفكار ، وهو ليسوا ضد الاخوان والوهابيين كأشخاص وجماعات سياسية أو دينية ، ولكن القرآنيين ضد أفكارهم وجرائمهم التى تناقض الاسلام ثم ترفع راية الاسلام لينسب الآخرون هذا الاجرام الى الاسلام.
3 ـ السلفيون اقلية عددية كالقرآنيين ، ولكن ليس للسلفيين فكر انتجوه ، ومع انهم اقلية فهم اصحاب نفوذ ،ويريدون ان يركبوا اكتاف المسلمين ويحكموهم ولو على اشلاء ملايين الضحايا، ودستورهم الاصلاحى هو تلك الفتاوى السنية القائلة ان للإمام (الحاكم) ان يقتل ثلث الرعية لاصلاح الثلثين.
اى ان هناك اقليتان تتنازعان حول من يقود الاغلبية الساحقة من المسلمين ... احدهما تريد اصلاح المسلمين سلميا والاخرى تريد ركوب المسلمين سياسيا وقهريا ...
من الذى سينتصر فى المستقبل ... تلك اذا قضية اخرى تحتاج مقالا اخر.
أخيرا :
1 ـ الارتفاع الراهن فى أسعار النفط أضاف بلايين الى خزائن القائمين على نشر وحماية الدين السلفى الوهابى ،فأصبحوا أثرى أثرياء العالم ، وهم يستخدمون نعمة الله تعالى فى الصد عن سبيل الله تعالى . وما يفعلونه ينطبق عليه قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ وَجَعَلُواْ لِلَّهِ أَندَادًا لِّيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُواْ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ ) ( ابراهيم 28 : 30 ). و يكاد لا يمر يوم دون أن يتسللوا باموالهم الى جامعة أمريكية أو غير امريكية أو أن ينشئوا مسجدا ايدلوجيا أو جماعة سرية أو علنية ،أو قناة فضائية أو مطبوعة يومية أو دورية ..
وهم فى كل ما يفعلون يضيقون الخناق على القرآنيين بكل الوسائل حسب احوال كل بلد . فى مصر يستخدمون نفوذهم السياسى و الاقتصادى والمالى فى تسليط النظام المصرى ليضطهد القرآنيين . وفى أمريكا يقوم اللوبى السعودى بدورغير منظور ، حيث يطارد المركز العالمى للقرآن الكريم والقائمين عليه . ولذا نجد العجب .. نقابل مسئولا فينبهر بما نقول ،بل يلومنا لأننا لا نعمل بما فيه الكفاية ليصل صوتنا الى من يهمه الأمر ، ونتلقى منه الوعد بالمساعدة ، ثم فى المقابلة التالية نرى منه وجها آخر ممهورا بتوقيع الدولار السعودى .
الريال السعودى يطاردنا فى كل مكان ..ومع ذلك فنحن فى تقدم ، وهم فى تراجع وتأخر.
3 ـ كل ما يملكه القرآنيون هو المركز العالمى للقرآن الكريم ، وهو مجرد ركن فى بيتى يحتوى على جهاز كومبيوتر وأرفف كتب . ولكن له اسما ضخما فى واشنطن . وللقرآنيين موقع (أهل القرآن ) نصدره بامكانات شبه معدومة ، ولكنه أخاف الدولة السعودية وعجزت عن مواجهته فحجبته ..
فى امريكا حيث الحرية بدأنا بأحلام كبيرة ( بالنسبة لنا ) تتمثل فى ان يكون لنا مسجد ، وكتبت فى هذا قائلا ( مسجد لله يا مسلمين ) وضاع الحلم .!! حلمنا أن يكون للمركز العالمى للقرآن الكريم مكتب مستقل ، وأن يكون له هيئة من العاملين من علماء ونشطاء شأن أى مركز فى واشنطن .. ويأسنا من تحقيق الحلم .. تواضعت أحلامنا الى مجرد إصدار عدد وحيد من مجلة للدعاية للمركز العالمى للقرآن الكريم ؛ ، ففوجئنا بأن التكلفة تصل الى عدة آلاف لا نقدر عليها . أخيرا .. تواضعنا أكثر فى احلامنا لأعطى محاضرات صوتية فى موقع (اهل القرآن ) .. والحمد لله تعالى رب العالمين .. أن لدينا الان امكانية تحقيق هذا الحلم ..وسوف نبدأ التسجيل الصوتى فى رمضان القادم بعد أيام .
4 ـ دعنا نتخيل.. فليس هناك مشكلة فى أن تتخيل .
تخيل لو كان لدينا مسجد .!! .. تخيل لو كان لدينا مكتب مناسب فى واشنطن بكل ما يحتاجه من موظفين ونشطاء وتمويل ..!! تخيل لو اننا نملك قناة فضائية وشركة للانتاج الدرامى لتغطى تاريخ المسلمين دراميا ، ولنناقش ثقافة السلف فكريا ولنتكلم صراحة عن كل المسكوت عنه .!!
ثم تخيل رد الوهابيين لو حدث هذا .. ربما سيقومون بتنفيذ فتاويهم التى توجب قتلى طبقا لشريعتهم القائمة على حد الردة ...!!
قف من فضلك .. هنا أصبح التخيل مشكلة .. مشكلة لهم وليس لى ..
5 ـ كل عام وانتم بخير..