في الحقيقة لم أشأ أن أتدخل في الحوار الدائر بين الاستاذين / زهير الجوهر وعمرو إسماعيل من ناحية وكثير من الأساتذة الكتاب على هذا الموقع ، ولكن وصل النقاش لحلقة مفرغة من الأخذ والرد ، دون ردا على ما آثاره الأستاذ زهير ،ووافقة الدكتور عمرو في موضوع الأخذ ببعض الحديث كجزء من التراث لشرح أو تفسير القرآن ، ذلك لأن عقله يرفض رفض الحديث بصورة مطلقة كما يرفض الآخذ به بصورة مطلقة ، ولكنه لا أدري لذكاءه أم لماذا؟ جعل حكم عقله الشخصي على رفض أو قبول الأحاديث حكما مطلقا للعقل اedil;لمجرد فقال في تعليقه المرقوم (25676) ما نصه (لكن العقل يرفض ثانيا وبالطبع يرفض أولا ) فجعل حكم عقله هو حكما عاما للعقل المجرد وهذه أعلى درجات الصعلكة ، لأن المعنى المجرد للصعلوك هو الذي لا يبقى بنفسه ولكن يستمد بقاءه من الآخرين مع فرض نفسه عليهم ، ها وقد فرض عقله على جميع العقول بأن جعل حكم عقله حكما لكل العقول ، ولكي نقرب المعنى نقول بأن العقل يأبى أن يحمل الطفل الرضيع أمه ، العقل هنا هو كل العقول مجتمعة ، لأن المسألة لا يختلف عليها إثنين كما يأبى العقل أن يطير الفيل أو يغوص الأسد ، ذلك لأن العقل المجرد يأبى الفعل المخالف للطبيعة ، أما أن أقول لو تصارع الأسد والنمر مثلا فمن ينتصر؟ لو قلت بأن العقل يأبى إنتصار النمر ، أكون بذلك فرضت حكم عقلي الجزئي على العقل الكلي وخلقت منه نظرية ما أنزل الله بها من سلطان وهي نظرية (إنتصار الأسد على النمر) فأكون بذلك في قمة الصعلكة عالما بذلك أو جاهلا به لا فرق.
ونأتي للرد أولا على جزئية قوله الذي لغاه ، ليس لإقتناعه بأنه عار عن الصحة ولكن أدبا مع الدكتور أحمد وهو لذلك الأدب مستحق ، فقد قال بالحرف الواحد في التعليق رقم256161 (مثال: لاحظ المقال الأخير للدكتور منصور, فهو فسر ناظرة بمعنى منتظرة, لكنه لم يقل من كان صاحب هذا الرأي, فهناك من المعتزلة من قالوا بهذا قبل الالاف السنين, وعندما نتكلم يجب ان نكون أمينين في كلامنا, فنقول مثلا هذا رأي فلان, أو أول من قال بهذا فلان, كي لايبدوا وكأننا نعيد أختراع العجلة وبهذا نتهم بالجهل, هذا أذا لم نتهم بالسرقة أصلا) ، وأنا أعيد الكلام هنا ليس قدحا في إستاذي ومعلمي الدكتور أحمد – حاشا لله – ولكن ردا للمغالطات في هذا الكلام والتي تصل لحد الصعلقة على نحو ما سنبين بإذن الله تعالى.
الأمانة العلمية التي يتشدق بها أخونا الأستاذ / زهير تقتضي فعلا إذا قمت بالنقل أو الاقتباس من بحث سابق أو إنتاج سابق للغير أن أشير إلي هذا الأنتاج وإلي الغير وأعطي له حقه ، هذا إذا قمت بالنقل حرفيا أو بالنقل مع التصرف ، ولكن إذا كان الإنتاج كله إنتاجي ولغة البحث هي لغتي مائة بالمائة ، فأنا غير مطالب بأن أشير للغير حتى ولو إتفقت نتائجه مع نتائجي لأن الإبداع يبقى إبداعي أنا وأنا غير ملزم بالإشارة إلا لما يقتضيه بحثي ، وهنا تكون الحاجة للإشارة من مطلقات تقديري أنا لا دخل لأحد فيها ولا أعد سارقا لبحث الغير أو أفكارة طالما أن مقدماتي التي سقتها من إبداعي أدت للنتيجة التي توصلت إليها.
وبإسقاط هذه القواعد على موضوع المقال فإن أحدا لا يستطيع أن يثبت من قريب أو بعيد أن الدكتور أحمد نقل من إنتاج الغير أو مجهوده دون الإشارة إليه ، ولكن كل البحث إتفقنا معه أو إختلفنا هو من إبداع الدكتور أحمد وإنتاجه الفكري لم يشترك معه فيه أحد ولم يقتبس قليلا أو كثيرا من الغير ، حتى لو إنتهى لنتائج إنتهى إليها غيره (المعتزلة أو غيرهم) ، ثم أن يزيد من عمق هذه الحقيقة أن الدكتور أحمد كمسلم يأخذ بالقرآن مصدرا وحيدا للتشريع ينطلق من أرضية مختلفة تماما عن تلك التي ينطلق منها المعتزلة أو غيرهم من الفرق المحسوبة على المذهب السني أو الشيعي أوغيرهم ، فرغم إختلاف المعطيات وصلنا لنتيجة واحدة فلا يوجد أدنى إلزام عليه كباحث أن يشير إليها ، وصلت !!!
إذا فمن السطحية المفرطة أن يقول الأستاذ زهير (لكنه لم يقل من كان صاحب هذا الرأي) فقصر الرأي على فرقة واحدة مع إنه مشاع لأكثر من فرقة كل وفقا لأرضيته التي إنطلق منها ، ومعطياته المختلفة ، وقطعا فإن السطحية في النقد مع إستخدام ألفاظ (أمنين في كلامنا ، وإعادة إختراع العجلة) والتي توحي بغزارة ثقافة صاحبة ، للإضرار عمدا أو جهلا بباحث له قيمته مثل الدكتور أحمد فإنها صعلكة لا محالة.
في الرد على رأي الأستاذ / زهير وشريكه الدكتور / عمرو:
يقول الأستاذ زهير بالنص (وهنا فأن السنة محقون في أن حفظ أقوال الرسول ضروري لأنه يعلمنا الكتاب والحكمة ويزكينا.
لكن طريقة السند لوحدها لاتكفي كما تصوروا.
الطريقة الصحيحة هي أن نتعامل مع الأحاديث بالصورة التالية:
أولا: الأقرار بأستحالة كذب نسبة كل الأحاديث الى الرسول, لان هذا يتعارض مع الآيات أعلاه, ويعدا تكذيبا للقرآن.
ثانيا: الأقرار بأستحالة صحة مجموعة مسماة من الأحاديث بدلالة السند فقط كأحاديث البخاري مثلا, وذلك لأنه أيضا يعتبر تكذيبا للقرآن.
ثالثا: التعامل مع الأحاديث بصورة نسبية, على مبدأ أن الحق يفرض نفسة, كيف؟
هذا ما أطلق علية الأهمية التفسيرية للأحاديث؟ وأساسه التالي: لنفترض بأننا أزاء مسئلة تفسيرية للقرآن: هنا لحل هذه المسألة نأتي بكل مافي الخبرة الأنسانية حول الموضوع, وبالذات الأحاديث المنسوبة للنبي: فأن كان فعلا أحد هذه الأحاديث بخصوص هذه المسألة من الرسول نفسة, فسوف يبرز هذا الحديث ويطغي على جميع التفسيرات الأخرى, وهذا هو المقصود بالأهمية التفسيرية للحديث, وهنا فأن دور الرسول سوف يكون محفوظ, لكن ليس عن طريق السند بل عن طريق العقل!)
وعاد فقال في التعليق رقم (25616) ما نصه (الآن مالدينا هو جملة ضخمة من الآحاديث المنسوبة الى الرسول, ويمتنع عقلا ان نقول بأنها كلها كاذبة, لذلك فأن بعضا من هذه الأحاديث لابد وان يكون الرسول من قاله فعلا, الآن نحن لانعلم بالضبط من هي هذه الآحاديث لماذا لأن هناك الآلاف الأحاديث الكاذبة على الرسول, لكن هل هذا يعني أننا يجب علينا ان نتركها بالجملة ونقول القرآن وكفى.
الجواب الأقرب الى العقل هو كلا: بل نحن نعرض هذه الأحاديث على القرآن, فأن كان حديث ما فعلا من الرسول فسوف يبرز ويعلو على التفسيرات الأخرى, وهذا ما أسمية بالأهمية التفسيرية للحديث, ومن هنا فأننا لانضيع على أنفسنا فرصة الأهتداء الى التفسير الصحيح بهذا الحديث الذي يفرض نفسه لقوتة التفسيرية.
الحديث يؤخذ به لأهميته التفسيرية للقرآن وليس لسنده والقيل والقال.
أنا أدعوا الى منهاج عقلي يأخذ بالخبرة السابقة ولايضيعها ويعيد أختراع العجلة ويضيع وقته.
أيضا بالنسبة لأهل البيت فهم أهل بيت الرسول ولابد ان عندهم من العلوم عنه اكثر من غيرهم, وبالرغم من ان الآلاف الأحاديث عنهم مزورة, لكن لنفس المنطق أعلاه لابد من أن نعرض أقوالهم على القرآن, فمن كان له أهمية تفسيرية للقرآن نأخذ به بناءا على هذا.)
يتضح من ذلك أن الأستاذ زهير لا يستطيع رفض كل الأحاديث لأنه يمتنع على عقله القبول بتزويرها كلها كما يمتنع عليه القبول بصحتها كلها ، وأقول للإستاذ زهير أنه يمتنع فعلا على العقل القبول بصحة أحاديث إنقطع الزمان بين قولها وبين جمعها بطريق الكتابة أكثر من قرن من الزمان ، وإلا أرجوه أن يذكر لي خمسة أقوال لجده رحمه الله عن طريق السند لأبيه ، جازما أن هذا الكلام بحروفه خرج من فم جده!!!
ولكن أقول ولكن مع إفتراض صحة نسب بعض الأحاديث (كفرض جدلي) لرسول الله عليه السلام فنحن غير مطالبين بالأخذ بها ، لأن الله سبحانه وتعالى قال أن الرسالة (رحمة للعالمين) ، وكونها رحمة للعالمين يجب أن تتجرد من كل الأسقف المعرفية لكل البشر في كل زمان ومكان وإلا إمتنع علينا من باب الأمانة العلمية أن نقول أنه رحمة للعالمين بمعنى صلاحية النص القرآني لكل زمان ومكان ، فكيف نربط القرآن بحدود السقف المعرفي للرسول العظيم عليه السلام من زمان ما ومكان ما؟ بذلك نجرد القرآن من عموميته ونحكم بآداب وأخلاق الجزيرة العربية من أكثر من ألف عام على جميع المجتمعات اللاحقة والتي دخلت الإسلام وهذا ما يمتنع فعلا على العقل قبوله ، وأظن أن هذا هو السبب الحقيقي الذي جعل رسول الله عليه السلام يرفض وينهى عن كتابة أحاديثه ، وكذلك من خلفه من الصحابة رضوان الله عليهم ، مكتفيين بالقرآن.
هذه واحده ثم أن في القول بوجود أحاديث صحيحة وبوجوب الأخذ بها عظيم مسبة للرسول عليه الصلاة والسلام ، لأننا سنكون أمام فرضية أن الدين لن يكتمل إلا بالأحاديث ، وهذه الأحاديث لم يجمعها الرسول ولم يأمر بجمعها ، إذا هو فرط في الرسالة – حاشاه أن يكون فعل ذلك – فنكون قد سببنا الرسول من باب محاولة الدفاع عنه ، بل والأدهى قد وصلنا عن طريقهم أنه ليس فقط إمتنع عن جمعها لتثصل إلينا بل أيضا نهى عن ذلك وكأنه عليه السلام يحارب بنفسه دين الله ويمنع وصوله إلينا تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، ما لكم كيف تحكمون؟ أم لكم كتاب فيه تدرسون؟ ، ثم بجاء بم برزويه والنيسابوري والترمذي وغيرهم ليجمعوا لنا ديننا الضائع لأكثر من مائة وخمسين عاما ، هل هذا هو الدين الذي يجب علينا إتباعه؟
ثم أنا أتفق معك في مقولة أن التراث يحتوي على مخزون هائل من المعلومات ، ويمكننا الإستفادة بها شرط أن ننسبها إلي أصحابها الأصليين وخترعها دون أن ننسبها للرسول لنضفي عليها مسحة مقدسة هي منها براء ، فأن أقول راي المعتزلة أو الأشاعرة أو الشيعة أو السنة دون نسبه كحديث لرسول الله عليه أصلي وأسلم فلا مانع بل يجب على الباحث المحترم فعل ذلك ، ولكن أن أقول قال رسول الله عليه السلام لكي يكون الكلام مقدس وكالقرآن فهذا ممنوع بل وإختراع لدين أرضي ما أنزل الله به من سلطان .
أنا شخصيا عندما أجد حديث يتفق ومذهبي أستدل به على أنه عمل بشري وليس على أنه حديث منسوب لرسول الله عليه السلام ، والتراث الإسلامي كتراث إنساني مليء بالرث وكذلك مليء بالثمين ، وأتفق معك أيضا أن المنهج العقلي الصحيح يدعوا للإخذ بالخبرات السابقة وأنا شخصيا إطالع وبإستمرار جميع الأراء في أي مسألة أتعرض لها لكي أكون رأي خاص وذلك قبل أن يكون لي هذا الرأي الخاص ، لأن الباحث الحق هو صاحب أكبر تراكم معرفي ، والباحث الرائد هو من يستطيع إستنباط رأيه من مجموع تراكماته المعرفيه ليكون له رأي خاص في المسائل والحوادث والأشخاص ، كل ذلك بشرط عدم إعطاء القدسية لما هو أرضي بمحاولة نسبته لوحي السماء تعالى الله عن كل ذلك علوا كبيرا.
أما عن قولك (الأنطباع: القرآنيون كأنهم يريدون سلخ الأسلام عن الرسول محمد, فلا هو ولاصحبة فهمو الأسلام بصورة كاملة, ولاهم يمثلون الأسلام الكامل, هذا مايردده السنيون عن القرآنيون, وهذه هي الصورة التي أظهر بها القرآنيون مع الأسف الشديد.) ، من قال أن القرآنييون يريدون سلخ الإسلام عن الرسول عليه السلام فإن أفضل مكان لكلامه هو صفيحة القمامة ، لأننا أكثر ناس نحترم الرسول العظيم عليه السلام وقد وصلنا القرآن الكريم من فمه الشريف وصدقناه ، ونشهد بأنه بلغ ما قصر ، ونشهد بأنه لم يضع كلامه عليه الاسلام حكما على القرآن بل جعل القرآن حكما ومسيطرا على كل تصرفاته فقال عليه السلام ، وفقا لما ذكره عنه رب العزة في القرآن (ما يكون لي ان ابدله من تلقاء نفسي ان اتبع الا ما يوحى الي اني اخاف ان عصيت ربي عذاب يوم عظيم) ، فكيف بعد ذلك يكون كلامه قاضيا على القرآن وشارحا له ومفسرا له ومكملا ما فيه من نقص – تعالى الله علوا كبيرا – بل وناسخا لأحكامه وآياته ونصوصه ، ما لكم كيف تحكمون؟
أما عن قولك (والأدهى من ذلك ان القرآنيون لايقصرون في أن يرفدوا تلك الصورة ويعززوها, فترى قسما منها يقول بأن الشرك بدا في الترايثيين, ويوشكون ان يكفروهم الا قليلا.) ، فلتعلم أننا لا نحارب أشخاص أو نتهمهم في دينهم – حاشا لله – فالله وحده يعلم من المؤمن ومن غير ذلك ، ولكننا نحارب ونتهم أفكار لا أشخاص ، فلما نقول أصحاب الدين الأرضي ، لا نقصد تكفير أحدا بذاته ولكن نقصد تماما توصيف فكر يريد أن ينسب نفسه للسماء ظلما وعدوانا ، والفرق لو تعلمون كبير.
وأخيرا أود أن أشكر الأستاذ عبد العزيز ورحو على عبقريته في إختيار الوصف المناسب لكلام الأستاذ / زهير (صعلكة معرفية) ، والحق أن هذا الوصف ليس سبا لا سمح الله ولا تعدي ولكنه توصيف دقيق لحالة معرفية تم خلط الأمور فيها بشكل يوهم القارئ بأننا أمام نقد موضوعي ، وتراكم معرفي يسمى علم ، ولكن المقالة بها كم هائل من المغالطات وخلط الأمور والتسلق على أفكار الغير بما يجعلها أهلا لهذه التسمية على نحو ما ذكرنا وذلك لا يقلل أبدا من مكانة الأستاذ زهير لدينا وأن لسيادته أبحاث سابقة غاية في الروعة لاسيما أبحاثه المنهجية والتي تعد وبحق مثالا يحتذى وتكملة لا بد منها لأبحاثنا في ذات المجال
وشكرا لتفهم الجميع
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شريف هادي