السنعوسي يطرح سؤال الهوية في المجتمعات الخليجية
«البدون» موت يشبه الحياة في رواية السنعوسي

في السبت ١١ - يونيو - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

تصنيف الخبر: حقوق انسان و أدب خليجي 

عدنان حسين أحمد

على الرغم من أنّ رواية "ساق البامبو" للكاتب الكويتي سعود السنعوسي تعالج ثيمات متعددة أبرزها العمالة الأجنبية، والهُوية، ومحاولة التجذّر والانتماء، والتوزع بين أكثر من اسم ووطن وديانة، إلاّ أنها تلامس من طرف آخر شخصية "البدون" الكويتية على وجه التحديد.

هذه الدراسة ستكون مكرسة تحديداً لشخصية "غسّان" في هذا النص الروائي آخذين بعين الاعتبار أن إشكالية "البدون" قد عالجها العديد من الروائيين الكويتيين لعل أبرزهم إسماعيل فهد إسماعيل في رواية "الغول والعنقاء والخِل الوفي"، وفوزية شويش السالم في رواية "سلالم النهار"، وبثينة العيسى في رواية "ارتطام لم يُسمع له دويّ". ولتوضيح أبعاد هذه الشخصية المُجردة من هويتها لا بد لنا أن نشير إلى معنى التسمية ودلالتها وكيف راجت زمنياً منذ عام 1950 وحتى الوقت الراهن. فالبدون تعني أن هناك شريحة اجتماعية كويتية كبيرة لا تمتلك الجنسية الكويتية وأن استحقاقهم لهذه الجنسية قد تعطّل منذ خمسة عقود الأمر الذي أسفر عن تأثير سلبي في ملف حقوق الإنسان في الكويت.

وبغض النظر عن تعدادهم المُختلَف عليه فإن المشكلة لا تزال قائمة وهي موضع اهتمام الروائيين الكويتيين لعل آخرهم هو سعود السنعوسي الذي نال الجائزة العالمية للرواية العربية "البُوكَر" لعام 2013 وكانت ثيمة "البدون" هي واحدة من الأسباب التي لفتت عناية لجنة التحكيم التي رأت فيها رواية "مُحكمة البناء، وتتميز بالقوة  وتطرح سؤال الهُوية في مجتمعات الخليج".

وإذا كانت شخصية راشد عيسى راشد الطاروف هي شخصية ثقافية بامتياز، وأنه كان كاتب مقال أسبوعي، ومنهمك في عمله الروائي الأول الذي لم يكمله بسبب وقوعه في الأسر واستشهاده لاحقاً، فإن صديقه غسّان هو شخص مثقف أيضاً وشاعر وعازف عود، لكنه ينتمي إلى شريحة "البدون" التي أشرنا إليها سلفاً.

شخصية إشكالية

وتبدو هذه الشخصية الثانوية قياساً إلى راشد الذي يُعتبر من الشخصيات المؤسِسة للنص الروائي التي تؤثر في الشخصية الرئيسة "عيسى" ولا تنازعها على دور البطولة، وإنما تتيح المجال لـ "ميرلا" أن تاخذ حيّزاً كبيراً من دور البطولة لتكشف عن حياة المجتمع الفليبيني الذي يكاد يحتل نصف المساحة الروائيّة زمكانياً. إذن، ينتمي "غسان" إلى نمط الشخصيات الإشكالية المثقفة مثل راشد، وزوجته جوزفين، وخولة، وهند الطاروف، وإسماعيل فهد إسماعيل، والشاعر فايق عبد الجليل، والملحن عبد الله الراشد، والناشطة هند الطاروف، وكذلك خوسية ريزال البطل القومي الفليبيني الذي يكتب الشعر والرواية ويلم بأكثر من عشرين لغة.

الانبتات

طرح السنعوسي مشكلة "غسان" بطريقة فكهة وطريفة جداً. فبينما كان غسان يوضح لعيسى بعض الصعوبات التي يواجهها في السفر دُهش هذا الأخير، لأنه لا يتوقع لأي كويتي أن يواجه مثل هذه الصعوبات، ثم فغر فاه حينما أخبره "غسّان" بأنه ليس كويتيا، وإنما هو من شريحة "البدون" التي تصورها عيسى دولة لم يسمع عنها من قبل، بدليل أنه استفسر من غسان فيما إذا كانت هذه الدولة تنتمي إلى دول مجلس التعاون الخليجي أم لا؟ تتعمق درامية هذه الشخصية حينما نكتشف أن "غسان" هو عسكري سابق، ومقاوم للاحتلال، ويحب الكويت، ويحزن لرحيل أميرها، ويشترك في الأغاني الوطنية المناهضة للاحتلال ومع ذلك فهو لا يحمل الجنسية الكويتية، الأمر الذي سيسبب له إشكالاً مع عائلة الطاروف التي رفضت أن تزوجه ابنتها هند التي يحبها وتحبه، فالزواج من "البدون" يشكِّل عيباً للأُسر الكويتية المرموقة.

وعلى الرغم من أن هند الطاروف سوف تكرّس كل حياتها لشريحة "البدون"، لكنها لا تستطيع الاقتران بحبيبها غسان الذي ينتمي إلى شريحة "البدون". اللافت للنظر أن غسان "له خمسة أخوة كويتيين. . فلتوا هم، وسقط هو  في ثغرة القانون"(ص193) كنت أتمنى على السنعوسي أن يوضح هذه الثغرة لأن غموضها يسبب إرباكاً ويفضي إلى عالمٍ ضبابي مفاده أن أخوته كويتيون، بينما هو "بدون" أو غير كويتي بمعنى من المعاني، تماماً مثل الالتباس الذي وضعنا فيه السنعوسي حينما أحاط سبب استدعاء "هوزيه" أو "عيسى" من قِبل غسان من الفليبين بحجة الانتقام من أسرة الطاروف برمتها لأنها رفضت أن تزوجه هنداً، بينما هو يعرف تماماً بأن "البدون" يُنظر إليهم نظرة دونية لا تخلو من ازدراء واضح وتفرقة قائمة على أساس المنزلة القبلية .

نخلص إلى القول بأن شخصية "البدون" هي شخصية ميتة في الحياة، تماماً مثل غسان الذي أراد أن يتزوج هنداً، لكن لقب "البدون" وقفَ حائلاً دون زواجه، كما رفض أن يقترن بأية امرأة أخرى خشية من انتقال هذه الجينة المشوّهة والخبثية إلى أولاده وأحفاده، لذلك آثر العزوبية على الزواج وظل مثل نبتة لا تستطيع التجذّر في هذا الأرض الطارده لمواطنيها. تعاني شخصية النص الرئيسة من التشظي إلى أربعة أسماء وهي "هوزيه"، "خوسيه"، "جوزيه" و "عيسى" كما تشكو من إشكالية التجذّر والانتماء والولاء لأكثر من اسم ووطن وديانة، مثلما تعاني "ميرلا" زوجة عيسى لاحقاً من هذا التشظي، لكنها تتغلب عليه، وتتجاوز حدود ملامحها المُكتسبة من السائح الأوروبي الذي تمتع مع أمها "آيدا" ذات ليلة عابرة، أما غسان فلم يستطع أن يتغلب على هذا اللقب القاسي "البدون" ويتخلص منه لأن سلطة المجتمع الكويتي أكبر من أية سلطة أخرى في هذا البلد الصغير الذي يكاد يعرف بعضه بعضا، ولا يزال يطرد أبناءه من دائرة المواطنة وحق الانتساب الشرعي لها.

لموقع أهال القرآن ... أبو أيوب .. الكويت 

اجمالي القراءات 4172