السود في اليمن يقاسون ماهو أسوأ من العبودية
السود في اليمن يقاسون ماهو أسوأ من العبودية

في الجمعة ٢٤ - أكتوبر - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

علي المقري: السود في اليمن يقاسون ماهو أسوأ من العبودية


صنعاء- آفاق - خاص

1

قال الصحافي والروائي والشاعر اليمني علي المقري إن حال المهمشين السود "الأخدام" في اليمن أسوأ من العبودية. وأشار في حوار خاص مع "آفاق" إلى أنهم يعانون من الممارسات التمييزية حتى في ظل مشاريع الدولة الحديثة، لافتا إلى أنه حاول الاقتراب من معاناة "الأخدام" من خلال روايته "طعم أسود رائحة سوداء".

وذكر المقري أن مجتمع الأخدام في اليمن عانى من التمييز العنصري إلى حد الهلاك والانقراض ما لم يعانيه مجتمع آخر، وأن مشاريع ادماجهم في المجتمع اليمني كانت تنطلق من ثقافة عنصرية فوقية وتنظر إلى الأخدام كفئة مستهدفة لتغيير ثقافتها وسلوكها، ودمجها في مجتمع، ظل عبر قرون طويلة وما زال، لا يقبل بالتعايش معها، بحسب تعبيره.

وانتقد المقري تناول الصحافة في اليمن لموضوع الأخدام وقال "ملامسات الصحافة اليمنية لموضوع الأخدام تنطلق في أغلبها من زاوية عنصرية، لا تقدر أو تحترم خصوصيتهم الثقافية والسلوكية. بل إنهم يبرزون ثقافتهم المعيشية السلوكية كمبرر لبقاء ممارسة التمييز العنصري ضد الأخدام".

وفيما يلي نص الحوار :
آفاق: لنبدأ من الرواية الأخيرة التي أصدرتها "طعم أسود رائحة سوداء" والتي تركز على المهمشين السود في اليمن "الأخدام" حدثنا عن فكرة كتابة الرواية والمصادر الواقعية التي استوحيت منها شخوصها وأحداثها وإلى أي مدى تعتقد أنها لامست هذه المشكلة المجتمعية المعقدة ؟.
المقري: لم تكن لدي فكرة مسبقة أو دوافع محددة لكتابة رواية عن الأخدام. ما أردته، ربّما، هو الاقتراب منهم أكثر عبر كتابة هذه الرواية، وبالتالي لم أهتم كثيراً بوجود مصادر وأحداث واقعية تتطابق مع ما كتبته.

لا أعرف ماذا تعني بقولك عن مدى ملامسة الرواية لهذه المشكلة المجتمعية المعقدة؟ كأن مهمة الرواية أو الكاتب هي تصوير واقع ما أو مشكلة ما ومعالجتها بحلول وأفكار.

آفاق: هل قدمت روايتك معالجات واقعية لمشكلة "الأخدام" على المستوى الثقافي والقانوني. وإلى أي مدى تخدم القوانين اليمنية طبقة المهمشين وماذا تحتاج أيضا للانتصار لقضاياهم الإنسانية ؟
المقري: لا أظن أن من مهمة الكاتب تقديم الحلول والأفكار من أجل معالجة واقعية لمشكلة ما، من خلال روايته.

اهتمت الرواية الحديثة بتقديم رؤى فنّية لمعالجات اجتماعية ضمن مفاهيم أيديولوجية: دينية وحزبية وتاريخية. لا أظن أن رواية عن (الأخدام) ستمضي في هذا السياق. أي رواية تقترب من الأخدام، بما يمثله هذا المجتمع من تميز وخصوصية في تاريخ وواقع المجتمع اليمني، تبدو لي ستكون رواية ما بعد حداثية خارج السياق القانوني والثقافي السائد في كل مستوياته. فالدولة الحديثة بما تمثله من مؤسسات سلطوية سياسية، واجتماعية فشلت في فتح آفاق مختلفة للتعامل مع الأخدام بشكل يليق بتمرّدهم الهائل في التاريخ والواقع.

يبدو لي، أنه لا يوجد مجتمع عانى التمييز العنصري إلى حد الهلاك والانقراض كما هو حال الأخدام في اليمن، فقد تم نبذهم وعانوا من الممارسات التمييزية حتى في ظل مشاريع الدولة الحديثة، الموصوفة بالجمهورية أو الاشتراكية أو الديمقراطية. حتى تلك المشاريع الاندماجية لهذه الفئة في المجتمع اليمني كانت تنطلق من ثقافة عنصرية فوقية تزعم امتلاك الحقيقة الدينية والتاريخية والوطنية، وتنظر إلى الأخدام كفئة مستهدفة لتغيير ثقافتها وسلوكها، ودمجها في مجتمع، ظل عبر قرون طويلة وما زال، لا يقبل بالتعايش معها.

آفاق: إلى أي مدى يلعب المجتمع المدني دوراً في إبراز وملامسة قضية المهمشين . ومارأيك بالتجربة التي انطلقت من وسط فئة "الأخدام" ما يسمى "منظمة الأحرار السود"؟
المقري: بالنسة لي، الأمر مفجع وأنا أجد حجم هذه النظرة التمييزية العنصرية في المجمع اليمني ضد الأخدام السود، أمّا محاولة تغييب صفتهم (الأخدام) فلا تختلف تماما عن هذا المنطلق.

فالذين أطلقوا عليهم هذا الصفة، ها هم، يا لبساطة الرغبة، يريدون أن يلغوها. وهم بذلك يعتقدون أنهم قد قاموا بإلغاء تاريخ من الاضطهاد والقمع والنبذ والتمييز ضد هذه الفئة.
صفة (الأخدام) لم تعد، كما تبدو لي، تعني العبودية، أو أدناها، وإنّما تعني، أيضاً، تاريخاً من التمرد المدهش والحياة، تعني خصوصية فئة تجمع بين ملامح الزنوج وسلوك الغجر، مع هذا فإن الزنوج إذا كانوا قد قاسوا من العبودية فإن الأخدام ما زالوا يقاسون من حال هو أسوأ من العبودية.

آفاق: بوصفك صحافي إلى أي مدى لامست الصحافة اليمنية قضايا الأخدام والمهمشين والتمييز الذي يعانون منه ؟ .
المقري: ملامسات الصحافة اليمنية لموضوع الأخدام تنطلق في أغلبها من زاوية عنصرية، لا تقدر أو تحترم خصوصيتهم الثقافية والسلوكية. بل إنهم يبرزون ثقافتهم المعيشية السلوكية كمبرر لبقاء ممارسة التمييز العنصري ضد الأخدام.

آفاق: عالم الرواية هل وجدت فيه عالم الأخدام والمهمشين وهل يمكن التعويل على الرواية في استظهار ومعالجة قضايا ربما كان المقال والتقرير الصحفي غير كاف لاستظهاره؟.
المقري : أظن أن الأخدام كفئة مميزة في علاقاتها بالمجتمع المحيط بها، وعلاقة هذا المجتمع بها، قد أثاروا الكثير من الأسئلة حولهم، وخضعوا من خلال البحث لأسئلة لا حد لها: تاريخية ودينية وأيديولوجية وأخلاقية.

فهل مهمة الرواية هنا أن تطرح هذه الأسئلة وتناقشها وتجيب عليها، أم تضرب بها عرض الحائط، لتثير أسئلة أخرى لا تحتاج إلى أجوبة يقينية، ربّما تشكك بمصادر الأسئلة السابقة نفسها، أسئلة تنحو باتجاه آخر، قد تبدو معه بلا أجوبة، أو أن أجوبتها تكمن في الأسئلة نفسها.

اجمالي القراءات 5211