ثلاثة أرباع التونسيين لا يرغبون بإقحام الدين في السياسة

في الثلاثاء ١٠ - مايو - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

ثلاثة أرباع التونسيين لا يرغبون بإقحام الدين في السياسة
  • رفض أغلب التونسيين الزج بالدين في الشأن السياسي وعبروا عن سخطهم على الجماعات الإسلامية ونفورهم من حركة النهضة التي لم تتمكّن من توسيع قاعدتها الانتخابية وظلت ثابتة طيلة السنوات الخمس الماضية.. كلها مؤشرات واضحة لتزايد نزوع التونسيين نحو فصل الدين عن السياسة بسبب ما عانته بلادهم من عمليات إرهابية، ويظهر كل ذلك واضحا من خلال الدراسات المتخصصة ونتائج سبر الآراء.
العرب  [نُشر في 11/05/2016، العدد: 10272، ص(13)]
 
الإرهاب يزيد التونسيين رفضا لتدخل الدين في السياسة
 
تونس - أثبتت نتائج سبر للآراء كانت قد أجرتها مؤسسة “سيغما كونساي” أنّ 73 بالمئة من التونسيين من مختلف الشرائح العمرية وينحدرون من مختلف الفئات الاجتماعية يفضلون فصل الدين عن النشاط السياسي وأن حوالي 70 بالمئة يعارضون أن تكون الشريعة الإسلامية المصدر الأساسي لتشريع القوانين في البلاد.

وعلى الرغم من مساحات الحرية التي تكاد تكون مطلقة واستفادت منها جماعات الإسلام السياسي بما فيها الجماعات السلفية بشقيها العلمي والجهادي في أعقاب انتفاضة يناير 2011 التي أطاحت بنظام الرئيس بن علي لم تتمكن تلك الجماعات من كسب تأييد غالبية فئات المجتمع المتمسك بنمط تدينه المعتدل.

وتتطابق نتائج عملية سبر الآراء هذه مع دراسة ميدانية أجرتها جامعة ماريلاند الأميركية حول “توجهات الرأي العام التونسي ونشر نتائجها الموقع الإلكتروني لـ”هافينغتون بوست” خلال الأسابيع الماضية في أنّ غالبية التونسيين يفضلون تطبيق العلمانية كنموذج للحكم ويشددون على ضرورة الفصل بين الدين والسياسة وأنهم لا يثقون في الجماعات السلفية.

وتوصلت الدراسة التي أجريت على عينة من مختلف الشرائح بين عامي 2013 و2015 إلى أن 73 بالمئة من التونسيين يفضلون الفصل بين الدين والسياسة وتطبيق العلمانية كما توصلت إلى أنّ 71 بالمئة يرفضون أن تتولى الحكم في البلاد حكومة إسلامية.

ويؤشر رفض التونسيين أن تتولى إدارة الشأن العام حكومة إسلامية إلى أنهم يتمسكون بالتجربة الوطنية الحداثية التي قادتها مند العام 1956 دولة الاستقلال المدنية بناء على رؤية علمانية تنأى بالدين عن أي شكل من أشكال الزج به في سياسات البلاد.

وخلافا لما كانت تتوقعه جماعات الإسلام السياسي والتنظيمات الجهادية التي قويت شوكتها في البلاد خلال السنوات الخمس الماضية، ارتفع منسوب عدم ثقة التونسيين في الجماعات المتشددة بشكل حاد ليبلغ 80 بالمئة في عام 2015 بعدما كانت هذه النسبة تبلغ 55 بالمئة خلال 2013 وهي الفترة التي فرّخت فيها الجماعات المتشددة مستغلة هشاشة الأوضاع العامة.

ويرى الخبراء في الإسلام السياسي أن نمط تدين التونسيين الذي يتخذ من المذهب السني المالكي الأشعري مرجعية له يرفض مشاريع الجماعات السلفية والجهادية وأجنداتها المرتبطة بمحاور إقليمية ودولية حيث تبدو تلك الأجندات غريبة عن مجتمع ذي مسحة ليبرالية يفاضل الولاء لدولة المواطنة المدنية عن الولاء لجماعات الإسلام السياسي.

الهجمات الدموية التي شنتها الجماعات الجهادية على تونس عمقت رفض التونسيين للإسلام السياسي ورفعت مخاوفهم من استهداف مؤسسات الدولة والمجتمع

ويضيف الخبراء أن الهجمات الدموية التي شنتها الجماعات الجهادية على تونس خلال العام 2015 وبداية 2016 عمقت رفض التونسيين للإسلام السياسي ورفعت مخاوفهم من استهداف مؤسسات الدولة والمجتمع.

وشهدت تونس خلال العام 2015 هجومين دمويين استهدف الأول المتحف الأثري بباردو وسط العاصمة واستهدف الثاني فندقا بمدينة سوسة السياحية وخلف الهجومان 147 ضحية بين قتيل وجريح غالبيتهم من السياح الأجانب، إضافة إلى عمليات أخرى كالهجوم على الحافلة التابعة للأمن الرئاسي والهجومات على مدينة بنقردان الحدودية مع ليبيا،غير أنّ الجيش والأمن أحبطا مخططهم وقتلا منهم العشرات.

زاد ذلك في تعزيز ثقة التونسيين في المؤسسة العسكرية والأمنية التي باتت تحظى بنسبة ثقة عالية تصل إلى 97 بالمئة وفق عملية سبر للآراء أجرتها مؤسسة سيغما كونساي.

ولا تعني مفاضلة التونسيين فصل الدين عن السياسة أنهم غير متدينين بل على العكس من ذلك يؤكد تقرير حول “الحالة المدنية وحرية الضمير نشر في مايو 2015 أنّ 70 بالمئة من التونسيين يعتبرون أنفسهم “متدينين”.

وعلى الرغم من تزايد نشاطها خلال السنوات الخمس الماضية فإن جماعات الإسلام السياسي وجدت المجتمع التونسي “عصيّا” عليها ولم تستقطب سوى الفئات الهشة، مستغلة الأوضاع الاجتماعية الصعبة للفقراء والعاطلين ما جعل نشاطها الدعوي ينحصر في الأحياء الشعبية والجهات الداخلية المحرومة. وفشلت حركة النهضة في الانفتاح لا فقط على المشهد السياسي والمدني الذي تؤثثه قوى علمانية شرسة في معاداتها للإسلام السياسي بل فشلت أيضا في الانفتاح على الشباب وعلى المرأة غير المتحجبة وعلى الطبقة الوسطى التي تمتلك ثقافة سياسية مدنية تتوجس من منظومة الثقافة العقائدية.

وتطالب المعارضة التونسية حركة النهضة لا فقط بفصل العمل الدعوي عن النشاط السياسي بل بالقطع التام مع أي شكل من أشكال النشاط الديني، مشدّدة على أن إبقاء النهضة على عملها الدعوي سيوفر لنشاطها السياسي خزّانا لتعبئة الأنصار ضمن جمعيات ومنظمات تنشط تحت عناوين مختلفة لكن هدفها واحد وهو توفير أكثر ما يمكن من الإسناد الشعبي للنهضة.

اجمالي القراءات 2697