محمد رسول الله بين القرآن والحديث.
محمد -رسول الله بين القرآن والحديث.

عثمان محمد علي في الثلاثاء ٢٢ - يوليو - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

محمد رسول الله بين القرآن وروايات الحديث .

بسم الله الرحمن الرحيم
(أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) [الأنعام : 114])
--الهدف من الدراسه :
محمد بن عبدالله بن عبد المطلب ,رسول الله (عليه الصلاة والسلام ) من أك&Eumde;كثر من تعرض تاريخهم للدراسة والفحص والتنقيب من دارسين عده وكتبت عنه دراسات شتى. سواء قام عليها أتباعه المؤمنون معه بالله رب العالمين ,أو خصومه واعداؤ ألمتربصون به وبرسالته .ولكن ذلك أوقع تاريخه وشخصيته البشرية فريسة بين مطرقة أتباعه وسندان مخالفيه .واجمع الإثنان دون أن يتفاا على ذلك ودون عقد مكتوب بينهما على تشويهه وإغتيال تاريخه الحقيقى وإنتقاص مكارم أخلاقه وصفاته الإنسانية العظيمه , بين محاولة سربلته بثوب الأُلوهية تارة وبين إتهامه بكل نقيصة ورزيلة تارة أخرى .ولكن كثير من دفوع أتباعه غلب عليها فى كثير من الأحيان بين فقراتها شكل الخطاب العاطفى المبنى على الحمية والعصبة .مبتعدة عن لغة التأنى وإثبات الحقيقة بشكل هادىء موءسس على أسس علمية راسخة متينه. إلا أنه هناك القليل من الكتابات والقليل من المنصفين ممن كتبوا عنه بحيادية تامة تذب عنه كل نقيصة من جهة, وتعيده إلى حقيقته البشرية من جهة أخرى . بعدما رفعه أتباعه إلى كرسى الألوهية وتحكمه فى الدنيا والآخره ويوم الدين والجنة والنار .
ومن بين هذه الكتابات ما كتبه الأستاذ الدكتور – أحمد صبحى منصور – عنه (عليه الصلاة والسلام ) ضمن كتابه المٌصادر( الأنبياء فى القرآن الكريم-الذى نتمنى ان يعاد نشره على الموقع قريبا ) وما كتبه فى كتب أخرى و مقالاته المنشوره على( موقع أهل القرآن وكثير من مواقع الإنترنت العربية الاخرى ) . و أيضا ما كتبه بعض إخواننا من القرآنيين ضمن مقالاتهم على موقع أهل القرآن . ونحن إذ نشاركهم اليوم جهادهم السلمى بالكلمة الحسنة فى دفوعهم عن نبى الإسلام والقرآن محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام .نحاول ان نقدم بعون الله وتوفيقه دراسة متواضعة عن (رسول الله محمد بن عبدالله -عليه الصلاة والسلام ), معتدين فيها على صدق القول وأحسن الحديث كتاب رب العالمين.لنسير فيها مع تطورات حياته. ونتعرف منها على شخصيته التى أمرنا ربنا سبحانه وتعالى أن نقتدى بها ونتخذها أسوة حسنة .ولنتعرف على حقيقته ,فى .هل هو حقا له شىء من الأمر فى مقاليد الدنيا والاخره ؟؟ أم انه عبد الله ورسوله ولا يملك من ألامر شيئا . وهل كان ذا شخصية فظة غليظة متجهمة متعدية مقاتلة متشابها مع المستبدين من والأكاسرة والقياصرة والملوك الظالمين المترفين ؟؟ أم انه حريص على الناس رءوف رحيم إستحق أن يزكيه ربه بقوله له ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين )..؟
وسأنتهج(بعون الله ومشيئته) فى هذه الدراسه النهج العلمى والحيدة التامة (ما إستطعت إلى ذلك سبيلا ),حتى لا تتهم انها دراسة موالية لمحمد بن عبدالله .ويحكم عليها بالتحيز منذ بدايتها وتفقد مصداقيتها ويزول هدفها ويضيع أثر غايتها المرجوة.

مقدمة :

إقتضت حكمة الله ورحمته ان يخلق ضمن مخلوقاته صنفين  من خلقه ليعبدوه هما الإنس والجن كما قال سبحانه وتعالى (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات : 56] ) وجعل لهما حرية ألمشيئة  والإختيار بين الإيمان به وطاعته, أو الكفر به وعصيانه ..وعندما خلق الله جل جلاله أدم عليه السلام ( أبو البشرية ) جعل فى خلقه و حياته الآولى بعضا من الحوادث و الأحداث المشتركة بينه وبين الملائكة, وبينه وبين الشيطان الرجيم . وبعضً منها بين الملائكة ورب العزة وآدم عليه السلام .وبعضها الآخر بين الشيطان ورب العزة وآدم .وقصها علينا القرآن الكريم بين آياته الكريمات لنتخذ منها العبرة والعظه . وفى التذكير بلمحات قرآنية سريعة عن بعضها وعن وعد الشيطان لرب العزة وتوعده للإنسان .وتحذيرات ربنا سبحانه وتعالى لبنى آدم من ذلك الرجيم .قال القرآن.( قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَـذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً) [الإسراء : 62] وقوله تعالى (قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ . ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ )[الأعراف : 17-16) . أى انه أقسم وتوعد الا يترك آدم وأبناءه يتنعمون بطاعة الله وعبادته ورضوانه ابدا .بل إنه سيقف لهم بالمرصاد والوسوسة والغواية فى كل خير وعمل صالح يقدمون عليه او يتقربون به إلى الله مولاهم جل جلاله .. فكانت إرشادات الله وتحذيراته لنا جميعا من الشيطان فى قوله تعالى (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) [فاطر : 6) ---وفى قوله تعالى (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُّبِيناً) [الإسراء : 53]). وأقتضت حكمته سبحانه وتعالى جل جلاله أن تتوافق هذه الحوادث والأحداث مع حكم الله بأن يجعل فى الأرض خليفة لعبادته وإعمارها إلى أجل مكتوب وموعد محتوم عند ربى جل جلاله .فكان هذا الخليفة هو – آدم عليه السلام وزوجه وبنيه من بعده ..ولأن آدم  وبنوه لا يسكنون الارض بمفردهم ,وأن الشيطان إتخذ على نفسه عهدا ووعدا بأن يقعد لهم صراط الله المستقيم , وأنهم لا يقدرون على مقاومة الشيطان بمفردهم (وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين واعوذ بك ربى أن يحضرون) وأنه أشد منهم عزما فى تنفيذ عهده وتهديده بوعيده ,فكانت حكمة الله ورحمته وعدله ان يصطفى من عباده بين الحين والحين رسلا وانبياء يبلغون رسالات ربهم ويذكرونهم بأيات ربهم ,ليعبدوه كما أرادت مشيئته, على منهاجه وسنته وصراطه المستقيم . لكى لا تكون للناس على الله حجة بعد الرسل يوم التلاق, (رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ) ولتنتفى حجة العصاة منهم عند العذاب ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) .
فتتابع نزول الرسالات وتكليف الرسل والأنبياء جيلا بعد جيل وحقبة بعد حقبة حتى أٌختتمت بخاتم النبين والمرسلين (محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب –عليه الصلاة والسلام ) , وهو موضوع بحثنا التالى ...والذى نعتمد فيه على القرآن الكريم وحده مصدرا للبحث ,لأنه أصدق القول, أحسن الحديث, لا ريب فيه, ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .والإحتكام إليه فى الحكم على روايات الحديث.
محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب – قبل البعثة والرساله .
عندما نبحث فى قصص القرآن عن محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب قبل أن توحى إليه رسالة السماء .فإننا نبحث بالمقام الأول عن حياته العقائديه وسلوكياته الإيمانيه . واثناء قيامنا برحلتنا بين مدائن القرآن وسوره ,وجدنا فى جنباتها بعض لمحات عن ومضات إيمانية لعدد من أنبياء الله ورسله منهم على سبيل المثال , (خليل الله ورسوله إبراهيم عليه السلام –ويوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم –وموسى –وسليمان –ويحى بن زكريا –عليهم الصلاة والسلام جميعا ) .فعن إبراهيم عليه الصلاة والسلام حكى لنا القرآن قائلا.
(وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ (74) وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـذَا رَبِّي هَـذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79) وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ (80) وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (81)) – الأنعام -74-81 –
فقد أجرى حواره مع ابيه ,وقام بتفكره فى ملكوت السماوات والارض بحثا عن الذى فطر الكون وأبدعه وهو مازال فتى لم يبلغ اشده بعد ولم يوحى إليه ..
وعن موسى عليه الصلاة والسلام قص علينا القرآن فى سورة القصص.
( وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ (15) قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16) قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِّلْمُجْرِمِينَ (17) فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ (18) فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِن تُرِيدُ إِلَّا أَن تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (19) وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20) فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21) وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاء مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ (22) وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27) قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (28) فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَاراً قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30) وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (31) اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ (32))
فهنا حكى لنا القرآن عن سلوكيات موسى عليه الصلاة والسلام الإيمانيه قبل أن يوحى إليه
--وكلنا نعلم ما حكاه القرآن عن يوسف وسليمان ويحى عليهم الصلوات وأزكى التسليمات فى سور – يوسف ومريم و الأنبياء , قبل بعثتهم وتكليفهم بالنبوة والرسالات السماويه .
.فهل تحدث القرآن عن مثل تلك القصص عن محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب . قبل أن يكون رسولا نبيا ؟؟
هيا بنا نغوص فى أعماق القرآن الكريم ونسبح وراء آياته لنتدبرها ونرى ما تؤول  إليه نتائجنا .. فقد راعيت وضعى للأيات لترتيب نزولها الأول فالأول ,المكى ثم المدنى .
فيقول القرآن الكريم فى سورة الضحى .( أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى (7)) ....
وفى سورة الشرح (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) (1))
وفى سورة الأنعام (قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ قُل لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَاءكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ) (56)
وفى سورة غافر (قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِن رَّبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) (66)
وفى سورة الشورى يقول ربنا سبحانه وتعالى (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) [52]

وفى سورة النساء يقول القرآن (وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ) [113]
ففى أياته القرآنية السابقة يقر القرآن الكريم أن محمد بن عبدالله بن عبد المطلب –قبل أن توحى إليه رسالة السماء كان _
1- ضالا فهداه الله بالقرآن .
2- صدره ضيقا فشرحه الله بالإسلام .(فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء).

4- لم يكن يعلم ما الكتاب ولا الإيمان قبل أن يتلقى كتاب رب العالمين .
أى انه لم يكن يعلم ما بداخل الكتب السابقة (التوراة والإنجيل وصحف إبراهيم ) من عقائد وتشريعات وأوامر بعبادة الله وحده لا شريك له مخلصا له دينه ,ولا الإيمان أى السلوك الإيمانى المبنى على قواعد وتشريعات وأوامر ونواهى كتب الله السماوية قبل أن توحى إليه رسالة السماء ويؤمر بالإيمان بها وتبليغها لقومه وعشيرته الأقربين ..
5—وبذلك تسقط كل مزاعم كتب التراث والحديث والروايات عن تعبده فى غار حراء ومكوثه فيه أياماً وأياماً  قبل البعثة حتى تلقى الوحى القرآنى فيه .
ولكنه من المؤكد انه كان يتمتع بصفات أخلاقية وقيم إنسانية حميدة عالية . تفوق فيها على قومه وأقرانه ,مثل الشهامة والرجولة والأمانة والصدق والكرم والشجاعة والوفاء بالعهد وووو ,ولكنها لم تكن على اسس إيمانية خالصة لدين الله وإنما كانت كقيم وعادات إجتماعية تربى عليها وأكتسبها من بيئته العربية المحيطة به ومن رحلاته التجارية الى كان يقوم بها مع قومه .
ولو كانت هناك أية صفات وسلوكيات على أساس عقائدى إيمانى خالص لله رب العالمين قبل بعثته ووحى السماء إليه لذكرها القرآن .لعدل القرآن وصدقه كما وصفه ربه قائلا (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [الأنعام : 115] ومن عدل القرآن وصدقه ان يذكر صفاته الإيمانيه إن وجدت قبل البعثة كماذكر توجيهاته له بالتمسك بإخلاص دينه لله رب العالمين بعد بعثته كما رأينا فى الآيات القرآنية السابقه ..ولعل هذا يكون سرا من اسرار القرآن وإعجازاته التى لا تنقضى ليخبرنا ويخبر المؤمنين بقدرة القرآن الكامنة على تغيير سلوك المؤمنين به ,المخلصين عبادتهم لله رب العالمين وتحويلهم من ضالين إلى مهتدين قانتين لله رب العالمين .يتساوى فى ذلك البشر جميعا, بدءا من محمد بن عبدالله (رسول الله عليه الصلاة والسلام ) إلى آخر رجل فى الحياة الدنيا .ولعلها تكون تجربة عملية أمام اعيينا نلمسها لنصدقها ونؤمن بها ونثق فى وعد الله لنا فى قوله (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ )[العنكبوت : 69]
ولنؤمن بمعجزة القرآن الخالدة فى كونه يجمع بين النقيضين قدرته على الهداية والإضلال فى ذات الوقت .دون تغيير لكلماته وأياته وسوره من صفة إلى الآخرى . كسلاح ذى حدين فى وقت واحد كهداية أو ضلال (كما تريد وتختار ) .كأشعة الليزر تستطيع أن تستخدمها فى القطع واللحام فى نفس الوقت, مع تغيير طفيف وبسيط فى طول موجاتها وتردداتها .فكذلك تغيرات أطوال موجات القرآن وتردداته طبقا للهداية أو الإضلال كما تشاء أن تستتخدمه ,فهو قادر على صنع الشيئين آن واحد كما يقول ربنا سبحانه (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ) [فصلت : 44] .
..وإلى لقاء آخر مع ملمح من حياة الرسول – محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام ..بمشيئة الله وعونه وتوفيقه .

اجمالي القراءات 17515