تحية طيبة
ملاحظة: هذا البحث ليس خوضا في عقائد أهل الكتاب, وأنما هو محاولة لتبيان أخطاء شائعه في مجتمعنا الأسلامي حول تفسير الآيات المتعلقة بصلب وقتل المسيح, وتبيان لأخطاء الأستدلال الأقتطاعية التعميمية التي كثرما أستخدمت ومازالت تستخدم عند تفسير الآيات القرآنية المتعلقة بهذا الموضوع. فهذا البحث يمكن أعتبارة محاولة تأصيلية في مسأله صلب وقتل المسيح, قد تكون صائبة وقد تكون خاطئة.
المقال:
هل نفى القرآن صلب المسيح؟ هذا سؤال أوجهه هنا لجميع متدبري آيات الله.
الكثير منا يردد الجملة القرآنية " وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ " ويستعملها بصوره أقتطاعيه, أي خارج سياقها التي أتت فيه, ويستدل بها بصورة أقتطاعية ليصل الى الأستنتاج بأن المسيح لم يقتل ولم يصلب. فهل هذه الطريقة في الأستنتاج صحيحه, هل يجوز لنا بأن نستدل بجزء من آيه خارج السياق التي أتت فيه, أذا كان هذا صحيحا أذن لجاز لنا أن نفتي بأن لانقرب الصلاة.
أذن التناول الأقتطاعي لآيات القرآن ولأجزاء من الآيات خارج السياق التي أتت فيه هو أمر غير مقبول, وفي الحقيقة نحن لانقبل هذا على أي كتاب بشري, فكيف نقبله على كتاب الله.
التعامل الصحيح مع كلام الله هو بأن نفهمه كما قاله الله بالتحديد وأن لانخرجه عن سياقه.
الآن ماهي الآيه الكاملة التي وردت فيها العبارة القرآنية " وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ "
الآيه هي: وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) النساء يقول الله تعالى "وقولهم" فمن هم المقصودين بذلك, لكي نجاوب على هذا السؤال يجب أن نأخذ الآيات السابقة لهذه الآيه: وهي
يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِّنَ السَّمَاء فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُواْ أَرِنَا اللّهِ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُّبِينًا (153) وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لاَ تَعْدُواْ فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا (154) فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقًّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (155) وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا (156) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) النساء
الآن من الواضح من هم المعنيين بقول الله "وقولهم" في الآية 157. الآيات تتكلم عن أهل الكتاب, وأهل الكتاب هم على الأقل اليهود والنصارى, والآيات هنا تتكلم عن اليهود بوضوح, حيث لايوجد مسيحي يقول على مريم بهتانا عظيما (والمقصود واضح) , ولايوجد مسيحي واحد يقول لك بأن المسيحيين قتلوا عيسى أبن مريم, هذا ممتنع.
القرآن يتكلم عن اليهود هنا, وهذا واضح وضوح الشمس ولايجادل في ذلك أثنان.
ولنكن دقيقين الآيات الى حد " وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ " تتكلم عن اليهود وأدعائاتهم , ولكن بعد " وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ " يتغير السياق ليتحدث عن كل الذين أختلفوا في المسيح, وبذلك قد تشمل اليهود والمسيحيين وربما غيرهم أيضا.
الآن لنرجع الى أيضاح السياق الذي أتت فيه العبارة القرآنية " وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ ".
النص " وقولهم أن قتلنا المسيح عيسى أبن مريم , تفسيره: وقول اليهود بأنهم قتلوا المسيح عيسى أبن مريم, وهنا نرى أن الله ينفي هذا الادعاء اليهودي بالعبارة " وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ ", والمعنى الحرفي لهذه العبارة هو: وماقتل اليهود المسيح عيسى ابن مريم ولا صلب اليهود المسيح عيسى أبن مريم.
هذا هو المعنى الحرفي لهذه العبارة.
لكن مع كل الأسف فهمت هذه العبارة بصورة أقتطاعية خارج السياق التي وردت فيه على أن معناها ان المسيح عيسى ابن مريم لم يقتل ولم يصلب (بضم الياء في يقتل ويصلب). وأنا أتعجب لهذا التفسير الأقتطاعي التعميمي لهذه العبارة القرآنية, لوكان المقصود هذا المعنى لقالها الله بوضوح لقال: وماقتل وماصلب ولكن شبه لهم, أذ أن ذلك لكان أبلغ في ايصال هذا المعنى. لكن الله لم يقل ذلك, بل قالها بصورة مخصصة ب" وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ " وكما أثبت أعلاه فأن هذه العبارة يجب أن تفسر بالسياق التي وردت فيه, وهي وردت للرد على أدعاء اليهود بأنهم قتلوا عيسى , فنفت الآية ذلك الأدعاء لا بل ونفت أن يكون اليهود قد صلبوا عيسى أيضا.
الآن دعنا نكمل قرآءة الآيه : وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ
هنا يتغير سياق الآيه ليشمل الذين أختلفوا في المسيح,الآية لم تحدد من هم هؤلاء الذين أختلفوا , ولاماذا أختلفوا فيه لكن الواضح من السياق ان الذي أختلفوا فيه له علاقة بشأن يتعلق بالمسيح, ولكن الآيه لا تقول لنا حتى الآن ماهو, وأنما تقول لنا ان هذه الأختلافات مرجعها الظن ولايوجد عليها أدله يقينيه. لكن ماهي هذه الأختلافات؟
هنا يأتي الجواب القرآني وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا
أي أن هناك سؤال أختلفت في أجابته الفرق التي أشار اليها الله, وهذا السؤال هو:
هل قتل المسيح عيسى أبن مريم يقينا أم لم يقتل يقينا؟
لكن لماذا برز هذا السؤال؟ هذا السؤال غريب أذ انه ليس نفس السؤال: هل قتل المسيح عيسى ابن مريم أم لا؟ بل أن السؤال هو هل قتل يقينا ام لم يقتل يقينا؟
متى يبرز هذا السؤال؟
جوابي يبرز هذا السؤال بصورة عامة عندما يمر الشخص بما يتوقعه الآخرون بأنه حادثة قتل وبعد ذلك تختفي الجثه, ولانعلم ما أذا كان الشخص قد قتل حقا أم لا.
مثال على ذلك: الجندي المجهول, وهو الجندي الذي يفقد في ساحة المعركة ولاتعرف له جثة ولايوجد أسمه في سجل الأسرى, فهنا يبرز السؤال هل قتل أثناء المعركة؟ أم هو على قيد الحياة؟ ودائما ما ترى أقربائه يطرحون هذا السؤال: هل قتل حقا؟ اي هل قتل يقينا؟
أذن لابد وأن المسيح مر بما جعل الناس يتوقعون بأنه قد قتل, وبعد ذلك أختفى, ولم يجدوا جثته, فبرز السؤال على الساحة : هل قتل يقينا أم لم يقتل يقينا؟
فالذين يعتقدون بأنهم قتلوه يتصورون بأن عدم وجوده حيا بينهم دليل على أنه قتل حيث أنه ربما سرقت الجثة بعد قتله ولكن بما أنه لم يراه أحد منهم حيا , فلا بد أن يكون قد قتل يقينا, وهذه هي حجتهم.
لكن الله ينفي ذلك وتأتي الأجابه في الآية التالية: بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (158) أي أن تفسير عدم رؤيتة حيا هو أن الله قد رفعه اليه. فهو بعيد عن الذين ارادوا قتله.
لاحظ أخي العزيز أنه لما تبدل سياق الأيات وأصبح يتكلم عن أدعاءات الذين أختلفوا في المسيح, فأن الآيه لم تقل وماصلبوه يقينا ولاقتلوه يقينا, بل فقط قالت " وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا "
لماذا؟ ماذا نفهم من ذلك؟ لماذا لم ينفي الخالق عز وجل الصلب بعد ذكر الفرق المختلفة ؟ الجواب هو لانه لم يختلف أحد في هل صلب المسيح أم لا, الأختلاف كان في هل كان قد قتل يقينا أم لا, وهناك أختلافات أخرى عن طبيعة المسيح لكن هذه الأيات لم تذكرها هنا, وأنما تناولت الأختلاف حول مسألة القتل اليقيني للمسيح , وكذلك نفت الآيات زعم اليهود بأنهم قتلوا المسيح وكذلك نفت زعمهم على أنهم صلبوا المسيح.
لكن الآيات لم تثبت ولم تنفي كون المسيح قد صلب من قبل غير اليهود, كالرومان مثلا كما تذكره الأناجيل.
والأستدلال بالعبارة القرآنية " وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ " على أنها تنفي كون الرومان أو غير اليهود قد صلبوا المسيح, هو ما أسميه الأستدلال خارج السياق, وهو أستدلال خاطيء.
قد يجادل أحدهم قائلا بأنه: حتى وأن كان السياق يخص نفي مزاعم اليهود بأنهم صلبوا المسيح وقتلوه, فأنه يجوز لنا أن نستدل بهذه العبارة القرآنيه على نفي مزاعم مشابهه لهذا الزعم من الفرق الأخرى. فهنا قد يجادل بأن القول بأن الرومان مثلا قد صلبوا وقتلوا المسيح مشابه لقول اليهود أنهم قتلوا وصلبوا المسيح, وبذلك فأنه يمكننا تطبيق تلك العبارة القرآنية في نفي ذلك الزعم أيضا, لا بل وفي نفي أي زعم يقول بأن المسيح قد صلب أو قتل من قبل أي كان, سواءا اليهود أو غيرهم.
وهو بذلك يتعامل مع هذه العبارة القرآنية كانها مثلا أو قصة قرآنيه ممكن الأستدلال بها خارج سياقها الخاص.
لكن هنا في هذه القضية هذا ممتنع! لماذا؟ لأن الله هنا ليس بصدد الجدال العام في هذه الآيات بل هو بصدد نفي زعم تأريخي معين بذاته, وتثبيت حقيقة تأريخية معينة, أي أن هذا الموضوع موضوع خاص بعينه ولايمكن ان نستدل بالعبارة القرآنية خارج السياق التي جاءت فيه, والا أصبح هذا مثل الذي يقول على سبيل المثال بأن أي قوتين عظمتين في العالم وفي حاله حرب فأنها أن خسرت أحداها في واقعة فأنه في بضع سنين ستغلب الثانية في واقعة أخرى, ويستدل ب غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) الروم ومن الواضح ان هذا الاستدلال هو أستدلال خاطي, فعندما يقرر الله أحداثا تأريخيه بعينها لايجوز لنا ان نخرجها خارج السياق الذي حدده الله في القرآن.
لتوضيح ذلك: تصور مثلا ان الصين غلبت في الميزان الأقتصادي وأضحت أقوى دولة في العالم, هل يجوز لنا عندها أن نستدل بالجملة القرآنية : وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ؟ باعتبار أن اليمين قد غلب اليسار أقتصاديا أولا عند تفكك الأتحاد السوفيتي , وهذا بمثابة خسارة لليسار ثم بعد ذلك غلب اليسار ممثلا بالصين هذه المره .أعتقد أن الجواب واضح, وهو لايجوز, لماذا؟ لأن هُم في هذه الجملة القرآنية تخص الروم , وبالتالي فالعبارة القرآنية معناها: والروم من بعد غلبهم سيغلبون, ولايجوز الأستدلال بها خارج السياق الخاص التي وردت فيه, أي لايمكننا ان نستدل بها كدليل على الأعجاز القرآني الأخباري مثلا في حالة حصول مثال الصين أعلاه فلايمكننا ان نقول عندها بأن هُم في وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ كذلك ممكن أن تشير الى اليسار في وقتنا الراهن وليس فقط الروم, ولايمكننا ان نقول بأن العبارة أعلاه ممكن الأستدلال بها على أية حالة تأريخية أخرى مشابهه لما حصل مع الروم, ومن الواضح بأن أي أستدلال من هذا القبيل هو مرفوض, وهو تقول على الله مالم يقوله, ويعتبر مثال واضح على الأستدلال الأقتطاعي التعميمي الخاطيء خارج السياق.
نفس الشيء هنا نرى أن العبارة القرآنية وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ هي عبارة خاصة ومعناها وما قتل اليهود المسيح وما صلب اليهود المسيح , ولايمكن الأستدلال بها خارج سياقها, أي لايمكن الأستدلال بها في نفي مثلا زعم الأناجيل بأن الرومان صلبوا المسيح, والمشكلة أن الكثير منا يعمل ذلك ويقول للمسيحيين حال مناقشتهم في هذا الأمر تلك العبارة القرآنية وبذلك يصبح أحد تفاسير هذه العبارة القرآنية: وماقتل الرومان المسيح وماصلب الرومان المسيح, ومن الواضح بأن هذا خطأ أقتطاعي تعميمي خارج السياق, حاله حال خطأ مثال الصين أعلاه.
وفي الحقيقة هناك دليل قرآني على عدم أمكان تعميم العبارة القرآنية وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ لتشمل غير اليهود, وهو من الآية نفسها فنرى أنه لما أختلف السياق القرآني من رد مزاعم اليهود الى ماتقوله الفرق المختلفه (وتشمل غير اليهود) (أي ماقبل وما بعد وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ) أختلف الرد الألهي من
وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ الى وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا وهنا نرى أختلاف كبير, ففي العبارة الأولى نفي لأن يكون اليهود قد قتلوا أو صلبوا المسيح , بينما في العبارة الثانية النفي كان للقتل اليقيني للمسيح, وهاتان مسألتان مختلفتان, حيث لم ينفى الصلب في العبارة الثانية, وأنما نفي القتل اليقيني للمسيح. وهذا مثال على عدم أستخدام النص الآلهي لنفس الرد عند أختلاف السياق, وفي الحقيقة عندما تراجع التأريخ, لاتجد أن هناك أختلافا مشهودا بين أهل الكتاب على كون المسيح قد تم صلبه أم لا, فتقريبا الكل متفق على أنه قد صلب حتى مؤرخي الرومان أنفسهم.
وعلى هذا فعلينا أتباع القرآن لاماشاع بيننا, أي أنه عندما نرد على اليهود: نقول لهم بأنهم لم يقتلوا ولم يصلبوا المسيح, ولكن عندما نتحدث مع المسيحيين أو الملحدين على مسأله هل صلب الرومان المسيح هنا يجب أن لا نستدل بالعبارة القرآنية وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وأنما يكون جدالنا محصورا فقط بمسألة القتل اليقيني للمسيح لأن هذا هو السياق القرآني للمناقشة.
ونكمل الآيه الأخيرة هنا وتقول: وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا (159)
وهذه الآية صعب تفسيرها: ولكن تفسيري الشخصي لها هو: وما "أحد متقي يبغي الحقيقة في موضوع المسيح عيسى ابن مريم" من أهل الكتاب ألا ليؤمنن به قبل موتة (أي قبل موت ذلك الشخص من أهل الكتاب الطالب للحقيقة) ويكون (اي ذلك الشخص المتحري للحقيقة) يوم القيامة شهيدا على قومه, حيث ان الله يختاره كشهيد عليهم وذلك لأنه لابد وأن يكون أنسان عادل متقي سليم السريرة. والله أعلم.
عموما أيا كان تفسير هذه الآية فهي جاءت معززه لحقيقة ان المسيح لم يقتل وأنما رفعة الله اليه.
قد يتسآل متسآل: لكن أذا كانت العبارة القرآنية " وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ" لايجوز الأستدلال بها عند التحدث مع من يقولون بصلب المسيح على يد غير اليهود , وذلك لان هذا ليس سياقها, أذا لماذا أوردها القرآن؟ ومتى يمكننا ان نستدل بهذه العبارة القرآنية.
الجواب: يمكن أن تستخدم هذه العبارة القرآنية عند نفي مزاعم اليهود بقتلهم أو صلبهم المسيح عيسى أبن مريم.
ولكن هل توجد مثل هكذا مزاعم؟ أذ ان أغلب الناس مطلع على القصة الواردة في الأناجيل بخصوص هذه القضية, ولايعلمون وجود مزاعم أخرى من غير المسيحيين وبالذات مزاعم اليهود حول هذا الموضوع. الجواب على ذلك هو نعم هناك:
الرواية اليهودية لموضوع قتل المسيح وصلبه مختلفه عن الرواية الأنجيلية.
الرواية اليهودية حول هذا الأمر جاءت في التلمود المكتوب 500-600 ميلادي وهي تقول بأن اليهود قد قاموا بشنق المسيح, وتفسر هذه الكلمة "شنق" بمعنى الموت صلبا في تلك الأيام.
هذا هو الأدعاء اليهودي لقصة قتل المسيح. وقد نفى القرآن ذلك الأدعاء.
أذن أذا دخل مسلم في نقاش مع أي من اليهود حول هذا الموضوع يمكنه أن يستدل بالعبارة القرآنية وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ على نفي كون اليهود قد صلبوا أو قتلوا المسيح,لأن هذا هو سياقها.
(ملاحظه: من الجدير بالذكر ان هذه المسأله ليست مسأله عقائدية عند اليهود, ولذلك فأني لا أخوض هنا في عقائدهم, أنما هي بالنسبة لهم مسألة تأريخية).
المقصود ب وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ هو أن اليهود قد حصل عندهم اشتباه تأريخي, حيث أن التلمود كتب بعد مئات السنين من الرواية الشفوية من حياة المسيح, وهنا حصل عندهم مثلما حصل عندنا من تعظيم الروايات الشفويه على مدى خمسة قرون, ونتج من ذلك الأشتباة التأريخي.
الذي حصل كما يروية الأنجيل هو أن اليهود قد أصروا لابل حاكموا المسيح ودفعوا به الى ملكهم هيرودس, لكنه لم يضرب عنقه , وسلم بالنهاية للرومان, وبأصرار من كهنة اليهود آنذاك, قام الرومان بصلب المسيح, وتصوروا أنه مات على الصليب, وأنزلوه, وبعد ذلك نقل المسيح الى كهف حيث لم تشاهد جثته هناك, وشاهد الحواريين المسيح حيا بينهم, وبعد ذلك تركهم. الا أنه وعبر خمسة قرون من الرواية الشفوية عند اليهود أعتقدوا بأنهم هم من صلب المسيح وأعتقدوا بأنهم قتلوا المسيح , وهذا هو الأشتباه التأريخي.
القرآن نفى أن يكون أي كان من حاول قتل المسيح ان يكون متيقنا من أنه مات, أي أنه يبدوا وأنه كان في حالة سريرية شبيهه بالموت, وأختلط الأمر عليهم , وأعتقدوا بأنهم عندما لم يروه حيا بعد ذلك بأنه لابد وأنه مات , وبالرغم من أنهم لم يروا جثته ليثبتوا موته يقينا, لكنهم فسروا غيابه على أنه مات مقتولا, وهذا ما نفاه القرآن بل رفعه الله اليه وهذا هو سر غيابه.
الهدف الرئيسي من هذا المقال هو تبيان بأن الأستدلال الشائع بالعبارة القرآنية وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ على أنها تعني بأن المسيح لم يقتل ولم يصلب هكذا بصورة عامة مطلقة, هو أستدلال مبني على أقتطاع جزء من الآية القرآنية , والأستدلال بها خارج سياقها التي وردت به, وبالتالي فهو أستدلال أقتطاعي تعميمي خاطيء. وهو بمثابة تقول على الله مالم يقله.
الخلاصة
1-لايوجد في القرآن ما يثبت أو يفند كون المسيح صلب على أيدي غير اليهود (كالرومان مثلا).
2-يوجد في القرآن ما يثبت بأن اليهود لم يقتلوا ولم يصلبوا المسيح.
3 -يوجد في القرآن مايثبت بأن المسيح لم يقتل يقينا , ولكن رفعه الله اليه.
ملاحظة: آرائي في هذا البحث مختلفة عن آراءي السابقة, وذلك لأني بحثت الموضوع أكثر, ولذلك فأن آرائي وأقوالي السابقة في هذا الموضوع لامحل لها من الأعراب.
مع التقدير