الأستاذ الفاضل : شريف أحمد
بعد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
منذ الوهلة الأولى التي عرفناك فيها على الموقع معلقا وكاتبا ظننت فيك خيرا كثيرا ، وكنت عندما تتجاوز مع الغير في الحديث ، ونتبين من بين كلماتك أنك تشعر وكأنك تمتلك الحقيقة وحدك أقول يجب الصبر عليه فهو أخ فاضل وخامة جيدة ومحب لدين الله وغيور عليه وكل ما يحتاجه هو الثقل والخبرة وزيادة التعلم والتي ستمنحه هدوء النفس.
ولذلك لم أكن أعقب كثيرا عليك حتى عندما كنت تكتب لي معقبا وأرى أن تعقيبكم قد إقترب أæelig; حتى تجاوز الخطوط الحمراء متذرعا بالصبر والهدوء ، ولكن وجدت الآن أنه لزاما علي أن أتدخل كأخ أكبر لك أو رجل في سن والدك – عرفت أنك لم تتجاوز الثلاثين وإبني في الخامسة والعشرين – أو حتى كصديق لك ينصحك لوجه الله سبحانه وتعالى.
أشعر بك الآن وقد تسارعت أنفاسك وبدأت تفكر في كتابة رد علي لكي يفحمني من قبيل أن العبرة ليست بالسن وأن أبا لهب كان عما للرسول ولم يشفع له سنه كونه من أصحاب النار ، وأقول لك هذا حق ولكننا نحن هنا جميعا في محراب واحد نتعلم من بعضنا البعض ونبحث في كتاب الله مسترشدين بقواعد بحثية ، وللموقع أولي أمر وهم الدكتور أحمد وأخوانكم أعضاء اللجنة والباحثين الذين من الله عليهم بالعلم والاستنباط وهنا وجب علينا إحترام بعضنا بعضا ووجب على صغير السن مثلك رد الأمر لأولي الأمر إتباعا لقوله تعالى"واذا جاءهم امر من الامن او الخوف اذاعوا به ولو ردوه الى الرسول والى اولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان الا قليلا" النساء 83
أخي الكريم ، حتى لا تقول أنني ألقي التهم جزافا عندما قلت أن كتاباتكم يستشف منها ظنكم أنكم تملكون الحقيقة وحدكم دون ريب ، دعني أستخرج لكم من كلامكم ما يستفاد منه ذلك ، فقد جاء في تعقيبكم رقم 23610 (أذكركم أنكم قد تحاملتم علي بلا أدني سبب إلا أنني أقول ربي الله وأغار علي ديني) ، وجاء في تعليقكم الرقيم 23679 (هو أنك تُحدِث مقاربة مفتعلة بين الإنجيل والقرآن حتي نُرضي المسيحيين علي حساب الحق) ، وكأنكم تملكون الحق ، وجاء في تعليقكم رقم 23680 (أنت محق في تلك النقاط الخمس تماماً يا أستاذ شريف، وكان عليك أن تراعي ذلك في بعض كتاباتك) ، وجاء بتعليقكم رقم 23698 (أما عنوان تعليقك فقد اخترته أن يكون نهاية لتعليقي وهو: حسبنا الله ونعم الوكيل) ، ونكتفي بهذا القدر والذي نتبين منه ومن بين سطوره أنك تظن وكأنك تمتلك الحقيقة وحدك ، ولذلك عندما تتكلم مع الغير ومهما كان أكبر سنا منك لا تقيم وزنا لهذه الفوارق في السن أو العلم ، وليس ذلك عن قلة أدب أو سوء تربية حاشا لله فإنني أظنك على أدب وتربية ، ويأتي ظني مما أستشفه فيك من حب لدين الله ومحاولة صادقة منك لإتباع كتابة ، ولكن يأتي لظنك أنك تمتلك الحقيقة ، وكلنا أمام الحقيقة أطفال ، فلا نقيم وزنا لسن أو مقام أو كما عبرت أنت نفسك عن ذلك بقولك (رب امرئ طاعن في السن ولا يستحق الاحترام، فأنت لا يهمك دين أو طرح فكري ولا ... الخ)
ولكن كان أولى بك ألا تهاجم قبل أن تتبين الحق وتبحث ثم تكتب لتعلم وتتعلم مبتعدا عن الألفاظ التي يكرهها الغير وتكره أنت أن توجه لك ، ولنتدبر سويا كيف كان رسول الله يدعوا ويتكلم مع الكفار ، والمستشف من قوله تعالى " قل لا تسالون عما اجرمنا ولا نسال عما تعملون" سبأ25 ، فأنظر كيف طلب الله سبحانه وتعالى من الرسول أن ينسب لنفسه الإجرام وينسب العمل للمخاطب (بضم أوله وفتح ما قبل آخره) ، وحاشا لله أن يكون الرسول كذلك ولكنه أدب الحوار الذي يلين القلوب للحق وطريق الهداية والرشاد ، ولذلك قال تعالى لرسوله في موضع آخر " ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن ان ربك هو اعلم بمن ضل عن سبيله وهو اعلم بالمهتدين" النحل125 ، فإن الله نسب لنفسه العلم بالحقيقة وحده من دون سائر خلقه حتى نبيه ورسوله محمد عليه الصلاة والسلام
وقبل أن أنتقل إلي نقطة أخرى ، أسمح لي أن أرد على جزئية الصلب والتي أثرتها مرتين ، كما أثرت جزئية حنيني للمسيحية والمسيحين في أكثر من موضع أو محاولة التقريب بينها وبين الاسلام والتي أوزعتها إلي محاولة إرضائي المسيحيين على حساب الحق – حاشا لله – ان أفعل ذلك
أولا: فلنتفق على أن كل إنسان يأخذ من كلامه ويرد إلا كتاب الله سبحانه وتعالى .
ثانيا: أقسم بالله العظيم أنني ما فكرت يوما في إرضاء أي إنسان كائنا من كان على حساب ما أعتقد وأظن جازما أنه حق ، فكيف تظن بي أنني أرضي الغير على حساب ديني وقد كانت المسيحية أمامي فلو كنت أظن أنها الحق دون الاسلام لما تركتها ولكنت اليوم مسيحيا مخلصا لمبادئي.
ثالثا: إن الله سبحانه وتعالى في القرآن عندما تكلم عن أهل الكتاب لم يصمهم كلهم بالكفر ، ولكنه سبحانه وتعالى ذكر (من) التبعيضية في قوله (الذين كفروا من أهل الكتاب) ، وهذا يعني أن منهم من هو غير كافر حتى تقوم الساعة ، نعم الآكثرية في ضلال وهذا ليس حال أهل الكتاب وحدهم ولكن حالنا نحن المسلمون أيضا بل وحال أكثر من في الأرض ولنتدبر قوله تعالى" وان تطع اكثر من في الارض يضلوك عن سبيل الله ان يتبعون الا الظن وان هم الا يخرصون" الأنعام116
ونأتي لموضوع الصلب فقد كتبت في مقالتي مسألة صلب المسيح بين الانجيل والقرآن بالحرف الواحد (ما نتفق عليه أن المسيح لم يقتل يقينا ولم يصلب ولكن الله سبحانه وتعالى لم يقل وما صلبوه يقينا كمل قال سبحانه وما قتلوه يقينا وما أظنه أن المسيح عليه السلام قبض عليه وعلق على الصليب ولكن كان حظه من الصليب هو حظ إبراهيم الخليل من النار قال تعالى "كوني بردا وسلاما على إبراهيم" فالخليل إبراهيم ألقوه في النار ولكن ما حرقوه يقينا وكذلك المسيح عليه السلام علقوه على الصليب ولكن ما عذبوه يقينا ولننظر للمسألة نظرة أخرى نقول عنها نحن أهل القانون الفعل والنتيجة ففعل القتل نتيجته الموت والمسيح لم يموت على الصليب فما قتلوه يقينا وفعل الصلب نتيجته الألم والتعذيب ولكنه عليه السلام لم يتألم من فعلهم إذا ما صلبوه ومما يجعلنا نطمئن لهذه الفكرة وإن كانت غريبة بعض الشيئ قوله سبحانه وتعالى ولكن شبه لهم ولم يقل شبه له معنى أن أعينهم ظنت أنهم قتلوه لما أغماه الله سبحانه لحكمته وكذلك ظنت أعينهم أنهم صلبوه لما رآو دمائه الذكيه عليه السلام وأفعال من قبضوا عليه معه من وضع تاج الشوك على رأسه إلي دق المسامير في جسده ولكن ذلك كله لم يفعل به أكثر مما فعلت النار بإبراهيم عليه السلام ، ثم إن اللذين إختلفوا فيه (المسيح) من قتله وصلبه لفي شك منه حتى من شهد منهم شك أن يكون قتل ما لهم به من علم فلم يشهدوا قتله عليه السلام ولم يشعروا بشعوره على الصليب كما ظن النمرود أنه سيقتل إبراهيم بالنار وألقاه فيها ولكن النمرود شاهد إبراهيم عليه السلام لم يمت ولكنه يقينا لم يشعر بما شعر به إبراهيم في النار من برد وسلام فظن أنه على الأقل عذبه ، ثم قال سبحانه وما قتلوه يقينا لأن نتيجة الموت الحادثة بفعل القتل لم تحدث والموت والقتل متلازمان لا يفترض حدوث القتل دون الموت وإزهاق الروح إلا أن يكون الفعل خائب أو موقوف وكان فعلهم لقتل المسيح عليه السلام خائباً أوقفه الله سبحانه وتعالى أما فعل الصلب وقد شاهدوه فلم يؤدي إلي العذاب فلم يتلازم الصلب والعذاب رغم حدوث الأول لذلك نفى الله حدوثه بنتيجته في أول الآية ثم رد إختلافهم إلي ظنهم بما شاهدوا من عملية الصلب وفي آخر الآية أكد سبحانه على عدم قتل المسيح يقينا.) ، فتراني قلت أولا (لم يصلب) وتراني قلت (وما أظنه) فلم أقل (وأنا متأكد منه) فجاء كلامي في باب الظن البحثي ، وكان دليلي من كتاب الله وفهمي لآياته ، فإن الله سبحانه وتعالى لا يقول كلام زائد في القرآن أو بدون سبب – حاشا لله – فلما يذكر الله النهي التوكيدي في آخر الآية (وما قتلوه يقينا) دون أن يذكر سبحانه (وما صلبوه يقينا) ، وإقتران ذلك بقوله سبحانه وتعالى (شبه لهم) ولم يقل (شبه له) فيكون فعل الشبه تم لهم (لأعينهم) فأنا لا أكون ملتزم بالفهم التراثي والذي ذكره المفسرون ولكن لي أن أفهم النص أن التشبيه وقع لأعينهم وليس للمسيح عليه السلام ، ثم هناك أدلة منطقية من واقعنا في مجتمعنا ، على سبيل المثال لما يقوم أب عجوز بضرب أبنه الشاب تقوم والدته تقول له (أنت فاكر نفسك بتضربه) وده طبعا لأن الضرب لم يؤثر في الفتى القوي من يد عجوز ضعيف ، مع إنه يضربه فعلا ولكن هذا الضرب لا يمكن أن يؤدي إلي مبتغى الضارب إلام المضروب ، كل ذلك من باب تدبر القرآن ولا أقول أنني أمتلك الحقيقة وقد صرحت بذلك في مقالتي كما صرحت بإيماني بعدم قتل أو صلب المسيح عليه السلام وتصديت لتدبر الآية ومحاولة فهم (شبه لهم) والتي تحتمل ما فهمته ولكنك ما زلت متأثر بالفهم التراثي لها وتظن أنه الحقيقة وحده دون عداه مع أنني ذكرته نصا قبل أن أكتب رأيي وفي النهاية الله وحده أعلم ، مع إيماني الكامل بكل كلمة في القرآن الكريم ، فالقرآن الكريم هو الحق المطلق ولكن فهمنا له هو الحق النسبي ، فكيف لك تحكم بالنسبي على المطلق وتعتبر فهم الأقدمين للكتاب هو الفهم وما عداه الباطل؟
ولم أكن أبتغي مرضاة أحد إلا الله وحده وهو سبحانه على ما أقول شهيد.
أستاذ شريف ، مهما كان حجم تجاوز المقابل معك ، ولا أنكر حدوثه في بعض الأحيان ، فليس لك أن تكتب كلمات من قبيل (تعلم مدي وقاحته) (سفاهته وسفالته وخسته) (المدعو السفيه....) (عفن اللسان وهذا يرجع إلي خسة بيئته وقذارتها) (هذا الأراجوز....) كل هذه الألفاظ في تعليق واحد فقط ، ولو كنت أيها الأستاذ الكريم تؤمن حقا بالقرآن مصدرا وحيدا لأحكامنا وتعاملنا مع الغير ، لتذكرت قوله تعالى"فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الامر فاذا عزمت فتوكل على الله ان الله يحب المتوكلين" آل عمران 159
وحتى لو كان هناك سبا أو ذما لشخصكم ، فلتتذكر وتتدبر قوله تعالى"وعباد الرحمن الذين يمشون على الارض هونا واذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما" الفرقان 63 ، وقوله تعالى"والذين لا يشهدون الزور واذا مروا باللغو مروا كراما" الفرقان72 ، ولكن ومع فرض أن تجاهل عليك الغير أفتتجاهل عليه أيضا؟ لو أجبت بالنفي كذبت لأن كل كلامك السابق والذي حسبناه عليك يثبت عكس ذلك ، ولو أجبت بالإيجاب فقد لغوت وأي لغو أكثر من هذا الكلام فتكون عند عصيبيتك وإندفاعك بين الكذب واللغو ، وكان أولى بك أن تتبع القرآن الكريم وتتلمس خطى الرسول عليه السلام وهو الأسوة الحسنة لنا فلا تكون فظا بل لينا ولا ترد العدوان بالعدوان والإساءة بالاساءة بل ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم.
وأخيرا إسمعها مني كلمة ، لا نشك في إيمانك بالله سبحانه وتعالى ، ولا نشك في حبك للقرآن ولرسول الله عليه السلام ، ولكن إندفاعك يفقدك الحق وإختيارك للكلمات يفقدك المصداقية ، فإملك نفسك عند الغضب تفوز بحب الله وإحترام الناس ، وامسك عليك قلمك عند الكتابة وأنت غضبان وأنظر إلي ما تكتب هل تحب أن يكتبه الغير في حقك؟ فإن كانت الاجابة بالنفي فلا تكتب حتى ولو كان من الغير تجاوز ضدك ، وأتقي الله سبحانه وتعالى في السر والعلن.
وإلي باقي الإخوة الكرام ، وأنتم جميعا أساتذة نحبكم ونحترمكم ، تعلمون علم اليقين أن أخوكم به إندفاع ويصاب بالاغلاق عند الغضب فلا تغضبوه وأتقوا الله فيه.
وإذا تجاوزت بعد ذلك يا أستاذ شريف فلن تقف اللجنة مكتوفة الأيدي ، وسيكون القرار رادع ولا أحب أن أستخدم هذه اللهجة ضدك ولكنني مضطر لذلك ، فنحن نقتطع من وقت البحث والتدبر في كتاب الله لنتفرغ لمشاكل تكون بسيطة لو أن كل فرد منا ملك نفسه وامسك قلمه عن الاندفاع ، وليتقبل الجميع أسفي ، ولتتجاوزوا ما يبدوا حدة في كلامي إلي موضوع الكلام نفسه ، بارك الله في الجميع ، وفي كل من بذل ويبذل قصارى جهده لدفع عجلة الموقع للأمام
وشكرا للجميع والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته