أسس البحث التاريخى ( 2 من 5 ) إختيار موضوع البحث

آحمد صبحي منصور في الخميس ٠٣ - يوليو - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

(أ )اختيار العصر:-

1- يستعد الباحث التاريخي ثقافيا وعقليا لخوض تجربة البحث . وبعد أن يكتمل محصوله الثقافي من المعارف العامة ومن القراءة العامة في التاريخ يشعر بانجذاب نحو عصر معين يهوى القراءة فيه ويحس بالحاجة لان يرتبط به علميا وبهذا يكون اختيار العصر التاريخي الذي سيكون المجال الزمني للبحث .
على أن هوى الباحث نحو عصر معين ينبغي أن يعزز برغبة علمية في إظهار المجهول فيه ، ويا حبذا لو تجسدت هذه الرغبة العلمية في قضية معينة أخذ الباحث على عاتقه أن يبحثها ويمحصها ويظهر وجه الحق فيها . ولو فعل لأراح نفسه من عبء الاختيار التالي بعد اختيار العصر- إلا وهو اختيار موضوع البحث داخل هذا العصر .
ولكن يحدث أحيانا أن الباحث يصر على عصر معين نتيجة لدوافع عاطفية أو تقليدا لبعض الباحثين أو استسهالا للعصر ورغبته في تخفيف العبء، وهذا النوع من الباحثين لايرجى منه خير مطلقا ،
إذ أن اختيار العصر لابد له من أسس علمية موضوعية تحبذ اختيار هذا العصر بالأضافة إلى رغبة الباحث فيه ، وقد نوهنا بأهمية الرغبة والهوى في ذلك الاختيار بأن الباحث إذا استراح نفسيا لموضوع بحثه كان ذلك عونا له على مشاق البحث ووعورته .

2- وبعد اختيار المجال الزمني للبحث التاريخي – أو العصر التاريخي للبحث – تكون القراءة فيه على مستويين ..-
الأول: مستوى البحوث التي كتبها المتخصصون في هذا العصر فيقرأ بتمعن ما كتبه الباحثون في نواح مختلفة عن هذا العصر من رجاله وسياسته وحضارته وأحواله الاجتماعية والثقافية والسياسية ، وسيخرج من هذه القراءة المتأنية بأكثر من قضية تلوح له بين السطور حين القراءة ولابد له من تسجيل ما يطرأ له من أفكار ..ويحدث كثيرا أن بعض هذه الأفكار بعد عدة قراءات تنمو وتصبح نواة يختار على أساسها موضوع بحثه .
الثاني : ثم يعزز الباحث قراءاته بالاستزادة من المصادر التاريخية للعصر على أن تكون تلك المصادر التاريخية مما اعتمد عليها الباحثون الذي قرأ لهم بحوثهم عن ذلك العصر .
فمثلا من اتخذ لنفسه مجال العصر العباسي الثاني يقرأ الأبحاث التي كتبت عن هذا العصر ثم يعززها بالرجوع إلى تاريخ الطبري وتاريخ ابن الأثير مثلا.. ويستحسن أن يرجع إلى قائمة المصادر الموجودة في ذيل الأبحاث المكتوبة ويستعين ببعض هذه المصادر الأصيلة ، ويقارن بينها وبين البحوث التي اعتمدت عليها ليعرف كيف استعان الباحث بها واعتمد عليها .

ولابد أن يخرج الباحث بعد هذه القراءة المركزة ببضع موضوعات يرى أنها تستحق أن يختار منها موضوعا لبحثه ...

3 ـ وقد نبهنا إلى ضرورة أن يسجل أفكاره عما يقرأ وعما يرد على ذهنه من أفكار جديدة أو موضوعات تستحق البحث والتعقيب ، ومن محصلة قراءاته وما سجل من أفكار يتمكن من صياغة أفكاره عن الموضوعات التي يقترحها مجالا لبحثه، ويصوغ هذه الأفكار عن كل بحث مقترح في هيئة نبذة عن الموضوع ومصادره والخطة المقترحة للبحث . وهى خطة لا شك نابعة من القراءات الأولى وهى مهما كانت متعمقة فهى لا تزال في بداية الطريق ولذلك فتلك الخطط التي تكتب بعد القراءات الأولى كلها خطط مبدئية قابلة للتغيير كلية وتفصيلا . ..ولو رجع اليها الباحث بعد أن اكتمل علمه واشتد عوده فى البحث سيضحك كثيرا من سذاجته وهو فى بداية الطريق ..
وهكذا تنتهي القراءة المركزة باختيار العصر .. ثم يخرج الباحث بعدها إلى اقتراح عدة موضوعات للبحث ويضع لكل منها خطة بحثية ويذهب بهذه الموضوعات وخططها البحثية إلى أستاذه يسأله المشورة ...ليختار موضوعا محددا في ذلك العصر الذي اختاره ، والأستاذ في العادة يمد الطالب بآراء قيمة في الموضوعات التي اختارها الطالب بنفسه . إلا أن المسئولية في نهاية الآمر تقع على عاتق الطالب نفسه ، إذا أحسن الاختيار فلنفسه وإن أساء فعليها .

( ب ) اختيار الموضوع:-

1ـ إذا كان اختيار العصر التاريخي مشكلة لباحث التاريخ فإن تحديد الموضوع داخل العصر هو مشكلة أكبر . وبعض الطلبة في مرحلة الدراسات العليا يتعجل تسجيل موضوعه في الماجستير أو الدكتوراة إذا كان هناك موعد محدد للتسجيل خلال شهور معينة فى العام ، فيسرع الطالب باختيار موضوع قرأ عنه قراءة سطحية ويسرع بأخذ موافقة المشرف عليه ويسجله . وبعد أن يتعين عليه بحث ذلك الموضوع الذي اختاره بتسرع يكتشف بعد فوات الأوان خطأه الفادح . فقد يكون الموضوع واسعا شاملا لايمكن الاحاطة به في رسالة واحدة ، أو قد يكون الموضوع ضيقا لا تسعفه المصادر بمعلومات عنه فيضطر بعد عدة سنين من المعاناة أن يغير الموضوع أو يعدل فيه . ومعنى ذلك أنه يبدأ من جديد وتضيع عليه معاناة سنين لأنه تسرع طمعا في عدة أشهر .

2- ومن اختيار الموضوع أيضا تنبع مشكلة اختيار العنوان المناسب للموضوع . فينبغي أن يعبر العنوان بكل جزئياته عن حدود الموضوع وأجزائه ، وينعكس ذلك فى خطة البحث.
فمثلا من يبحث ( أثر التصوف في مصر العصر المملوكي ) إذا اختار العنوان السابق بحذافيره كانت خطته المثلي كالاتى :-
تمهيد قصير عن التصوف عقيدة وتاريخا إلى العصر المملوكي ثم بعدها يدخل في صلب الموضوع فيبحث أثر التصوف السياسي وأثره الاجتماعي وأثره العلمي والتعليمي والمعماري ...إلخ .
أما إذا كان العنوان هكذا ( التصوف وأثره في مصر العصر المملوكي ) فقد تغيرت الخطة تغيرا كليا ؛إذ ينبغي عليه حينئذ أن يقسم بحثه إلى قسمين يبحث أولا التصوف بحثا كاملا عقيديا وتاريخيا ثم في القسم الثاني يبحث أثره ... وهكذا ترى أن تحديد العنوان مرتبط بخطة البحث وتقسيم أبوابه وفصوله .
وبعض الباحثين ينسى ذلك الارتباط بين العنوان والرسالة فيقع في خطأ منهجي يمس صميم البحث .

3-على أن هناك تدرجا في المستوى العلمي للموضوع المراد بحثه حسب المستوى العلمي للباحث . فالطالب في مرحلة الدراسة بالكلية يعين له الأستاذ بحثا من العادة أنه كتبت فيه قبل ذلك أبحاث ومراجع . ويقصد الأستاذ أن يتدرب الطالب نفسه على طريق البحث فيقرأ أكثر من مؤلف بحثى في موضوعه ويحاول أن يجمع من بينها بالتلخيص بحثا ـ لا يطلق عليه اسم البحث إلا تجاوزا ـ وإلانسب أن يقال فيه محاولة لخلق باحث وتدريبه .
وفى مرحلة الدراسات العليا حيث يدرس الطالب سنة أو سنتين تمهيديتين يكلف الطالب ببعض أبحاث جزئية ، وفيها يكون حظه من الدراسة البحثية أكبر مما كان عليه في مرحلة الدراسة بالكلية ...
ومقصود بهذه الأبحاث الجزئية أن يستعد الطالب لمرحلة التخصص ورسالة الماجستير وفيها يحضر الطالب رسالة كاملة عن عصر تاريخي معين أو شخصية تاريخية معتمدا في ذلك على المصادر التاريخية الأصلية من حوليات ووثائق وغيرها بالإضافة إلى الأبحاث المنشورة .
ثم يصل الطالب بعدها إلى مرحلة العالمية أو الدكتوراة ....
وحينئذ يطالب ببحث على مستوى رفيع يتناول فيه قضية تاريخية في عصر معين أو جزئية يتعمق في بحثها ويظهر الجديد في بحثه معتمدا على كافة ما يعينه من مصادر مخطوطة وأصلية ووثائق ودوريات بالعربية وغيرها .
و باجتياز هذه المرحلة يكون الطالب قد اكتمل إعداده باحثا في الميدان الذي اختاره .

اجمالي القراءات 7253