تحية طيبة
هل نفى القرآن صلب المسيح كما روتة الأناجيل الأربعة. وكما أقر به غير واحد من مؤرخي الرومان, ومعاصري المسيح من اليهود.
دعنا أولا نتدبر النص القرآني الذي ورد في هذه القضية:
يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِّنَ السَّمَاء فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُواْ أَرِنَا اللّهِ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُّبِينًا (153) وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لاَ تَعْدُواْ فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا (154) فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقًّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (155) وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا (156) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (158) وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا (159). النساء
الآن يبرز لدينا السؤال التالي, من هم المعنين ب"هم" و "أنا" و "نا" في "وقولهم إِنَّا قَتَلْنَا" , وعلى من تعود الهاء في "وماقتلوه وما صلبوه" و هم في " ولكن شبه لهم".
ثم تأتي وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا.
ماهو الذي أختلف فيه حول موضوع المسيح, هل كان مسأله صلبه, لايروي لنا التاريخ أختلاف بين المسيحين ولااليهود حول مسأله هل صلب المسيح أم لا, أنما الأختلاف كان حول طبيعة المسيح, فقسم قالوا بأن طبيعة المسيح الألهية قد غادرته قبل الصلب وقسم قالوا قبل موتة على الصليب وقسم قالوا أنها لم تغادره أبدا الخ من الأختلافات , وهناك أختلافات حول قيام المسيح. فما هو الشي الذي تشير اليه الآيه بأنهم في شك منه, من سياق الآية يبدوا أنه الأشياء التي أختلفوا فيها.
ثم تأتي "وماقتلوه يقينا" , وهنا السؤال يبرز على من تعود الهاء في وماقتلوه يقينا.
وما المقصود بالضبط بالآيه 158 أذ أنها تبدوا جوابا على الذي أختلفوا فيه. أذ أنها تنفي الموت وتقول بأن المسيح قد رفع الى الله.
أي أن الآية يبدوا أنها تنفي الموت.
وهناك آيه أخرى في القرآن تذكر هذا الرفع: اذ قال الله يا عيسى اني متوفيك ورافعك الي ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا الى يوم القيامة ثم الي مرجعكم فاحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون 55. آل عمران. أذ أن الوفاة قد حصلت قبل الرفع.
لكن من الآيات السابقة يبدوأ أنه لايوجد هناك موت, لذلك يجب تفسير الوفاة على أنها أسترجاع الله للمسيح. وربما بما يشابه الموت ظاهريا.
ثم بعد ذلك تقول الآية وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا
والظاهر معناها هو أن المسيح سيرجع ويموت, وقبل موت المسيح سوف يؤمن جميع أهل الكتاب بأنه لم يمت على الصليب, وأنما فات بمرحلة شبيهة بالغيبوبة. ويوم القيامة يكون شهيدا على هؤلاء الذين عاصروا موته.
الآن دعني أعطي بعض الأجوبه. الضمائر التي أشرت اليها تعود على اليهود. فالآيات تنفي أن يكون اليهود قد قاموا بصلب وقتل المسيح.
لكن الآيات لم تنفي أطلاقا أن يكون المسيح قد صلب على يد غير اليهود. لكن يوجد في الآيات ما يدل على أن المسيح حتى وأن صلب لكنه لم يمت على الصليب, وأنما الله توفاة, أي أنه حصلت حاله شبيه بالموت على الصليب , شيء مثل الغيبوبة المشابهه للموت, وبعد ذلك رفع الله المسيح اليه كما تخبرنا الأناجيل.
من الملاحظ ان الله لم يقل مثلا: وما قتل وماصلب "بضم القاف والصاد" , ولم تقل الآيات " وما قتل"بضم القاف" يقينا.
لذلك الآيات فقط تنفي أن يكون اليهود هم من قاموا بصلب وقتل المسيح.
لكن لماذا هذا هل اليهود يزعمون بأنهم هم من قام بقتل وصلب المسيح.
الجواب على ذلك نعم.
فالتلمود المكتوب 300 ميلادي يقول بأن اليهود هم من قاموا بشنق المسيح, ويفسرون أن كلمة شنق الواردة في التلمود معناها القتل صلبا في تلك الأيام.
حيث يقول التلمود بأن اليهود قد قدموا يسوع الى المحكمة اليهودية التي يديرها الكاهن الأعلى لليهود, بتهمة الهرطقة والشعوذة, ويقول بأنه على الرغم من أن تلك التهمة هي تهمة كبيرة وتستدعي القتل الفوري, لكنهم خافوا من صلات يسوع بالرومان, وأجلوا تنفيذ الحكم أربعين يوما, ونادوا على من له وجه نظر للدفاع عن يسوع فلم ينبري أحد, وبعد ذلك قتلوه في عيد الفصح.
هذا هو الأدعاء اليهودي لقصة قتل المسيح. وقد نفى القرآن ذلك الأدعاء.
الأناجيل تذكر بأن اليهود فعلا قد حاكموا المسيح وأصروا على صلبه وقتله لكن الذي قام بالصلب هم الرومان وليس اليهود. وهذا نجده من المصادر الرومانية نفسها.
أذن الرومان هم من صلبوا المسيح وليس اليهود.
هل نفى القرآن ان يكون الرومان هم من صلبوا المسيح. الجواب كلا, أذ لاتوجد آيه واحدة في القرآن تنفي هذا.
لكن من الآيات أعلاه, يبدوا واضحا أن الذي أستشكل هو موت المسيح على الصليب.
قضية صلب المسيح على يد الرومان تعد من الحقائق التاريخية, ولم يختلف أحد من فرق المسيحية حول ذلك.
الشيء الذي يدفعني للقول بأن المسيح قد صلب, هي كلمة "ومطهرك". فلماذا قال الله ذلك, ويلاحظ ان الله قال "ومطهرك من الذين كفروا", لم يقل من الذين هادوا, قال من الذين كفروا, أي الرومان حيث كانوا وثنيين آنذاك.
نعم تذكر الأناجيل أن الرومان قد عذبوا المسيح والقوا بقذاراتهم على المسيح, لذلك نفهم من ذلك كلمة ومطهرك من الذين كفروا. لا بل جعل الذين أتبعوا المسيح فوق الذين كفروا الى يوم القيامة. وهذا ماحصل, حيث سقطت الدولة الرومانية, وغلب أتباع المسيح في النهاية.
نرى من كل هذا التالي:
1) لايوجد في القرآن ما ينفي صلب المسيح على أيدي الرومان كما تحدثنا به الأناجيل.
2) يوجد في القرآن نفي قاطع على أن يكون اليهود هم من قتلوا أو صلبوا المسيح. وذلك يتطابق مع الأناجيل, ولايخالفها.
3) ان الله قد توفى المسيح ثم رفعه اليه, لكن يبدوا أن الوفاة هنا معناها شئ غير الموت وألا أصبحت الآيات متناقضه, ربما شيء مثل الغيبوبة بحيث يستعصي على الأنسان التفريق مابينه وبين الموت, ثم بعد ذلك قام الله برفع المسيح وتطهيره من قاذورات الرومان التي القوها عليه أثناء الصلب, كما تروي الأناجيل.
يبقى المسيح قد ضرب اعظم الوان التضحية, حيث أنه قبل بحكم الله عليه في أن يصبر على عذاب الرومان والام الصلب, الى درجة فقدان الوعي. وحتى على الصليب سأل المسيح ربه أن يغفر لمعذبيه, وهنا ضرب المسيح أعظم المثل في الأخلاق والتسامح, ولذلك يجب السير على هذه السيرة العطرة, ونسامح أعدائنا وندعوا لهم بالهداية, فالمسيح عندي مات في سبيل نشر هذه التعاليم وترسيخها, وهذا ماحصل بالرغم من الشوائب الأشراكية التي أنتابت المسيحية (كما أنتابت الأسلام أيضا) لكن تبقى روح التعاليم الألهية التي نقلها لنا المسيح راسخة.
وهنا لابد من ذكر بأن كل رسل الله قد عانوا الأمرين من أعدائهم, ومع ذلك كانوا يدعون الله لهدايتهم, ومنهم نبينا وقدوتنا محمد(ص) حيث أعطى أولاده وزوجتة وعمة في شعب أبي طالب, في سبيل أنتشار قيم الأسلام السمحة, وهو نفسة كان يستغفر للكفار كما صرحت آيات القرآن بذلك.
مع التقدير