غجر العراق يعانون ومنبوذون في بلادهم | ||||||||||
|
||||||||||
العرب [نُشر في 03/10/2015، العدد: 10055، ص(20)] | ||||||||||
الغجر أو الكاولية كما يُسمون في العراق اضطروا في السنوات التي أعقبت 2003 لممارسة التسول بعدما منعوا من مزاولة الرقص والغناء، وهي حرفتهم التي عرفوا بها وتوارثوها عن أجدادهم، وقد ساءت أحوالهم واضطروا للتشتت بين المحافظات الجنوبية، فيما سقطت العديد من نسائهم ضحايا لسماسرة تجارة الجنس. كريمة محسن أرملة غجرية (40 عاما) تشعر بالحسرة على سنواتها الذهبية قبل 2003 حينما كانت تزاول الرقص والغناء اللذين أخذتهما عن أمها. وتقول لموقع “نقاش” عن حياتها السابقة “عندما كنت أرقص كنت أشعر بإنسانيتي وحريتي، وكنت ألقن بناتي فنون الرقص والغناء. ولكن الآن هذا ممنوع علينا، وقد كبرت في السنّ وأقعدني المرض حتى عن امتهان التسوّل في شوارع الديوانية”. وتضيف “نعاني أنا وأبنائي مرارة العيش والحرمان من أبسط حقوقنا، فنحن لا نحصل على رعاية صحية ولا راتب رعاية اجتماعية، وقد سئمنا عيشنا القاسي وكره المجتمع لنا”. ولم تكن حياة الغجر قبل سنة 2003 مثالية لكن السلطات سمحت لهم آنذاك بممارسة الرقص والغناء في أحيائهم المنعزلة عن مراكز المدن، فضلا عن التنقل لإحياء حفلات الأعراس والمناسبات الاجتماعية الأخرى. قرية الزهور التي تقع على مسافة 20 كم جنوب شرق مركز المحافظة، تضم في الوقت الحاضر ثلاثمئة دار يكاد يكون أغلبها مهجورا، بينما تعلو شوارعها الأتربة والنفايات. عبدالله معين، غجري من سكان قرية الزهور، يؤكد أن قريتهم مطوقة أمنيا بعناصر من الشرطة، موضحا أن “بعض رجال الشرطة يتعاملون معنا بمزاجية، فهم لا يسمحون لنا أحيانا بدخول القرية، وفي أحيان أخرى يمنعون أقاربنا من زيارتنا”. ومع هذا التشدّد فإن قائد شرطة الديوانية اللواء عبدالجليل الأسدي، يؤكد أن الغجر أناس مسالمون ليست لديهم دوافع إجرامية ولا حواضن إرهابية، ولم تسجل أي جريمة سرقة أو قتل بحقهم ولم يمارسوا البغاء. ويبرّر الطوق الأمني المضروب حول القرية بأنه “جاء بقرار من مجلس محافظة الديوانية السابق لدواع أخلاقية وليست أمنية، فبعض مناطق الديوانية موبوءة بالجريمة أكثر من قرية الزهور”.
وتنعدم الخدمات في قرية الزهور، فلا ماء ولا مدارس ولا مستوصفا، في ما تسمح السلطات بحوضية ماء صالح للشراب تزورهم مرة كل الأسبوع. ويعزو عبدالله معين ذلك إلى إهمال بلدية المدينة لقريتهم، لذا ارتفعت تلال النفايات أعلى من سقوف بيوتهم، كما أنهم يواجهون بطالة مزمنة، فلا أحد يرغب باستخدامهم في الأعمال. ويقول نحن “عراقيون كما تؤكد وثائقنا وهوياتنا ونمارس حق الانتخاب لكن لا يُسمح لنا أبدا بالتقديم على أي وظيفة في الدولة حتى الوظائف البسيطة كعامل خدمة أو حارس ليلي بسبب عبارة (الاستثناء) التي ختمت بها شهادة الجنسية التي يحملها الغجري”. يذكر أنه بعد 2003 استبدلت كلمة غجري في شهادة الجنسية العراقية التي تحدد هويتهم كأقلية عرقية بمفردة (استثناء). ويعتقد الباحثون أن أصول الغجر تعود إلى شبه الجزيرة الهندية، وهم يشكلون أقلية عرقية في العراق يزيد تعدادها على 50 ألف نسمة. ويقول الباحث التاريخي والاجتماعي غالب الكعبي إن “أول أسرة غجرية سكنت الديوانية تعود إلى بداية القرن العشرين، ثم انتشروا في مناطق الكمالية والإسحاق والبصرة”. وكانت هناك محاولات من السلطات العراقية في الخمسينات من القرن العشرين لدمجهم في المجتمع حين أسست لأبنائهم مدرسة ابتدائية في العام 1964 بقرية الزهور، وبسبب الفقر والظروف المعيشية القاسية فإنهم في أحيان كثيرة يتحولون من الرقص والغناء إلى ممارسة البغاء. ويروي الكعبي أن بعض وجهاء المدينة وشيوخها عمدوا إلى الزواج من بعض الغجريات الجميلات لمنعهن من ممارسة البغاء، ونجم عن ذلك ولادة أبناء لهؤلاء الشيوخ من أمهات غجريات أصبح بعضهم مسؤولا في الدولة ولا يرغبون بالكشف عن ماضيهم. ومنذ 2004 تعرض الغجر للتنكيل وتدمير قراهم في بغداد والديوانية وأماكن أخرى من قبل ميليشيات دينية متشدّدة. ويبدو الألم على وجه كاظم أبو نشوان، وهو يتطلع لدور قريتهم المخرّبة ويقول “نحن ضحية الميليشيات التي انتهكت حقنا بالعيش الآمن ودمّرت قريتنا بعد أن قصفتها بالصواريخ ومدافع الهاون، وعندما خرجنا للانتخابات في مركز قرية (آل حمد) تعرضت نساؤنا للضرب والإهانة من قبل عناصر الأحزاب، كما منع شبابنا من المشاركة في مسابقات كرة القدم المحلية، حيث تم اعتقال الرياضيين الذين حاولوا دخول القرية للعب مع شبابنا”. أبو نشوان يرى أن رفض المجتمع وعدم تقبله لهم أشدّ قسوة من الطوق الأمني الذي جعلهم يعيشون في عزلة ويتساءل “هل أن لقب غجري أصبح وصمة عار على جباهنا بينما الجميع يعلم بأننا مواطنون نملك طاقات شبابية ومواهب فنية ضائعة، حيث لا يسمح لنا بالغناء والرقص؟”. يشار إلى أن نداءات الاستغاثة تواجه بالرفض من لجنة حقوق الإنسان في مجلس محافظة الديوانية. فحسن الجبوري رئيس اللجنة يزعم أن الطوق الأمني ضرورة لا بد منها للحفاظ على المجتمع من الممارسات غير الأخلاقية للغجر. ويقول “نحن نحترم تمتعهم بالخدمات العامة وهم يستحقون التمتع بالحقوق الإنسانية جميعها، لكننا نرفض رفع القيود الأمنية عنهم واختلاطهم بمجتمع الديوانية بسبب واقعهم الأخلاقي السيئ”. |