لقد مات جاهلا للحقيقة

رمضان عبد الرحمن في السبت ٢٤ - مايو - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

لقد مات جاهلا للحقيقة

بين ثقافة الجحود وإنكار الجميل وبين ثقافة التسامح والأمر المعروف  ، فالذي تأسس وتربى على الجحود منذ طفولته مهما فعلت معه من معروف يظل جاحدا لمن يقدمون له هذا المعروف، لأنه تربى على ذلك ولن يتغير معتقداً أنه على صواب بهذا الجحود ، عند بعض الأشخاص الذين تقابلت معهم في مجال عملي الشاق، والذي يجعل أي إنسان يعرف الرحمة يشفق على من هو أضعف منه سواء كان هذا الضعف على المستوى البدني أو على المستوى المهني، وبما أنني أعمل في مجال البناء والمقاولات بصفة عامة، كان يعمل معي أحد الأشخاص وكنت حين أراه وهو في العمل يؤدي بصعوبة المجهود المطلوب منه في العمل ، كي لا يصبح مقصرا مع الذين يزاملهم في العمل ، حتى يستمر بسبب ظروفه المادية ، وكنت أتعامل معه على حساب هذه الظروف والله يعلم ذلك، ولا أريد أن أدخل في تفاصيل أكثر، وظل بذهني ظروف هذا الشخص إلى أن أراد الله وتوفرت له فرصة عمل بعيدة عن مجال البناء، والتي كان يعاني منها، فعرضت عليه الأمر فقال أنا ( إيدك دي لإيدك دي ) كما يقول المصريون ، وتوفق بهذا العمل الجديد واستمر فيه سنوات دون أن أشعره لحظة بأنني بحثت له عن هذا العمل ، وإن هذه ليست من ثقافتنا التي تربينا عليها ونحمد الله على ذلك، والتي رسخت فينا هذه المبادئ منذ الصغر، وزرعت فينا التسامح وأن نصفح حتى مع المسيئين إلينا، من ربانا على ذلك؟!... أستاذنا ومعلمنا الذي أكن له كل احترام، وسوف أذكر موقف من المواقف التي تعرضنا لها نحن أصحاب الفكر المتسامح والله على ما أقول شهيد، في صيف عام 1988 من القرن الماضي كنت أؤدي الخدمة العسكرية، ودون ترتيب تقابلت مع الدكتور منصور وهو آتٍ من القاهرة إلى بلدة أبو حريز، ودار الحديث بيننا أنا وهو على الاطمئنان على العائلة والأقارب كعادته الطيبة، وكان في ذلك الوقت أهل القرية يتهموننا بالكفر لأننا نصلي في بيوتنا حتى لا نستمع إلى السب والشتائم الموجهة إلينا من أهل القرية وهم في مساجدهم، لكي لا ندخل في صدام مع هؤلاء الناس ، كنا نصلي في بيوتنا واستمر ذلك سنوات طويلة، فأصبح لا يربطنا بأهل هذه القرية إلا السلام والمواقف الاجتماعية أو الحتمية كحالات الموت التي لا يتأخر أحد فيها بمثل هذه الأمور، ولكن هؤلاء الناس لم يهدءوا فتقدموا بالشكاوى ضد الدكتور صبحي وعائلته وجميع أقاربه بأن هؤلاء كفرة ويجب على السلطات القبض عليهم أو أن تمنعهم من الصلاة في بيوتهم.، ولأنهم خطر على أهل البلدة ..

 

  
ثم أكملت الحديث مع الدكتور وقلت له ونحن في الطريق إلى أبو حريز، هل سنترك هؤلاء الجاحدين للإنسانية دون حساب، فقال بالحرف الواحد والله يعلم أنني لم أزيد بحرف مما قاله الدكتور في ذلك الوقت، قال: (أنا حين أتشطر لن أتشطر على أولاد بلدي)، ففوجئت بهذا الرد، وقال لي أن التسامح مع الذين يسيئون لك أفضل شيء ويجعلك أنت الأقوى، والأغرب من كل هذا الكلام أن أحد الأشخاص الذين حاولوا الكيد بالدكتور وبنا بالشكاوى الكيدية، قبل أن نصل إلى البيت ونحن بجوار منزل هذا الشخص أخذ الدكتور بالأحضان و(تفضلوا تفضلوا يا دكتور)، وقد مات هذا الرجل وأدعو له بالرحمة، لأنه مات جاهلا للحقيقة مخدوعاً في أهله ومن حوله من الجاهلين أمثاله، الذين جعلوه كبش فداء لجحودهم وأحقادهم ، ثم في نهاية عمره تخلى عنه أقرب الناس له لأنه أصبح كرت خسران (لا يهش ولا ينش)، ولم يعد له تأثير على من قام بالشكاوى ضدهم ، كانت هذه هي إحدى وظائف أحد الأشخاص الجاحدين إلى الحق والإنسانية مثل أخينا الذي لم أسيء له وأتعامل معه بكل احترام ولم أقصر معه تجاه أي مساعدة يطلبها مني، ثم بعد ذلك أفاجأ بقوله هو وبعض الأشخاص بأنني كافر ولا يجب التعامل معي، وعلى فرض أن فلان هذا كافر على حد قول هؤلاء، وبالرغم أن فلان هذا لا يتعامل مع هؤلاء الأشخاص إلى بلغة الإنسانية والاحترام والمعروف والإشفاق عليهم دون نفاق، ولكن يبدو أن ثقافة الجحود عند كثير من الناس ، لا يعترفون بمن قدم لهم المعروف، ويكون الجزاء أن هؤلاء يكفرونه وينكرون عليه معروفه ، وإذا كان الذي يعمل المعروف يتهم بالكفر فماذا عن الذي ينافق ويجحد ويسب الناس دون وجه حق؟!..

 

ماذا نطلق عليه غير أنه إذا استمر على هذا الاعتقاد الخاطئ سوف يموت جاهلاً للحقيقة ويكون قد أمضى حياته دفاعاً عن الباطل ومهاجماً للحق ولن يعلم عن الحق الذي كان يسخر منه في الحياة الدنيا ويعلم أنه حق إلا يوم الحق يوم يبعث بعد الموت، ولا يملك أحد له من الله شيئاً كما قال الواحد القهار:
((
يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ))
سورة النحل آية 111.
وهذه هي نقطة الخلاف بين من يتهموننا بالكفر مستخدمين عبارات وألفاظ تزول منها الجبال، ونحن لا نملك إلا الصبر والتسامح ونصفح عمن يسيء إلينا، وندعو الله أن يهدينا ويهديهم دون أن نسخر من أحد، وهذا هو الفرق بين من تربى على ثقافة المعروف ومن تربى على ثقافة الجحود، مع الأخذ في الاعتبار ودون أن نزكي أنفسنا والله تعالى يعلم ما بداخلنا وما نخفي وما نعلن ولا يخفى على الله شيء.   في الأرض ولا في السماء ، وهو العليم القدير

رمضان عبد الرحمن علي

 

 

اجمالي القراءات 12013