بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ )جذرهما اللغوي رحم من العطف واللين واسم الفاعل منها راحم وتأتي صيغ المبالغة فيها رحيم ورحمن فأما رحيم فهي على وزن فعيل وهي صيغة مبالغة تشترك بين اسم المفعول على وزن فعيل كقتيل وجريح وعتيد وقد يكون اسم فاعل كسميع وبصير و رقيب وكلاهما تعني الشدة فحين تقول جريح فهي من شدة جرحه وإلا لو كان جرح خفيف لقلنا أنه مجروح كذا اسم الفاعل كسميع لشدة السمع وبصير لشدة البصر وإلا لو كان إبصارا عاديا لقلنا مبصر &aelilig;سامع ومن هنا أتى اسم الرحيم لشدة رحمته وإلا لقلنا راحم
وأما اسم الفاعل رحمن وهي من صيغ المبالغة فهي تعني الكثرة والديمومة مثال ذلك حيران وهي من كثرة الحيرة وديمومتها ويأتي اسم شيطان وأصله شط وهو من ابتعد أو شطن وأيضا بمعنى ابتعد وهي صيغة مبالغة وتعطي كثرة البعد واستمرارها هذا من ناحية تصريف الكلمة ومن المعروف في اللغة العربية أن جذر الكلمة له دور كبير بمعناها ولا يمكن أن يأتي بشكل مغاير تماما قد يأتي عكس المعنى كما ذكرت في موضع آخر ولكن بزيادة أو إنقاص أحرف من الجذر كقاسطون من قسط ومقسطون من أقسط وأما أن يأتي بمعنى آخر غير ما يرتبط بجذر الكلمة فهو غير معروف باللغة العربية
هذا من ناحية المعنى اللغوي لكلمتي (الرحمن والرحيم )
وأما من ناحية ورود اسم الرحمن في القرآن فقد وردت في القرآن في بداية كل سورة من القرآن خلا سورة التوبة ومن هنا أبدأ
قال الله في كتابه العزيز (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ) رحمة للعالمين وتشمل كل العوالم التي يمكن أن نطلق عليها اسم عالَم وأتى اسم الرحمن والرحيم في مطلع القرآن بالبسملة في مطلع سورة الفاتحة ثم ورد في بداية معظم سور القرآن كي تستغرق كل أبعاد الرحمة من شدة رحمته في لفظ الرحيم ومن كثرتها ودوامها في لفظ الرحمن ولئن وردت في آيات تتحدث عن السيطرة والهيمنة والجبروت إنما أتت لتبين أن الذي سيطر وهيمن وتحكم في هذا الكون وفي كل شيء إنما اتسم ذلك الإله العظيم بالرحمة ورحمته كثيرة بلا حدود ودائمة لا يحدها زمن هذا عدا عن ورودها في آيات لا تتحدث إلا عن الرحمة دون سواها من صفاته عز وجل وإليكم ما ورد عن الرحمن بشكل خاص وعن الرحيم
1-الرحمن
( قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً ) وهل يكون الدعاء إلا لالتماس الرحمة والعون من الرحمن
(قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا) وهل يلتجئ المرء إلا لمن يرحمه ويقيه شر الناس
(جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا ) وهل دخول الجنة للمؤمنين وعفوه سبحانه وتعالى عن سيئاتهم التي اجتروحها ثم تابوا عنها هل هو من باب الجبروت والهيمنة أم باب الرحمة
(يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا ) ألا تدل تلك الآية على رحمة الله بأن يأتي المؤمنون مجتمعين خلافا للكافرين الذين يحشرون وردا
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا) ألا يرتبط الود بالرحمة
(وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا) أريد أن أورد في هذا الموضع آية أخرى لها ارتباط وثيق بها من حيث المعنى(وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ) عباد الرحمن في الآية الأولى الذين كتب لهم الله الرحمة في الآية الثانية عباد الرحمن الذين يرجون رحمته عباد الرحمن الذين سيدخلون جنته بعملهم رحمة منه سبحانه وتعالى رحمة تشملهم خالدين في تلك الرحمة وفي ذلك النعيم
(وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ) (تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)( قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمَنُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ) (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ )تنزيل الكتب للناس وإرسال الرسل إليهم إنما هو رحمة من الله لهم الله سبحانه خلق الإنسان وشمله برحمته طوال حياته رحمة تحميه من أمر الله رحمة ترزقه من رزق الله رحمة تشمله في صحته ومرضه وشبابه وهرمه من ولادته إلى موته ثم أرسل إليه رسلا يبلغونه هدى الله وكتبا يهتدي بها إلى الله سبحانه هو الرحمن الرحيم
( أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ) باب من أبواب رحمة الله بمخلوقاته يمسك السماء أن تقع على الأرض يمسك الطير أن تقع على الأرض يسير الدواب ويهديها رزقها رحمة منه تحقق توازنا عجيبا في هذا الكون , الكون كله بمخلوقاته يسير على هذا النحو العظيم المعجز برحمة من الله وتدبير منه
( الرَّحْمَنُ) وختاما للآيات التي وردت فيها كلمة الرحمن بمعنى الرحمة ليس سواها ورود كلمة الرحمن كآية مستقلة في مطلع سورة الرحمن وأظن أن الذي يقرأ سورة الرحمن يرى أبعاد رحمة الله
(الرَّحْمَنُ* عَلَّمَ الْقُرْآنَ* خَلَقَ الْإِنسَانَ* عَلَّمَهُ الْبَيَانَ* الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ* وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ* وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ* أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ* وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ* وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ* فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ* وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ* فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ)آيات كلها تتحدث عن رحمة الله بخلقه فانظر إلى آثار رحمة الله تتحدث عن لطفه وعفوه وبين كل بضعة آيات أو بين كل آيتين تأتي آية (فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ)والآلاء جمع إليّ بتشديد الياء ومعناها النعمة وأظن أن سورة الرحمن قد شملت جميع مواضع ذكر الرحمن فيما سواها من الآيات وهل هناك أوضح وأدق من هذه السورة لتوضيح معنى كلمة الرحمن
في مقارنة أجريتها بين الآيات التي أتى بها اسم الرحمن والآيات التي ورد بها اسم الرحيم فإن اسم الرحمن أتى في جميع آيات القرآن متقدما على اسم الرحيم إن اقترنا, وإن أتيا منفردين فإن اسم الرحمن أتى ليبن لنا رحمة الله المستمرة الدائمة الملازمة لمخلوقات الله في كل حين وفي كل وضع يكون عليه هذا المخلوق كما أتى في معرض الحديث عن تنزيل الكتب السماوية وإرسال الرسل ليبن لنا مدى رحمة الله بالإنس والجن حيث لم يتركها عبثا ولم يتركها عرضة لظلم الظالمين وإفك المفترين وإضلال الشياطين(وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي) (وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُم بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ ) (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا) (إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ )(إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ ) (أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلاَ يُنقِذُونِ ) (وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) ( أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا ) (قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ) (يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا) (يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا) (وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ ) (كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ لِّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ)
كما وردت في معرض تذكير للكافرين بعقاب الله ليبين لهم أن الله هو الرحمن يرحمهم في كل حين فما بالهم يعرضون عن ذكر الله وأتت أيضا في معرض إمهال الكافرين ومد الرحمن لهم من رزقه وتمكينه لهم في بعض ملكه وكأنه يذكرهم أن كل ما هم فيه إنما هو رحمة من الله ملازمة لقوانين هذا الكون وأن الله سيعذبهم بعد تلك الرحمة عذابا أليما إن لم يتوبوا (وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ) (قُلْ مَن كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا ) (أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُم مِّن دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ) كما وردت في معرض وصفه لخلق السموات والأرض مقترنة بأنه استوى على العرش تبيانا لعظمته سبحانه وتعالى المقترنة برحمته في مخلوقاته( قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِم مُّعْرِضُونَ) (الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا ) (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ) (طه*مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى*إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى*تَنزِيلًا مِّمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى*الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى*لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى) وهذه الآيات التي وردت في سورة طه إنما أتت لتبين أوجه عدة من أوجه رحمة الله خطاب رقيق (مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى) ثم تنزيل لرحمة الله بذكره على نبيه (إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى) ثم يذكر أن هذا التنزيل مرتبط برحمة أخرى من الله وهو خلق السموات والأرض (تَنزِيلًا مِّمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى*الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) ثم يذكرنا بأنه يرحمنا وهو مسيطر علينا وهو الذي له الملك في السموات والأرض( لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى) وهل هناك أبلغ وأدق من هذا البيان لرجمة الله ,
كما اتت في معرض الحديث عن افتراء المفترين بأن ينسبوا له ولدا أو ينسبوا له شريكا ليبن لهم رحمة الله بهم بأنه لا يأخذهم بذنوبهم على حين غرة وإنما يعمرهم ما يتذكر فيه من تذكر(وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا) (أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا) (وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا ) (أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا ) (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ) (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ ) (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ )(وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُم مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ ) (قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ ) كما أتت في معرض الحديث عن يوم القيامة والفصل بين خلق الله تبيانا لهم بأن الله الذي خلقهم ورحمهم في الدنيا قد شملت رحمته واختصت يوم القيامة بالمؤمنين الذين التزموا أمر الله وقد نال عقابَه الكافرون وكأني أقرأ أن عذاب الله للكافرين والمشركين يوم القيامة إنما هو باب من أبواب رحمة الله بالمؤمنين الذين كانوا ينتظرون عهد الله لهم بالقصاص ممن طغوا في الدنيا وجزاهم ( أي المؤمنين) جنات تجري من تحتها الأنهار(لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا) (إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا ) (يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا )(يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا ) (قَالَ رَبِّ احْكُم بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ )(الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا) (قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ )) (مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ ) (رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا ) (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا ) (ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا ) , كما اتت في معرض تذكير الله لنا به عز وجل وبأسمائه الحسنى (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ )
(وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ), وبشكل مختص لمريم يوم ولادة عيسى وأرى ارتباطا وثيقا فيها برحمة الله بخلقه عيسى ابن مريم وحيث أنه رسول من الله يبلغ رسالة الله وحيث أن خلق عيسى ابن مريم مَثَلُهُ كَمَثَلِ بداية خلق الإنسان وحيث أن الله اختص رحمة منه بمريم ورزقها غلاما زكيا رسولا نعمة منه وجزاء لها في الدنيا (فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا ) من هنا ومن خلال تلك المقارنة بين الآيات التي ورد فيها اسم الرحمن
فإن ورودها أتى ليبين لنا رحمة الله بنا بأن ذكرنا بعقابه وذكرنا بجبروته وذكرنا بهيمنته بأن الذي لا يسأل عما يفعل رغم كل شيء ورغم تلك الهيمنة والسيطرة والجبروت فهو رحمن بنا إذ إنه خلق لنا وسخر لنا ما في السموات وما في الأرض جميعا منه رحمة منه وهو الذي يمد لنا ويعمرنا ما يكفينا لأن نتذكر ويرسل النذر إلينا أن نقول يوم القيامة ويوم الجزاء و العقاب والحساب إنا كنا عن هذا غافلين وهو الذي سيجزينا يوم القيامة جنات عدن التي وعدنا رحمة منه بما عملنا ومغفرة منه لما أسانا وتبنا عنه وحتى في تلكم الآيات التي تتكلم عن الجبروت والهيمنة كثيرا ما نلاحظ في مضمونها كثيرا من الرحمة متلازمة مع ذلك الجبروت لا تنفك عنها
أليس الجبار رحمن رحيم أليس المسيطر رحمن رحيم الذي سيعاقب المسيء يوم القيامة رحمن رحيم حيث يجزي الذين أحسنوا بالحسنى
أليس هذا هو مضمون اسم الله الرحمن
2-الرحيم
تتبعت الآيات التي وردت فيها كلمة الرحيم فوجدتها كلها دون استثناء قد وردت في المواضع التي يحتاج فيها المرء إلى رحمة مباشرة من الله عز وجل كأن يقترف المرء ذنبا أو يكون مشركا ويريد التوبة أو يدعى إلى التوبة(فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ )( إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ )( وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) أو يكون هناك استثناء لارتكاب حرمة حرمها الله ويضطر المرء لارتكابها عن غير قصد أو مرغما ( قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )أو يكون هناك مقارنة بين عذاب الله وعقابه(وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ)( وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) أو يكون المرء في عسر ويحتاج رحمة ربه (وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ) أو يكون هناك مقارنة بين كافر و مؤمن فأما المؤمن فتأتيه رحمة ربه وأما الكافر فيأتيه عذابه(وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ*فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ*وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ)أو تكون وردت ضمن أسماء الله الحسنى(هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ )
قل هو الرحمن عليه توكلت هو الذي خلق لنا ما في السموات والأرض جميعا منه قل هو الرحيم الذي استغفره وأتوب إليه وألجأ إليه في شدتي سبحانه هو الرحمن الرحيم وربي الرحمن المستعان
هذا ما رأيته من معنى اسم الرحمن والرحيم
والله أعلم