تأملات فى قصة يوسف فى القرآن العظيم الحلقة (2)
المنهج القصصى في قصة يوسف

آحمد صبحي منصور في الإثنين ١٩ - مايو - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

أولا : عن المنهج

أسلوب القصص في التوراة يعتمد على المنهج التاريخي فيذكر الزمان والمكان والأسماء والأماكن وشتى التفصيلات ، أما القرآن فيركز على العبرة أساسا ، لذلك تتحول فيه الحادثة التاريخية المحدودة بالزمان والمكان والأشخاص إلى قضية إنسانية عامة تصلح للعظة والاعتبار في كل زمان ومكان .
2 ـ
وقصة يوسف في القرآن الكريم لها طابع خاص ، فهي قصة إنسانية اجتماعية شديدة الجاذبية ، لذا كانت القصة القرآنية الوحيدة التي تخصصت لها سورة محددة تحمل إسم النبي يوسف عليه السلام ، وتتميز بأنها تبدأ القصة من بدايتها إلى نهايتها ، منذ أن حكى يوسف لأبيه يعقوب الحلم إلى أن التقى يوسف بأبيه وأسرته في مصر بعد وقائع وأحداث مؤثرة فيها التآمر والعشق والسجن وديوان الملك .
3 ـ
والأحداث في قصة يوسف تختلف عن نظيرتها في باقي القصص القرآني ، فهي متدفقة متتالية، وهي هنا تتفق مع أسلوب التوراة السردي في سائر القصص ، إلا أن السرد القرآني في قصة يوسف أو سورة يوسف يتحاشى الثرثرة ويقوم على أساس المشاهد والأحداث المتتالية المترابطة ، إنه سرد أشبه بالدراما السينمائية ، أما سرد التوراة فهو سرد قصصي روائي يدخل في تفصيلات جانبية وتداخلات فرعية ، وذلك يتمشى مع تأريخ التوراة للأنبياء وأبنائهم ، وكانت قصة يوسف حلقة في تلك السلسلة ، لذلك قبيل أن تدخل في قصة يوسف كانت تتحدث عن إسحق وابنيه عيسو ويعقوب ، ثم تذكر ما حدث لأبناء هذا وذاك . وتعطي أهمية متساوية لأبناء يعقوب ولا تعطي التميز الذي يستحقه يوسف باعتباره بطل القصة والنبي الذي جاء بعد أبيه النبي ..
4 ـ
وعلى سبيل المثال فالإصحاح (37) يتحدث عن موقف أخوة يوسف منه وبدايته إلى أن تآمروا عليه ،ثم يتحدث الإصحاح التالى (38 ) عن يهوذا أخي يوسف دون أن يكون لذلك تأثير في مجري قصة يوسف وهي القصة الأساسية . أما في القرآن فقد كان التركيز على يوسف منذ البداية إلى النهاية . وحتى في تآمر الأخوة كان حديثهم عن يوسف الغائب عنهم ، وفي المشاهد التي كان يوسف فيها غائبا كان هو الحاضر الغائب مثل رؤيا الملك وحاجته لمن يفسر له رؤياه حيث تبدو الحاجة ليوسف ، وحين حقق الملك مع النسوة كان ذلك بسبب يوسف الذي كان وقتها في السجن ،وحين احتجز يوسف أخاه بنيامين ، وحتى حين اتهم بنيامين بالسرقة كانوا يذكرون يوسف ، وحتى إذا رجعوا إلى أبيهم يخبرونه بفقدهم لأخيهم بنيامين نجد يعقوب عليه السلام يبكي وقد تذكر يوسف (وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ قَالُواْ تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ )( يوسف 84 ،85 ).
5 ـ
ولأن يوسف هو مدار الأحداث وبطلها الحقيقي – وهو يستحق ذلك حقا – فأن القرآن الكريم لم يعطنا أسماء المشاركين في الأحداث ، وكان يكتفي أحيانا يذكر الألقاب أو الوظيفة .
* فأخوة يوسف اجتمعوا يتآمرون على أخيهم يوسف ، ويأتي القرآن الكريم بما حدث في ذلك الاجتماع: (لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ قَالَ قَآئِلٌ مَّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ ) ( يوسف 7 : 10). وفي حكاية القرآن عن ذلك الاجتماع السري الذي عقده الأخوة في غيبة يوسف يتكرر أسم يوسف أربع مرات ، بينما لم يذكر القرآن أسم واحد من الأخوة ،وحين ذكر القرآن الكريم ما قاله أحد الأخوة : (لا تقتلوا يوسف ) فلم يذكر لنا أسم ذلك الأخ ، ونعرف من التوراة أنه الأخ الأكبر ( راءوبين ). * ويلفت النظر أن القرآن ذكر موقفا مشرفا ( لراءوبين ) ولم يذكر اسمه واكتفي بوصفه بأنه كبيرهم ، وذلك حين أخذ يوسف "عزيز مصر "وقتها أخاه بنيامين منهم متهما إياه بالسرقة وعجزوا عن استرداده فعقدوا اجتماعا سريا يتشاورون . ويحكي القرآن ما حدث في ذلك الاجتماع السري: (فَلَمَّا اسْتَيْأَسُواْ مِنْهُ خَلَصُواْ نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُواْ أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُم مَّوْثِقًا مِّنَ اللّهِ وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّىَ يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ) ( يوسف 80) فالقرآن يكتفي هنا بوصف ( راءوبين ) بأنه كبيرهم ، بينما ذكر أسم يوسف في غيبته .
* ونعود إلى اجتماعهم الأول الذى تآمروا فيه على أخيهم الصغير يوسف وذكروا اسم الأخ الشقيق الآخر ليوسف وهو بنيامين فقالواعنهما: (إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا ) ، والقرآن هنا لم يذكر أسم (بنيامين ) مكتفيا بالحاقه بيوسف (لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ)بينما ذكرته التوراة مرارا باسمه بنيامين ، وذكره القرآن أيضا مرارا ولكن بالوصف وليس بالاسم .
ونكتفي بتلك الأمثلة عن (بنيامين) شقيق يوسف ؛وفيها لا يذكره القرآن بالاسم ولكن بالأخ : (ائْتُونِي بِأَخٍ لَّكُم مِّنْ أَبِيكُمْ ) (فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ ) (وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا )( وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَاْ أَخُوكَ )( فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاء أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَاء أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَن يَشَاء اللّهُ ) (يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ)( هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ ) (قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَـذَا أَخِي ).
ويصفه بالابن: (ارْجِعُواْ إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُواْ يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ )
* وفي نفس الاجتماع السري الأول قالوا: (إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا ) فذكروا يعقوب عليه السلام بالوصف " أبينا" دون الاسم . * وتحدثت سورة يوسف أو قصة يوسف عن يعقوب نحو عشرين مرة باعتباره " أب يوسف"، مثل :
" إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ ) (يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ ) (قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا ) .
ولم يذكر القرآن أسم يعقوب في سورة يوسف إلا ثلاث مرات فقط . واحدة في حديث يعقوب لأبنه يوسف :( وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ ) والثانية في حديث يوسف لصاحبيه في السجن :( وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِـي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ) والأخيرة في حديث الله تعالى عن يعقوب: (وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُم مِّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا )( يوسف 6 ، 38 ، 68) . .
وفيما عدا سورة يوسف ذكر القرآن الكريم اسم يعقوب . 13 مرة. ولو كان القرآن يريد التركيز على اسم يعقوب هنا لذكره بالاسم في سورة يوسف ، وهي اكبر موضع في القرآن تحدث عن يعقوب وأسرته ، ولكن التركيز فى سورة يوسف كان على يوسف بالأحداث وبالاسم ، لذلك تردد اسم يوسف في سورة يوسف ( 25 ) مرة . ولم يذكر القرآن الكريم اسم يوسف خارج سورة يوسف إلا مرتين فقط ( الأنعام 84 ، غافر 34 ).
وفي ذلك برهان ساطع على المنهج القرآني في سورة يوسف واختلافه عن منهج التوراة الروائي الذي ازدحمت فيه أسماء الرجال والنساء والأولاد مابين فلسطين ومصر .

ثانيا : على هامش المنهج
1 ـ حقائق مصرية تاريخية فى إطار المنهج القرآنى :

* وبالمثل ذكر القرآن وصف الرجل الذي اشتري يوسف في مصر ولم يذكر اسمه بينما ذكرت التوراة اسمه وأنه " قوطيفار .. رئيس الشرطة " جاء فى القرآن الكريم : (وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ) ( يوسف 21 ) ، أي لم تكن لذلك الرجل حيثية تستحق الذكر إلا مجرد أنه الذي اشتري يوسف ، والذي تربي يوسف عنده في بيته.
ويعبر القرآن عن مرور فترة زمنية استوى فيها يوسف شابا ورجلا :(وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا ) وبعدها راودته المرآة التي تربي في بيتها، ولم يذكر القرآن الكريم اسمها،بل مجرد وصف يدور حول يوسف.
وذاعت مراودتها لفتاها الوسيم وانتشرت في المدينة، وكان زوجها حينئذ قد أصبح في حيثية جديدة وخطيرة وهى كونه(عزيز مصر):(وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ)(يوسف 30) ولم يحدد القرآن ماهية هذه الوظيفة وإن أشار إلى خطورة صاحبها بدليل أنه وضع يوسف في السجن، أي يمكن الارتياح لما قالته التوراة من أنه كان رئيس الشرطة في مصر.
أى هى حقيقة مصرية أن ذلك الذي يتولى إدارة الشرطة في مصر يكون العزيز فيها ، فمصر أقدم دولة استبدادية بوليسية فى العالم كله....

على أن وصف " عزيز مصر " ما لبث أن لحق بيوسف نفسه حين أصبح المسيطر على خزائن مصر وجبايتها وثروتها الزراعية ، وبالتالي أصبح المسيطر على وزارة التموين في العالم المعروف وقتها حيث اشتدت المجاعة في مصر وخارجها وجاء الجميع إلى مصر يطلبون شراء الطعام ، وكان من بينهم أخوة يوسف الذين خاطبوه دون أن يعرفوه قائلين له : (قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ. يوسف 88 ).
إذن يمكن أن يقال أيضا أن الذي يسيطر على موارد مصر الاقتصادية يستحق أن يكون عزيز مصر. !!

2 ـ بين ملك الهكسوس فى عهد يوسف وفرعون مصر فى عهد موسى
وفرعون موسى - فيما بعد – الذي سيطر على ثروة مصر وامتلكها كما سيطر على جند مصر وجيشها أعلن في مؤتمر حاشد انه يملك مصر بأنهارها: (وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ )( الزخرف 51 ) .
أي أن فرعون مصر جمع في يده أسباب العزة الدنيوية كلها من القوة الحربية والقوة الاقتصادية ، بينما كان الملك الذي عاصره يوسف لا يتمتع بكل ذلك الثقل ، ويكفي صاحب الشرطة كان عزيز مصر في عهده ثم كان يوسف عزيزا لمصر بسبب إدارته لمخازنها الغذائية ، أي كان مجرد " ملك " بينما كان غيره " عزيز مصر " أي صاحب النفوذ فيها ..
وندخل بذلك على اللقب الثاني الذي جاء في قصة يوسف وهو الملك ..
فالذي يلفت النظر أن القرآن لم يطلق عليه اللقب المصري المعهود وهو فرعون ، وجعله ملكا عاديا ، ونذكر هذه الأمثلة من سورة يوسف (وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ) (وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ ) (مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَن يَشَاء اللّهُ ) ( قَالُواْ نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ ).
هذا بينما تقول التوراة أنه (فرعون ) ومرة تقول أنه (الملك ) ، تقول : (وحدث بعد هذه الأمور أن ساقي ملك مصر والخباز أذنبا إلى سيدهم ملك مصر فسخط فرعون) ( 1,40)( وحدث من بعد سنتين من الزمان أن فرعون رأى حلما ..) .

وبدون الدخول في تفصيلات فإن سمات (الفرعون) في قصة موسى في التوراة والقرآن تجعله مستبدا طاغية عظيم النفوذ شديد السطوة ، وهي سمات تختلف في حاكم مصر في عهد يوسف مما يؤكد اختلاف نظام الحكم بين عصري يوسف وموسى ، والتاريخ يؤكد ذلك لأن يوسف كان في مصر زمن حكم الهكسوس بينما كان موسى وقومه في عصر الفراعنة من الرعامسة الذين اشتهروا بسطوتهم الحربية والسياسية ، وبالتالي كان فرعون موسى يملك مصر وأهلها ويعلن ذلك دون خجل ويستخف بقومه فيطيعونه: (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ )(الزخرف 54 ) .

3 ـ بين القصص القرآنى و روايات التوراة
ويقول القرآن: ( وَجَاءتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَـذَا غُلاَمٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ ) ( يوسف 19 : 21 ) .
لم يحدد القرآن هوية القافلة التي عثرت على يوسف في البئر وأكتفي بوصف (سَيَّارَة )،وقال عن الثمن الذي بيع به يوسف أنه( بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ ) ، كما لم يذكر أسم المشتري المصري. أما التوراة فقد ذكرت أن المشتري هو فوطيفار ، وذكرت تفصيلات عن جلوس الأخوة ليأكلوا طعاما بعد أن ألقوا يوسف في البئر الفارغة، فرأى الإخوة قافلة من الإسماعيليين – أي العرب أبناء اسماعيل – ذاهبة إلى مصر ، فأقترح يهوذا أن يبيعوا أخاهم إلى تلك القافلة الإسماعيلية ، ولكن عثر تجار من مدين على يوسف في البئر وأخذوه وباعوه للإسماعيليين – العرب - بعشرين قطعة من الفضة فجاء به الإسماعيليون إلى مصر ، ثم تعود الرواية إلى إخوة يوسف ومزاعمهم لأبيهم عن الذئب الذي ادعوا أنه افترس أخاهم ، ثم تقول في النهاية: ( وأما المديانيون فباعوه في مصر لفوطيفار حفي رئيس الشرط .. ).
ولكن كيف نوفق بين قول التوراة: ( واجتاز رجال مديانيون تجار فسحبوا يوسف واصعدوه من البئر وباعوا يوسف للإسماعيليين بعشرين من الفضة ، فاتوا بيوسف إلى مصر " 37( / 27 : 30 ) وبين قولها : ( وأما المديانيون فباعوه في مصر لفوطيفار " ( 37 /36 . )
لا سبيل للجمع بين الروايتين إلا بافتراض أن الإسماعيليين – العرب – حين اشتروا يوسف من تجار مدين جاءوا به إلى مصر وباعوه فيها إلى تجار مديانيين آخرين ، وأولئك هم الذين باعوه إلى فوطيفار ..
على أن القرآن لم يرهق القارئ بتفصيلات الأسماء أو بتفريعات الأحداث ، وإنما ركز على (يوسف) وتتبع قصة حياته خلال نقلات أو مشاهد متتابعة متدفقة..
أما عن كيفية هذه النقلات وطبيعتها وتميزها عن المنهج الروائي للتوراة فذلك يستحق مقالا مستقلا ..

المقال القادم :
أسلوب القصّ الدرامى فى سورة يوسف :
الجزء الأول :



اجمالي القراءات 9184