تقريبًا لا يوجد دولة في العالم لا يوجد بها فساد ورشاوى من أكبر دولة في العالم حتى أقل دول العالم الثالث. لكن الفرق بين الدول وبعضها البعض يكمن في نقطتين: الأولى ما هو معدل انتشار الفساد في قطاعات الدولة، والثاني وهو الأهم بالنسبة لنا هو كيف تتعامل الدولة مع أي قضية فساد يتم كشفها.
العبارة الكورية والعبارة المصرية
في يوم 28 أبريل الماضي، أعلنت إحدى محاكم العاصمة الكورية الجنوبية سيئول عن توجيه تهمة القتل العمد لقائد العبارة الكورية “سيول” وقامت بالحكم عليه بالسجن مدى الحياة.
وكانت هذه العبارة قد غرقت العام الماضي وراح ضحيتها 304 قتلى معظمهم من طلاب المدارس، والذين كانوا على متن العبارة في رحلة مدرسية متجهة إلى إحدى الجزر جنوب البلاد.
المدهش هنا هو أن المحكمة كانت قد وجهت تهمًا بالقتل نتيجة الإهمال في شهر نوفمبر الماضي، وتم الحكم عليه بالسجن لمدة 36 عامًا. لكن الادعاء العام قام باستئناف الحكم لاعتقاده بأنه ليس كافيًا، وهو ما حدث بالفعل حيث تم تغيير التهمة إلى القتل العمد لينال قائد العبارة حكمًا بالسجن مدى الحياة.
على الجانب الآخر، ففي يوم 2 فبراير 2006م، غرقت عبارة “السلام 98″ المصرية في البحر الأحمر أثناء رحلتها من مدينة ضبا السعودية إلى ميناء سفاجا المصري.
التحقيقات أشارت إلى نقص في شروط الأمن والسلامة كانت تفتقدها العبارة.
بالطبع أحيل المسئولون عن العبارة ومن بينهم مالكها إلى المحاكمة في قضية تم تداولها على مدار 21 جلسة على مدار عامين، ليتم النطق بالحكم ببراءة جميع المتهمين ومالك العبارة رجل الأعمال ممدوح إسماعيل ونجله عمرو، حيث كان هذان الاثنان هاربين في لندن.
جدير بالذكر أن العديد من الشهود أفادوا بأن قبطان العبارة وعددًا من معاونيه كانوا أول من غادر العبارة أثناء غرقها على متن قارب يتسع لثلاثين شخصًا، ليتركوا باقي الركاب إلى مصيرهم، ومع هذا لم يعاقب قبطان العبارة.
أميرة إسبانية وأمراء عرب
في إسبانيا تم إحالة الأميرة كريستينا يوم 22 ديسمبر الماضي إلى القضاء في قضية تشكل سابقة في تاريخ الأسرة الحاكمة الإسبانية، حيث أعلنت إحدى محاكم جزر الباليار الإسبانية أن الأميرة أحيلت للقضاء بتهم فساد لتصبح هي المرة الأولى في تاريخ الأسرة المالكة. الأميرة أحيلت برفقة 17 مسئولًا آخرين.
وكانت الأميرة الإسبانية كريستينا شقيقة ملك إسبانيا قد قامت بدفع غرامة مالية قدرها 587413 يورو كتعويض عن تلك الأرباح التي كان زوجها قد حصل عليها خلال ارتكابه جرائم مالية يوم 16 ديسمبر، كنتيجة لتحملها المسئولية المدنية عن أفعال زوجها.
وكانت التحقيقات قد بدأت بشأن الزوجين منذ 4 أعوام بعدما استغل صهر ملك إسبانيا علاقاته مع شخصيات ذات نفوذ خلال عمله بإحدى المنظمات الخيرية للحصول على عقود حكومية مربحة.
من ناحية أخرى، فقد قام رئيس حركة العمل الشعبي في الكويت والنائب السابق بمجلس النواب مسلم البراك بعرض العديد من المستندات والوثائق التي كشفت عن تورط شيوخ من الأسرة المالكة ومسئولين في الدولة والقضاء في اتهامات بالفساد المالي.
المستندات أظهرت تحويلًا وإيداعات فاسدة طالت أطرافًا في السلطات الحكومية وأرصدة مالية وحسابات شخصية قيل إنها مشبوهة لمسئولين سابقين بلغت قيمتها عشرات المليارات من الدولارات، وذلك في الفترة بين عام 2009 – 2014م.
المستندات أظهرت تحويلات بنكية تم دفعها لشخصيات ذات تأثير سياسي كرشاوى أو عمولات أو أنشطة غسيل أموال.
الغريب هنا أنه لم يتم فتح أي تحقيق في هذه الادعاءات حتى اللحظة.
مسئول صيني ومسئول عراقي
في يوم 8 أبريل 2015م، تم الحكم على رئيس بلدية مدينة نانجينغ السابق في شرق الصين (جي جيانغ) بالسجن لمدة 15 عامًا بعد إدانته بالفساد وتغريمه مبلغ 2 مليون يوان صيني، وهو ما يعادل 323 ألف دولار.
الحكم جاء لإدانته بتقاضي رشاوى مقابل توزيع عقود أشغال عامة ونقل وظائف.
منصب رئيس بلدية يوازي منصب نائب رئيس مجلس وزراء ليصبح (جي جيانغ) واحدًا من أبرز المسئولين الذي مثلوا أمام القضاء في السنوات الأخيرة.
على الجانب الآخر في العراق، فقد أصدرت محكمة الجنايات في شهر ديسمبر الماضي حكمًا بالبراءة على كل من سنان الشيبي محافظ البنك المركزي السابق، ومحمد علاوي وزير الاتصالات السابق من تهم فساد كان قد تم توجيهها إليهما.
المحكمة عزت سبب البراءة إلى “عدم كفاية الأدلة”، وهي إحدى الأسباب التي لا تعني نظافة يد هؤلاء المسئولين، ولكن لا يوجد أدلة كافية.
وكانت هيئة النزاهة قد أعلنت في تقرير لها يوم 31 مارس 2013م عن إدانة خمسة وزراء أبرزهم محمد علاوي، وثمانية مدراء عامين بتهم الفساد المالي والإداري.
رئيسا وزراء
في شهر أبريل 2014م، أصدرت محكمة خاصة في ميلانو حكمًا بحق رئيس الوزراء الإيطالي السابق سيلفيو بيرلسكوني يقضي بقيامه بخدمة المجتمع لمدة عام واحد. هذا الحكم جاء بعد إدانة رئيس الوزراء بالتهرب من دفع الضرائب.
وفي شهر أغسطس 2013م، قررت محكمة الاستئناف الإيطالية التأكيد على الحكم القاضي بسجن بيرلسكوني لمدة 4 أعوام في قضية احتيال تتعلق بنشاط شركة (ميدياسيت) الإعلامية المملوكة لبيرلسكوني.
بيرلسكوني كان عضوًا في مجلس الشيوخ الإيطالي لمدة 20 عامًا قبل أن يصوت المجلس في نوفمبر 2013م على فصله بسبب إدانته في قضايا الفساد.
من ناحية أخرى، فإن رئيس الوزراء المصري أحمد نظيف حصل يوم 24 فبراير الماضي على حكم بالبراءة في قضية اللوحات المعدنية برفقة وزير الداخلية حبيب العادلي.
أحمد نظيف الذي تولى رئاسة الوزراء منذ عام 2004م حتى الثورة الشعبية في يناير 2011م، والذي كانت حكومته سببًا في زيادة معاناة الشعب المصري وسط العديد من الاتهامات بالفساد والرشاوى تم تبرئته من كافة التهم المنسوبة له وسط سخرية من المتتبعين والنشطاء السياسيين.
خسروي وعز وسالم
قامت السلطات الإيرانية يوم 24 مايو 2014م بإعدام رجل الأعمال والملياردير ماهافريد خسروي وذلك بعد تأييد المحكمة العليا لحكم الإعدام الصادر بحقه في وقت سابق.
إعدام خسروي جاء على خلفية فضيحة احتيال مصرفي بقيمة 2,6 مليار دولار، لتصبح هذه القضية هي قضية الفساد الأكبر في تاريخ إيران منذ الثورة الإسلامية عام 1979م.
تنطوي هذه القضية على استخدام وثائق مزورة للحصول على ائتمان من أحد أكبر البنوك الإيرانية بغرض شراء أصول في شركات بارزة مملوكة للدولة.
على الجانب الآخر، وفي مصر شاهدنا كيف تم الحكم بالبراءة لاثنين من أكبر رجال الأعمال في مصر المعروف عنهما استغلالهما لنظام الرئيس السابق حسني مبارك والحصول على مكاسب ومشاريع بالأمر المباشر قدرت بالمليارات، بالإضافة لعمليات الاحتكار الخاصة بالحديد والصلب في مصر.
أحمد عز تمكن من الحصول على حكم يقضي بإخلاء سبيله يوم 24 يوليو الماضي بكفالة مالية قدرها 50 مليون جنيه، وذلك على خلفية التحقيقات الخاصة بالكسب غير المشروع. هذا الإخلاء جاء بعد براءته من قضايا التربح وغسيل الأموال وحديد الدخيلة؛ ليعلن بعدها عز ترشحه لانتخابات مجلس النواب المصري.
وحصل رجل الأعمال حسين سالم على حكم بالبراءة في قضية تصدير الغاز المصري لإسرائيل في شهر نوفمبر الماضي.