1 ـ لا وجود للاستخارة فى الاسلام .
ليس فى الاسلام استخارة ولكن فى الاسلام توكل على الله تعالى و الاعتماد عليه .
يوجد فى الاسلام : التشاور وبحث الأمر ، ثم بعد الاطمئنان الى توفر كل وسائل نجاحة نعتمد على الله جل وعلا ونقوم بالتنفيذ ، وهذا ماكان يفعله خاتم النبيين عليه وعليهم السلام ، والله تعالى يقول له ( وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ )( آل عمران 159 ). المشورة تعنى تقليب الأمر من جميع جوانبه بحثا وتمحيصا واستماعا لكل الآراء ، ثم بعدها اتخاذ الرأى الصائب وتنفيذه متوكلا على ربك جل وعلا.
التوكل على الله تعالى يعنى أن تستعد بكل ما لديك من طاقة عقلية وعضلية لتادية العمل المطلوب ، من استشارة ودراسة جدوى ، و أخذ بكل الأسباب واضعا نصب عينيك أنك متوكل على الله جل وعلا معتمد عليه ، وبعد أن تؤدى العمل على أكمل وجه لا تقلق على النتيجة ـ فلك أجرك سواء فى الدنيا أو الآخرة أو هما معا ، هذا لأن الرزق أحدى الحتميات الأربع المقدرة سلفا ، وهى ( الميلاد و الموت و الرزق و المصائب ). ولذلك يقول تعالى ( وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ) (الطلاق 2 ، 3 ) ، ويقول عن المصائب وهى من الحتميات المقدرة سلفا :( مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ) ( الحديد 22 : 23).
ومن يتوكل على الله تعالى حق التوكل مؤمنا به جل وعلا و باليوم الآخر حق الايمان يلتزم بأن يحسن كل عمل يقوم به ، ثم يحمد الله جل وعلا على أى نتيجة ، ويرضى بها باعتبارها قدرا مقدرا سلفا ، ويبتسم منتظرا أجره إن لم يكن فى الدنيا فهو ينتظره فى الآخرة.
هذا فى الاسلام .
ولكن الوضع اختلف بالمسلمين حين سيطرت عليهم الأديان الأرضية ، خصوصا التصوف السنى فى العصر المملوكى ( 648 ـ 921 )( 1250 ـ 1517 ).
2 ـ فالاستخارة من إفرازات الديانات الأرضية التى تقام بالافتراء على الله تعالى و رسوله ، باسنادها الى وحى مزعوم منسوب للنبى (الحديث النبوى ) أو الى الله تعالى ( الحديث القدسى ) ، أو الى مدعى الولاية كالصوفية الذين يزعمون أن العلم اللدنى يأتيهم من الله تعالى مباشرة الى القلب بعد زوال الحجاب ، أوأنهم يخاطبون الله تعالى مباشرة أو يرونه فى المنام ،أو يخاطبون النبى محمدا عليه السلام أو يرونه فى المنام أو اليقظة . وتتعدد لدى الصوفية مزاعم الوحى بالمنام و الهاتف و الفيض الالهى و الإشراق .. الى آخر تلك الخرافات.
هذه الأديان الأرضية أنتجت فى البيئة الشعبية امكانية التخاطب مع الله أو الاتصال به فى الأمور المهمة ، وذلك فيما يعرف بالاستخارة. وهذا ما راج فى العصر المملوكى بتاثير التصوف السنى .
فى هذا العصر الذى سيطر عليه الاستبداد والتدين الفاسد كان طبيعيا أن يجد القلق من المستقبل متنفسا وراحة له فى وسائل دينية كالاستخارة والتنجيم لمحاولة كشف المستقبل الذى يحمل فى الأغلب أنباء سيئة للناس.
فى العصر المملوكى كان الاستبداد العسكرى المملوكى على أشده ، ونزاعات المماليك و فتنهم العسكرية لا تنقطع ، وكان القتل بالتوسيط ( أى قطع الضحية نصفين ) شائعا وكانت العقوبات البدنية قاسية ومصادرات الأموال على قدم وساق ، وسوط السلطة فظيع وطويل يصل الى الجميع ويلهب ظهر الجميع من الشيوخ الى أمراء المماليك أنفسهم إذا غضب على أحدهم السلطان.
لذا كان اللجوء الى الاستخارة امرا شائعا فى حالات المحن و المنح على السواء ، فى النعمة و النقمة ، حيث كانت النفوس المرتعشة تتوقع السىء غالبا.
3 ـ ونعطى بعض الأمثلة من بين سطور التاريخ المملوكى عن الاستخارة بفتح المصحف.
*فالإمام " ابن تيمية " كان معتقلاً في القاهرة أثناء محنته , وتقرر نفيه إلى الإسكندرية , فقام بعمل الاستخارة المعروفة وقتها, وهى فتح المصحف , وقراءة أول آية يقع عليها بصره, فكانت أول آية قرأها قوله تعالى : (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ ) ثم فتح المصحف ثانياً واستخار فقرأ قوله تعالى : (وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ ) ثم استخار ثالث مرة فقرأ في المصحف :( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ..) فاطمئن قلبه, ورضي بالنفي للإسكندرية ، كما لو كان فى يده الاختيار أو الاعتراض ..
هذه الرواية ذكرها ابن برهان الدين " أحد رفاق "ابن تيمية" فى محنته ، والذي كتب تاريخا " لابن تيمية " لا يزال مخطوطا تحت عنوان " تكسير الأحجار التي افتتن بها أهل الجهل والاغترار". وهو هنا يحكى تاريخا كان شاهدا عليه .
والواضح أن " ابن تيمية" كان يلجأ للاستخارة في محاولة للكشف عما سيحدث له في المستقبل, وطبقا لما يقوله رفيقه " ابن برهان الدين" كان يستخير بفتح المصحف, وتقع عيناه على ما يطمئن اليه قلبه من الآيات , ويفسر المعنى حسب ما يريد , وهذا ما كان سائدا في العصر المملوكي , وتأثر به ابن تيمية نفسه ، وهو الذى ثار على الصوفية فى عصره فطورد وتعرض للمحاكمة والسجن، إلا أنه كان مؤمنا بالتصوف السنى ، ولذلك قصر هجومه على متطرفى الصوفية دون ان يهاجم التصوف نفسه ، أو الصوفية السنيين المعتدلين . ومن هنا كان تأثر ابن تمية بالتصوف السنى و اقتناعه بجدوى الاستخارة بطرقة فنح المصحف ، وهى طريقة مهذبة للتوسل الى الوصول للوحى الالهى بطرق غير مباشر ، أى كأن الله تعالى يخاطبه بطريقة ضمنية. ومن هنا فلم تكن الاستخارة إلا مجرد خطوة مهذبة في طريق الشعوذة الدينية والدجل الدينى حين يحترفها الشيوخ من مدعى العلم اللدنى و الكرامات و علم الغيب ـ أو (الكشف ) بالمصطلح الصوفى.
* وإذا تركنا عصر "ابن تيمية" الذي توفى (سنة 728هجرية) وانتقلنا إلى عصر الإمام "ابن حجر العسقلاني" المتوفى" ( سنة 852 هجرية) نجده يحكي واقعة طريفة عن الاستخارة في كتابين له ، هما (إنباء الغمر فى أبناء العمر ) و (الدرر الكامنة فى أعيان المائة الثامنة )، وتقول الواقعة التاريخية إن الشيخ " الأبناسي" المشهور بالعلم والصلاح رشحه السلطان المملوكي "برسباي" لمنصب القضاء الذي يتنافس عليه كل الشيوخ , وكان من عادة الشيخ "الأبناسي" أن يستخير بطرقة فتح المصحف , فاستخار, وفتح المصحف, فقرأ قوله تعالى : (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) , فأرتعب وأطبق المصحف وهرب من بيته وظل مختفيا عن الأنظار حتى عينوا شيخا بدلا منه , فعاد إلى بيته وكان ذلك (سنة 782 هـ) وتوفى " الأنباسي" ( سنة 802 هـ).!! وهنا نجد الامام ابن حجر يحكى واقعة تاريخية كان معاصرا لها.
والمهم أن الشيخ الأبناسى هنا ليس فقيها حنبليا متشددا مثل ابن تيمية ، ولكنه فقيه عادى صوفى سنى ، ووقع مثل ابن تيمية فى فخ الاعتقاد فى الاستخارة .
* ويذكر المؤرخ ابن الصيرفي فى تاريخه (إنباء الهصر فى أبناء العصر ) واقعة مماثلة تقريباً للشيخ " ابن نصر الله" فقد جاءه منصب سياسي هائل , هو أن يكون " استادار" السلطان (أي مشرفا على شئونه في القلعة) , ولكن الشيخ تمهل في قبول المنصب إلى أن يستخير .. وفتح المصحف, ورأى ما يشجعه على قبول المنصب فتولاّه , وكان ذلك سنة 835هـ . والمؤرخ القاضى ابن الصيرفى ذكر فى تاريخه السابق أحداث عصره بنفس الطريقة التى كتب فيها ابن حجر أحداث عصره ، لذا سار ابن الصيرفى على نهج استاذه فى عنوان الكتاب ، فأسمى تاريخه (إنباء الهصر فى أبناء العصر ) على منوال تاريخ ابن حجر (إنباء الغمر فى أبناء العمر )
4 ـ والطريقة المشهورة للاستخارة منذ العصر العباسي, تم تقعيدها ـ كالعادة ـ في صناعة أحاديث منسوبة للنبي صلى الله عليه وسلم وبطرق مختلفة من الأدعية والصلوات, فى إطار الدين السنى ، فلما حلّ دين التصوف السنى فى العصر المملوكى أصبحت الاستخارة أشهر الطرق فى معرفة المستقبل و محاولة استكشاف الرأى الصحيح ، ومحاولة الكشف عن الغيب, وتلاشت بهذا الفوارق بينها وبين التنجيم وطرق النصب الأخرى, مثل فتح المندل وورق الكوتشينة .
والطريف أن العصر المملوكي شهد نماذج لكل أنواع الشعوذة , الخفيف منها والثقيل . ونقتطف منها حادثة تعبر عن التحول من الاستخارة العادية إلى مرحلة أخطر وهي إدعاء علم الغيب بالتنجيم.
فالأمير المملوكي "قرقماس " كان حاكم الشام نائبا فى دمشق عن السلطان المملوكي " المؤيد شيخ" حيث كانت الدولة المملوكية تسيطر على مصر و الشام والحجاز وأجزاء من العراق وآسيا الصغرى. كان قرقماس نائب السلطان فى الشام يحظى برضا السلطان عنه, ثم حدث فى القاهرة تنازع على السلطة بين السلطان " المؤيد شيخ" ومنافسه الأمير " نوروز" وتحاربا ، وكان لابد للأمير "قرقماش" أن يحدد موقفه وهو نائب الدولة المملوكية في حكم الشام, هل يبقى على ولائه للسلطان الشرعي المؤيد شيخ, أم ينضم للأمير الثائر القوي نوروز ؟!
ولجأ الأمير الحائر إلى الاستخارة, وكانت لديه طريقة عجيبة, إذ حصل على "لوح" خشبي من الشيخ الصوفى "نصر الجلالي" المشهور بالولاية الصوفية ، وهذا "اللوح" (المبارك) مشهور عنه أن من أراد الاستخارة فليس عليه إلا أن يعلق ذلك اللوح في قبلة المسجد ثم يصلي ووجهه إلى ذلك اللوح الخشبي , وبعد أن يتم صلاة الاستخارة ودعاء الاستخارة ينظر إلى اللوح والهواء يحركه, فإذا تحرك إلى جهة ما كانت هي جهة الخير. ونفذ الأمير قرقماس التعاليم الخاصة باستعمال (اللوح المقدس ) واتبع الأمير "قرقماس"مشورة "اللوح" .. وكانت نهايته الهزيمة و القتل ..!
هنا في هذه الحادثة تحولت الاستخارة إلى استجداء علم الغيب من لوح خشبي, وأكثر من هذا, تنصيب ذلك اللوح صنماً يتوجه إليه طالب الاستخارة بالصلاة, وأهمية هذا اللوح أنه مستعار من شيخ مشهور بالعلم والصلاح, إذن هو تدهور خطير في العقيدة وفي العقلية أيضا يتناقض مع عقيدة الاسلام ، ولكنها من معالم دين التصوف السنى .
وإذا رجعنا للقرآن الكريم وجدنا في آياته الكريمة حساسية مرهفة في الابتعاد عن كل تقديس لغير الله, سواء كان ذلك المقصود بالتقديس بشرا أم حجرا,وهذه الدعوة لإخلاص الدين والعبادة والتقديس لله تعالى وحده تحصر علم الغيب في الله تعالى وحده, كما تجعل له وحده التصريف في العالم بالخوارق والنواميس الطبيعية . وإذا كان القرآن الكريم قد أنهى عصر المعجزات وأكد أن خاتم النبيين عليه الصلاة والسلام لا يعلم الغيب, فإنه بذلك قد وسع مجال التحرك أمام العقل البشري بأن يفكر ويبحث ويخترع, وما على الإنسان في سعيه على هذا الكوكب إلا أن يبذل أقصى جهده في التدبر والعمل, ثم إذا أحسن العمل فإن الله تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملاً , أي يكون مطمئناً مستريح البال, طالما " اشتغل بضمير" ولن يكون محتاجا إلى استخارة أو تنجيم أو شعوذة.
5 ـ كما أن وصول الاستخارة إلى درجة استجداء علم الغيب من لوح خشبي أزال الفوارق بينها وبين التنجيم الذي كان في جهالة العصور الوسطى يعني استجداء علم الغيب من النجوم ، وهو نوع من عبادة قديمة للنجوم ،إندثر معظمها ولكن بقى بعض ملامحها فى (التنجيم ).
وكان التنجيم من هذه المعتقدات الشعبية الرائجة المسموح بها دينيا فى ظل دين التصوف السنى ، حتى لقد كأن ظهور نجم في السماء مثيراً للتنبؤات, وذلك يتناقض تماما مع تأكيدات القرآن بأنه لا يعلم الغيب إلا الله, ولكن سار العصر المملوكي فى تطبيق دين التصوف السنى الى نهايته فأصبح التنبؤ بالنجوم ـ أو تقديسها ضمنيا ـ من المعتقدات الشعبية التى عكستها سطور التاريخ المملوكى ، وهى تسجل أحداث عصرها يوما بيوم .
ويتضح من الحوليات التاريخية المملوكية ـ أى الموسوعات التى كانت تسجل أحداث عصرها سنويا أو كل حول ـ أن تتكاثر التنبؤات عندما يظهر نجم لامع في السماء.
وبسبب فرط الاعتقاد فى جدوى التنبؤ بالنجوم فإن القول بتصديقها كان يتم بأثر رجعى يقول به المؤرخ يعكس اعتقاد عصره فى جدوى التنجيم او علم النجوم للغيب الالهى . أى أن المؤرخ كان يفسر الأحداث التاريخية السابقة التى ينقلها عن مؤرخين سابقين بأن النجم الذى ظهر وقتها كان ينبىء مقدما بما حدث فيما بعد ، ولأن ذلك المؤرخ قد عاش وراى تلك الأحداث التى حدثت فيما بعد فانه يفسر الحدث القديم وفق اعتقاده فى النجوم .
وعلى سبيل المثال فقد ظهر نجم هائل سنة (783هـ) ـ وربما كان مذنب "هالي"ـ وأشيع أن ذلك يدل على مولد سلطان عظيم , يطول زمن سلطانه , ولم تنطبق النبوءة على من قيلت من أجله وهو الشاب السلطان "الأشرف خليل بن قلاوون ", ولم يكن أحد يتوقع أنه سيلقى حتفه غيلة بعد أن اجتث الوجود الصليبي في " عكا" .
وبعدها بقرن من الزمان تقريبا (عام : 877هـ) كتب المؤرخ ابن بهادر تاريخه (فتوح النصر ) الذى لا يزال مخطوطا ـ ونقل عن المؤرخين السابقين واقعة ظهر النجم عام(783هـ) ـ ولكن قدم تفسيرا مخالفا إذ قال إن النبوءة تحققت فى حياة أخ السلطان الأشرف خليل بن قلاوون ، وهو الناصر محمد بن قلاوون . كان هذا ـ طبعا ـ بعد أن عرف المؤرخ ابن بهادر أن السلطان الناصر محمد بن قلاوون قد طالت مدته . أى إن المؤرخ ابن بهادر هو الذى أعطى التفسير من عنده وادعى أن ظهور هذا النجم كان يبشر بمولد سلطانا يدوم ملكه، وأن هذا السلطان المقصود هو محمد بن قلاوون و ليس خليل بن قلاوون..
هى نفس العقلية لدى شيوخ وأتباع الديانات الأرضية المخلصين لها ، والذين يحلو لهم اختراع وتداول وتصديق خرافات الكرامات و المعجزات التى تؤله البشر و الحجر ، ويستمتعون بتسجيلها والدفاع عنها ، و يكرهون مناقشتها خشية التشكيك فى صدقيتها .
ونعود الى تفسير المؤرخين لأحداث النجوم وفق اعتقادهم فى علم النجوم للغيب ، ونعطى مثلا آخر للمؤرخ المشهور "ابن إياس" الذي أدرك العصرين المملوكي والعثماني, وسجل أحداث العصر المملوكي السابقة التى لم يشهدها ـ نقلا عن المؤرخين السابقين ، ثم قام بتسجيل أحداث عصره باليوم والشهر و العام كما هى العادة فى الحوليات التاريخية.
وكالعادة أيضا قام بتلوين بعض الأحداث السابقة التى ذكرها المؤرخون السابقون المعاصرون لها بدون تعليق ، فما كان من ابن اياس وهو يعيد نقلها فى تاريخه أن قام بالتعليق عليها متأثرا باعتقاده فى النجوم ، وهو فى تعليقه يفسر ظهور النجم بأحداث تاريخية وقعت فيما بعد ،ولم يدركها المؤرخون السابقون ، ولكن أدركها ابن إياس فقام بالتفسير حسب اعتقاده على اعتبار أن ذلك تأكيد للنجم الذى ظهر من قبل . .
فقد ظهر نجم آخر سنة 783هـ , ولم يهتم أحد بتفسير مغزاه, وجاء ابن اياس بعدها بقرنين ينقل هذا الحدث ضمن الأحداث الأخرى السابقة عن المؤرخين السابقين فى تاريخه "بدائع الزهور"، ثم ادعى أن ظهور هذا النجم كان يعني سقوط الدولة المملوكية البحرية وتأسيس الدولة المملوكية البرجية .
6 ـ وليس لنا أن نلوم ابن اياس صاحب الثقافة الدينية المتواضعة ، فالواقع التاريخي يؤكد أن كبار العلماء والشيوخ والمؤرخين كانوا أئمة قي الاعتقاد في تلك الخرافات .
فالمؤرخ " أبو المحاسن " صاحب تاريخ " حوادث الدهور" يقول عن نجم ظهر (سنة860هـ) "ونسأل الله أن يكفينا شره ".
ولهذا لا نلوم النساء إذا أضعن أموالهن وأموال أزواجهن في استفتاء المنجمين ومدعي علم الغيب , وقد ذكر الإمام " ابن كثير" في تاريخه أن السلطان أمر باعتقال المنجمين وضربهم سنة (733هـ) لإفسادهم حال النساء (!!)
وأيضاً لا نلوم فنانات عصرنا حين تقع إحداهن ضحية للدجالين ،لأن للقضية جذورا قديمة، ولأن من السهولة أن تخدع الناس بالدين. نقصد الدين الأرضى القائم أساسا على الخرافة واستخدام الدين للوصول للثروة و السلطة .
ولهذا لا نعجب من ظهور نجوم جدد من المحتالين المشعوذين دعاة الدين الأرضى فى اجهزة الاعلام من الصحف الى الراديو والتليفزيون ..فقد سيطرت الأديان الأرضية على العقول ، وأدخلتها فى نفق يصعب الخروج منه الا بالنور القرآنى ..
7 ـ عن النور القرآنى يقول ربى جل وعلا عن القرآن العزيز : (قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) ( المائدة 15 : 16 )
وعن من يتمسك بالنور القرآن يقول تعالى (أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) ( الأنعام 122 ).
هذا هو الفارق بين أتباع القرآن و أتباع الشيطان ..