مترجم: المملكة العربية السعودية .. حتى لا يخرج العرش بين أفراد العائلة

في الثلاثاء ١٧ - فبراير - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

تتمتع المملكة باستقرار أكثر مما يعتقد الآخرون، خلال الوقت الراهن على الأقل

نادرًا ما يتولى أحد حكام المملكة العربية السعودية المعمرين منصبه بهذه السلاسة، وما أن اعتلى الملك سلمان العرش يوم 23 يناير عقب وفاة أخيه غير الشقيق عبد الله حتى أُثير على الفور واحد من الأسئلة الملحة بشأن حكمه وهو: من الملك القادم؟ بل الأهم من ذلك، من سيكون الملك فيما بعد؟ فكما يقول رجل سعودي مازحًا: “الملك ينفذ 90% من مهامه خلال يوم واحد فقط!”.

ولقد شهدت المملكة السعودية توترات واضطرابات على مدار سنوات طويلة، وذلك عقب وفاة مؤسس الدولة السعودية الحديثة عبد العزيز بن سعود، إذ تولى العرش كل من أبنائه الواحد تلو الآخر. ولكنهم جميعًا إما أموات أو مسنون، ويعد سلمان الأخ السادس ويبلغ من العمر 79 عامًا بالفعل. وبذلك فعاجلاً أو آجلاً ما ستنتقل السلطة إلى الجيل التالي، ولكن أي من هذه الحفنة من الأمراء يستحق هذا العرش؟ فقد قرر سلمان أن ينتقل التاج إلى محمد بن نايف عقب أصغر أخوته “مقرن” الذي كان قد تم تعيينه ولي العهد الثاني للملك عبد لله. ويذكر أن محمد بن نايف يشغل منصب وزير الداخلية، الذي كان قد قاد حملة ضد الجهاديين بالمملكة بكل كفاءة. وخلال عام 2009، حاولت القاعدة قتل الأمير، وذلك بعد أن حظي أحد المتطرفين بمقابلة خاصة معه واضعًا قنبلة في ملابسه الداخلية.

وهذا الانتقال الناعم للسلطة يناقض الصورة السائدة في الخارج بأن المملكة العربية السعودية ستنهار حتمًا؛ نظرًا لما تعيشه المملكة من تناقضات بائنة، فعلى سبيل المثال، هذا البلد يستخدم سكانه مواقع التواصل الاجتماعي بكل حماس ويحظى كثير من شبابها بمنح حكومية للدراسة في الدول الغربية، ولكن المملكة السعودية لا تزال تخضع لقبضة القوانين الإسلامية المتزمتة وتفرض تضييقات شديدة على المرأة، ومن بينها منعهن من حقهن في قيادة السيارات أو السفر للخارج من دون محرم.

وفي الوقت الذي تسيطر فيه مشاهد الفوضى والعنف على معظم أنحاء العالم العربي، تسود حالة من القلق بشأن نشأة أية اضطرابات داخل السعودية باعتبارها معقل  أسواق النفط والإسلام، إذ إنها تضم المدينتين المقدستين مكة والمدينة، كما ساهمت ثروتها من النفط في نشر توجهها المتطرف بكل وضوح من الدين الإسلامي والذي يطلق عليه النقاد “الوهابية”.

وحتى الآن، لم تُثبت صحة آراء المعارضين للملكة العربية السعودية، ومن بين الأسباب المؤدية إلى ذلك هو التحالف المديد بين سلالة آل سعود وعلماء الدين الوهابيين، خاصة أن الدولة تساعد علماء الدين على فرض بعض قوانين الشريعة الإسلامية المتزمتة في مقابل إضفاء الصبغة الدينية على شرعية حكم العائلة. ومن بين هذه القوانين: رجم الجناة وجلد الخارجين على النظام مثلما حدث مع المدون الليبرالي رائف بدوي الذي تجرأ على السخرية من آراء رجال الدين، ومنها زعمهم بأن علوم الفلك تستدعي التشكيك في قوانين الشريعة الإسلامية.

كما يرجع السبب في العمر المديد للنظام السعودي إلى وفرة أموال النفظ لديهم، مما ساعد المملكة على تقديم كثير من المزايا وتوفير عديد من الوظائف الحكومية لأمة يبلغ تعدادها 30 مليون نسمة. كما يحظى الشعب السعودي بقروض إسكانية وفرص تعليمية ورعاية صحية، بل ويحظى أكثر من   100,000 شاب بمنح للدراسة في الخارج. وحتى مع انخفاض سعر النفط إلى النصف، لا تزال السعودية تمتلك 740 مليار دولار أمريكي من احتياطي النقد الأجنبي، كما لديها ما يكفي من المبالغ النقدية لدفع مستحقات الأمراء ورجال الدين المشاكسين.

وبعضهم يقارن آل سعود بلوحة تحمل بيانات متزايدة لشركة ما. ففي عام 2006، أنشأ الملك الراحل عبد الله هيئة البيعة على أن يكون لها 35 عضوًا يمثلون جميع فروع السلالة لضمان انتقال السلطة بسلاسة. ويقال إن هذا المجلس قد توصل لقرار تعيين الأمير محمد، وإذا كان هذا صحيحًا، فسيكون هذا تطبيق غير معتاد للديمقراطية داخل المملكة وإن كان داخل حدود المملكة فقط. وبهذا القرار يكون قد تم تجاوز الأمير متعب بن عبد الله، ابن الملك الراحل، ورئيس جهاز الحرس الوطني الذي يتقبل هذا القرار على ما يبدو بدافع أن المصلحة الجماعية أهم من الطموح الشخصي.

وماذا عن القيود الوهابية؟ فبعض التقاليد البدوية تدخل في عباءة الدين، بل ويتمسك بعض القبائل بالأيدولوجية باعتبارها العصبة التي يمكن بناء الأمة عليها. ولكن كثيرًا من السعوديين يفضلون حياة اجتماعية أكثر مرونة، خاصة وأنهم ينزعجون من إغلاق المتاجر خمس مرات يوميًّا في مواعيد الصلاة. ولكن في مدينة جدة على سبيل المثال بعيدًا عن منطقة نجد المحافظة، ترتدي النساء عبايات أكثر تراخيا ويمكنهن الاختلاط بالرجال، وهو الأمر الذي يخالف القانون. فقد شهدت حقبة عبد الله أسوأ ممارسات لرجال الدين والمطوعين (الشرطة الدينية). وقد ساعد في إرساء هذا الأمر تمسك الشعب في الأساس وبقوة بأفكار رجعية محافظة، فالقليلون من السعوديين يتساءلون عن مدى شرعية آل سعود، بل وكثير منهم يشيرون إلى ما قبل نشأة الدولة السعودية خلال عام 1932، إذ سادت الحروب القبلية وتفشت الأمراض وانخفض متوسط الأعمار. وقد وضع ابن سعود حدًا لكل ذلك بعد أن فرض حكمه من خلال الحرب والزواج وإبرام تحالفات مع عائلات أخرى. أما الفوضى التي خلفها الربيع العربي، فلم تعزز سوى مشاعر الخوف والارتياب لدى السعوديين من احتمالية انقضاء حالة الأمن والاستقرار التي ينعمون بها في بلادهم.

كما تعلو الأصوات المنادية بالإصلاح الاجتماعي فوق تلك المنادية بالإصلاح السياسي، ولكن يقول أحد الأكادميين السعوديين موضحًا “ما نشير إليهم بالليبراليين هنا يختلفون عن ليبراليي الخارج.” ويمتدح كثيرون الملك المرحوم على التغييرات التي أجراها، ومن بينها إتاحة عدد محدود من الحريات للسيدات. ولذلك تعتقد الطبقة الوسطى أن حكامها أكثر تسامحًا من الشعب ذاته؛ فإنهم يفضلون ملكـًا محدود القدرات على ديمقراطية تعزز موقف المحافظين على حد قولهم.

وبالطبع لم يواجه هذا النظام الديني تحديه الأكبر من جانب الليبراليين، بل من جانب المتدينين؛ ففي عام 1979، استولت مجموعة من الرجعيين بقيادة جهيمان العتيبي على المسجد الكبير في مكة ولمدة أسبوعين. وخلال التسعينيات، ظهرت جماعة الصحوة وهي جماعة من الشيوخ الذين يتهمون أفراد العائلة المالكة بأنهم ليبراليون وخارجون عن الدين. كما نفذت القاعدة سلسلة من التفجيرات في مينة الرياض مستهدفة الأجانب وأفراد العائلة المالكة؛ لأنها تتهمهم بالتحالف السري مع “الصليبيين”، وكان ذلك في بداية الألفية الاخيرة.

وفي وقتنا الحالي، أبرز التهديدات الأمنية التي تواجهها المملكة تأتيها من الخارج، ومن بينها توسعات إيران والفوضى في اليمن، بالإضافة إلى الجهاديين المتأثرين بالدولة الإسلامية التي حولت أجزاء من العراق والشام إلى “خلافة”. ويجادل المسئولون السعوديون بأن الجهاديون يعتبرون خوارج، ومع أن المفهوم السعودي للإسلام يعتبر متزمتا في الأساس، فإنه  يفرض إطاعة الحاكم. كما يصر السعوديون أن الجهاديين ما هم إلا نتاج الفكر المتمرد العنيف لجماعة الإخوان المسلمين التي نشأت للنضال ضد الاستعمار البريطاني في مصر. إنهم محقون إلى حد ما، ولكن بعض الأصوات الليبرالية داخل الجماعة تقبل بالحكم الديمقراطي. ولكن الوهابية تضفي بظلالها إلى حد كبير على الدولة الإسلامية، وذلك في عدائها للمذهب الشيعي ونقلها الحرفي للممارسات الإسلامية القديمة.

وبالتالي، لابد وأن يتوقع حكام السعودية أن العالم الخارجي سيوجه انتباهه للتعاليم الدينية التي يقرها شيوخها. أما في الداخل، فقد تعلم النظام السعودي إمكانية القضاء على الجهاديين من خلال عدة سياسات مختلفة منها القبضة الحديدية، إلى جانب برامج إعادة التأهيل التي تتضمن مناظرات عقائدية، وتقديم مزايا اجتماعية، بالإضافة إلى الحصول على وعود من عائلات المقاتلين السابقين بكفالة عشائرهم.

ويبدو أن العديد من السعوديين راضين عن قرار تعيين الأمير محمد ولي عهد ثان، فإنه الشخص الذي خلّص المملكة من القاعدة، ولكن بعض الليبراليين يشيرون إلى أنه قد قمع كذلك المعارضة السلمية. ولكن السعوديين ليسوا راضين بنفس الدرجة عن تعيين ابن الملك سلمان الأصغر الأمير محمد بن سلمان في منصبين جوهريين أولهما: منصب رئيس الديوان الملكي وبالتالي فإنه يعد المَنْفذ إلى الملك، والمنصب الثاني هو وزير الدفاع.

ولا يمكن لآل سعود أن يروا في ماضيهم المستقر ضمانـًا لمستقبل آمن؛ فهناك العديد من العوامل التي تهدد المملكة، ومنها هبوط أسعار النفط، التي لا تزال تشكل أكثر من 80% من إيرادات الميزانية. كما يعد تزايد نسبة اللامساواة عاملاً آخر، إذ تبلغ قيمة إجمالي الناتج المحلي للفرد 26,000$ فقط في العام الواحد، مقارنة بجارتها دولة الإمارات العربية المتحدة حيث تبلغ قيمته 43,000$. ومع وجود كثافة سكانية من الشباب، لابد من التوسع بالاقتصاد وتنويع صوره لتوفير فرص وظيفية لهم، فقد يجد الرجعيون الوصفة المثالية في الأعداد الكبيرة من الشباب الساخطين. أما المشكلة الثالثة، فتكمن في إسراف المملكة في استهلاك الطاقة. وإذا استمرت الصورة الحالية لاستهلاك الطاقة، فقد تعجز المملكة عن تصدير البترول بحلول عام 2030.

وقد ساهمت مواقع التواصل في فتح الباب على مصراعيه أمام حرية التعبير، فأتاحت الفرصة لنقد غير مسبوق لصور الفساد. كما أن التضييق المتزايد على المعارضة، بما فيها الأقليات الشيعية ينذر بغضب شعبي عارم. أما الذين حصلوا على تمويل للدراسة في الخارج، فإنهم يعودون الآن بأفكار جديدة، وبالنسبة للإناث المتخرجات من جامعات غربية، فلا يمكنهمن التأقلم مع تلك القيود المفروضة في الوقت الحالي إلى الأبد. كما يسيطر على بعضهم مشاعر القلق من أن يولي خلفاء عبد الله اهتمامًا أقل لأمور الإصلاح. وبما أنهم قد انتهوا من مسألة نقل السلطة وأولياء العهد، فلابد من الاهتمام بأمور أخرى وبسرعة.

اجمالي القراءات 3011