من جديد يدخل أمراء سعوديين إلى دائرة الاتهام بالتورط في هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001. الشهادة التي قدمها زكريا الموسوي (47 عام فرنسي الجنسية) تسلط الأضواء مجدداً على مسألة تورط الحكومة السعودية في الحادث الإرهابي بعد أعوام من محاولة إخفاء أدلة التورط والتغطية على شبهات أعلنت عقب 2001، فالموسوي وهو المتهم رقم 20 في التخطيط لهجمات 119، قدم شهادته بناء على مذكره قدمها للمحكمة الفيدرالية الأميركية في نيويورك التي شكلت لجنة استجواب من موظفي وزارة العدل في اكتوبر الماضي استجوبت الموسوي -يقضي حكم بالسجن مدى الحياة دون امكانية إطلاق السراح المشروط في أحد السجون الأميركية- ليومين وسجلت إفادته في وثيقة فيدرالية من مئة صفحة قدمت للمحكمة الفيدرالية واللجنة الوطنية المختصة بالتحقيق في أحداث 119.
تضمنت شهادة الموسوي في التحقيق الجديد الذي أجرى معه أن أمراء سعوديين قدموا دعم مالي لتنظيم القاعدة بصفتهم المباشرة أو عن طريق وسطاء ألتقى معهم بصفته رسول بن لادن الشخصي، وهم الأمير بندر بن سلطان،رئيس مجلس الأمن الوطني السعودي السابق، والأمير تركي الفيصل رئيس الاستخبارات السعودية الأسبق، والأمير وليد بن طلال رجل الأعمال الشهير، بالإضافة إلى عدد من رجال الدين السعوديين.
وبحسب صحيفة نيويورك تايمز الأميركية التي نشرت تقرير حول شهادة الموسوي فأنه كُلف من أسامة بن لادن في 1999 بإعداد قاعدة بيانات للممولين لتنظيم القاعدة، وأنه بشخصه أستلم ما يتراوح ما بين 2 إلى 3 ملايين دولار في هذه الفترة من شخصيات من البيت السعودي الحاكم. وأشار الموسوي في شهادته إلى أنه حصل على أموال من قبل جهات نافذة في آل سعود لتسهيل دخول مجموعة من مختطفي الطائرات المستخدمة في الهجمات إلى الولايات المتحدة وتدريبهم، وأنه ناقش مع موظف بارز في السفارة السعودية بواشنطن مسألة استخدام صواريخ ستنجر المضادة للطائرات في عملية تهدف لاستهداف طائرة الرئاسة الأميركية.
شهادة الموسوي من المفترض أن تدعم دعوى قضائية مقامة من قبل ضحايا وأهالي ضحايا الهجمات الإرهابية، والتي تنظرها المحكمة الفيدرالية في نيويورك، وذلك بغرض مقاضاة الحكومة السعودية لتورط مواطنين يحملوا جنسيتها تنفيذ هجمات 119، وبذلك تكون شهادة الموسوي قد أخذت القضية إلى مسار أخر وهو تورط نظام الحكم السعودي في الهجمات كشريك وممول.
من جانها سارعت السفارة السعودية في واشنطن إلى التشكيك بشهادة الموسوي بدعوى أنه يعاني من مرض عقلي، لكن أحد أعضاء لجنة التحقيق ذكر للصحيفة الأميركية أن الموسوي أدلى بشهادته وهو في كامل قواه العقلية.
وأضافت نيويورك تايمز أن ثلاثة من أعضاء لجنة 11 سبتمبر الوطنية وجهوا خطاب للمحاكمة تتطرقوا فيه إلى شهادة الموسوي مطالبين بالتحقيق في دور الحكومة السعودية في الهجمات التي راح ضحيتها ما لا يقل عن خمسة ألاف شخص.
وكانت دعوى قضائية أقامها نحو ثلاثة ألاف مواطن أميركي من أسر ضحايا هجوم الحادي عشر من سبتمبر قد أدعت أن الحكومة السعودية وجمعيات رسمية سعودية قدموا دعم مادي لتنظيم القاعدة مكنته من تنفيذ الهجوم.
أعادت شهادة موسوي الجدل حول تورط مسئولين سعوديين في هجمات الحادي عشر من سبتمبر، خاصة بعد شهور من التقرير النهائي للجنة التي شارفت على التحقيق، والتي قدمت تقرير منزوع منه 28 صفحة قيل في تقارير صحفية سابقة أنها تضمنت دلائل اتهام لمسئولين سعوديين على رأسهم الأمير بندر بن سلطان، الذي كان سفيراً للسعودية في ذلك الوقت.
والأمير بندر بن سلطان، الملقب بعميد الدبلوماسية السعودية، والذي ترأس جهاز الاستخبارات في 2012 مشرفاً على تمويل ودعم التنظيمات الإرهابية في سوريا والعراق في ذلك الوقت، قد أطيح به مؤخراً خارج المنظومة السعودية الحاكمة، بعد وفاة الملك عبدالله بن عبد العزيز الذي كان قد أعفاه من رئاسة الاستخبارات في أواخر 2013 بعد تغوّل التنظيمات الإرهابية المدعومة من السعودية وخروجها عن السيطرة. لكنه عاد مرة أخرى في الشهور الأخيرة من حياة وحكم الملك عبدالله بصفة رئيس مجلس الأمني الوطني، ولكنه سرعان ما أطيح به منذ أيام بعد تولي الملك سلمان بن عبد العزيز وصعود الجناح السديري إلى سدة الأمر والنهي.
تعيد ادعاءات الموسوي العديد طرح من الأسئلة حول دور السعودية في “حرب ضد الإرهاب“، الادعاءات التي من الواضح أنه سيتم الأخذ بها في مسار التحقيق في الدعوى القضائية سالفة الذكر ربما تطرح إعادة التحقيق فيما يخص دور السعودية في هجمات الحادي عشر من سبتمبر ككل، وبالتالي سيكون هناك تبعات في المستقبل القريب على مستوى المنطقة، خاصة مع اتكاء الإدارة الأميركية الحالية على السعودية كشريك إقليمي في الاستراتيجية الخاصةبمحاربة تنظيم “الدولة الإسلامية”، أو فيما يتعلق بالتقاء مصالحهم تجاه الخصوم تقليديين لكيلاهما؛ إيران وروسيا. فإدارة أوباما في شهورها الأخيرة والنظام السعودي في مرحلة صراع أجنحة بيته الحاكم، مما يعني الحاجة الملحة إلى تطمينات متبادلة أو إعادة العلاقات لمسارها الكلاسيكي، فالعلاقات بينهما في أواخر عهد الملك عبدالله لم تكن على اتساق تام، فيما يتعلق بما حدث في مصر بعد الثلاثين من يونيو 2013.
من جهة أخرى تعمق شهادة الموسوي من هاجس لدى مواطنين أميركيين منذ زمن، يتلخص في شكوك حول دور السعودية في هجمات الحادي عشر من سبتمبر وأن الإدارة الأميركية الحالية والسابقة قد تسترا على هذا الدور من أجل مصالح شخصية وسياسية.
وجدير بالذكر هنا أن السعودية كانت من أوائل الدول الداعمة للتنظيمات الإرهابية في المنطقة قد رفعت يدها عن دعمهم عقب قرار مجلس الأمن 2170، بل واستبقت القرار بقائمة جديدة لتنظيمات تعتبرها إرهابية في أوائل العام الماضي، ويلاحظ هنا أن هناك تشابهه للإجراءات السعودية الوقائية عشية وبعد قرار مجلس الأمن مثل التي اتخذتها ضد تنظيم القاعدة بعد انتفاء دورهم في افغانستان عقب تفكك الاتحاد السوفيتي. وفيما يخص شهادة الموسوي فأن ذلك سيستدعي على صانعي القرار الأميركي اتخاذ خطوات أكثر تشدداً مع الإدارة السعودية الجديدة التي سرعان ما بدأت في استدارة الرياض من جديد للتعاطي مع جماعة الإخوان المسلمين. وذلك في الوقت الذي تعتبر فيه السعودية أن هناك تغيير في أولويات سياستها، فلم يعد خطر داعش أولوية مثلما كان في العام الماضي، ليحل محل ذلك الخصم التقليدي متمثلاً في إيران وذلك يرتبط يتطلب بطبيعة الحال إعادة نظرة وترتيب في أوراق التحالف بين الرياض وواشنطن، من المرجح أن تكون للأخيرة اليد العليا كسابق عهدها.
تتبقى التطورات المتوقعة أعلاه رهن قبول المحكمة الفيدرالية بشهادة الموسوي وكذلك من جانب لجنة التحقيق الوطنية في احداث الحادي عشر من سبتمبر، حيث إذا قبلت المحكمة بشهادة الموسوي فسيستدعي ذلك إعادة فتح التحقيق على ضوء أن هناك دولة وقفت وراء هجوم على مواطنين أميركيين على الأراضي الأميركية، وليس تنظيم إرهابي. وهو ما سينعكس بالضرورة على مستوى العلاقات بين واشنطن والرياض، فحتى العلاقات الضرورية والإستراتيجية مثل العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية قد تتم مراجعتها بقوة من تأثير المواطن الذي يملك صوت انتخابي مؤثر في دولة مثل الولايات المتحدة.