البخارى وحده لا شريك له (٣).. لماذا لا نحاكم البخارى وكتابه بعد ١١٠٠ سنة؟ بقلم أحمد الشَّهاوى

في الأحد ٠١ - فبراير - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

البخارى وحده لا شريك له (٣).. لماذا لا نحاكم البخارى وكتابه بعد ١١٠٠ سنة؟

  بقلم   أحمد الشَّهاوى    ١/ ٢/ ٢٠١٥

ليس على قلبك قفل.

ولستَ ناقصَ عقلٍ ولا دين

ولا تحتاج إلى مُرشدٍ أو مُعينٍ أو مُفْتٍ أو رجلٍ يصفونه بالفقيه أو العالم ليشرح لك دينك.

اذهبْ أنت مباشرةً إلى القرآن، فهو كتابك المُقدس الأول كمسلم. وأنت صاحبُ عقلٍ فلا تركنْه، ولا تتركْه يمشِ فى ركَابِ أحدٍ، وكما قال أبوالعلاء المعرى: « فكلُّ عقلٍ نبىّ».

عليكَ - إذن - أن تدقَّ الباب بيمينك، ولا تنتظرْ من أحدٍ أن يفعل ذلك بدلا عنك، وأن تفتح الأبوابَ المغلقة، لتعرفَ ما الذى فى الداخل، لابد أن تنكأ الجراح حتى لا تصبحَ عليلا، لا تستطيعَ الحراك الجسدى أو العقلى أو النفسى.

وكلُّ هذا وغيره، لا يتأتّى إلا بإعمال العقل، والنظر عميقًا بقلب العقل «أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِى الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِى فِى الصُّدُورِ...» فى ما تركه لنا الأسلاف، لأنه اجتهادٌ بشرى، وليس وحيًا مُوحَى لهم، هم مثلك يُخطئون ويصيبون، ولهم أجورهم من عند الله على ما اجتهدوا فيه.

لابد من إعادة قراءة الإرث الذى تركه الأولون، وأن نسائله بموضوعيةٍ، وننقِّحُه مما شابَهُ، بعيدا عن التقديس الذى صار احترافًا فى حياتنا، إذ صار كل ما هو مأثور من المورُوث مقدَّسًا لا يأتيه باطلٌ ولا زللٌ ولا خطأ من أية ناحية، بسبب الذين نصبوا أنفسهم حراسا للدين، وهم الأبعد عنه، أو على الأقل يُتاجرون أو يشتغلون به، هادفين مصالح شخصية وأيديولوجية، عينها على السلطة والسلطان، والمكانة والمكان.

لأنَّ الله سبحانه وتعالى يحفظ كتابه «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ»، ولا يحتاج إلى وسطاء أو مستشارين أو مدافعين عنه أو عن كتابه المبين، ولا إلى سلطة دينية جائعة للسفك والقتل وإحلال الدم وتكفير المسلمين، تتعسَّف على الأرض بالبشر.

عندما أدعو إلى تجريد كتب الأحاديث، وتحديدا «صحيح » البخارى، وتنقيته، وغربلته؛ لندرك النفيس الصحيح من الخبيث الخسيس، وعدم تقديسه، إذْ لا سلطة للفقهاء على من يقرأ ويبحث ويكشف ويتمثل ويفهم ويفقه، وأنا هنا - ودائما - لا أخلط بين دور الله ودور رسوله. «وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا».

لقد ظل المسلمون قرنا من الزمان لا يكتبون أحاديث الرسول مكتفين بالقرآن «عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، وَنَحْنُ نَكْتُبُ الأَحَادِيثَ، فَقَالَ: «مَا هَذَا الَّذِى تَكْتُبُونَ؟ قُلْنَا: أَحَادِيثَ نَسْمَعُهَا مِنْكَ، قَالَ: «كِتَابٌ غَيْرَ كِتَابِ اللَّهِ؟! أَتَدْرُونَ مَا ضَلَّ الأُمَمَ قَبْلَكُمْ؟ أَلا بِمَا اكْتَتَبُوا مِنَ الْكُتُبِ مَعَ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى». قُلْنَا: أَنُحَدِّثُ عَنْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «حَدِّثُوا عَنِّى وَلا حَرَجَ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَىَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ». قُلْنَا: فَنَتَحَدَّثُ عَنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ؟ قَالَ: «حَدِّثُوا وَلا حَرَجَ، فَإِنَّكُمْ لَمْ تُحَدِّثُوا عَنْهُمْ بِشَىْءٍ إِلا وَقَدْ كَانَ فِيهِمْ أَعْجَبُ مِنْهُ». قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَجَمَعْنَاهَا فِى صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَأَلْقَيْنَاهَا فِى النَّارِ.

وكان أول من سمح بتدوين الأحاديث هو عمر بن عبدالعزيز (٦١ هـ / ٦٨١م - ١٠١ هـ / ٧٢٠م)، ومنذ ذلك الحين، فُتح بابُ الكذب والافتراء على الرسول، ونُسبَ له ما لم يقُله، وبالطبع لم تخلُ كتب البخارى ومسلم والنسائى وابن ماجه والترمذى وأبى داود من أحاديث كاذبة وموضوعة وضعيفة ومتناقضة ومخالفة للقرآن تشوِّه النبى محمد: «اعرضوا حديثى على كتاب اللّه، فما وافق كتاب اللّه فهو منى وأنا قلته»، «سيكثر علىَّ الكذابةُ فما أتاكم عنى فاعرضوه على كتاب اللّه عز وجل فما وافق كتاب اللّه فخذُوه، وما خالف كتاب اللّه فردُّوه».

وهناك شخصيات كثيرة نقل عنها البخارى ومسلم رماها آخرون بالكذب، وعدم الثقة، وهل كان على المسلمين أن ينتظروا مئتى سنة، لكى يأتى البخارى بـ« صحيحه»، الذى يراه كثيرون أصح وأصدق كتاب بعد القرآن: «سيكذب علىّ كما كذب على الأنبياء من قبلى، فما أتاكم عنى فاعرضوه على كتاب اللّه فما وافق كتاب اللّه فهو منى وأنا قلته، وما خالف كتاب اللّه فليس منى ولا أنا قلته».

لقد آن الأوان بعد نحو ١١٠٠ سنة أن نحاكم كتاب البخارى، دون تلكؤ أو خوف أو تردد من جعجعة الأصوات التى ستعلو، باعتبارها الرابح الأول والأكبر من بقاء الكتاب على ما هو عليه، بعد أن تُرك ينتقل من بيت إلى بيت، بحجة أنه الصحيح، وكثيرنا يعلم أن فيه ما فيه من الأكاذيب والأحاديث المسمومة.

فلا ينبغى أن نسلِّم بصحة أى كتاب صحةً تامةً مادام ليس بقرآنٍ، لأنه مادام نص الحديث مخالفا للعقل والحس، فلا يمكن قبوله، وإذا كان هناك أربعة أو خمسة من رواة الحديث قد غضوا الطرف عن أحاديث رأوا أنها غير صحيحة ومنسوبة غلطا وزورا إلى الرسول، ومع ذلك أوردها البخارى، فهل هو الصحيح وسواه كابن ماجه والترمذى وأبى داود ومسلم كذبة؟

فيكفى اختلاق رواية زواجه من عائشة وهى فى سن التاسعة، وهو فى سن الخمسين، وهى رواية لم يذكرها الإمام مالك «٩٣-١٧٩هـ / ٧١١-٧٩٥م» فى كتابه «الموطأ»، وهو العربى الوحيد «من أهل المدينة»، ممن جمعوا الأحاديث، وليس أجنبيا غريبا كالبخارى وغيره «من الموالى»، وكان علينا أن نصدق مالك، ونعتمده كما يعتمده أهل المغرب، لأنه الأقرب إلى الرسول وزمنه، إذ ولد قبل مئة عام من البخارى ومسلم «حدثنى فروة بن أبى المغراء حدثنا على بن مسهر عن هشام عن أبيه عن عائشة رضى الله عنها قالت تزوجنى النبى صلى الله عليه وسلم وأنا بنت ست سنين فقدمنا المدينة فنزلنا فى بنى الحارث بن خزرج فوعكت، فتمرق شعرى فوفى جميمة، فأتتنى أمى أم رومان وإنى لفى أرجوحة ومعى صواحب لى، فصرخت بى فأتيتها لا أدرى ما تريد بى، فأخذت بيدى حتى أوقفتنى على باب الدار وإنى لأنهج حتى سكن بعض نفسى، ثم أخذت شيئا من ماء فمسحت به وجهى ورأسى ثم أدخلتنى الدار فإذا نسوة من الأنصار فى البيت فقلن على الخير والبركة وعلى خير طائر، فأسلمتنى إليهن فأصلحن من شأنى، فلم يرعنى إلا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ضحى فأسلمتنى إليه وأنا يومئذ بنت تسع سنين»، بينما ذكرت مصادر كثيرة أن الرسول قد تزوجها وهى فى سن الثامنة عشرة، وكلها تنفى ما جاء فى البخارى من حديث مكذوب، فيه تجنٍّ وافتراءٍ على الرسول، ولا يمكن لمسلمٍ عاقلٍ راشدٍ أن يعى أمرا كهذا - دعك من ركاكة صياغة الحديث.

إن ذكر «حديث» كهذا يؤكد لنا أن كثيرا مما جاء فى البخارى ليس صحيحا وليس حديثا، بل إنه جنى على الرسول والدين والتاريخ والمسلمين، وحتى الفقهاء والأئمة الذين أتوا بعده وأخذوا عنه، وصار الزواج بطفلات صغيرات سُنَّةً عن النبى محمد، رغم أنه لم يفعلها «سئلت اليهود عن موسى فأكثروا فيه وزادوا ونقصوا حتى كفروا، وسئلت النصارى عن عيسى فأكثروا فيه وزادوا ونقصوا حتى كفروا، وستنشأ عنى أحاديث، فما أتاكم من حديثى فاقرأوا كتاب اللّه واعتبروه، فما وافق كتاب اللّه فأنا قلتهن وما لم يوافق كتاب اللّه فلم أقله».


اجمالي القراءات 3641