841 شهيداً.. والقاتل مجهول 841 شهيداً.. والقاتل مجهول

في السبت ٢٤ - يناير - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

841 شهيداً.. والقاتل مجهول

 

841 شهيداً.. والقاتل مجهول
 

الإبحار فى دنيا شهداء ثورة يناير مثل السباحة فى شلال من الدموع والسير فوق شظايا زجاج فى ليلة شتوية، وبالفم طعم المر. صحيح أن الشهداء في جنات نعيم وأحياء عند ربهم يرزقون، ولكن ما يثير الحزن عليهم أكثر من فقدانهم للأبد هو عجزنا عن محاسبة قاتليهم رغم مرور 4 سنوات

كاملة على استشهادهم، وعلي رأس هؤلاء، الرئيس الأسبق حسني مبارك، ووزير داخليته حبيب العادلى، وكل الضباط الذين اتهموا بإطلاق الرصاص الحى علي المتظاهرين، فمن بين 32 قضية تتعلق بقتل العشرات من متظاهرى 25 يناير، صدرت أحكام ضد 20 متهماً فقط، من بين 192 متهماً، فيما تمت تبرئة الباقين (172) متهماً، ولما تم قبول نقض المدانين الـ20، وأعيدت محاكمتهم صدرت أحكام ببراءتهم جميعاً ماعدا 5 متهمين، 4 منهم صدرت ضدهم أحكام مع وقف التنفيذ، وكان الحكم الوحيد الصادر بالسجن مع النفاذ من نصيب ضابط واحد، وتمثلت تهمته فى الشروع فى قتل 6 متظاهرين في شارع محمد محمود في 19 نوفمبر 2011، أى إجمالاً تمت تبرئة 187 متهماً في نهاية الأحكام.
ومادام الجميع بدءاً من الرئيس الأسبق حسني مبارك ووزير داخليته حبيب العادلى وجميع قيادات الوزارة وكل من حاول إجهاض الثورة.. إذا كان كل هؤلاء أبرياء ولم يقتلوا متظاهرين، فإن السؤال المنطقى هو: من الذي قتل 841 مصرياً سقطوا شهداء خلال أحداث ثورة يناير، من هو الطرف الثالث المجهول الذي قتل الثوار، وقد برئت ساحة الشرطة والجيش كطرف أول وثان في هذا الاتهام.
هناك من يراهن على أن قتل ثوار يناير سيظل لغزاً إلي الأبد، مثلما حدث مع كثير من الأحداث التي شهدتها مصر وظلت لغزاً يستعصى علي الحل لعقود طويلة أو لقرون.. فحتى الآن لا يعلم أحد هل مات الفرعون الشاب توت عنخ آمون قتيلاً أم مات صريعاً تحت عجلاته الحربية، أم أنه مات موتة طبيعية، فمازال موت توت عنخ آمون لغزاً رغم مرور آلاف السنين علي موته.
نفس اللغز تكرر في وفاة المشير عبدالحكيم عامر، فرغم مرور 48 عاماً على وفاة المشير، فإن أحداً لا يعرف علي وجه اليقين هل «عامر» مات منتحراً أم مات مسموماً أم مات بصورة عادية.. وأيضاً لم يكشف أحد لغز مصرع الليثي ناصف في لندن ومصرع سعاد حسني، ثم أشرف مروان في لندن أيضاً.
ويعتقد البعض أن قتل شهداء يناير سيصير لغزاً جديداً ينضم لقائمة الألغاز المجهولة في التاريخ المصرى، وبالطبع أصحاب هذا المعتقد ينسون مبكراً وضربهم الإحباط سريعاً إذ لا يمكن أن يظل قتل شهداء يناير لغزاً غامضاً كغيره من الألغاز، والأسباب كثيرة في مقدمتها أن عشرات الملايين من المصريين لن يهدأ لهم بال حتي يتم تحديد قتلة ثوار يناير ومحاسبتهم علي جريمتهم؟
ولهذا سيظل هناك من يبحث عن القتلة ويتتبع الخيوط التي يمكن أن تؤدى إلي فضحهم وتقديمهم للعدالة، وعلي مدي الأيام الماضية حاولت تتبع بعض تلك الخيوط، ومن بين الحقائق المثيرة التي رصدتها أثناء البحث في ملف شهداء يناير وجود 19 شهيداً لم يستدل على شخصياتهم حتى الآن، فتم تسجيلهم تحت اسم «مجهول» ودفنت جثامينهم في مقابر الصدقات!
حقيقة مثيرة أخرى تتعلق بأعمار الشهداء، فبين الشهداء وجدت أطفالاً دون العاشرة وشيوخاً فوق الثمانين، وكانت النسبة العظمي من الشهداء شباباً.. ففي الفئة العمرية 20 - 30 سنة سقط 342 شهيداً، وفي الفئة العمرية 30 - 40 سنة سقط 157 شهيداً و108 شهداء أغلبهم أطفال، إذ تتراوح أعمارهم بين 10 و20 سنة، بل وسقط 4 أطفال دون العاشرة من عمرهم، بينما بلغ عدد الشهداء في الفئة العمرية 40 - 50 سنة 52 شهيداً، و48 شهيداً في الفئة العمرية من 50 إلى 60 سنة، و9 شهداء في الفئة العمرية من 60 - 70 سنة، و5 شهداء في الفئة العمرية من 70 - 80 سنة، وشهيد واحد عمره يتجاوز 80 سنة.
ومن جموع الشهداء كان 796 شهيداً من الذكور مقابل 15 شهيدة، و19 شهيداً مجهولاً لم يتم تحديد ما إن كان ذكراً أم أنثى.
وكانت أسباب الوفاة في أغلبها بطلقات بالرصاص، فسقط بالرصاص 673 شهيداً و9 شهداء قتلوا دهساً و45 شهيداً بسبب الاختناق و86 شهيداً لم يتم التوصل إلي سبب استشهادهم.
ويقول دفتر أحوال الشهداء في يوم 25 يناير، إنه في أول يوم للثورة سقط 4 شهداء وفي يوم 27 يناير سقط 10 شهداء وكان أكثر دموية للشهداء هو 28 يناير 2011، ففي هذا اليوم سقط 551 شهيداً يوم 31 يناير، ثم 8 شهداء يوم 1 فبراير و24 شهيداً يوم 2 فبراير، و12 شهيداً يوم 3 فبراير، وشهيدان اثنان يوم 4 فبراير، و4 شهداء يوم 5 فبراير، وشهيد واحد يوم 7 فبراير ومثله يوم 9 فبراير، وشهيدان اثنان يوم 11 فبراير.. وبقى 72 شهيداً لم يتم تحديد يوم استشهادهم.
نعود مرة أخرى إلي السؤال الأساسى: من قتل كل هؤلاء إذا كان المتهمون بالقتل كلهم أبرياء إلا خمسة فقط.. بل أوقف تنفيذ الأحكام ضد 4 منهم.
بحثت عن إجابة لهذا السؤال في 3 جهات مختلفة.. شهادات شهود عيان علي عمليات قتل للمتظاهرين.. ثم الأوراق الخاصة بجهاز أمن الدولة والتي رصد فيها أحداث الثورة حتي تنحى مبارك في 11 فبراير 2011.. وأخيراً التقيت بخبير شارك في جميع لجان تقصى الحقائق التي تم تشكيلها لتحديد قتلة الثوار.. وكانت المحصلة عدة مفاجآت مثيرة من بينها أن الإخوانى محمد مرسى أجهض أهم محاولة لكشف قتلة الثوار!

تقارير أمنية
تشير تقارير أمن الدولة عن أيام الثورة، إلى وجود أجانب اندسوا بين المتظاهرين خلال المظاهرات.. وقال التقرير الأمني الذي اطلعت عليه «تم رصد تواجد كبير لعناصر أجنبية من جنسيات مختلفة وسط المتظاهرين، وانتمى هؤلاء لدول سوريا وقطر وسويسرا وقبرص وتونس وألمانيا وبريطانيا وفلسطين وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية وكندا ونيوزيلندا والنرويج وروسيا وإيطاليا وفرنسا والصين وبولندا وإيران والسودان وإندونيسيا والهند ولبنان وإسبانيا وبنجلادش واليونان وأستراليا والجزائر».
وأضاف التقرير الأمنى: «بعض هؤلاء الأجانب كانوا يوزعون بطاطين ومبالغ مالية بالجنيه واليورو والدولار علي بعض المتظاهرين لحثهم علي الاعتصام والمبيت في ميدان التحرير، كما تم رصد عناصر تابعة لحماس وأخرى تابعة لحزب الله، وكان بحوزتهم أسلحة آلية وقنابل يدوية.. كما تم رصد 5 عناصر تونسية يوم 27 يناير 2011، وكانت تبث دعاوي مكثفة لحث الناس ودعوتهم لتنظيم مسيرات واعتصامات بالميادين والشوارع».
وحمل تقرير أمن الدولة مسئولية قتل عدد من المتظاهرين إلي جماعة الإخوان.. وفي هذا الشأن قال: «تم رصد إطلاق أعيرة نارية من جانب الإخوان الذين اعتلوا أحد العقارات بميدان التحرير وأشعلت النار في عدة أماكن ما أسفر عن وفاة 11 شخصاً وإصابة أكثر من 900 آخرين في موقعة الجمل».
وأضاف التقرير: «خلال أيام الثورة تلقت جماعة الإخوان أموالاً من إيران وباكستان وأنفقوا جزءاً من تلك المبالغ على بلطجية طلبوا منه الاندساس وسط المتظاهرين بالإسكندرية يوم 11 فبراير».
وواصل التقرير الذي أعده جهاز أمن الدولة خلال أيام الثورة «قام مجهولون باقتحام مقر السفارة الأمريكية خلف مجمع التحرير واستولوا على 21 سيارة هيئة سياسية تابعة للسفارة وبعض تلك السيارات قام سارقوها بالسير بها بسرعة جنونية، فقتلوا رجال شرطة ومتظاهرين وتم ضبط 7 سيارات من تلك السيارات».
وما ذكره تقرير أمن الدولة يشير بوضوح إلي أن الإخوان وعناصر أجنبية متورطون في قتل متظاهرين خلال أيام الثورة.. ولو سلمنا جدلاً بصحة كل ما ذكره التقرير فإن التقرير يظل ناقصاً تحدث فقط عما حدث في ميدان التحرير فقط، ثم أشار باقتضاب إلي ما حدث في الإسكندرية، بينما أغفل عمليات قتل المتظاهرين في باقي محافظات مصر، صحيح أن القاهرة حصلت علي نصيب الأسد من عدد الشهداء، فسقط فيها 373 شهيداً، تليها الإسكندرية بـ97 شهيداً، ولكن هناك شهداء سقطوا في أغلب محافظات مصر، ففي الجيزة سقط 60 شهيداً، وفي الفيوم 52 شهيداً، والقليوبية 33 شهيداً، والسويس 28 شهيداً، والبحيرة 24 شهيداً، والمنوفية 22 شهيداً، وبني سويف 22 شهيداً، والغربية 19 شهيداً، وشمال سيناء 17 شهيداً، وبورسعيد 12 شهيداً، والشرقية 9 شهداء، والدقهلية 8 شهداء، وقنا 8 شهداء، وأيضاً 6 أكتوبر 8 شهداء، والإسماعيلية 6 شهداء، وأسيوط 4 شهداء، وكفر الشيخ 3 شهداء، ودمياط سقط فيها شهيدان، بينما سقط شهيد واحد في كل من الأقصر وأسوان، وكان هناك 32 شهيداً لم يستدل علي المحافظة التي ينتمون إليها، بينما لم يسقط شهداء في محافظات مطروح والوادي الجديد والبحر الأحمر وجنوب سيناء.

شهود عيان
إذا كان تقرير الأمن الوطنى يرصد جانباً مما حدث خلال أيام الثورة، فإن شهادات شهود عيان لأحداث ذات الأيام تكشف أيضاً جانباً آخر من الحقيقة.. ومن بين شهود العيان، قال محمد نصر الدين محمد، سائق مقيم أمام وزارة الداخلية، إنه رأى بعينيه 5 من الأفراد التابعين لوزارة الداخلية يعتلون سطح مبني وزارة الداخلية يوم 28 يناير 2011، وكانوا يحملون بنادق قنص وأسلحة خرطوش.
وأضاف: «وفي فجر يوم 29 يناير 2011 شاهد اثنين من المجموعة المعتلية لسطح مبني وزارة الداخلية مصوبين بنادق القنص تجاه المتظاهرين المتواجدين بتقاطع شارع قصر العينى وشارع الشيخ ريحان وأطلقوا أعيرة عليهم».
أما فاطمة محمد الكاشف - 59 سنة - ربة منزل ومقيمة بشارع الشيخ ريحان بجوار وزارة الداخلية، فقالت لـ«الوفد»: «بحكم إقامتي بجوار وزارة الداخلية شاهدت بعيني رجال شرطة ممن يرتدون ملابس الشرطة البيضاء وهم يخلعون ملابس الشرطة ويرتدون بدلاً منها قمصان وبنطلونات عادية ويتركون الوزارة في الساعة الخامسة والنصف من مساء يوم 28 يناير ولم يبق في الوزارة سوي رجال الأمن المركزى».
وأضافت: ثم شاهدت بعض البلطجية يعتلون أسطح العمارات المواجهة للوزارة وألقوا علي الوزارة زجاجات المولوتوف فتصدى لهم قناصة من داخل الوزارة وأطلقوا باتجاههم أعيرة نارية بشكل عشوائى فأصابتني 3 شظايا في الرأس والصدر والعين ومازلت أتلقى علاجاً حتي الآن».
وروت «فاطمة» واقعة غريبة ومثيرة شاهدتها بعينها فقالت: «شاهدت بعيني إحدى السيارات البيضاء التي تحمل لوحات هيئة سياسية، وهي إحدي السيارات التي عرفت فيما بعد أنها مسروقة من السفارة الأمريكية، وكان يقود تلك السيارة رجل يرتدى زى شرطة، كان يقود السيارة بسرعة كبيرة وما أن وصل بها إلي أحد المحلات الشهيرة القريبة من الميدان، توقف، ثم نزل مسرعاً وراح يجرى بعيداً عنها رأى رجال الشرطة يقفون بشارع الشيخ ريحان، وساعتها أدركت أن هذا الرجل الذي يرتدى زي الشرطة لم يكن رجل شرطة أساساً فلو كان رجل شرطة لتوجه إلي رجال الشرطة ووقف معهم ولكن ما حدث كان العكس».
وواصلت الحاجة فاطمة: «بعدما هرب قائد السيارة بعيداً عن أعين رجال الشرطة وترك السيارة فوجئت بأشخاص من وسط المتظاهرين يندفعون باتجاه السيارة ويستولون علي ما كان بداخل السيارة وهو بندقية آلية وجهاز لاسلكى و«كوريك» السيارة.

مزيد من الشهود
شهادة أخرى روتها السيدة إيناس محمد عبدالعليم للجنة تقصى الحقائق التي تم تشكيلها لمعرفة من قتل الثوار، فقالت إن «زوجها كان متواجداً بدار نشر يمتلكها في ميدان لاظوغلى وعندما حاول التقاط بعض الصور لأحداث الميدان قام أحد ضباط الأمن المركزى بإطلاق عيار ناري عليه حال تواجده بشرفة مكتبه ما أدى إلي قتله».
وفي شهادة أخرى من الشهادات التي جمعتها لجنة تقصى الحقائق التي تم تشكيلها في زمن الإخوان قال ميلاد دميان حسب الله، رئيس عمال بكنيسة قصر الدوبارة، إنه شاهد خروج أكثر من 15 سيارة خاصة بالسفارة الأمريكية من الجراج علي فترات ولا يستطيع تحديد شخصية قائد كل منها».
وأضاف أن هذه السيارات كانت تسير بسرعات متفاوتة وبقيادة متهورة.
وفى ذات السياق قال أحمد سيد توفيق، فرد أمن بشركة المقاولين العرب، «إنه أبصر شاباً عمره حوالى 25 سنة يستقل سيارة هيئة دبلوماسية واتجه بها ناحية ميدان التحرير وحاول اقتحام باب مجلس الشورى ولكنه هرب بعدما شاهد الشرطة».
فيما قال شهود آخرون إنهم رأوا رجال شرطة يطلقون الرصاص علي المتظاهرين وعلي رجال شرطة أيضاً في ميدان المطرية وتكرر نفس الأمر في شبرا وبولاق أبوالعلا ومناطق أخرى بعدد من المحافظات.
أكد عدد الشهود أن بعض رجال الشرطة كانوا يستعينون بالبلطجية للاعتداء علي المتظاهرين وترويعهم.
وخلاصة شهادات الشهود التي وردت في تقارير تقصي الحقائق تقول إن رجال شرطة والإخوان وقيادات بالحزب الوطنى المنحل وبلطجية ومسجلين خطر شاركوا في قتل المتظاهرين.

الطرف الثالث
سألت عضواً بلجان تقصى الحقائق التي تم تشكيلها بعد يناير 2011 لتحديد قتلة الثوار: هل توصلت اللجان الثلاث إلي تحديد قتلة ثوار يناير، فقال: توصلنا إلي خيوط كاشفة من يتتبعها يعرف بالضبط من قتل الثوار.
عدت لأسأله: ولماذا لم يتتبع أحد تلك الخيوط؟
فقال: لعدم وجود إرادة سياسية.. سواء منذ أيام المجلس العسكرى ثم عهد الإخوان وعهد عدلي منصور وحتى الآن.
سألته: وإلى من تشير تقارير تقصى الحقائق بالتورط في قتل المتظاهرين؟
فقال: إلي الإخوان ورجال شرطة وأجانب.

اجمالي القراءات 2702