ما يجادل فى آيات الله إلا الذين كفروا ..

آحمد صبحي منصور في الخميس ١٠ - أبريل - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً



بين الجدال والنقاش :- 1 ـــ الفيصل بين الجدال والنقاش فى آيات الله أن المؤمن بالقرآن إيمانا حقيقيا إذا ووجه بآية قرآنية تكون فى موضع الاستشهاد الصحيح فى موضوع المناقشة فإنه يسارع بالسجود العقلى طاعة وامتثالا (فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُكَذِّبُونَ : الأنشقاق 20-22 ) ، ( إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا : مريم 58 )، أما من فى قلبه مرض فانه يسارع بالجدال فى آيات الله.
2 ـــ وبغض النظر عن الإسلام الظاهرى الموجود فى البطاقة الشخصية لكل مسلم ، فإن الموقف من القرآن هو الذى يحدد من يكفر بالقرآن ومن يؤمن به ، وذلك حين يتلى عليه القرآن وتأتى حجة قرآنية واضحة الدلالة فى موضع الاستشهاد الصحيح تكون حاسمة فى مخالفة عقائد دينه الأرضى ، عندها تجد من يكفر قلبه بالقرآن قد ظهر على وجهه كراهية ما يسمع ، وتحركت أطرافه تريد البطش بمن يقرأ عليه الآيات (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا. الحج 72 ) .
وننصح بمراجعة الآيات القرآنية التى ورد فيها (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ ) لنتعرف من خلالها على السمات الحقيقية لمن يكفر بالقرآن ، والأنواع المختلفة لرد فعله الذى يعبر به عن كفره بالقرآن ، ومنها الجدال فى آيات القرآن الكريم ، ولو بأى طريقة مضحكة (الجاثية: 8ـ ، 25 )( لقمان 7 ).
3 ـــ وفى عصرنا الراهن يغلب على المسلمين الذين يكرهون القرآن الكريم أن يطلبوا المستحيل من القرآن ، مثل كيف نجد عدد ركعات الصلاة ومواقيتها وكيفياتها ، مع أن آحاديث البخارى وغيره ليس فيها ذلك أيضا، بل فيها ما يهدم الصلاة، والتفصيل فى كتابنا ( القرآن وكفى ) المنشور على الموقع:
http://www.ahl-alquran.com/arabic/book_main.php?page_id=2
أى ينطبق عليهم قوله تعالى (وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ: الحج 51) (وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ ـ ـ وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ : سبأ 5 ، 38 ) .

4 ـــ المؤمن بالقرآن حق الإيمان يجد القرآن ميسرا للذكر ، فالحقائق الايمانية التى تنجيه من النار وتدخله الجنة يجدها فى القرآن الكريم واضحة ، من أن النبى محمدا لا يعلم الغيب وأنه لا يشفع ولا يملك لأحد نفعا ولا ضرا ، وأن الله تعالى هو وحده المولى والولى المقصود بالعبادة و التوسل وطلب المدد والعون ، وأنه جل وعلا وحده النصير ومالك يوم الدين و القائم على كل نفس بما كسبت،وانه قريب من عباده إذا سألوه فلا يحتاج الى واسطة، وانه ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها ، وأنه وحده له الخلق والأمر ، وأنه لا يشرك فى حكمه أحدا ، وليس له والد أو زوجة أو ابن أو شبيه أو نظير أو كفؤ وليس كمثله شىء ، وأن كل البشر بما فيهم الأنبياء محاسبون يوم القيامة، وأنه لا حديث يؤمن به المسلم سوى حديث الله فى القرآن الكريم ، وان الاسلام اكتمل بالقرآن ، وان المسلم يكتفى بالقرآن ، وأن القرآن فيه بيان كل شىء يحتاج المسلم الى تبيينه وتوضيحه ، وانه ما فرّط فى شىء يكون المسلم مطالبا به يوم القيامة ..
كل تلك الحقائق الايمانية ـ أو الهداية الايمانية ـ قد يسرها الله جل وعلا فى القرآن ، وتكرر التاكيد عليها مرات عديدة ، بل جاء التاكيد عليها أكثر من مرة من خلال الأمر الالهى للرسول محمد عليه السلام بكلمة (قل ) ، بل كانوا يسألون النبى محمدا نفس الأسئلة وتنزل نفس الاجابات بتفصيلات أكثر توضح أكثر ، وننصح بمراجعة كتابنا ( القرآن وكفى ) أو مراجعة القرآن الكريم فى كلمة ( يسألونك ..قل ).
وإذا استعصى على المؤمن بالقرآن شىء من هذا فعليه بسؤال العلماء الراسخين فى العلم ، وسيذكرون له عشرات الايات الواضحة فى أمور العقيدة و التى ينجو بها المؤمن يوم القيامة.
وهل هناك أروع من أن تنجو يوم القيامة من عذاب النار؟ وهل هناك أفضل من أن تتزحزح عن النار وتفوز بالجنة : (فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ. آل عمران 185 ).

5 ـ المؤمن بالقرآن الكريم ـ بعد الهداية الايمانية ـ إذا أراد الهداية العلمية بفهم كنوز القرآن الكريم ودقائقه فعليه أن يتخصص علميا ليكون من العلماء اهل الذكر الراسخين فى العلم ، أو أن يسأل الراسخين فى العلم ، فإذا جاءت الإجابة واضحة فى آية قرآنية فانه يزداد إيمانا ، وقد يناقش لمزيد من الإيضاح ، ولكنه سرعان ما يقتنع بعد التوضيح .
وفى كل الأحوال فهو يدخل فى أمور (كمالية ) كمن يشترى سلعة كمالية بعد أن توفر له الزاد الضرورى . أى أنه توافر لديه الايمان الحق بالقرآن والاسلام ، ثم هو يطلب مزيدا من العلم ، ليس واجبا عليه ، وليس مطالبا به، قد يزيده ايمانا ولكن ليس عليه شىء إذا نشغل بأمور معاشه مقتصرا على الايمان الصحيح والعمل الصالح .
أما من فى قلبه مرض فانه يترك الواجب الهام وهو امور العقيدة الميسرة للذكر فى القرآن الكريم ، ويجادل فى الكماليات ،أو مستوى الهداية العلمية ، أى فى دقائق القرآن التى لها متخصصون أفنوا أعمارهم فى معايشة القرآن الكريم حفظا ودرسا وبحثا، وفى معايشة التراث وتاريخ المسلمين ودقائق اللغة العربية وتطورها ، وبهذا الزاد وبتلك المعاناة الفكرية وبذلك التفرغ طيلة العمر تخصصوا فى العلم بالقرآن و بتراث المسلمين ، ومن هنا يكونون مرجعية بشرية ـ غير معصومة من الخطأ ـ لمن يسأل فى دقائق القرآن ومواقف المسلمين من القرآن فى تاريخهم وتراثهم وأنواع مللهم ونحلهم ،أو ما نسميه بأديانهم الأرضية .
والعادة ان هذا الذى ينكر القرآن بقلبه يكون قد عقد على قلبه على فكرة ما أو عقيدة ما ، لذا فإنه مهما تأت له بآيات فسيجد بالجدال طريقا لإضاعة وقتك وجهدك والدخول بك فى متاهات دون أن يكون لديه علم أو هدى أو كتاب منير.
ولذلك فإن الجدال فى آيات الله من علامات الكفر ، وبينما يكون النقاش والدرس والتدبر فى آيات المولى عز وجل من علامات الإيمان .

وكما أن للتدبر والبحث والنقاش فى آيات الله تعالى منهجا يراد به الوصول للحق فإن للجدال فى آيات الله جل وعلا لدى الكافرين بالقرآن وسائل أشار لبعضها القرآن الكريم فى ردود أفعال المشركين وموقفهم من القرآن الكريم .

6 ـ ومن أسف فإن الكافرين بالقرآن الكريم فى مكة قبل الهجرة كانوا صرحاء ، أما الأن فإن أغلبية المسلمين من أتباع الديانات الأرضية تتركز فى قلوبهم العقائد المخالفة للقرآن الكريم ، ويسارعون بالجدال فى أى آية قرآنية طالما تتعارض مع عقائدهم المخالفة للقرآن الكريم .
وفى الوقت الذين يجادلون فى آيات القرآن الكريم فإنهم لا يجرؤون على المجادلة فى أحاديث البخارى مخافة تكذيبه ، مع أن علماء الحديث أنفسهم يقولون أن أحاديث البخارى كلها وغيرها هى أحاديث آحاد قائمة على الشك ولا تفيد اليقين ، وليست دليلا فى العقائد والسمعيات، وأن القرآن الكريم وحده هو القائم على اليقين وهو الذى لا ريب فيه ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .

إبليس إمام الجدال . 1 ـ لقد كان إبليس أول المجادلين وإمامهم ، أمره الله تعالى بالسجود لآدم ، وبدلا من المبادرة بالطاعة بادر بالجدال ، واستخدم حجة عقلية منطقية ، قائلا كيف يسجد لأدم وهو خير من أدم ؟! (قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ : الأعراف 12) . ونسى إبليس أن تمام العقل أن يخضع العقل لأوامر الله تعالى وكلامه لا أن يتمرد عليه ، وهذا هو الخطأ الذى وقع فيه إبليس .
2 ـ ولا يزال يقع أتباع إبليس فى نفس الخطأ الى الآن ، فالشيطان يدفع أولياءه للجدال فى آيات الله تعالى ، بينما يأمر الله تعالى عباده بعدم الجدال فى آيات الله تعالى حتى لا يكونوا مثل المشركين : ( وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ : الأنعام 121 ).
3 ـ أن الله تعالى يقول بإسلوب القصر والحصر أن الذين يجادلون فى آيات الله هم فقط الكافرون (مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا: غافر 4 ) وأن غرضهم من الجدال هو مصادرة الحق وليس البحث عن الحق (وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ: غافر 5 ) ، ( وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ: الكهف 56 )، وأنهم يجادلون فى آيات الله تعالى بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ : الحج 8 )ولذلك فلابد من الإعراض عنهم (وَإِن جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ : الحج 68 ) وأن إطاعهم المؤمنون وانخراطوا معهم فى جدال فد أصبحوا مثلهم مشركين (وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُون : الأنعام 121 ) .
4ـ أولئك الذين يجادلون فى آيات الله تعالى بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير استحقوا مقت الله تعالى ومقت المؤمنين (الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ وَعِندَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ) ولأنهم مدفوعون من الشيطان للوقوع فى الجدل، وقد أصيبوا مثله بالكبر فإن الله تعالى يأمر خاتم الأنبياء عليه السلام بالإستعاذة بالله جل وعلا من الوقوع فى هذه الخطيئة(إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِير) ويتوعدهم الله تعالى بالعذاب الفظيع فى الأخرة (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ )( غافر: 35 ، 56 ، 69 – 72 ).
هذا هو مصيرهم فى الآخرة .. فماذا عن مصيرهم فى الدنيا ؟؟


الجدل أضاع المسلمين فى القرون الوسطى
1 ـ ومع التأكيد على تحريم الجدال فى آيات الله تعالى ومع الحث على ان يتعلم المسلمون فهم القرآن بالقرآن دون تلاعب بآياته كما جاء فى سورةآل عمران (الآية 7 ) فقد وقع أغلب المسلمين فريسة لشهوة الجدال .
لقد أدت الفتوحات – الخطيئة العظمى للمسلمين – إلى الفتنة الكبرى والحروب الأهلية وانقسام المسلمين إلى أحزاب سياسية ما لبثت أن تحولت إلى فرق دينية أو ملل ونحل أو أديان أرضية تجادل بعضها بعضا ، وكل منها يذهب للقرآن الكريم ليس طلبا فى الهداية ولكن لإنتقاء آيات منه ليواجه بها غريمه معرضا عن الآيات الأخرى التى تتعارض مع موقفه .
وبهذا تشعب الجدال وتمكن منهم فأدمنوه واستخدموه فأضاعهم ، ولا يزال..
2 ـ ولأنه أصبح جدلا من أجل الجدل – وليس نقاشا يبتغى الوصول للحق فقط – فقد استمر هذا الجدال ليومنا هذا دون الوصول لنتيجة ، بل أسفر عن وصول عصر الإزدهار العلمى للمسلمين ـ فى القرنين الثالث والرابع من الهجرة ـ إلى التوقف وغلق باب الإجتهاد فى القرن الخامس الهجرى فى عصر أبى حامد الغزالى ( ت 505 ) ، ثم تحول الأمر إلى تقليد ثم إلى جمود وتخلف فى العصور التالية ، إلى أن جاء السيوطى ( ت 911 ) يحكم بتحريم علم المنطق .

الجدال والنهاية الصفرية ( من الصفر ).
1 ـ أى أن الجدل هبط بالمسلمين إلى نقطة الصفر ، وبعد إزدهارهم فى القرنين الثالث والرابع إنتهى بهم الأمر ومدافع نابليون تضرب الأزهر، وشيوخ الأزهر يستعدون لهزيمة نابليون بتلاوة البخارى وأوراد " دلائل الخيرات "وفقا لما ذكره الجبرتى المؤرخ المعاصر للحملة الفرنسية .

2 ـ والصفر الذى إنتهت إليه الحضارة العربية ( المسلمة) لا تزال له أثاره المضحكة فى " الصحوة " الوهابية السنية التى أعادت نفس الجدل العقيم والخلاف الأبدى حول نفس القضايا . فكما وصل الخلاف بين المسلمين إلى منطقة ( اللا حل ) فى موضوعات الإستواء على العرش والقضاء والقدر والمجاز فى القرآن ، فإن الصحوة الوهابية السنية أعادت نفس الجدل فى نفس القضايا لتعزز آراء ابن تيمية ، ولترد على الأشعرى حينا وعلى المعتزلة أحيانا .
ومن المضحك أن يستغل أولئك السلفيون أرقى منتجات التكنولوجيا ـ الانترنت ـ فى الجدال فى نفس القضايا التى أضاعت أعمار أسلافهم ، والتى أوصلت أولئك الأسلاف الى الحضيض .

3 ـ إن المنتظر من أى حركة علمية أن تتقدم للأمام ، وليس أن تتوقف ثم تتأخر ثم تصل للصفر.
وقد وصلت للصفر حضارة الأغريق ، وتبعهم المسلمون فى نفس المنهج العلمى فانتهى المسلمون الى نفس الصفر ، والسبب هو المنهج العقلى الجدلى الذى لا يلبث أن يعلن إفلاسه فيحل محله المنهج الأشراقى الصوفى بالعلم اللدنى وخرافاته فتصل الحركة العلمية إلى درجة الصفر ، على نحو ما شرحناه فى كتابنا " دراسات فى الحركة الفكرية فى الحضارة الإسلامية " الذى كان أحد الكتب الخمسة التى أصدرتها عام 1985 وتسببت فى خروجى من جامعة الأزهر ، وهى الجامعة العربية العريقة المتخصصة فى" الصفر " .
تقدمت حضارة المسلمين حينا ، ثم بسب منهجها ووقوعها فى الجدال أنتهت إألى الصفر.

4 ـ وفى التسعينات كتبت مقالا نشرته جريدة الأهالى المصرية تعقيبا على مشكلة الدكتور نصر حامد أبوزيد ، وأتذكر أن عنوان المقال كان " قضية نصر حامد أبو زيد منذ ألف عام " وحكيت فى المقال كيف احتدم الخلاف والجدل بين المسلمين حول " قلامة ظفر المرأة "!! ... هل لمسها ينقض الوضوء أم لا ؟!! ووقت هذا الجدال بين المسلمين كانت أوربا تتجهز لحملاتها الصليبية ... هذا هو الصفر الذى حصل عليه المسلمون سياسيا وحضاريا ...
هذا الصفر الذى حصل عليه المسلمون هو أبن عم الصفر السابق الذى حصل عليه البيزنطيون حين حوصرت القسطنطينية فانشغل أهلها حول أيها الأقدم فى الوجود ، البيضة أم الفرخة ؟!!.

5 ـ ولا توجد أمة فى عصرنا الراهن مثل العرب والمسلمين فى تمتعهم بعشرات الأصفار ، هم صفر فى الأخلاق وصفر فى التقدم وفى الأنتاج وصفر فى الحضارة وحقوق الأنسان وفى الديمقراطية ، وفى إستخدام نعمة البترول، وفى إستخدام نعمة وفرة الموارد البشرية والطبيعية ...
ومع كل هذه الأصفار فهم أكثر الأمم حركة وحيوية فى الجدال بالباطل ليدحضوا به الحق القرآنى .

هذا الصفر عقوبة إلهية . 1 ـ وأكبر دليل على هذا الصفر هو المقارنة السريعة بين الإسلام والغرب .
لم يكن القرآن الكريم مع أوربا فى مطلع نهضتها الحديثة ، ولكنها اختارت التحرر من الكنيسة وجدلها الكهونتى الذى لا ينتهى حول طبيعة المسيح وتفسيرات الكتب المقدس ، واختارت أوربا أن تسير فى الأرض وتكتشف العالم ، دون أن تعرف أن السير فى الأرض فريضة إسلامية أمر بها القرآن الكريم ، ثم اختارت أوربا المنهج التجريبى فى بحث العلوم الطبيعية – دون أن تعرف أنه المنهج الذى دعا إليه القرآن الكريم – وقد سبق توضيح ذلك فى مقالنا الذى أوضح المنهج القرآنى الذى كان ينبغى ان يسير عليه الفكر الاسلامى :
http://www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php?main_id=2376

وإختار الغرب الديمقراطية المباشرة أو النيابية وهى التى جعلها القرآن الكريم ضمن أسس عقائده وتشريعاته ، وسبق لنا توضيح موقع الديمقراطية المباشرة فى عقيدة الاسلام وعباداته وثقافته طبقا للقرآن الكريم :
http://www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php?main_id=1882

دون معرفة بالقرآن ولكن انحيازا الى القيم العليا التى يدعو اليها القرآن ـ بدأ الغرب حضارته على أساس متين – خال من الجدل العقيم – فأخذت الحضارة الغربية طريقها إلى الأمام من عصر البخار الى عصر الفضاء الكونى الخارجى والفضاء داخل نواة الذرة .
وما حققه الغرب فى منهجه الفكرى والعلمى وفى حياته الإجتماعية والديمقراطية جاء موافقا لما قاله القرآن من قبل كما أوضحنا ، بل إن إكتشافات الغرب فى المجالات العلمية تأتى فى القرآن الكريم إشارات لها ، والقرآن الكريم بين يدى المسلمين ولكنهم اتخذوه مهجورا ، لا يلجأون إليه إلا للجدل فى آياته وانتقاء بعضها فى حروبهم الفكرية والسياسية .
أى أن الغرب بمنهج علمى وعقلى اقترب من القرآن الكريم دون أن يكون له علم بالقرآن الكريم، أما المسلمون فمعهم القرآن الكريم ولكن اتخذوه مهجوراوجادلوا فيه ليدحضوا الحق الالهى، فانتهى بهم الحال الى القاع .
وهم حتى فى ذلك القاع لا يزالون يجادلون فى آيات الله جل وعلا..

لعنة الجدل تحاول تدمير موقع أهل القرآن .
1 ـ ولقد قام موقع أهل القرآن لإصلاح المسلمين بالقرآن ، ولكن ما لبث أن تسلل للموقع هواة الجدل من كل حدب وصوب ، فكان لابد من وقفة حازمة حتى لا نظل ندور فى نفس الحلقة المفرغة التى ضاع فيها السلف غير الصالح ، وحتى ننجو من الصفر الذى يصاحب المسلمين منذ عشرة قرون.

2ـ ولذلك لقطع دابر الجدل من موقعنا سننشىء فى موقعنا " قاعة البحث القرآنى " .

قاعة البحث القرآنى
1 ـ بدلا من إضاعة وقت شباب أهل القرآن فى مهاترات عقيمة فإنه من الأفضل إستثماره فى قاعة البحث ليتخرجوا فيها فيما بعد باحثين متمكنين .
وقاعة البحث أهم أسس التدريب العملى البحثى فى مرحلة الدراسات العليا ، وفيها يقوم المشرف بتكليف الطلاب بأبحاث قصيرة يختارها لهم ، ويوجههم إلى خطة البحث وكيفيته ، ثم يقوم بتصحيح ومراجعة البحث الذى أتمه الطالب ، فإذا أجاد فيه إرتقى به إلى بحث أصعب وأعمق ، وهكذا حتى يتخرج باحثا متعمقا متمكنا من أدواته البحثية .

2 ـ التكليف هو الكلمة الذهبية فى قاعةالبحث ، فالباحث لا يختار ما يحلو له ليكتب فيه ، ولكن يتم تكليفه ببحث معين ، وعليه أن يقوم بالمهمة ليتعلم البحث كوظيفة ومهنة وليس للتسلية واللهو .
وهذا بالضبط ما نتمنى تحقيقه فى موقع أهل القرآن ، ليس فقط فى تخريج جيل جديد من العلماء القرآنيين ولكن أيضا فى بحث ما اتخذه المسلمون مهجورا فى كتاب الله تعالى الذى لم نقرؤه بعد ، ولم نقدره حق قدره.

3 ـ فهناك فجوة هائلة بين القرآن وتراث المسلمين وأديانهم الأرضية ، وهناك إشارات قرآنية تشكل إعجازا فى القصص والتاريخ والعلوم الطبيعية والأنسانية والإجتماعية ، وهناك ما يمكن تسميته بالعلوم القرآنية الحقيقية ، وهى غير علوم القرآن التى تطعن فى القرآن و المشار اليها فى مقالنا :
http://www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php?main_id=1043

ومنذ ثلاثين عاما بدأت أول قراءة موضوعية للقرآن الكريم تبدأ به وتنتهى إليه ، تحتكم فى كل مقولات البشر ، وخرجت من رحلة البحث هذه بأننا لازلنا فى المستوى السطحى لفهم القرآن الكريم الذى يحتاج أجيالا من العلماء القرآنيين الذين يعطون القرآن العظيم حياتهم .

4 ـ ومن هنا فإن مهمة شباب أهل القرآن هى الإنخراط فى قاعة البحث العلمى ليتعلموا منهجية البحث القرآنى العام ، والبحث القرآنى المقارن ( بين القرآن والتراث ) والبحث فى علوم القرآن ...
وسيوضع منهج تعليمى للمستويات البحثية الثلاثة مع مراعاة المستوى الخاص لكل طالب فى قاعة البحث والذى سيتضح من خلال التعامل الواقعى معه فيما يكتب من بحوث ينشرها الموقع ، وبعد إضطلاع الباحث بتكليفات بحثية ونجاحه فيها فى المستويات الثلاث ينطلق باحثا مستقلا واثقا من نفسه ومن أدواته وإمكاناته البحثية .

5 ـ إن قاعة البحث فى موقع أهل القرآن، تفتح أبوابها للجميع .
وتبدأ الخطوة الأولى بالإتصال بالمشرف على قاعة البحث (أحمد صبحى منصور mas5949@yahoo.com ) طلبا للتسجيل ضمن الباحثين .
ثم ينشر المشرف قائمة شهرية بالموضوعات البحثية مع فكرة موجزة عن كل موضوع ، ويقوم المشرف بتكليف إثنين من الباحثين لكتابة موضوع محدد خلال أسبوعين.
ثم تنشر قاعة البحث البحثين وتعرضهما للنقاش مدة اسبوعين آخرين ، حيث يقوم أهل القرآن وغيرهم بالتعليق العلمى ، وفى النهاية يأتى رأى المشرف .
وفى الشهر التالى تبدأ دورة أخرى.
ومن الطبيعى أن تتسع قاعة البحث لنشر العديد من الأبحاث ، بواقع عنوان واحد لبحثين لكل إثنين من شباب أهل القرآن .
وهذا فى موضوعات المستوى الأول من البحث القرآنى : (البحث القرآنى العام )، والذى يستمر عامين من الأن .
بعده تدخل هذه الدفعة من الباحثين إلى المستوى الثانى وهو (الأبحاث القرآنية المقارنة)فى المقارنة بين القرآن والتراث فى التشريع وعلوم القرآن التراثية وتستمر عامين آخرين .
ثم تليها المرحلة الثالثة والأخيرة وهى عامان أيضا فى دراسة (علوم القرآن الأصيلة ) من طبيعية وتاريخية واقتصادية ونواح علمية لم نكتشفها بعد فى القرآن الكريم ، وتلك هى ذروة البحث القرآنى فى المدى المنظور ...
هذا هو الحلم الذى يصبوا إليه موقع أهل القرآن.

6 ـ وأهلا بكم ـ جميعا ـ فى قاعة البحث العلمى فى موقع (أهل القرآن )..

اجمالي القراءات 26617