الصحابة فى القرآن الكريم ـ المقال الثالث :
(الصحابة: هل كانوا خير أمة أخرجت للناس ؟)

آحمد صبحي منصور في الإثنين ٣١ - مارس - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

مقدمة
1 ـ يعتقد السلفيون انهم خير امة أخرجت للناس مهما ارتكبوا من آثام ، ويقف لهم بالمرصاد العلمانيون المتطرفون يتهمون الاسلام بأنه أعطى تفضيلا مطلقا لأتباعه.

2 ـ والحقيقة أنه فى دين الله جل وعلا يأتى التفضيل مرتبطا بمسئولية مترتبة عليه ، فاذا قام المسئول بأعباء مسئوليته استحق التفضيل ، أما إذا فرّط فى المسئولية ضاع منه التفضيل و التكريم وأصبح مستحقا للعنة والتحقير. والعادة ان الأكثرية تعصى فيلاحقها التحقير بينما تطيع الأقلية فتستحق التفضيل .
أما فى أديان البشر الأرضية فكل منها يحتكر التكريم لأتباعه مهما فعلوا ، ويحتفظ بالتحقير لأصحاب الأديان الأخرى واصفا إياهم بالكفر و الضلال محتكرا لنفسه كل الهدى ..
وننتبع الموضوع من بدايته الى نهايته .

أولا :فى تفضيل البشر على بقية الكائنات
يقول تعالى ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ) ( الاسراء 70 )
يتجلى تكريم الله جل وعلا لبنى آدم أن جعلهم خلفاء فى الأرض ، وسخر لهم كل ما فى السماوات والأرض جميعا منه ( الجاثية 13 ). ولكن أغلب البشر يصنعون آلهة وقبورا مقدسة من التراب ومواد الطبيعة المسخرة لهم والتى يسيرون عليها بأقدامهم . وهنا يفقد الانسان ميزته العقلية على الحيوان ، بل يصبح الحيوان أفضل منه ـ لأن الحيوان بلا عقل ، اما الانسان فقد أعطاء الله تعالى العقل وأرسل له الرسل بالكتاب السماوى ، ومع ذلك وقع فى الضلال وهجر الكتاب الالهى . يقول تعالى فى تحقير المشركين الذين فقدوا التكريم و التفضيل :( وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ) ( الاعراف 179 ) أى جعلهم أقل منزلة من الأنعام.
وفى موضع آخر يجعلهم شر أنواع الدواب (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ ) (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ) (الأنفال 22 ، 55). وهو تحقير لا نهاية له أن يكون بعضهم شر الدواب بدءا من الكائنات العضوية والجراثيم و البكتيريا و الحشرات الى الأنعام وحيوانات البر و البحر..
ثانيا :فى تفضيل بنى اسرائيل :
1 ـ ومن المسكوت عنه تكرار القرآن على تفضيل بنى اسرائيل على العالمين . وهى آيات قرآنية يتجاهلها السلفيون ، ويعرض عنها المتطرفون العلمانيون ، وإنشغل هؤلاء واولئك بآية وحيدة تقول (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)
وما ذكره القرآن الكريم من تفضيل بنى اسرائيل يتفق ـ فى ظاهره ـ مع ما يعتقده معظم أهل الكتاب أن بنى اسرائيل هم شعب الله المختار المفضلون على كل الناس ، وكالعادة يرون أن لهم هذا التفضيل مهما فعلوا . وهى نفس العادة السيئة لأكثرية المسلمين التى تزعم أنهم خير أمة أخرجت للناس لمجرد أنهم مسلمون . وهذا ينافى الحق القرآنى لأن الله تعالى ليس منحازا لأحد ، فالانحياز ظلم و ليس رب العزة ظالما .. سبحانه وتعالى عما يصفون.
وبنو اسرائيل هم ـ كما نعلم ـ ذرية يعقوب أو (اسرائيل ) بن اسحاق بن ابراهيم عليهم السلام. ولقد انجب يعقوب أو اسرائيل إثنى عشر رجلا ـ منهم يوسف عليه السلام ـ وصار كل رجل منهم رأس قبيلة بأكملها ، وتكاثرت القبائل الاسرائيلية فى عهدموسى عليه السلام ، وكان من الايات التى أعطاها الله جل وعلا لموسى أن ضرب بعصاه الحجر فنبعت منه إثنتا عشرة عينا ، وصار لكل قبيلة من بنى اسرائيل عين الماء الخاصة بها ( البقرة 60) ( الأعراف 160).

2 ـ لقد ذكر الله تعالى تفضيل بنى اسرائيل بارسال الرسل وانزال الكتب السماوية فيهم ليأمروا الناس بالبر ، وليكونوا قدوة لغيرهم فى التمسك بالحق الذى نزلت فيه الكتب السماوية على انبيائهم . ولذا فان تفضيل بنى اسرائيل يأتى فى القرآن الكريم مرتبطا بمسئوليتهم عن الكتب السماوية ، كقوله تعالى (وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ) (الجاثية 16 ).
ولكن الأغلبية منهم فهموا التفضيل امتيازا مستمرا لهم مهما أجرموا ، فكانوا يأمرون غيرهم بالبر و ينسون أنفسهم ـ كما يفعل شيوخنا فى هذا الزمن الردىء ـ فقال تعالى لهم : (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ) ( البقرة 44 ). نزلت هذه الاية الكريمة ضمن خطاب متصل لبنى اسرائيل فى عهد النبى محمد استمر فى عشرات الآيات فى سورة البقرة، منها تلك الايات ( 40 : 141 ).
وفى هذا الخطاب جاء لهم التفضيل فى معرض التذكير باليوم الاخر الحقيقى الذى لا مجال فيه للشفاعات البشرية ، وقد تكرر هذا مرتين خطابا قرآنيا لبنى اسرائيل يذكرهم بأن تفضيلهم مرتبط بايمانهم باليوم الاخر الذى لا تجزى فيه نفس بشرية عن نفس بشرية ولا يشفع فيه بشر لبشر : (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ ) ، ( يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ )(البقرة 47: 48 ـ 122: 123 ). وهنا إشارة لارتباط أكذوبة الشفاعة بأكذوبة التفضيل المطلق لدى أصحاب الديانات الأرضية ، فهم يعتقدون أنهم الأفضل وأن النبى والأئمة سيشفعون لهم يوم القيامة ، مهما ارتكبوا من آثام .
هذا التذكير لهم بالأفضلية المبنية على مسئولية القيام بالحق ونصرته قاله موسى من قبل لقومه ، فقد حملوا معهم وهم يفرون من مصر تاثرهم بالديانة المصرية القديمة ومعابدها ، وبمجرد أن جاوز بهم موسى البحر الى سيناء رأوا معبدا مصريا فقالوا لموسى : إجعل لنا الاها كما لهم آلهة. فقال لهم موسى (أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَـهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ) ( الأعراف ـ 140 ) وهوتأنيب قاس لهم ، فقد ظنوا أنهم المفضّلون عند الله مهما قالوا ومهما فعلوا فجاء هذا التنبيه القاسى لهم .
3 ـ ولم يكن كل قوم موسى عصاة ، بل كان منهم صالحون ( وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ) ( الاعراف 159 )، وتلك هى طبيعة البشر أن يوجد منهم الطيب و الخبيث ، أو كقوله تعالى (وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ) (الاعراف 181 ).
إلا إن العصاة من بنى اسرائل كفروا بالكتاب وقتلوا الأنبياء ، أى أن أولئك العصاة بعد التفضيل استحقوا اللعنة و التحقير (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ ) ( البقرة 61 ).
واستمر عصيانهم واعتداؤهم على الغير فاستحقوا اللعن على لسان أنبيائهم : داود وعيسى بن مريم عليهما السلام ، يقول تعالى : (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ ) وفى نفس الوقت ضاع التواصى بينهم بالمعروف و النهى عن المنكر (كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ ) واستمروا على اعتدائهم فى عهد النبى محمد عليه السلام فكانوا يتحالفون مع المشركين المعتدين ضد المسالمين المسلمين فقال تعالى (تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَـكِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ ) ( المائدة 78 : 81). وهكذا حلّ اللعن محل التكريم و التفضيل جزاءا على ما ارتكبوه.
والايات الكريمة السابقة جاءت فى السياق القرآنى فى سورة المائدة فى مجال الوعظ لبنى اسرائيل فى عهد خاتم النبيين عليهم جميعا السلام ، ومنه تعداد أفعالهم السيئة وتآمرهم وتكذيبهم كما فى الايات ( 58 : 71 ) من سورة المائدة ، وهى تتحدث عن استهزاء أولئك الناس بالصلاة ، وكيف كانوا يخادعون النبى محمدا يدخلون عليه يزعمون الايمان ثم يخرجون بكفرهم كما هو ، مع مسارعتهم فى الاثم والعدوان وأكل السحت ، وسكوت الربانيين والأحبار عن وعظهم ، وقد لعنهم الله تعالى بسبب قولهم أن الله تعالى يده مغلولة، ولو أنهم آمنوا واتقوا وأقاموا التوراة والانجيل لأنعم الله تعالى عليهم بشتى النعم ..
ثم يذكر رب العزة أن منهم مقتصدين وكثير منهم فاسقون ، وقد مدح السابقين منهم فى مواضع كثيرة وقال مثلا يمدح الصالحين منهم فيقول (وَالَّذِينَ يُمَسَّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ ) ( الاعراف 170) كما قال عن بنى اسرائيل (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ) ( السجدة 24 ).
وفى مجال الوعظ أيضا كان القرآن الكريم يذكرهم باللعنة التى حاقت بأولئك المعتدين من تلك القرية التى كانت حاضرة البحر فانتهكوا حرمة السبت فحق عليهم غضب الله جل وعلا ولعنته ـ بدل التكريم والتفضيل ( الأعراف 163 : 166 ) وأنبأ الله تعالى أن العذاب سيظل يلحق بالعصاة منهم الى يوم القيامة بينما من ينجح منهم فى الاختبار ويخرج منه صالحا سينال أجره (الاعراف 166: 168 ).
وفى معرض الوعظ و التذكير لبنى اسرائيل كان القرآن الكريم يشير الى أولئك الذين استحقوا نقمة الله ولعنته ( المائدة 60 ) ( النساء 47 ) ( البقرة 65 )
وهكذا فان الله تعالى فى تحذيره لهم فى القرآن الكريم كان يذكر العصاة منهم وما ترتب علي عصيانهم من لعن وتحقير كما كان يذكر الصالحين منهم القائمين بمسئولية التفضيل واستحقاقاته .
ثالثا : كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ
1 ـ بل انه حتى فى سياق وعظ أهل الكتاب ليضطلعوا بمسئولية التفضيل جاء قوله تعالى للمسلمين : (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ )
لقد قال تعالى (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ) (آل عمران 64 ) وتوالت الايات فى حواروعظى لأهل الكتاب استمر حتى قوله تعالى يحذر المؤمنين من طاعة العصاة من اهل الكتاب (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) ( آل عمران ـ 101 ) والرسول هنا بمعنى آيات القرآن طالما تتلى بين المسلمين . والتمسك بالكتاب هو الفيصل فى التفضيل ، وهجر الكتاب و تكذيبه بالفعل والقول يستحق اللعن و التحقير .
بعد الايات الكريمة السابقة جاء وعظ الله تعالى للمؤمنين يأمرهم بالتقوى والاعتصام بالقرآن حبل الله المتين ، الى أن قال لهم (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ) ( آل عمران 110 ). هذا هو السياق القرآنى لعبارة التفضيل (الوحيدة ) التى جاءت عن المسلمين .
2 ـ والعادة السيئة أننا نعتقد أننا خير أمة أخرجت للناس مهما ارتكبنا من آثام. والقراءة للآية الكريمة تنفى هذا الفهم.
فالآية الكريمة تقول :(كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ) أى تربط التفضيل (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ) بمسئوليته وهى : ...(تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ ) ..فالأمر بالمعروف يعنى المتعارف عليه من قيم عليا وفضائل عالية مثل العدل و الحرية و السلام و الصدق و الوفاء والاحسان والكرم والشجاعة والدفاع عن المظلوم و الصبر والرحمة .والنهى عن المنكر أى الخبائث الأخلاقية من الاعتداء و الظلم والبخل و الطمع و الكذب و الخداع و البغى و سوء الخلق و خلف الوعد . ومع الأمر بالمعروف والنهى يقترن الايمان بالله تعالى ايمانا صادقا باخلاص الدين له وحده بلا تقديس لبشر او حجر .
فإذا فعل المسلمون ذلك كانوا فعلا خير أمة أخرجت للناس ، واستحقوا هذا التفضيل لأنهم قاموا بشروطه ومستلزماته . أما إذا فرّطوا فهم مستحقون للتحقير، وان يوصفوا بأنهم كالأنعام بل أضل سبيلا ، وهذا ما قاله جل وعلا لرسوله الكريم عن أولئك الذين صحبوه فى حياته وكانوا ممن يتخذ هواه الاها له ومن خلاله يتلاعب بأيات القرآن يتبع ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تاويله وتحريف معانيه ، يقول تعالى يخاطب خاتم النبيين :(أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا )(الفرقان 43: 44 ) .
ولنتذكر ان قوله تعالى (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ) (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ) جاء فى تحقير أولئك الصحابة الذين كرهوا ما أنزل الله تعالى فى القرآن ، أى نزل يشير أولا الى الصحابة فى عهد النبى محمد عليه السلام ، والصحابة هم كل من عاصر النبى محمدا ورآه سواء كان معه أو ضده .
لقد جاء الخطاب للذين آمنوا حول النبى محمد يحذرهم من أن يكونوا كالكافرين العصاة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ ) بعدها قال يحذرهم من مصير أولئك العصاة وتحقيرهم (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ ). وفى نفس السورة أعاد نفس الوصف عن الكافرين المعتدين الذين ينقضون عهود السلام اصرارا منهم على الاعتداء: (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ عَاهَدتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ ) ( الأنفال ـ 22 ، 55 ـ )
3 ـ على ان هناك نبوءة خطيرة فى السياق القرآنى الذى جاءت فيه آية :(كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ ) إذ بعدها يشير رب العزة فى نفس الآية الى تجربة أهل الكتاب فى التفضيل وكيف قام بمسئوليته بعضهم و فرط فيها معظمهم فاستحقوا الذل و اللعنة ( وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ) أى فليس أهل الكتاب جميعا فاسقين .
والنبوءة هنا تتعلق بالمسرفين من أهل الكتاب وعلاقتهم بالمسلمين المتمسكين بالقرآن وشرعه ، فطالما ظل المسرفون من أهل الكتاب بعيدين عن هدى الكتاب الحق فلن ينتصروا فى اى اعتداء يشنونه على المؤمنين مادام المؤمنون متمسكين بالهدى الحق والسلام والعدل مع الله ومع الناس . ولهذا تقول الاية التالية فى حكم الاهى يسرى مستقبلا فوق الزمان والمكان : ( لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ ) أى لن ـ ولن نفى للمستقبل ـ يضركم أهل الكتاب المعتدون إلا بمجرد الأذى القولى ، ولو تطور أذاهم الى اعتداء وقتال حربى فسينهزمون لأن الله تعالى كتب عليهم الذلة بسبب هجرهم للهدى الحق فى كتابهم ، فيقول تعالى ( ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ ) ( الثقف هو التصادم الحربى عند القتال) ، أى إنهم حين يبدأون قتالا معتدين فهم على باطل يستحقون معه وبه وقوع الذلة عليهم ، ولن ترتفع هذه الذلة إلا باصلاح علاقتهم بالله جل وعلا بالاستسلام والطاعة لأوامره ـ وبالسلام مع الناس أى بعدم الاعتداء عليهم ، أو( إشاعة السلام فى الأرض )، هذا هو المراد من قوله تعالى ( ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ).
ثم يقول تعالى عنهم : ( وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ ) أى كان العصيان وقتل الأنبياء سبب ما حاق بهم من ذلة ومسكنة وغضب الاهى . ولأن هذا لا يسرى إلا على الظالمين فقط من أهل الكتاب فان الاية التالية تقول عن السابقين المتقين منهم (لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ ..) (آل عمران 113 : 115 ).
4 ـ أى أن قوله تعالى :(كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ) جاء فى سياق تجربة اهل الكتاب فى اختبار التفضيل الذى يعنى المسئولية .
والتدبر فى حديث القرآن الكريم عن هذه المسئولية و عقوبة التفريط فيها لا بد أن يذهب بنا الى الوضع الراهن للمسلمين ، وقد استحقوا الذل و الخزى والهوان أمام أهل الكتاب فى الغرب والشرق (الأوسط ) بحيث أن القارىء المنصف المحايد حين يقرأ قوله تعالى (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ ) يراها تنطبق على حال المسلمين اليوم . وحتى لو قرأ قوله تعالى فى نفس الاية (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ ) لرآها يمكن أن تنطبق على المسلمين اليوم لو لم يكن محمد عليه السلام خاتم النبيين. أى لو إفترضنا أن جاءهم اليوم نبى بعده لقتلوه كما كان مجرمو اهل الكتاب يفعلون. ولولا أن الله تعالى ضمن حياة النبى محمد وقال له (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) ( المائدة 67 ) لكانوا قد قتلوه. ولو تخيلنا ان النبى محمدا بعثه الله تعالى من قبره وسار فى القاهرة وراى ضريح الحسين ودخل الأزهر و اعترض على ما يسمع من أحاديث منسوبة له كذبا لأتهمه الشيوخ بانكار السنة و إزدراء الدين ، ولكنه سيكون أسعد حالا مما لو ذهب الى بلد آخر يقنن القتل بحد الردة.!!
واليوم فان كل من يدعو الى ما دعا اليه النبى محمد عليه السلام تلاحقه فتاوى التكفير والقتل بالردة ، وهو نفس ما كان يفعله الظالمون من أهل الكتاب فى العصور القديمة و الوسطى ، وقد أشار رب العزة الى انهم كانوا يقتلون الأنبياء وأتباع الأنبياء الذين يأمرون بالقسط ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الِّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ) ( آل عمران 21 ).
رابعا : علماء الدين والتفضيل :
1 ـ والذين يأمرون بالقسط من الناس هم بمصطلح القرآن الكريم ( العلماء ). ولكن هناك (علماء ) يتخلفون عن هذه المهمة السامية: يخونون امانة العلم ، يشترون بآيات الله جل وعلا ثمنا قليلا ، يخدمون الحكام ، يبررون الظلم ، يأكلون السحت . وبين العلماء ( الصالحين ) والعلماء (الضالين ) ترى التفضيل او اللعنة والتحقير .. وكل ـ حسب عمله .
ونضع القضية على النحو التالى :
1 ـ فالعالم هنا فى المصطلح القرآنى هو الذى يرتبط علمه بتقوى الله جل وعلا ، وبخشيته (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء ) (فاطر 28 ) ،وهو الذى يقضى الليل عابدا ساجدا ((أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ ) (الزمر 9 ) وبالطبع لا يمكن ان يتساوى هذا العالم التقى النقى بمن يسهر الليل فى خدمة السلطان وحاشية السلطان . وبهذا التحديد فان المجال مفتوح أمام كل انسان ليتبحر فى العلم و ليتعمق فى الايمان و العمل الصالح. ليس هنا كهنوت أو طبقة تحتكر العلم والتقوى ، وإنما هو مجال مفتوح للجميع لمن شاء الهداية والعلم ، ولمن شاء الضلال والاضلال .
2 ـ هذا العالم التقى يستحق التكريم والرفعة عند الله تعالى :(يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) ( المجادلة 11 )
3 ـ وفى مقابل هذا التكريم للعالم فان مسئوليته شديدة الحساسية ، فليس عليه فقط ان يمتنع عن قول الباطل ، ولكن عليه أيضا ألاّ يكتم الحق ، فإذا سئل أجاب بالحق ولو كره الكارهون الظالمون المعتدون . فإن كتم الحق استحق اللعنة بدل التكريم ، يقول تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ) فإن تاب فلا بد أن تبدأ توبته باعلان الحق الذى كتمه ، وهنا فقط تسقط عنه اللعنة (إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَـئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) ( البقرة 159 ـ 160 )
4 ـ هذا عن العالم الربانى الحقيقى . أما الصنف الآخر من العلماء الذى باع للشيطان نفسه فان رب العزة جعله كالكلب فى هذا المثل : ( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (الاعراف 175 : 176) ومهما قصصنا هذا المثل فهل سيتفكر علماء السلطة ؟
ويقول تعالى فى توصيف أولئك العلماء (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً ) أى انهم لا يكتمون الحق فقط بل ايضا يتلاعبون به ويقلبونه باطلا ليشتروا به ثمنا قليلا . ويقول تعالى عن عذابهم ( أُولَـئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) ( البقرة 174 )
الخطورة هنا فى قوله تعالى عنهم يوم القيامة (وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ) فهذا يعنى انهم أصبحوا خصوما لله جل وعلا، أى أصبح القاضى الأعظم يوم القيامة خصما لهم لا يكلمهم ولا يزكيهم بل حتى و لا ينظر اليهم كما جاء فى قوله تعالى عنهم فى موضع آخر (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَـئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) ( آل عمرن 77)
ولكن ماهى ماهية ذلك العذاب الأليم الذى ينتظرهم ؟
يقول تعالى عنه(أُولَـئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ) ( البقرة 175 ) اى يتعجب رب العزة من صبرهم على النار (فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ).
وهكذا .. فالتفضيل مسئولية ، من قام بها استحق التكريم فان فرط فيها استحق التحقير .. وليس الله تعالى منحازا لفرقة او طائفة .. سبحانه الغنى عن العالمين ..
أخيرا :
وفى النهاية هيا نحتكم الى القرآن الكريم وتشريعه فى تحريم البغى و الاعتداء الظالم على الشعوب المسالمة و احتلال أراضيهم واستعبادهم وسبى نسائهم وذرياتهم .. سنجد القرآن الكريم يحرّم ويجرّم ذلك .
فإذا ارتكب الظالمون ذلك مستغلين دين الله تعالى واسمه العظيم فالجريمة هنا تكون أفدح لأنها تكون ظلما لله تعالى ودينه قبل أن تكون ظلما للبشر المقهورين المظلومين.
فإذا ارتكب الصحابة ذلك تحت اسم (الفتوحات الاسلامية ) فهل يكونون خير أمة أخرجت للناس أم شرّ أمة أخرجت للناس ؟
طبعا لا نحكم على كل الصحابة ، ولكن على من ارتكب ذلك منهم فقط .

اجمالي القراءات 39826