حصاد الكارثة يتصاعد وإحتقان بين الأهالي، وإتهامات متبادلة
عزبة بخيت المصرية... من عشوائية البناء إلى عشوائية الكوارث

في الإثنين ٠٨ - سبتمبر - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

عزبة بخيت"، التي تقع في منطقة "منشية ناصر" وسط القاهرة، تحولت إلى مسرح مأسوي نتيجة كارثة انهيار كتل صخرية هائلة على عشرات المنازل، وهي الكارثة التي يجمع المتخصصون وعلماء الجيولوجيا على أنها قابلة للتكرار، وإن ما يفصلنا عن كارثة جديدة من هذا النوع ليس إلا مسألة وقت ليس أكثر، لأن الأسباب التي أدت إلى الانهيار الصخري لم تزل قائمة، وبالتالي فتكرار الكارثة أمر وارد بل ومتوقع أيضًا.



ولعل جولة قصيرة وسط الأنقاض كفيلة بأن تصيب المرء بالذهول من فرط العبثية والعشوائية التي تتسم بها كل مفردات المكان وملامحه، فلم تتوقف هذه العشوائية عند البنايات التي تركتها السلطات تنبت وتتكاثر دون أن تتدخل لمنعها خاصة وأنها شيدت خارج رحم النظام تماماً، بل تمتد هذه العشوائية إلى الكوارث الطبيعية والمحتملة والمتوقعة وصولاً إلى عشوائية إزالة الأنقاض حيث يمارس الأهالي بأنفسهم عمليات الإنقاذ، جنباً إلى جنب مع السلطات المعنية، وهذا مشهد قلما يمكن للمرء أن يشاهد مثيلاً له في التعامل مع هكذا كارثة تقع في أي دولة أخرى غير مصر .



عشرات من سكان المنطقة الذين التقيناهم في مسرح الحدث وجهوا اتهامات قاسية إلى السلطات المحلية، قائلين إن أجهزتها تباطئت في عمليات الإنقاذ، وإنها أهملتهم على مدى عقود، وأنهم يعاملون باعتبارهم "عبئاً" على الدولة، بينما يقول مسؤولون حكوميون إن الأهالي لم يراعوا أبسط قواعد الالتزام بقوانين البناء، ولم يمتثلوا للتحذيرات المتكررة بعدم البناء في هذه المناطق الخطرة، وخارج إطار التنظيم .

جذور الكارثة
أما في تفاصيل آخر الأنباء المتصلة بهذه الكارثة، فوسط توقعات بأن يصل عدد القتلى إلى 200 شخص خلال الأيام القليلة المقبلة، فقد اعترف ناطق حكومي مصري بارتفاع عدد الضحايا، قائلاً إن جهود الإنقاذ تتواصل على مدار الساعة، وأنه ما زال يجري إنقاذ بعض الجرحى حتى الآن، وتستخرج جثث للضحايا .



وحسب بيانات رسمية مصرية فقد ارتفع عدد القتلى إلى اثنين وثلاثين قتيلاً، بينما ارتفع عدد المصابين في الحادث إلى 46 شخصاً، ومازالت عمليات انتشال الضحايا مستمرة حتى ساعة كتابة هذا التقرير .
وقال مصدر بإدارة الحماية المدنية إن عمليات الإنقاذ مازالت مستمرة، على الرغم من عدم وجود أي وسائل مساعدة، حيث يتم رفع الأنقاض بمعرفة رجال الحماية المدنية بالمعدات التقليدية، وذلك نظراً لضيق مساحة الشوارع بالمنطقة، وعدم تمكن الأوناش من الدخول إليها .



وأشار المصدر إلى أن الأجهزة المعنية أزالت وصلة من خط السكة الحديد الموجود بمدخل المنطقة، حتى تتمكن الأوناش والرافعات الكبيرة من الدخول إليها والمساهمة في رفع الكتل الصخرية الضخمة المنهارة .
وحذر خبراء جيولوجيون من إحتمال تكرار كارثة الانهيار الصخري مجدداً وطالبوا بضرورة إخلاء كافة البنايات في هذه المنطقة، قائلين إن الطبيعة الجيولوجية للتربة في هذه المنطقة تتألف من أحجار جيرية إضافة إلى "طفلة"، وأن البيوت الموجودة بشكل عشوائي على الأسطح الجانبية للجبل ، وكذلك البيوت الموجودة اسفلهم تتسم بنظم صرف صحي بدائية من خلال ما يسمى "الطرنشات" أو "البيارات" التي تتسبب في تحلل جزيئات الحجر الجيري وتفتته، حيث يتخلخل تدريجياً حتى تنهار الكتل الصخرية بشكل مفاجئ على النحو الذي حدث في هذه الكارثة .

وتشكلت الملامح الأولى لمنطقة "منشية ناصر" و"الدويقة" في مستهل عقد الستينات من القرن المنصرم، وتضخمت المنطقة بمرور الوقت حتى بلغت مساحتها الاجمالية حالياً أكثر من مائة فدان على الأقل، وباتت تضم ما لا يقل عن مليونين من أكثر المصريين تهميشاً وفقراً، الذين أسسوا بنايات عشوائية لم تخضع للتنظيم واشتراطات البناء، بل تجاورت مع مساكن شعبية شيدتها محافظة القاهرة،‏ ومعظم المقيمين فيها من النازحين من الريف الذين يعملون في مهن هامشية، ويعيشون بدخول متواضعة، وتنتشر بينهم الجريمة والمخدرات على نحو واسع .

اجمالي القراءات 5659