اختلاف القيم العليا

آحمد صبحي منصور في الأحد ٠٩ - سبتمبر - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

نص السؤال
ان القيم الانسانيه من عدل وحق وحقوق انسان قيم لا خلاف عليها وهى ذاتها قيم الاسلام .والحقيقه انا اجد ان مفهوم هذه القيم فى الاسلام يختلف عن المفهوم الغربى لها ، فمفهوم حقوق الانسان مثلا من حق الانسان فى سلامه جسده(من عدم جواز تطبيق عقوبه بدنيه عليه ) وحقوقه الجنسيه (العلاقات خارج الزواج والعلاقات المثليه ) ومفهوم المساواه بين الرجل والمراه ومفهوم الحريه فى مجتمع يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ومجتمع اخر لا يضع حدودا للحريه كل هذا وغيره يجعلنا وان تلاقينا فى كثير من القيم وان جمعتنا كثير من المفاهيم تظل لنا خصوصياتنا فى فهم هذه القيم نستمدها من القران او بمعنى اعم من الرساله السماويه .
آحمد صبحي منصور
هنا يقع الفارق بين التجريد و التطبيق و التداخل بينهما بتنظير بعض الأهواء وادخالها ضمن المجردات المطلوب تطبيقها.
وعفوا وعذرا من هذا الكلام (الملعبك ) وأشرح المقصود منه.
القيم العليا هى قيم مجردة ، أى مجرد معانى ـ يتخيلها المصلحون و يتمنون تطبيقها ، وهى تمثل أروع و أبدع ما يكون ، ولكن تطبيقها واقعا بنسبة 100 % مستحيل لأنه إلغاء للشرور و الفجور الكامن داخل كل نفس بشرية ، وإلغاء لدور الشيطان ووسوسته ، وإلغاء للصراع وهو القانون الذى نزل به آدم وبنوه من الجنة الى الأرض حيث هبطا منها بعضهم لبعض عدو ، ثم هو إلغاء لحتمية اليوم الاخر و الثواب و العقاب و الحساب و الجنة و النار ، لأن ذلك يستلزم وجود خير و شر و صراع بينهما.
أى أن القيم العليا المجردة لا بد أن تتعرض لعوامل التعرية الاجتماعية و البشرية عند دخولها فى عالم التطبيق الفعلى ، بل أن ذلك المصلح الحالم بها لا يستطيع أن يطبقها 100 % على نفسه لأنه بشر يخطىء ويصيب . ولذلك فان أحلام البشر بالتغيير الاجتماعى تحت شعار العدل و الذى أنتج الشيوعية قد نحولت الى كابوس من الظلم ليس فقط فى إهدار الحرية و لكن فى تاكيد الطغيان والاستبداد الذى أضاع العدل ، وقد حدث هذا فى إطار مذهب بشرى اصلاحى .
وتصبح تلك المصيبة جريمة كبرى حين تحدث مع الدين الالهى ، وهنا لا يقتصر الأمر على خيانة التطبيق بل وتحويل تلك الخيانة الى نصوص دينية بالتزوير ـ فالمسلمون الصحابة عصوا الله تعالى بالهجوم وقتل و قتال من لم يقم بالاعتداء عليهم فيما يسمى بالفتوحات الاسلامية ، ثم جرى تسويغ ذلك وتبريره باحاديث مصنوعة قام عليها دين السّنة . أى أن الأمر يبدأ بالمعصية ثم تتحول المعصية الى تشريع يدخل ضمن التأطير والتجريد . وعلى سبيل المثال فان فريضة الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر هى دعوة لتطبيق المتعارف عليه من القيم العليا من العدل و الحرية و الرحمة و العطف و الصدق و البر و الاحسان و العفو و الشجاعة و الصبر ..الخ و النهى عن المتعارف على انه منكر قبيح من الظلم و الطغيان و البغى و القسوة و الجغاء والكذب و الخداع و الرياء والنفاق ..الخ .... ولكن تحولت بالتطبيق و التنظير و التجريد الى ما يفعله المطوعة فى السعودية وهو تطبيق للحديث الضال القائل ( من رأى منكم منكرا فليغيره .. ) وستأتى لنا وقفة تفصيلية مع هذا الموضوع فيما بعد بعونه جل وعلا.
هذا ما حدث مع ( المسلمين ) فى تطبيقهم للاسلام ـ بدءوا فى العصيان عند التطبيق للمبادىء المجردة و القيم ، ثم قاموا بتحويل العصيان الى تشريعات مجردة عبر الأحاديث و التفسيرات ودعاوى النسخ التراثى.
وهذا أيضا ما يفعله الغرب ( العلمانى )
هو يتفق مع المسلمين فى التطلع لتلك القيم المجردة ، ولكنه قد اعتاد على نمط من الحياة لا يستطيع التنازل عنه بسبب ايمانه بالحرية المطلقة للفرد ولو على حساب المجتمع ، ولكون الفرد فى المجتمع الغربى هو أساس المجتمع بينما تكون الأسرة فى المجتمع الشرقى هى أساس المجتمع.
المهم أن الغرب يحاول تبرير ذلك بالاعتراف بها وإقرارها ضمن منظومة فهمه للحرية ، أى يحول العصيان الى تراضى عليه فى إطار النقاش و الرأى و الرأى الآخر ، وحرية أن تفعله وأن لا تفعله.
والحرية تصحح نفسها بتفسها ، ونقول ـ من واقع التجربة و المعايشة للمجتمع الأمريكى ـ أن النقاش و الحوار الحر يقوم باصلاح حقيقى يأخذ مجراه الى التشريع والتصحيح .
وهنا يختلف الأمر مع مجتمعات المسلمين ، لأن الغرب العلمانى جعل كل تلك القيم المجردة وتطبيقها و الالتفات حولها و تغييرها ونقضها أو التمسك بها يدخل ضمن الجهد البشرى غير المعصوم ، أى إنها كلها أفكار بشرية و سلوكيات بشرية تخضع للنقد والنقاش. ولكن فى بلادنا الحزينة يتحول الإجرام الى فضيلة لا يمكن مناقشتها لأنها قد تحصنت بحديث نبوى و (سنة نبوية ) وقال صلى الله عليه وسلم ، ولذلك يصبح قتل الأبرياء جهادا ، و قهر الأحرار واضطهادهم ومطاردتهم فرضا ضمن دين السّنة ، ومن يحاول النقاش يصبح منكرا للسنة.
باختصار نحن صرعى لأديان أرضية شيطانية جعلت الحق باطلا و الباطل حقا ، ونسبت ذلك لله تعالى ورسوله.
ولذك فانه خلال ما تبقى لنا من عمر ـ وهو قصير ـ لا بد من الدخول المباشر الى منبع الخطأ و الخطيئة ، وهى تلك الأحاديث و تلك السنن.
وخلف كل مصيبة يقع فيها المسلمون تجد حديثا ينسبونه للنبى محمد عليه السلام.

اجمالي القراءات 18357