تفاهة مؤتمر القمة العربية

د. شاكر النابلسي في الإثنين ١٧ - مارس - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

1-
يذهب الزعماء العرب من عام إلى عام – وليس كل عام - إلى مؤتمر قمة، هذا إذا كان الجو رائقاً، والشمس ساطعة والسحب منقشعة. ويلتقون بعضهم بعضاً، فيزور كل منهم الآخر في مقر إقامته، ويتجاذبون أطراف الحديث حول العلاقات الثنائية وأحوال العالم العربي وأحوال الدنيا. والغريب أنه منذ بدأت كرنفالات وأعراس مؤتمرات القمة منذ عام 1946 في أنشاص بمصر، لم نقرأ أو نسمع قراراً قممياً من قرارات القمة المهمة، ما عدا قرارات مؤتمر قمة الخرطوم بعد الهزيمة العسكرية الكبرى عام 1967 التي قرر فيه العرب اللاءات الثلاث (لا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف) ولكن هذه اللاءات لم تلبث أن لُحست، وتفاوض وتصالح واعترف جزء من العرب الكبار والصغار بإسرائيل.

-2-
الدليل على تفاهة مؤتمرات القمة حتى الآن، أن الأمور العربية (ماشية على ما يرام) بمؤتمرات القمة وبدون مؤتمرات القمة. وسواء كان الحضور في مؤتمرات القمة على مستوى القمم أو على مستوى القواعد فالنتائج تكون واحدة: تبويس لحى، وتبادل ابتسامات صفراء، وربما نشوب مشاجرات وإلقاء تهم ومسبات على مواضيع جانبية تافهة، وإصدار قرارات إنشائية لا تُسمن ولا تُغني من جوع.
فـ "النهضة العربية المباركة"، لم تتوقف حين توقفت مؤتمرات القمة عن الانعقاد أكثر من 20 مرة منذ عام 1966 إلى الآن.
و"التنمية العربية الشاملة" لم تتعثر نتيجة لعدم انعقاد مؤتمرات القمة في الأعوام 1966، 1968، 1970، 1971، 1972، 1975، 1977، 1982، 1983، 1984، 1986، وكذلك طيلة عشر سنوات متتالية (1991-2000). بل لقد شاهدنا أن الخصام بين الأنظمة العربية يشتد، أثناء وبعد انعقاد مؤتمرات القمة. فهل يُلام بعضهم حين أطلق على مؤتمرات القمة "مؤتمرات الحضيض" كما قال أحمد الجار الله، رئيس تحرير "السياسة" الكويتية.
-3-
قمة دمشق في نهاية هذا الشهر هي قمة اللطم والبكاء على الأطلال بامتياز.
البكاء على فلسطين، والبكاء على لبنان، والبكاء على العراق، والبكاء على من لم يستحقوا البكاء بعد.
وقمة دمشق هي قمة اللطم ولكن بدون تطبير، فصاحب الطبر (السكين الكبير) الأكبر (أحمدي نجاد) لن يُدعى للمؤتمر، خوفاً من (العُذّال) العرب، ورفعاً للعتب!
وقمة دمشق هي قمة التنديد والوعيد، لأعداء الأمة العربية، الذين يتزايدون كل يوم ولا ينقصون منذ انعقاد القمة العربية عام 1966.
وقمة دمشق هي قمة المقاومة، وتسنيد المقاومة في لبنان وغزة التي تتفق مع ممانعة سوريا وإيران لإحلال السلام في المنطقة وبناء الدولة الفلسطينية، بعد أن تبين الخيط البيض من الخيط الأسود، وأن السلاح والسلام لا يلتقيان في الشرق الأوسط، في ظل وجود دولة ذات جيش ضارب، وتسليح حديث وغزير كإسرائيل.
وسوف نستمع في قمة دمشق القادمة إلى خطاب الرئيس الأسد (الدولة المضيفة) الذي سيتحدث فيه عن التضامن العربي، والوحدة العربية، وضرورة حلَّ الخلافات، وتعاون الدول الغنية مع الدول الفقيرة، واليقظة لما يُدبّر لهذه الأمة "المجيدة" من مؤامرات ومكائد من قبل أمريكا وإسرائيل، وضرورة الصف العربي الموحد تجاه هذه المؤامرات.
وسنسمع إنشائيات وشعارات مختلفة مأخوذة من أدبيات حزب البعث القديمة والجديدة، والمؤتمرات القومية. وستنتهي القمة بإصدار قرارات كانت جاهزة قبل المؤتمر بأيام بواسطة وزراء الخارجية العرب. وما اجتماع القمة العربية على اللحم والثريد، إلا لكي (يبصم) الرؤساء على هذه القرارات. وكان بإمكان (الشجيع) عمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية أن يحمل هذه القرارات بطائرة خاصة، ويلفَّ بها على العواصم العربية لتوقيعها، وكان الله بالسر عليم.
فلا قمة ولا من يحزنون.
وكان يمكن توفير الأموال التي صرفت على هذه القمة من حِلٍ وترحال وطبيخ ونفيخ، على الدول الجائعة التي تصطف شعوبها لساعات طويلة بذل، ومهانة، وآخر (هرقلة) أمام المخابز للحصول على الرغيف.

-4-
لقد أصرّت سوريا على عقد القمة هذا العام، لكي تُثبت للعرب والعالم براءة الذئب من دم ابن يعقوب، وأن الأسد شيخ القبيلة العربية لهذا العام، سيستقبل في مضرب خيامه شيوخ العشائر الأخرى بالترحاب والجواب. ولكي يُثبت (بشار قلب الأسد) أن سوريا (قلب العروبة النابض بالمكائد) غير محاصرة، وأنها غير منبوذة أو مكروهة، وأن (الأشيا معدن). وإصرار سوريا على هذه القمة لهذا العام نابع من أنها تظن – وربما يكون هذا صحيحاً – بأنها ستمحو آثار دماء الماضي التي نزفت بغزارة شديدة غير مسبوقة في العراق منذ 2003، وفي لبنان منذ 2005، وما زالت تنزف إلى الآن. وبذا، تفوز سوريا بكلا الحُسنيين وليس بأحدهما وهما: استعادة مكانتها المعهودة في العالم العربي كقلب نابض للعروبة، وإبقاء الأزمة اللبنانية على ما هي عليه حتى حلول موعد الانتخابات اللبنانية التشريعية 2009، لكي تضمن اعتلاء الملك ميشال عون عرش لبنان، وهو ما تريده الآن، ولكن ما باليد حيلة.

-5-
لا أدري، ما هو شعور الزعماء العرب الذين سيتوافدون على دمشق، وهم يصافحون المسئولين السوريين الذين تلوثت أيديهم بدماء آلاف الشهداء في لبنان والعراق؟
لا أدري، ما هي رائحة المسئولين السوريين، وهم يعانقون الرؤساء العرب وأعضاء الوفود العربية، والتي لا تختلف عن رائحة ثياب جزاري المسالخ العربية؟
ولا أدري، كيف سيجلس الرؤساء العرب وأعضاء الوفود العربية أمام المسئولين السوريين في قاعة القمة العربية، وهم يتبادلون الابتسامات الصفراء، وغمزات المكيدة والتحدي؟
فحفل افتتاح القمة العربية في دمشق سيكون مشهداً درامياً من الدرجة الأولى، وقد التقت الضحايا بالجزارين، والرقاب بالسكاكين، والحملان بالثعالب، والطيور بالقنّاصين.

-6-
قرار واحد فقط سوف يشفع لهذه القمة، ويعتبرها قمة إنسانية ناجحة، ويرفع لها القبعات عالياً، وهو أن تتخذ الدول العربية الغنية بالبترول والتي ارتفعت أرصدتها وميزانياتها إلى أرقام خرافية، بالبدء فوراً في تشكيل صندوق عربي لإنشاء آلاف المدارس الحديثة، ومئات المستشفيات العصرية، واستصلاح آلاف الأفدنة من أجل زراعتها بالقمح والحبوب الأخرى الضرورية في العالم العربي الفقير، وزراعة مساحات واسعة من شجر الزيتون لتوفير هذا الزيت الذي أصبح الآن أغلى بمئات المرات من البترول. فليتر زيت الزيتون الآن بسبعة دولارات بينما برميل البترول بمائة دولار. وشجر الزيتون يعيش مائة عام من العطاء السنوي المتكرر. وإعطاء سعر خاص لبرميل البترول للدول العربية الفقيرة، أو دعم سعر البترول على الأقل. فلا يجوز أن يظل هذا التفاوت الكبير بين مداخيل الدول الغنية والدول العربية الفقيرة، الذي ولّد الآن حقداً دفيناً، والذي سيولّد غداً ثورات الجوع الذي بدأ يكتسح مناطق كثيرة من العالم العربي. فعندما يرى العربي في الدول الفقيرة أن معدل دخله السنوي لا يزيد عن ألف دولار، بينما معدل دخل الفرد في جيرانه من الدول العربية الغنية يزيد على 15 ألف دولار سنوياً، دون تعب، أو شقاء، أو جهد، أو علم، أو معرفة، أو بحث، وإنما هي هبة السماء، فسيثور. وليس هناك ثورة أعتى وأقسى من ثورات الجياع. وتذكروا ما حصل في فرنسا عام 1789.
فلماذا لا يشارك العربي الغني أخاه العربي الفقير في هذه الثروة الإلهية المجانية الهائلة، والتي رُزق بها العرب كلهم وليست فئة منهم فقط، ولو من باب المساعدات المالية التي يجب أن لا تُدفع نقداً، حتى لا يسرقها الحكام والمسئولون والنصّابون، وإنما تُقدم المساعدات على هيئة مشاريع تنموية زراعية وصناعية وتجارية وثقافية؟
وفي ذلك وحده نستطيع أن نُترجم "التضامن العربي" على أرض الواقع ترجمة حقيقية وفعلية، بدل أن يبقى مُضَغاً في الأفواه، وشعارات هادرة، وخطب زاجرة.
وبعدها سنرفع القبعة عالياً لمؤتمر القمة هذا، ونقول للزعماء العرب:
مرحى لكم، فأنتم حكماء الزمان، وفرسان الميدان.
السلام عليكم

اجمالي القراءات 13710