أهم ما جاء فى كتب عذاب القبر بين الإثبات والنفى..

في الأربعاء ٣٠ - يوليو - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

 

حالة من الجدل أثارتها بعض الفيديوهات التى انتشرت مؤخرًا حول عدم وجود أدلة على "عذاب القبر"، حيث رأى بعض منكرى عذاب القبر أو نعيمه أنه فى حالة إذا ما تم الكشف عن الميت فى قبره لوجد كما دفن مع بعض التغيرات التى تطرأ على الجسد من أثر الوفاة، وأن حجم القبر لم يتغير، سواءً من ناحية الاتساع أو الضيق، كما يقول بعض المتحدثين باسم الدين، وأنه لا وجود للثعبان الأقرع.

فيما يرى بعض المؤكدين على وجود عذاب القبر ونعيمه، أن هناك العديد من الأدلة فى الكتاب والسنة بينت وقوع عذاب القبر ونعيمه، وهو الأمر الذى لا يجوز معه إنكار – بحسب ما يقولون – إضافة إلى أن ما يحدث داخل القبر هو من الأدلة الحسية، استنادًا إلى أن النوم هو موتة صغرى، وفيه يرى الإنسان النائم ما ينعم فيه، وما يؤلمه فيفزع من النوم، وحول عذاب القبر ونعميه بين الثبوت والإنكار، امتلأت الأرفف بالعديد من الكتب هو التأكيد على عذاب القبر ونعيمه.

ففى كتاب بعنوان "القبر.. عذابه ونعيمه" الصادر ضمن سلسلة بداية السالكين لمن أراد التمسك بهذا الدين عن مكتبة التوعية الإسلامية لمؤلفه "حسين العوايشة" والذى يتناول فيه أحوال المرء ما قبل قبض الروح، وما يكون بعدها، وما يتعرض له المؤمن والكافر، من سهولة وصعوبة خروج الروح، ويستدل الباحث فى كتابه حول تأكيد عذاب القبر بحديث عن عائشة رضى الله عنها رواه أحمد بإسناد صحيح وهو مخرج فى صحيح الترغيب والترهيب، وفيه قالت: جاءت يهودية استطعمت على بابى فقالت: أطعمونى أعاذكم الله من فتنة الدجال ومن فتنة عذاب القبر، قالت: فلم أزل أحبسها حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، ما تقول هذه اليهودية قال: وما تقول: قلت: أعاذكم الله من فتنة الدجال ومن فتنة عذاب القبر، قالت عائشة: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفع يديه مدًا يستعيذ بالله من فتنة الدجال ومن فتنة عذاب القبر، ثم قال: أما فتنة الدجال فإنه لم يكن نبى إلا حذر أمته، وسأحدثكم بحديث لم يحذره نبى أمته أنه أعور، وأن الله ليس بأعور، مكتوب بين عينيه كافر يقرؤه كل مؤمن، فأما فتنة القبر فبى يفتنون وعنى يسألون، فإذا كان الرجل الصالح، أجلس فى قبره غير فزع ولا مشعوف، ثم يقال له: فما كنت تقول فى الإسلام؟ فيقال ما هذا الرجل الذى كان فيكم؟ فيقول: محمد رسول الله جاء بالبينات من عند الله فصدقناه، فيفرج له فرجة قبل النار، فينظر إليها يحطم بعضها بعضًا، فيقال له: أنظر إلى ما وقاك الله، ثم تفرج له فرجة إلى الجنة، فينظر إلى زهرتها وما فيها، فيقال له: هذا مقعدك منها، ويقال: على اليقين كنت، وعليه مت، وعليه تبعث إن شاء الله، وإذا كان الرجل السوء، أجلس فى قبره فزعاً مشعوفًا، فيقال له: فما كنت تقول؟ فيقول؟: سمعت الناس يقولون قولاً فقلت كما قالوا: فيفرج له فرجة إلى الجنة، فينظر إلى زهرتها وما فيها فيقال له: انظر إلى ما صرف الله عنك، ثم يفرج له فرجة قبل النار، فينظر إليها يحطم بعضها بعضا، ويقال: هذا مقعدك منها، على الشك كنت وعليه مت، وعليه تبعث إن شاء الله ثم يعذب.

ويستدل الباحث فى كتابه هذا بالعديد من الأحاديث التى تتناول أحوال المرء داخل القبر، وتشير إلى الفرق بين المؤمن والكافر، وكيف يوسع الله قبره سبعون ذراعاً، ويملأ عليه خضرًا إلى يوم يبعثون كما جاء فى الحديث الذى صححه الألبانى – بحسب ما يذكر الباحث – والذى يحمل رقم 737 فى صحيح الجامع، حيث يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن العبد إذا وضع فى قبره وتولى عنه أصحابه، حتى أنه يسمع قرع نعالهم، أتاه ملكان، فيقعدانه فيقولان له: ما كنت تقول فى هذا الرجل؟ - لمحمد – فأما المؤمن فيقول "أشهد أنه عبد الله ورسوله"، فيقال انظر إلى مقعدك من النار، قد أبدلك الله به مقعدًا من الجنة، فيراهما جميعاً، ويفسح له فى قبره سبعون ذراعاً، ويملأ عليه خضرًا إلى يوم يبعثون. وأما الكافر أو المنافق، فيقال له: ما كنت تقول فى هذا الرجل؟ فيقول: لا أدرى، كنت أقول ما يقول الناس، فيقال له: لا دريت ولا تليت، ثم يضرب بمطراق من حديد ضربة بين أذنيه، فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين، ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه. 

من ناحية أخرى، يرى الدكتور أحمد صبحى منصور، فى كتابه "عذاب القبر والثعبان الأقرع" أنه فى الوقت الذى يتقدم فيه العالم بمزيد من العلوم تقترب إلى الخيال، يحصر المسلمون اهتماماتهم حول قضايا ترجع إلى "خرافات" تنتمى إلى ما قبل الميلاد من نوع عذاب القبر والثعبان الأقرع وأنها من اختراع المصريون القدماء منسوبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم – بحسب ما يصف – وأن من ينكرها يكون بالضرورة كافرًا.

ويقول أحمد صبحى فى دراسته، أن الحملة الفرنسية وقبلها التدخلات البريطانية فى الخليج العربى والدولة العثمانية أحدثوا هزة عنيفة فى المجتمعات الإسلامية التى بدأت فى النهوض واتخاذ طريقين، فى صحراء نجد ظهرت الدعوة الوهابية التى تنشد العودة إلى الماضى وتعتبر التصوف وحده سبب التخلف، وتزعم أن الأحاديث التى رواها السلف هى سبيل النجاة، وفى مصر نهض محمد على إلى إنشاء دولة عصرية على النسق الأوروبى، وسار مشروع الدولة الحديثة يتقدم حينًا ويكبوا أحيانًا حسب النفوذ الأجنبى وشخصية الحاكم، بينما قامت الدولة الوهابية ثلاث مرات وسقطت مرتين إلى أن جاء عصر النفط وأتيح لثقافة الوهابيين أن تغزو عقول المصريين والمسلمين عبر قطار النفط السريع، فأعيدت إلى المناقشات الفكرية قبيل القرن الحادى والعشرين قضايا كانت تعتبر فى العصور الوسطى فى قاع التراث مثل اللحية والجلباب والثعبان الأقرع وعذاب القبر وسائر الغيبيات الخرافية التى يرفضها القرآن الكريم – بحسب ما يقول الباحث – وقبل عصر النفط كان فى مصر حركة اجتهاد دينى بين جنبات الأزهر تزعمها الإمام محمد عبده ومدرسته المتفتحة، وظل عطاء هذه المدرسة قائمًا ومتجددًا حتى الستينيات من هذا القرن العشرين فى شخص الشيخ محمود شلتوت، والذى ردد أقوال الإمام فى كتبه "الإسلام عقيدة وشريعة"، و"الفتاوى"، و"من توجيهات الإسلام"، وقدم لنا الوجه الحقيقى للاستنارة الإسلامية فى موضوعات البنوك والفوائد، وفيما يخص أمور الغيبيات مثل علامات الساعة وأحوال اليوم الآخر أعلن أن مصدرها الوحيد هو القرآن الكريم لأن أغلبية الأحاديث أحاديث تفيد الظن ولا تفيد اليقين، وبالتالى فإنه لم يعط مشروعية دينية أو أصولية للخرافات "المقدسة" التى تتحدث بالأحاديث عن عذاب القبر ونعيمه وغيرها من الغيبيات.

ويشير الباحث إلى أن الحديث المتواتر هو الذى يفيد اليقين وليس محلاً للشك أو الظن، وعند أكثرية المحققين مثل الحازمى والشاطبى وأبى حيان والبستى والنووى فإنه لا وجود للحديث المتواتر، وبعضهم أثبت وجود حديث واحد متواتر وهو حديث "من كذب على متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار" على اختلاف بينهم فى وجود كلمة "متعمدًا" أو حذفها، وبعضهم ارتفع بالحديث المتواتر إلى ثلاثة أو خمسة، ولكن ليس من بينها إطلاقًا حديث عن عذاب القبر أو نعيمه، وبالتالى فإن المرجع فى موضوعنا هو القرآن الكريم فقط.

ويستفيض الباحث فى دراسته، حيث يعتمد على العديد من الآيات القرآنية الكريمة، التى تنفى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، علمه بالغيب، والساعة، ويذكر العديد من هذه الآيات التى تنفى عن الأنبياء أجمعين، وعن سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضًا، فيذكر آية جامعة محكمة فاصلة، وهى الآية التاسعة التى وردت فى سورة الأحقاف وفيها "قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِى مَا يُفْعَلُ بِى وَلَا بِكُمْ ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَى وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ" حيث يوضح الباحث أن معنى الآية واضح فى أمر الله لرسوله صلى الله عليه وسلم بأن أمره أن يعلن للناس أنه ليس متميزًا عن الرسل وهو ما جاء فى قوله "قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنَ الرُّسُلِ".

ويخلص الباحث إلى أن السنة الحقيقة هى اتباع القرآن الكريم، وأن القرآن يؤكد أن النبى صلى الله عليه لا يعلم الغيبيات ولا يتحدث فى الغيبيات، إذن فالسنة الحقيقة للنبى تخلو من أى حديث له عن عذاب القبر وغيره من الغيبيات، كما أن علماء الأصول يقرون أن أمور الغيبيات لا تؤخذ إلا من القرآن الكريم والحديث المتواتر، وحيث إن الحديث المتواتر لا وجود له عند أغلب المحققين، وحيث إن من أثبت وجود بعض الأحاديث المتواترة فليس منها شىء عن عذاب القبر، لذلك فالأحاديث الأخرى - أحاديث آحاد – ليست مصدرًا معتمدًا لإثبات عذاب القبر أو نفيه، لأن القرآن الكريم وحده هو المرجع.

كما يخلص الباحث إلى أنه إذا كان الله تعالى لم يعط النبى علم الغيب، وإذا كان النبى لم يتحدث عن الغيبيات فإن غير النبى أولى بعدم معرفة الغيب، وبالتالى لا تؤخذ منه أقوال عن غيبيات القبر ولا يصح الاحتجاج به، على عكس ما هو ظاهر من كتب تحفل بالأحاديث المنسوبة زورًا إلى رسول الله. 
اجمالي القراءات 6388