آحمد صبحي منصور
في
الأربعاء ٠٤ - أكتوبر - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً
نص السؤال
آحمد صبحي منصور
الاسلام له معنيان : معنى سلوكى فى التعامل مع الناس ، ومعنى عقيدى قلبى فى التعامل مع رب الناس .
أولا : المعنى السلوكى فى التعامل مع الناس يعنى : السلام ( إسلام من السلام ) ،
1 ـ وعليه فأى إنسان مسالم هو مسلم بمعنى سلوكه السلمى . ولا شأن لأحد بعقيدته ودينه ، لأن مرجع الحكم على العقائد والأديان هو لله جل وعلا وحده يوم ( الدين ) . والمنافقون من حيث العقيدة والدين كانوا كفارا ، ولكنهم من حيث السلوك كانوا مسالمين ، لذا عاشوا مواطنين فى دولة النبى محمد التى أساس تشريعها المواطنة لكل المسالمين . ومارسوا حقهم فى المعارضة الدينية والمعارضة السياسية سلميا طبقا لتشريع الاسلام فى الحرية الدينية المطلقة ، وهذا ما سنعرض له فى أوانه .
2 ـ وفى سياق هذا التعامل السلمى مع الناس تأتى تحية الاسلام بالسلام ( السلام عليكم ) . 2 / 1 : كان النبى محمد يقولها لأصحابه إذا قدموا اليه : ( وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ) (54) الانعام ) .
2 / 2 : وتأتى فى الحوار مع المختلفين فى العقيدة والدين . ابراهيم عليه السلام حين يأس من أبيه إعتزله قائلا : ( قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً (47) مريم ).
2 / 3 : وفى تشريعات الاسلام أنه يجب على المسلم إذا تطاول عليه الجاهلون أن يرد عليهم بالسلام : (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً (63) الفرقان )، ويجب عليه ــ إذا سمع منهم لغوا أى كلاما لا يليق فى الدين ـ أن يحترم حريتهم الدينية ويعتزلهم قائلا لهم ( سلام عليكم ) ، قال جل وعلا فى وصف أولئك المسلمين : ( وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ (55) القصص ). بل عليه أن يقرن قوله السلام عليكم بالصفح عنهم : ( وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ (88) فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (89)
الزخرف ) .
2 / 4 : وسيأتى فى تفصيلات التشريع القتالى فى الاسلام أن الجندى المحارب فى الجيش المعتدى على المسلمين ـ إذا ألقى تحية السلام يجب حقن دمه . قال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً )(94) النساء ) فطالما ألقى السلام فقد اصبح مؤمنا أى مأمون الجانب يجب حقن دمه .
3 ـ للبشر الحكم فى هذا الاسلام السلوكى ، لأنه سلوك ظاهرى واضح . فالانسان المسالم يتضح اسلامه الظاهرى فى كلامه وفى تصرفاته . ويترتب على هذا السلام السلوكى تشريعات سنتعرض لها فيما بعد من حيث الزواج والمواطنة وسائر الحقوق .
وفى المقابل فإن عكس السلام هو الاعتداء ، سواء كان سلوكا فرديا إجراميا يعتدى على حقوق الناس . وهناك تشريعات فى التعامل معها ، أو كان إعتداء هجوميا من دولة معتدية على دولة مسالمة . وهنا توصف هذه الدولة ـ طبقا لإعتدائها ـ بنقيض الاسلام ، وهو الكفر . فالكفر السلوكى هو نقيض الاسلام السلوكى . وسيأتى تفصيل ذلك .
ثانيا : معنى الاسلام ( الايمانى القلبى ) فى التعامل مع رب الناس :
1 ـ الاسلام هنا مشتق من التسليم القلبى للخالق جل وعلا وحده إلاها لا شريك له ولا مثيل ولا ابن ولا صاحبة . هذا يعنى أن تكون صلاة المؤمن ومحياه ومماته طاعة لربه جل وعلا وحده لا شريك له . وبهذا جاء الأمر للنبى محمد : ( قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ ) (164) الانعام ).
2 ـ هذا الاسلام القلبى لا يحكم عليه إلا الله جل وعلا الذى يعلم (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19) وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ ) (20) غافر ) وموعده يوم الدين . وليس لبشر أن يتدخل فى هذه العلاقة بين الانسان وربه ، ولو فعل ذلك لكان مدعيا للألوهية .
3 ـ وهنا يرتبط معنى الاسلام القلبى بالحرية المطلقة فى الدين ، ومرجعية الحكم على الناس فى الدين الى يوم الدين . والله جل وعلا أمر رسوله أن يقول للمخالفين فى الدين (وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ (121) وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ (122) هود ) . أى إستمروا فى دينكم وسنستمر فى ديننا ، وننتظر يوم الدين ليحكم علينا وعليكم رب العالمين .