مقدمة:
مازلت أتذكر أول رسائلي للدكتور أحمد عندما كتبت له بالنص (استحلفك بالله الواحد القهار أن ترد على حيرتي) ، لم أكن وقتها جاهلا أو غير مثقف ، فبعيدا عن دراستي القانونية والتي تحتاج دائما مني قراءة النصوص وما وراءها ، فإن اطلاعي الديني لم يكن بسيطا فكوني قارئ نهم لما يقع تحت يدي من مطبوعات خاصة الكتب الدينية لارتباطها بالدراسات القانونية من ناحية ولاتفاقها مع ميولي الشخصية من ناحية أخرى ، وكذلك التحاقي بما يسمى بالمدرسة السلفية في فترة من فترات ÍIacute;ياتي ودراستي لمنهجي الدعاة والدارسين في السبعينات من القرن المنصرم ، مع عدم اكتفائي بشهادة الليسانس واستمراري في العلم والتحصيل والحصول على الكثير من الدبلومات وشهادة الدكتورا وفقا لقانون التعليم العالي، كل ذلك كان سببا لوجود قاعدة دينية لدي ، تجعلني على الأقل أميز الخبيث من الطيب.
الحقيقة أنني كنت مكبل بالتراث وببعض المسلمات والقواعد والتي بقدر ما أعملت عقلي في الفروع واستباط الأحكام فأبدا لم أكن لأعمل عقلي في القواعد نفسها من حيث الحكم عليها بالصحة والفساد ، فلو سألني أحدهم ماهي الأدلة الشريعية؟ ستكون إجابتي دون تفكير هي الكتاب والسنة والاجماع والقياس ، ثم أضيف وعند المالكية عمل أهل المدينة وعند الحنفية الاستحسان و المصالح المرسلة ، ولا أنسى أن أقول أن الشافعي قال من استحسن فقد شرع.
ولم أفكر يوما في صحة الأدلة التي أجمع عليها فقهاء السلف وهي القرآن والسنة والأجماع بل كنت أتصور أن التفكير مجرد التفكير ظلم ومعصية ، وأن التغيير كفر لا محالة ، وعلى هذه الحالة ، وبسبب الكم الكبير من المعرفة الدينية والثقافة العامة ، وأنا القاضي الذي جلس على المنصة ما يقرب من خمسة عشر عاما ، أقول بسببهما لدي فإن منطق الدكتور أحمد كان منطقا صحيحا ، ولكن منطقة الحرام في عقلي الظاهر والباطن كانت تدق أجراسا تصعقني ، فوقعت في الحيرة التي لم ينقذني منها غير رسائل الدكتور أحمد ، وإعادة ترتيب قناعاتي فاقتربت من المنطقة المحظورة أبحث من جديد لأكون قناعتي الخاصة والتي ليست بالضرورة تكون نسخة طبق الأصل من الدكتور أحمد ، ولكنها تتفق في كثير وتختلف في كثير مع الدكتور أحمد وكل منا مسئول أمام رب العالمين.
وما زلت أنادية بإستاذي ومعلمي ، رغم أنني لم أتشرف بالدراسة في فصلة أو التعلم على يديه ، ورغم قرب المسافة العمرية بيننا فنحن من جيل واحد تقريبا ، ولكن وجدت من حقه علي أن أعتبره معلما وذلك فقط لأنه أول من أرشدني لتغيير طريقة تفكيري ، وبإمكانية البحث في الأصول والفروع معا وإلا لا فائدة مرجوة فيما نحن بصدده.
كانت هذه مقدمة ضرورية للدخول في الموضوعات التي أحب أن أطرحها في هذا الصالون فيما يشبه صالونات الفكر والثقافة التي كانت تعقد قديما في بعض البيوتات العريقة وكان يشارك فيها أعلام مصر والموضوعات هي موضوع أوقات الصلاة للأستاذ مؤمن مصلح ، وموضوع هدي محمد للأستاذ نيازي عز الدين ، وموضوع عبد الناصر صدام الأكراد لمعلمي الدكتور أحمد ، ويحق لجميع رواد وكتاب الموقع الدخول في الصالون وعرض أبحاثهم لا سيما أصحاب الموضوعات الثلاثة.
وسأحاول قدر الإمكان أن أكون مختصرا ، كما أرجو المعذرة من الجميع من يتفق معي أو يختلف ، ولكنني لا يمكن أن أتغاضى عما أظن أنه الحق ولو كان دونه عمري من باب استباق الخيرات ثم إلي الله مرجعنا فينبئنا جميعا بما كنا فيه نختلف.
أوقات الصلاة (الاستاذ/ مؤمن مصلح): الاستاذ مؤمن في مقالته وصل لحقيقة يظنها أن الصلوات في اليوم والليلة التي على المسلم أن يؤديها هي ثلاث وليست خمس صلوات وساق من الأدلة العقلية والنقلية ما جعله مقتنعا بذلك وقد أيده الكثير من الأخوة الأفاضل ، كما عارضه الكثير ، وكاد الموقع يخسر بعض أبناءه ويتحول لساحة نزال تستخدم فيها كل الأسلحة الكلامية لولا وجود شروط عبقرية للنشر لا يجوز لأحد تخطيها ووجود إلزام لهذه الشروط والقواعد تتمثل في شطب من يخالفها وقد حدث كثيرا مما حدا بالكثير من الإخوة الي كبت جماح أقلامهم حتى لا يقعوا في المحظور ومن وقع عاد وبسرعة.
اسمح لي أخي الكريم أن أبدأ بقوله تعالى " واقيموا الصلاة واتوا الزكاة واطيعوا الرسول لعلكم ترحمون" النور 56 ، ذكر فعل الطاعة للرسول (ص) في القرآن في ستة مواضع ، ولأخي الدكتور أحمد رأي في ذلك أن الطاعة واجبة للرسول حقا والرسول هو النبي عندما يقوم بأداء وظيفته وهي تبليغ الرسالة والرسالة هي القرآن والقرآن كلام الله فيكون عطف طاعة الرسول على طاعة الله هو عطف بيان للتأكيد على طاعة الله نفسه سبحانه وتعالى ، وهذا التفسير حق ولكن ليس كل الحق فمع هذا التفسير وليس ضده هناك تفسير آخر يعضد هذا التفسير ويؤيده كما أنه يشرحه ويفصله ، لأنه لو وقفنا على باب التأكيد والتكرار وعطف البيان فإن ذلك يسوقنا لنتيجة أخرى حتمية وهي استقامة نص الآيات المذكور فيها طاعة الرسول وحتى لو لم يذكر لفظ طاعة الرسول ، وحاشا لله أن يكون في كتابه حشو أو زيادة يستقيم النص بدونها ، إذا هناك تفسير آخر بوجوب الطاعة للرسول إستقلالا ولكن كيف هذا وكيف تكون الطاعة للرسول إستقلالا؟ هل بالأحاديث المختلف عليها وفيها؟ طبعا لا ، فكيف تكون الطاعة إستقلالا؟ تكون هذه الطاعة إستقلالا إذا ما عرفنا وظيفة الرسول تحديدا ، وأذكر القصة التالية للشرح ولله المثل الأعلى ، شاب في سفر وله صديق سيعود للوطن فكتب رسالة وأعطاها لزميله لتوصيلها لوالده يطلب من والده إرسال مال ضروري مع صديقه ، ثم يقول لصديقه بعدما تعطي الرسالة لأبي أشرح له حالي هنا ولا تتركه حتى يعطيك المال ، فعندما يذهب صديقه لمنزل والده يعطيه الرسالة يقرأها الأب ويقول له شكرا ، فيقول الصديق المرسل (رسول ابنه) أرجوك ياعمي لازم تعطيني الفلوس أبنك في ظروف صعبه فهو لا يجد ما يقتات به ويجوع ويكاد يتعرى ويتسول ويبدأ في الشرح له حتى يحن قلب الأب فيعطيه المال ، وهنا أسأل هل تعدى هذا الرسول رسالته؟ طبعا لا ولكنه شرح ما لا يمكن للورق أن يشرحه وإلا احتاجت رسالة الأبن لأبيه عشرات الأوراق ، إذا هناك نص وهو الرسالة وهناك أداء وهو فعل الرسول والنتيجة واحدة.
وهنا نأتي لقوله تعالى" وانزلنا اليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما انزل الله ولا تتبع اهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم امة واحدة ولكن ليبلوكم في ما اتاكم فاستبقوا الخيرات الى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون" المائدة 48 ، في الآيات السابقة يؤكد الحق سبحانه وتعالى أنه أرسل التوراة لبني إسرائيل مع نبيهم موسى ثم قفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم وآتيناه الإنجيل وأخيرا أنزلنا اليك (طبعا إليك يا محمد) والشاهد في هذه الآيات وجود كتاب وهو التوراة والأنجيل والقرآن ووجود رسول وهو موسى وعيسى ومحمد عليهم جميعا السلام ، فعندما يردف ذلك بقوله سبحانه وتعالى(لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) يفهم من ذلك على سبيل الحصر أن الشرعة هي الكتاب (توراة أو انجيل أو قرآن) وأن المنهاج هو أداء الرسول (موسى أو عيسى أو محمد عليهم السلام) فتكون طاعة الرسول واجبة في الأداء وهو المنهاج والأداء هو تنفيذ الرسول للأمر الألهي في الكتاب ، ولذلك ليس على سبيل المصادفة أطلاقا أن يكون قوله تعالى "واقيموا الصلاة واتوا الزكاة واطيعوا الرسول لعلكم ترحمون" النور 56 في سورة النور التي جاء في أولها قوله تعالى" سورة انزلناها وفرضناها وانزلنا فيها ايات بينات لعلكم تذكرون" النور1 ، فذكر إقامة الصلاة وإتاء الزكاة قبل الأمر بطاعة الرسول يؤكد ان المحور الأساسي لطاعته صلى الله عليه وسلم يكون في الأداء وفعلي الصلاة والزكاة هما من الأداء الذي تجب فيهما الطاعة للرسول استقلالا.
وهنا أقول أنه رغم وجود اختلافات كثيرة في التفاصيل والتي لا تؤثر على الشكل العام للصلاة من تكبير وقيام وانحناء وقيام وركوع وسجود وركوع وسجود لتكمل ما نطلق عليه (الركعة) كاملة ، فإن هذا الشكل هو المعتمد لأداء الصلاة ، كما لم نعرف إختلاف على عدد الركعات مهما كتب ابن رشد عن الاختلافات الفرعية من ضم اليد أو فردها وتحريك الأصبع من عدمه ، وكذلك حول مواعيد الصلوات الخمس وهي من أداء الرسول والنص في القرآن عام ، أما الآيات التي تكلمت عن إقامة الصلاة طرفي النهار وزلفى من الليل وإقامتها لدلوك الشمس إلي غسق الليل ، فالشاهد فيها قوله سبحانه وتعالى (أقم) والأمر بالفعل للرسول وحده ، ولا يعني هذا أننا لسنا مأمورين بأداء الصلاة ، ولكن معناه أن الرسول نفسه هو المعني بتفسير الأمر بأداء الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل ولدلوك الشمس إلي غسق الليل ، وقد أدى الرسول صلى الله عليه وسلم الصلاة خمس مرات في اليوم والليلة طبقا لفهمه لأمر الله سبحانه وتعالى ، وتعلمها منه المسلمون الأوائل وأخذناها كابرا عن كابر حتى وصلتنا وهي منهاج الرسول وفعل الإقامة في قوله (وأقم الصلاة) ثم تبعناه في نفس الفعل لأمر الله لنا في قوله (واقيموا الصلاة) ، ونحن مأمورون بطاعته في قوله سبحانه (وأطيعوا الرسول) ، ولو فعلنا فنحن مرحومون في قوله (لعلكم ترحمون)
وإلي هنا ليس عندي ما أضيفه في موضوع الصلاة غير أنني أقول من لم يستطيع أداء الصلوات الخمس ويؤديها ثلاث أو لا يؤديها على الأطلاق فأمره إلي الله والله سبحانه وتعالى غفور رحيم والصلاة من أفعال الاستطاعة التي يصدق عليها قول الله سبحانه وتعالى " فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا واطيعوا وانفقوا خيرا لانفسكم ومن يوق شح نفسه فاولئك هم المفلحون" التغابن16 ، أما أن يحاول تشريع شكل آخر أو طريقة أخرى أو مواعيد أخرى لأداء الصلاة ، فليس له عندي إلا قوله سبحانه وتعالى" لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا فليحذر الذين يخالفون عن امره ان تصيبهم فتنة او يصيبهم عذاب اليم" النور63
هل أحسن الهدي هدي محمد! أم أحســن الهــدي بمـا هـداه الـلـه؟ (الأستاذ نيازي مصطفى):
مع عظيم تقديري للأستاذ نيازي كباحث عن الحق ، والاعتراف بفضله ، إلا أنه كباحث تسري عليه سنة الباحثين من الصواب والخطأ ، وأكبر مثال على ذلك أنه قال بالحرف الواحد (كل من يقول من علماء المسلمين إلى هذا اليوم: إن أحسن الهدي هدي محمد! علينا أن نذكره أن قوله هذا فيه إشراك صريح والعياذ بالله عليه أن يتجنبه، مكتفيا بذكر أمر الله الدائم الذي يتكرر في آيات القرآن الكريم: ) قل: إن الهدى هدى الله) 73-3) ، وهنا أذكر الأستاذ نيازي قوله تعالى" وكذلك اوحينا اليك روحا من امرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وانك لتهدي الى صراط مستقيم" الشورى 52 فبرغم أن الوحي من عند الله سبحانه وتعالى وأن الرسول(ص) لم يكن يدري ما الكتاب ولا الإيمان ، بل واحتاج هو نفسه الهداية والشاهد قوله سبحانه وتعالى " ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا" ، إلا أنه رغم ذلك نسب الهدي مباشرة لرسوله محمد (ص) وقال له بصيغة التوكيد مسبوقة (بواو) الفصل " وانك لتهدي الي صراط مستقيم" ، وليعلم أخي نيازي أن ذلك من لسان العرب وليس فيه شرك والعياذ بالله ، فإذا ألف الاستاذ نيازي كتابا قيما ، وقمت أنا شريف هادي بشراءه ، وأستلفه مني أحد الأصدقاء ،ثم رأه آخر معه وسأله لمن هذا الكتاب سيقول له هو كتاب شريف هادي ، وإذا تأخر في رده سأسئله أين كتابي ، ونحن هنا لا نكذب فالمؤلف هو الاستاذ نيازي ، ولكن الحامل للورق والأحبار هو شريف ، وعلى ذلك عندما نقول أو يقول أحد (هدي محمد) حاشا لله أن يكون ذلك شركا بالله تعالى الله علوا كبيرا ، ولكن المقصود هدي الله الذي جاء به محمد ، وحذف لفظ الجلالة من الكلام لأنه معلوم بالضرورة ، وأذكرك ونفسي بقوله تعالى" يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (16) المائدة ، وقوله تعالى " ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو اشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون" الأنعام88 ، وقوله تعالى" قل هل من شركائكم من يهدي الى الحق قل الله يهدي للحق افمن يهدي الى الحق احق ان يتبع امن لا يهدي الا ان يهدى فما لكم كيف تحكمون" يونس35 ، وأخيرا قوله تعالى " ان هذا القران يهدي للتي هي اقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات ان لهم اجرا كبيرا" الأسراء 9 ، والشاهد من الآيات أن الله نسب الهدي لكتابة حينا ولنبيه حينا ولنفسه أحيانا ، فهدي الرسول وهدي الكتاب هما فرع من الأصل وهو هدي الله رب العالمين.
ثم يرى الأستاذ نيازي لكي يصل الإنسان للإيمان الكامل يجب أن يبدأ من الكفر الكامل ، وهو ما عبر عنه بقوله (أقول: كما أن الطائر المسجون في القفص لا يمكنه الطيران إلا إذا تحرر من قفصه أولا، كذلك لا يمكن لأي متدين بأي دين أن يصل للحقيقة قبل تحرره من الأفكار الآبائية السلفية عن الدين الذي يحمله بالوراثة بغض النظر عن إسم ذلك الدين.) ، وأقول بعد إذن الاستاذ نيازي أنه لما كانت الأفكار الأبائية السلفية عن الدين هي كل الدين بالنسبة للشخص الواحد فإن تحرره منها هو مرادف للكفر الكامل ، وأقول لا بأس إذا كان هذا التحرر وسيلة للوصول للإيمان الكامل وليس غاية في حد ذاتها الوقوف ببابها يعني الهلاك الحتمي ، كما أتفق مع الاستاذ نيازي في تعريفة للشيطان ، وفي وجوب تحلي الإنسان بالإرادة لكي يصل للحقيقة وأضيف نحتاج مع الإرادة قاعدة معرفية بأدوات فهم القرآن وهي اللغة وإلا سنكون كمن اتخذ الهه هواه وضل وأضل أو كمن اتخذ القرآن عضين أو كمن خاض في دين الله بغير علم أوسلطان أتاهم ، وختاما فللأستاذ نيازي شكرى وتقديري العميق ، دمت لنا وللإسلام
عبد الناصر صدام الأكراد لمعلمي (الدكتور أحمد صبحي منصور):
استطيع أن أقول أن أخي ومعلمي الدكتور أحمد قد جانبه الصواب في القواعد التي بنى عليها بحثه بالنسبة للزعماء الثلاثة ، فعن عبد الناصر قال (أقام عبدالناصر نهضة صناعية وتعليمية انتهت إلى خراب وجهل لأن النهضة الصناعية والتعليمية خضعت لمتطلبات الاستبداد ، فتحول التصنيع الى مجرد التوسع فى صناعات تجميعية سطحية) ، وقال(كانت لعبدالناصر طموحات هائلة لشعبه وللعرب ، وكان نزيها وشريفا ومخلصا لأهدافه ، ولكنه فشل لأنه كان مستبدا .) وقال (رحل كبار الثوار أبطال التحرر من الاستعمار. كانوا يحكموا مستبدين ، و تسامح عصرهم مع استبدادهم وفق ثقافة عبادة الأبطال ، وقد كانوا أبطالا يحكمون وفق (الشرعية الثورية ). رحل عبدالناصر ونهرو وتيتو وبورقيبة) .
وهنا أقول لأخي ومعلمي الدكتور أحمد أن القول بأن جمال عبد الناصر أقام نهضة صناعية وتعليمية لهو مغالطة تاريخية كبرى ، بل الحق أنه قضى على نهضة صناعية وتعليمية كبرى ، فقد كان بمصر مجموعة شركات (مصر) والتي أنشأها طلعت حرب باشا ، وكان بها رجال المال والصناعة أحمد عبود باشا ، وكان بها نهضة في صناعة الملابس والمنسوجات كان يمثلها عبد الحميد سباهي ، فجاء عبد الناصر وأدعى فقط (أدعى) أنه سينشئ نهضة صناعية ولكنه أراد كانتونات يعين فيها الأقارب والمحاسيب وخدمة النظام وسدنته ، فتحملت المصانع بطالة مستترة عشرات من القوى العاملة المعطلة في مصانع لا تستطيع تحمل هذه القوى ، وكان من جراء ذلك فشل على جميع الأصعده ، شركة النصر للسيارات بدأت قبل الصين بثلاثين عاما وليس عندنا سيارة مصرية واحدة ونستورد من الصين 12 ماركة سيارة ، والآن نخصص جميع شركات القطاع العام ونوفر عمالتها الزائدة ، فعن أي نهضة تتكلم.
كما أن الحق أنه قضى على نهضة تعليمية ، فالنظام التعليمي في عصر الأسرة العلوية هو الذي أخرج لنا علماء أفاضل وحاملي شعلة التنوير والعلم من أمثال الشيخ محمد عبده والعقاد والمازني والرافعي وطه حسين والدكتور مصفى مشرفة في الذرة والدكاترة أحمد لطفي السيد ، وأمير الشعراء أحمد شوقي بك ، وشاعر النيل حافظ بك إبراهيم وحتى نجيب محفوظ وغيرهم كثير ، فمن أخرج لنا نظام عبد الناصر ، أخرج لنا أحمد زويل من مصر ليرتفع شأنه في الخارج ، وأخرج لنا الدكتور فاروق الباز من مصر ليرتفع شأنه في الخارج ، وأخرج لنا الدكتور مجدي يعقوب ليرتفع شأنه في الخارج ، وأخيرا أخرج لنا الدكتور أحمد صبحي منصور من مصر ليرتفع شأنه في الخارج شأنه شأن أقرانه من العلماء المخرجين.
عبد الناصر لم تكن له طموحات هائلة لشعبه وللعرب ، ولم يكن شريفا أو نزيها ، بل تعدت طموحاته حكم مصر لحكم باقي البلاد العربية وإقامة أمبراطورية يحكمها هو من المحيط إلي الخليج والدليل على ذلك حرب اليمن التي أستنزف فيها موارد مصر وهي دولة مواجهة لأسرائيل لو أن هناك عدل لتمت محاكمته كمجرم خائن لبلده ، وكذلك نظام القذافي الذي جاء بمساعدة مباشرة من عبد الناصر وقد أرسل أخلص خلصائه لمساعدة القذافي في حكم ليبيا وتم تقسيم ليبيا وقتها لإدارة شرقية ومقرها بنغازي ووضع على رأسها الطيار الخاص لعبد الناصر والغربية ومقرها طرابلس قام عليها القذافي حتى أستتب له الأمر بمساعدة ناصر المباشرة ، وغيره وغيره مما يندى له الجبين الآن، ثم أين الشرف والنزاهة وقد نهبت مصر في عصره وبعدما كان الجنية المصري أقوى من الذهب تركها وهي تركة ثقيلة محملة بالديون لمن يخلفه لو كان يدري فتلك مصيبة ولو كان لا يدري فالمصيبة أعظم.
أما عن القذافي فأنا أتفق معك أنه زعيم مهووس ، وأضيف أن ذلك المجنون الرابض على صدر ليبيا أخطر على العرب من كل المستبدين ولكن من حسن حظ العرب أنه يحكم دولة صغيرة في عدد سكانها وإلا لأورد العرب جميعا مورد الهلاك في رحلة بحثه عن هوية مرة عربية وأخرى إسلامية وثالثة إفريقية ، ولا بأس أن نساعده في أن يحدد هويته ويعرف من أين جاء فلا يكون كجبران وعبد الحليم ، فهو ذلك المولود سفاحا لميمونة اليهودية زوجة مينار القذافي وخليلة ستيفانو الإيطالي ، الذي لو وجد في دولة محترمة كأمريكا أو فرنسا لكان مكانه الطبيعي مستشفى الأمراض العقلية ، ولكن في عالمنا العربي المغلوط المقلوب أصبح مكانه قصر الحكم في ليبيا وعلى كرسي بين أقرانه من زعماء الأقزام (العرب سابقا) يفعل ما يحلو له من تبديد ما تبقى من ثروات عربية وتدمير ما تبقى من شخصية عربية.
أما عن صدام ، فأنا أتفق معك أنه كان ديكتاتورا وحكم شعبه بالحديد والنار ، ولكن أختلف معك في أنه هو نفسه كان ضحية الشيعة أحفاد ابن العلقمي ، فالحرب التي نسبت له مع إيران ما كان ليتحاشاها ، ويحكي التاريخ أن كل العرب ساعدوه في هذه الحرب ، أما حلبجه فلا يستطيع أن يجزم أحد أنه هو الذي فعلها أو شيعة إيران وإن كانت نسبتها لشيعة إيران أقرب من نسبتها لصدام ، من أخطاءه الفادحة كديكتاتور فاشي حرب الكويت والتي عجلت بسقوطه وسقوط نظامه غير مأسوف عليه ، وإن كان الأسف كل الأسف على العراق الذي سيظل ينزف كثيرا حتى يقوم من عثرته والله وحده علام الغيوب
وأخيرا آسف للجميع لو أن كلامي لم يكن على هوى أحد منهم ، والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل
شريف هادي