عبد الناصر ـ صدام و الأكراد ..

آحمد صبحي منصور في الخميس ٢١ - فبراير - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

مقدمة
كتبت إحدى روّاد موقعنا (أهل القرآن ) تدافع عن صدام حسين بحجج أهمها إنه مثل بقية المستبدين فلماذا كل هذا التركيز عليه ـ وتشيرالى بعض إنجازاته ... وقد عرضت رسالتها للتعليق فتكاثرت عليها التعليقات:
http://www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php?main_id=2923

وعدت بأن أكتب تعليقى فى النهاية . وفى النهاية قررت أن أجعله مقالا.

1 ـ يمثل صدام والقذافى وغيرهم من العسكر المستبدين الجيل الثانى الذى جاء على أثر عبدالناصر يقلده ويستن بسنته ، دون إدراك لأختلاف المكان والزمان ، وبعد أن أخفق عبدالناصر وحقق أكبر فشل لحق بمصر.
لقد جاء عبدالناصر فى المكان المناسب لقيادة مصر والمنطقة بأكملها وجاء فى الوقت المناسب ، وهو قيادة حركة التحرر القومى ضد الأستعمار وقيادة العالم الثالث ليكون له وجود فى مقابل القوتين العظميين تحت شعار الحياد الإيجابى وعدم الأنحياز. وفشل عبدالناصر فى تحقيق أهدافه رغم وجوده فى المكان المناسب والزمان المناسب ، والسبب أنه كان مستبدا ، فأضاع بإستبداده كل أنجازاته .
قام بتحرير مصر من الأستعمار الأنجليزى ، وساعد فى تحقيق الأستقلال لكثير من الدول العربية وبعض الدول الأفريقية ، ولكنه أقام ديكتاتورية عسكرية فى مصر ، وساعد على إقامة ديكتاتوريات عسكرية فى الدول التى ساعد على تحريرها..
أقام عبدالناصر نهضة صناعية وتعليمية انتهت إلى خراب وجهل لأن النهضة الصناعية والتعليمية خضعت لمتطلبات الاستبداد ، فتحول التصنيع الى مجرد التوسع فى صناعات تجميعية سطحية (كذا ألف مصنع من الابرة الى الصاروخ) فأصبحنا كما قال الصحفى الراحل محمد التابعى مثل (جاك الذى يصنع كل شىء ولا يصنع أى شىء) مجرد أعداد كبيرة من الورش والمصانع الصغيرة دون أجادة أوتصنيع حقيقى، فى الوقت الذى كانت تنهض فيه اليابان من هزيمتها لترسى أسس الصناعة الحقيقية ، وعلى منوالها سارت الصين و الهند ، ثم جنوب شرق آسيا .
نفس الحال فى التعليم الذى ازدادت مدارسه وجامعاته بهدف تخريج موظفين يدينون بالولاء للنظام الحاكم وتقديسه فيتحول التعليم بالتدريج إلى صناعة للجهل ، ولتصبح أكبر نقابة فى مصر ـ وهى نقابة المعلمين ـ مجرد نقابة حكومية لا تعبر عن المعلمين ووضعهم المزرى البائس ، ولكن تأتمر بأوامر الأسياد المتحكمين فى البلد ، والذى أنشىء التعليم لتقديسهم .
قبل عبدالناصر كانت هناك ديمقراطية عرجاء وظلم اجتماعى ، جاء عبدالناصر فصادر الحرية مقابل أعطاء ( العدالة الأجتماعية ) وانتهى الأمر بمصرإلى فقدان الحرية والعدل والأمن جميعا ...
كانت لعبدالناصر طموحات هائلة لشعبه وللعرب ، وكان نزيها وشريفا ومخلصا لأهدافه ، ولكنه فشل لأنه كان مستبدا .

2 ـ رحل كبار الثوار أبطال التحرر من الاستعمار. كانوا يحكموا مستبدين ، و تسامح عصرهم مع استبدادهم وفق ثقافة عبادة الأبطال ، وقد كانوا أبطالا يحكمون وفق (الشرعية الثورية ). رحل عبدالناصر ونهرو وتيتو وبورقيبة ،وجاء من بعدهم جيل الحكام من الدرجة الثانية،وكان أبرزهم صدام والقذافى.
جاءوا وقد تغير الزمان والمناخ ،وكان عليهم أن يدركوا هذا المتغير الأساس وان يتاقلموا عليه. لكن لم يفعلوا فأصبحوا ضحايا للعصر الجديد الذى لم يفهموه.
أولئك المستبدون المعاصرون لا يزالون على يسيرون على سنة المستبدين الكبار ، الذين كانت لهم مبررات ـ ظاهرية ـ للاستبداد ، ولكن انتهت تلك المبررات، فلم يعد وجود حسى للاستعمار القديم ، و بدأ عصر الديمقراطية وحقوق الانسان وحقوق الأقليات والمواطنة.
بدأت الشعوب تتطلع بعد الاستقلال الى الديمقراطية ، بل كان مثقفو مصر قبل ميلاد عبد الناصريطالبون بالجلاء والدستور ـ أى جلاء الاستعمار الانجليزى ووجود دستور ديمقراطى يؤكد الديمقراطية ، أى التحرر من الاستعمار الاجنبى والتحرر من الاستبداد المحلى . أى بدأت فى مصر ـ مبكرا جدا ـ المطالبة بالديمقراطية والدستور الذى يحدد حق الشعب فى حكم نفسه بنفسه. وتحقق مطلب واحد وتعطل المطلب الاخر، إذ رحل الاستعمار الأجنبى وحل محله استبداد ناصر أو (الاستعمار العسكرى المحلى المستبد).
ثم مات عبد الناصر (الرمز ) فى هزيمة 1967 وتم دفنه عام 1971 ، وكان يجب أن تدفن معها حجة (الشرعية الثورية) ، أو تبرير الاستبداد تحت مظلة الثورة. ولكن هذا لم يحدث حتى الآن ،إذ لا يزال المستبدون من الدرجة الثانية فى مواقعهم ، مع تغير الزمان و المناخ وعلو المد الديمقراطى ووصوله الى أدغال أفريقيا و ومستعمرات الموز فى امريكا اللاتيتية .
مستبدو العرب اليوم أكثر ظلما لشعوبهم فى الداخل و أكثر خنوعا للآخر فى الخارج ، وأكثلر نهما فى السرقة و الفساد ، ولكى يبقوا فى مناصبهم لا بد من إقامة صناعة القهر و الفقر الى الدرجة التى اصبح يتحسر فيها اليوم بعض المفكرين والمثقفين على أيام الاستعمار الأجنبى الذى كان أكثر إنسانية وتحضرا من الديكتاتوريات العسكرية المحلية التى انتهكت حرمة الوطن والمواطن .
هذه هى الملامح الأساس لحكم الجيل التالى من المستبدين ، و أبرزهم صدام والقذافى.

3 ـ ونتوقف مع صدام والقذافى وأبرز مستبدى عصرنا البائس والمقلدين لعبد الناصر فى الزمن الضائع وفى الوقت الخطأ.
جاءوا فى مناطق ليس لها ـ مثل مصر ـ الثقل التاريخى والجغرافى لقيادة المنطقة. استغلوا وجود السادات فى ظرف سياسى ظنوا أنه مناسب لهم ليركبوا على أكتاف مصر يحاول كل واحد منهم أن يتزعم العرب تحت شعار الصمود والتصدى ، بعد اتفاقية كامب ديفيد والصلح مع أسرائيل.
ليبيا مجرد ساحة غربية لمصر ـ ومجرد مجال حيوى للمصريين ، والمنطقة الشرقية من ليبيا أكثر اتصالا وترابطا بمصر من بقية ليبيا ، ويكفى وجود (مصراته ) بهذا الاسم القديم قبل الفتح العربى ليؤكد تبعية النصف الشرقى لما يسمى الان (ليبيا ) الى مصر. واقع الأمر أن ليبيا بالنسبة لمصر مثل النوبة داخل مصر. أى انهما (ليبيا ) والنوبة امتداد مصرى بالصحراء وساكنيها ، ولكن الصحراء باعدت بين الليبيين والنيل المصرى بينما وثق النيل من ترابط النوبيين بأمهم مصر.
لا يمكن لدولة مصنوعة حديثا مثل ليبيا أن تقود العالم وهى مجرد امتداد جغرافى لمصر . ولكن القذافى المهووس بعبد الناصر والمهووس بخلافته أراد تحقيق المستحيل تحت أى شعار. وعقدته الخالدة أنه زعيم بلا شعب بينما يوجد فى مصر ـ بعد عبد الناصر ـ شعب بلا زعيم. أسهم فى سوء حالة القذافى استخفاف السادات به وتندرالاعلام المصرى عليه ، فاندفع ليحقق لنفسه الزعامة على حساب مصر، فاستهلك حيوية شعبه وثرواته فى مغامراته حول العالم ، تنقل فيها من العروبة إلى العالم الأسلامى، ثم إلى دول العالم الثالث وحركات التحرر ثم حط الرحال فى أفريقيا ، ثم انتهى به الحال إلى رفع شعار الدولةالفاطمية والبحث لنفسه عن نسب لأهل البيت بعد أن استسلم لأمريكا خوفا من مصير صدام .
أما صدام فقد ظهر فى منطقة قابلة للتفجير حيث حقول البترول والأحتكاك العربى الأيرانى وبروز الثورة الأيرانية بمعادلة جديدة تطرح الأنتماء الأسلامى الشامل تحت قيادة الخمينى مقابل القومية العربية التى أراد صدام زعامتها بعد عبدالناصر.
تحت شعار الصمود والتصدى ومواجهة أمريكا وأسرائيل وقيادة العروبة فى الجبهة الشرقية ضد إيران نسى صدام أتفاقة مع إيران حول شط العرب ودخل فى حرب جديدة مع إيران كانت لمصلحة أمريكا وأسرائيل ودول الخليج التى يهمها استنزاف العراق وإيران وتحجيمهما معا .ورجع من الجيش خاسرا وخشى أن يثور عليه جيشه فبادر بأحتلال الكويت وأصبح إخراجة من الكويت ثم من العراق مطلبا أمريكيا أدخل العراق حاليا فى دوامة حرب أهلية مفتوحة لازالت مستمرة بعد إعدام صدام .
هذا موجز تاريخ صدام فى سطور.

4 ـ ونتوقف مع صدام بعد ان تعرفنا على الفصيل الذى ينتمى اليه لنقارن بينه وبين عبد الناصر الذى حاول ان يتقمص دوره.
* بإعتباره الحاكم المستبد بأمره والذى لا يجرؤ أحد على معارضته فإن صدام الذى بدأ بالحربين بلا داع هو المسئول عن مقتل الملايين من العراقيين والأيرانيين من جنود ومدنيين ،وهوالمسئول أيضا عن تشريد ملايين آخرين ،ثم هو المسئول عن التداعيات الأخرى لحماقاته وجرائمة بدءا من تدمير مدن العراق وايران فى حرب المدن بينهما الى خسارة آلاف البلايين من العراق ودول الخليج وأرجاع العراق إلى العصور الوسطى بتدمير بنيته التحتية ، الى أدخال العراقيين فى فى حرب أهلية لا نعرف متى ستنتهى .
وطبقا لقاعدة (النفس بالنفس) فإن نفسا واحده فقط هى صدام مسئولة عن مقتل جميع الأنفس وتستحق الأعدام عن كل نفس أزهقتها .
* كان الزمان مساعدا لعبدالناصر كأبر زعامة عربية،وقد حرص على مساعدة حركات التحرر ولكنه لم يرسل جيشه خارج مصر إلا الى اليمن لمساندة ثورة عبدالله السلال وليس لاحتلال اليمن ، ومع ذلك دفع عبدالناصر الثمن غاليا ، وقد رفض من قبل إرسال جيش إلى سوريا حين قامت فيها حركة الأنفصال ..
أما صدام فقد كانت الظروف ضده فى الزمان والمكان والمناخ السائد ، ومع ذلك فقد قام باعتدء غير مبرر على إيران واحتلال مجرم لبلد عربى ذى سيادة فأنهى عمليا أسطورة القومية العربية التى يتزعمها ويدعو لها .
أى إن صدام أسوأ من عبد الناصر وأضل سبيلا. وإن كانت هناك مميزات لعبد الناصر فانها تتوارى خجلا أمام هزيمته الكبرى عام 1967 ، فكيف بصدام الذى لم ينتصر قط إلا على شعبه ، والذى لم يدخل معركة مع اسرائيل مكتفيا بحرب جنونية مع جيرانه وشعبه ؟ فإذا كان صعبا البحث عن مميزات لعبد الناصر فكيف بصدام ؟

5 ـ هذا عن مقارنة صدام بعبد الناصر،فكيف بمقارنة صدام بالمستبدين فى عصره؟

* صدام ينتمى لنوعية المستبدين من الدرجة الثانية فاقدة الشرعية التى تنقسم لفصيلتين، الفصيلة المعتدية ليس على شعبها فقط ولكن تتوسع فى الأعتداء خارج حدودها كالقذافى وصدام ، ثم الفصيلة الأخرى التى تكتفى بكبت شعبها دون الدخول فى مغامرات خارجية مثل على عبدالله صالح فى اليمن وزين العابدين بن على فى تونس مع بقية الأمراء والمشايخ والملوك من المحيط إلى الخليج .
وبالتالى فان صدام والقذافى هما الأسوأ بين المستبدين العرب.

* وبالمقارنة بين القذافى وصدام فإن القذافى هو الأفضل لأنه قادر على تغيير سياساته بينما سار صدام فى طريق واحد إلى أن سقط فى حفرته الشهيرة. لم يتعلم ولم يعتبر الى أن وجد نفسه مشنوقا.

فى محاكمته تبجح صدام وزعم إنه هو الذى بنى العراق الحديث . ولقد تحدثنا عن النهضة السطحية المظهرية التى أقامها عبد الناصر فى مصر من تصنيع وتعليم، وكيف انتهت الى لا شىء، وهذا ما حدث فى العراق ايضا حيث قام صدام بتفريغ العراق من خيرة أبنائه بالقتل والسجن والتعذيب فهاجر خيرة أبناء العراق.
وحين تهيأ العراق بعد صدام للديمقراطية ظلت النخبة المثقفة العليا فى المهجر حيث لا مكان لها بين زعماء الميليشيات وعصابات الفساد وشيوخ التخلف الدينى المذهبى مع هاوية الحرب الأهلية التى تهون معها حفرة صدام الشهيرة.
ولا زلت أتذكر بكل حسرة جموع العراقيين وهى تتسارع الى السلب والنهب من المبانى الحكومية وحتى المتاحف العراقية وحدائق الحيوان.. وكنت أتساءل :أهذا شعب العراق الذى يتفاخر صدام بنشر التعليم والنهضة فيه ؟
حكى لى أمريكى من أصل عراقى أنه عمل مترجما مع أحدى الشركات الأمريكية العاملة فى تجديد مرافق المياة والصرف الصحى فى العراق فقال :أن المواسير التى كانوا يستبدلونها كانت تنتمى للفترة التى تولى فيها عبدالكريم قاسم حكم العراق . أى أن حكم صدام حسين ـ الطويل ـ لم يشهد تجديدا للبنية التحتية .
اهتم صدام بالأصلاحات الظاهرية التى تصلح لأحتضان تماثيله كالقصوروالمدارس والجامعات والمتاحف وحيث يتخرج شباب يسبحون بحمد صدام ليل نهار وأسمائة التسعة والتسعين ، أما تجديد شبكات المياة والصرف الصحى فلا مجال فيها لحمل تماثيل أو ترديد الهتافات له.
والمقارنة مؤلمة بين حركة التعمير التى جرت فى دول الخليج وبين العراق طيلة حكم صدام .
أى أن صدام يسقط فى مقارنة مع زملائه المستبدين من الدرجة الثانية . فقد حافظوا على جيوشهم من المغامرات الخارجية وأقاموا حركة تعمير وازدهار ببلدانهم وتتضاعفت أرصدتهم فى البنوك مقابل تدمير كامل للعراق .

6 ـ ثم كيف يستبيح حاكم لنفسه أن يستعمل الأسلحة المحرمة دوليا ضد جزء من شعبه ؟

هل عجز صدام بكل جيوشة عن دخول قرية حلبجة الكردية فلجأ لضربها بالغاز ؟ لا أنسى – ولن أنسى – صور الأطفال القتلى فى مجزرة حلبجة حين أراها لى لأول مرة الاستاذ عدنان المفتى ـ رئيس برلمان كردستان العراق الآن ـ والذى كان فى أواخر التسعينيات أحد أعمدة رواق ابن خلدون الذى كنت مديره ، وكان من أهم أجندة الرواق اضطهاد الأقليات ، ومنهم الأكراد والأقباط .
ونتساءل :هل كان أطفال حلبجة جنودا مسلحين مختبئين داخل الحصون ، فعجز جيش صدام عن الوصول إليهم فلجأ لهزيمتهم بالغاز السام ؟ وهل استعملت إسرائيل تلك الأسلحة ضد الفلسطينين ؟وهل كانت حلبجة مركز قيادة للحركةالكردية فى المنطقة ؟ أم أنه مجرد أستعراض للقوة على فلاحين بسطاء وتجربة ميدانية واعية لأثبات ما يمكن أن يفعله الغاز السام فى الأستعمال الحربى ضد البشر، فى نظام حكم لا يساوى فيه الملايين من العراقيين شيئا فى نظر صدام ؟!! يكفى أن حياتهم متعلقة بكلمة ينطقها..!!
عبد الناصر لم يستعمل جيشه فى ضرب الشعب المصرى ، بل إن عبد الناصر فى زعامته للقومية العربية فقد كان متفهما لحقوق غير العرب ، بل كان متعاطفا مع الأكراد بالذات ، واستقبل بعض زعمائهم .
أما صدام فقد قتل الاكراد والعرب و السنة و الشيعة ،،ووصل ضحاياه الى أصهاره وأقاربه .. قتل كل من يشتبه فيهم وقتل آخرين عشوائيا وبكل اصرار وتعمد .
لو تم قتل صدام ملايين المرات بعدد من قتلهم بجيشه فإن هذا لا يكفى فى ميزان العدل لأن هناك الملايين من العراقيين الذين عانوا فى عصره من التعذيب والتشرد والخراب والفقر. وهناك الأجيال القادمة الذين لهم حقوق فى بترول العراق الذى أضاع صدام معظمه فى مغامرات شخصية.
لو كنا فى بلد متحضر لوضعوا من يدافع عن صدام فى مستشفى الأمراض النفسية والعقلية ولاحتج المثقفون والمفكرون على وجود خلل فى أجهزة التعليم تسمح بوجود هذه العقليات التى لا تزال تعيش فى ظل ثقافة العبيد. لكن أغلبية العرب والمسلمين لا يزالون أسرى للتعليم الفاسد وعبادة الأبطال حتى لو كان أولئك الأبطال مجرد أقزام ينهزمون فى الخارج و يستأسدون على شعوبهم فى الداخل .

7 ـ الأكراد .
وقد قيل فى الدفاع عن صدام إن أكراد العراق تمتعوا بحقوق لم يتمتع بها أكراد ايران وأكراد سوريا وتركيا.
هذا صحيح .. ولكن هل حصل أكراد العراق على هذه الحقوق مجانا ؟ أم حاربوا حتى أرغموا حكام العراق على قبول مطالبهم ؟
هنا يجب أن نتوقف أمام قضية الوعى بالظلم . من الممكن أن يظل الأنسان خاضعا للظلم لا يثور عليه لأنه يراه من طبائع الأشياء وأنه من حق الظالم أن يظلمه وأنه من واجبه أن يتحمل الظلم . بمجرد أن يدرك المظلوم حقوقه المهضومة ويتشكل وعيه بالاحساس بالظلم الواقع عليه وضرورة مقاومة الظلم تبدأ حركته نحو التحرر سواء كان من حاكم أجنبى مستعمر أو حاكم محلى مستبد .
الأكراد شعب حىّ له وعى بحقوقه وثقافته . وربما تميز الكرد بذلك على غيرهم من الشعوب العريقة فى وطنها مثل المصريين الذين نسوا لغتهم الأصلية فأصبحوا عربا باللسان .
عاش الأكراد فى وطنهم هذا منذ أقدم العصور، وهى منطقة وسطى – ترانزيت – شهدت مجىء وعبور موجات مسلحة قادمة من الشرق الأسيوى – الأستبس- ومن الجزيرة العربية جنوبا ، وأقامت تلك الهجرات ممالك وامبراطوريات لها منها الخلافة العربية والدول السلجوقية والدولة العثمانية ، وفى كل الأحوال وجد الأكراد أنفسهم محكومين بغيرهم أو مشتتين بين دول مختلفة .
ومع كل الظلم الذى وقع عليهم وتعرضوا له من العصر القديم إلى عصرنا هذا ، ومع تنوع الظالمين من عرب وترك وايرانيين وروس فقد حافظ الكرد على ثقافتهم ولغتهم وتاريخهم ، ونجحوا فى إقامة دول لهم كانت قصيرة العمر .
أسهم الأكراد فى حضارة المسلمين ، كما أسهم أكراد العراق فى حركة التحرير ، ولم يرتفع صوتهم بالمطالبة بحقوقهم المشروعة إلا عندما ظهرت القومية العربية وحزب البعث فى العراق يريد العراق عربيا فقط . تناسى القوميون العرب أن أكراد العراق هم أقدم من اسم العراق نفسه ،وأن المناطق الكردية فى العراق هو الأوفر والأغنى بالموارد الطبيعية بما يتحتم التساوى بين المواطنين فى حقوقهم وأولها الحقوق السياسية والثقافية.
الحقوق التى حصل عليها أكراد العراق جاءت بعد نضال هائل قام به الأكراد .
مصطفى البرزانى زعيم من طراز فريد ينتمى إلى جيل مؤسسى الدول مثل محمد على فى مصر و نابليون فى فرنسا و عبد العزيز آل سعود فى الجزيرة العربية . ولكن من سوء حظه وحظ قومه الكرد أن تحالفت عليه وعليهم الجغرافيا والتاريخ فلم ينجح فى أقامة دولة كردستان ، ولكن أقام حركة كردية نجحت فى الحصول على بعض الحقوق.

يقول بعضهم ملتمسا العذر لصدام فيما فعله بالكرد فى حلبجة والأنفال أنه اضطر لذلك لأنهم ثاروا عليه وهو يحارب ايران فعرضوا العراق للخطر وقت الحرب.
واقول : ليس عيبا أن يثور الأكراد على صدام وهو يحارب الأيرانيين فالأكراد ليسوا مسئولين عن هجوم العراق على إيران ، والأكراد كانوا يحاربون صدام قبل هذه الحرب مع ايران .
وحتى لو كان ما فعله بعض الكرد خطأ ، فهذا الخطأ ليس عذرا لصدام أن يحصد عشرات الألوف فى حلبجة معظمهم من النساء والأطفال وكلهم من المدنيين عقابا على ما قام به بعض الأكراد مع الأيرانيين .
كان صدام يعتقل الألاف المؤلفة من الأكراد ويقتلهم ويعذبهم ولم يكن محتاجا لأن يقتل المزيد منهم بالغاز السام فى حلبجة ، ولم يكن يحتاج إلى أن يدمر الألوف منهم فى عملية الأنفال .
إنها مجرد شهية القتل من حاكم مجنون ، عليه لعنة الله جل وعلا ـ والملائكة و الناس أجمعين.
وتبقى من صدام العبرة .. ولم يعتبر زملاء صدام .. فهنيئا لهم ما ينتظرهم عما قريب..

اجمالي القراءات 32953