وصلنى على الأيميل الخاص بى هذه الرسالة ، ورغم ضحالتها والتخلف الناضح من بين كلماتها إلا أننى رأيت أهمية عرضها عليكم لكونها أثارت بداخلى بعض الخواطر . فللأسف كما فتح الأنترنت مجالا عريضا للأبداع والتفكير بعيدا عن تسلط وديكتاتورية مجتمعانتنا العربية ، فإنه فتح أيضا وللأسف مجالا واسع ليترعرع فيه التخلف ويعربد . وإليكم الرسالة ، وبعد هذا تعليقى عليها .
(بسم الله الرحمن الرحيم ..
والصلاة والسلام على خير البرية محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم....قال تعالى في محكم التنزيل ((كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام)) كل من على الدنيا هالك لا محالة إلا الله عز وجل لا اله إلا هو سبحانه. ..فسأذكر لكم أحبتي في الله عن كيفيه موت الملائكة عليهم السلام...كما نقل في كتاب ابن الجوزي رحمة الله
(بستان الواعظين ورياض السامعين)
مقدمة :
بعدما ينفخ اسرافيل عليه السلام في الصور النفخة الأولى تستوي الأرض من شدة الزلزلة فيموت أهل الأرض جميعا وتموت ملائكة السبع سموات والحجب والسرادقات والصافون والمسبحون وحملة العرش وأهل سرادقات المجد والكروبيون ويبقى جبريل وميكائيل واسرافيل وملك الموت عليهم السلام .
موت جبريل علية السلام
يقول الجبار جل جلاله:يا ملك الموت من بقي؟_وهو أعلم_فيقول ملك الموت:سيدي ومولاي أنت أعلم بقي إسرافيل وبقي ميكائيل وبقي جبريل وبقي عبدك الضعيف ملك الموت خاضع ذليل قد ذهلت نفسه لعظيم ما عاين من الأهوال.فيقول له الجبار تبارك وتعالى:انطلق إلى جبريل فأقبض روحه فينطلق الى جبريل فيجده ساجدا راكعا فيقول له:ما أغفلك عما يراد بك يا مسكين قد مات بنو ادم وأهل الدنيا والأرض والطير والسباع والهوام وسكان السموات وحملة العرش والكرسي والسرادقات وسكان سدرة المنتهى وقد أمرني المولى بقبض روحك !
فعند ذلك يبكي جبريل علية السلام ويقول متضرعا إلى الله عز وجل:يا الله هون علي سكرات الموت( يا الله هذا ملك كريم يتضرع ويطلب من الله بتهوين سكرات الموت وهو لم يعصي الله قط فما بالنا نحن البشر ونحن ساهون لا نذكر الموت إلا قليل ) فيضمه ضمه فيخر جبريل منها صريعا فيقول الجبار جل جلاله: من بقي يا ملك الموت_وهو أعلم_ فيقول:مولاي وسيدي بقي ميكائيل وإسرافيل وعبدك الضعيف ملك الموت
موت ميكائيل عليه السلام(الملك المكلف بالماء والقطر)
فيقول الله عز وجل انطلق الى ميكائيل فأقبض روحه فينطلق الى ميكائيل فيجده ينتظر المطر ليكيله على السحاب فيقول له:ما أغفلك يا مسكين عما يراد بك! ما بقي لبني ادم رزق ولا للأنعام ولا للوحوش ولا للهوام,قد أهل السموات والارضين وأهل الحجب والسرادقات وحملة العرش والكرسي وسرادقات المجد والكروبيون والصافون والمسبحون وقد أمرني ربي بقبض روحك,فعند ذلك يبكي ميكائيل ويتضرع إلى الله ويسأله أن يهون عليه سكرات الموت ,فيحضنه ملك الموت ويضمه ضمة يقبض روحه فيخر صريعا ميتا لا روح فيه,فيقول الجبار جل جلالة:من بقي_وهو أعلم_ياملك الموت؟ فيقول مولاي وسيدي أنت أعلم بقي إسرافيل وعبدك الضعيف ملك الموت .
موت إسرافيل عليه السلام(الملك الموكل بنفخ الصور(
فيقول الجبار تبارك وتعالى:انطلق إلى إسرافيل فاقبض روحه.فينطلق كما أمره الجبار إلى إسرافيل(واسرافيل ملك عظيم) ,فيقول له ما أغفلك يا مسكين عما يراد بك!قد ماتت الخلائق كلها وما بقي أحد وقد أمرني الله بقبض روحك,فيقول إسرافيل: سبحان من قهر العباد بالموت,سبحان من تفرد بالبقاء,ثم يقول مولاي هون علي مرارة الموت .فيضمه ملك الموت ضمه يقبض فيها روحه فيخر صريعا فلو كان أهل السموات والأرض في السموات والأرض لماتوا كلهم من شدة وقعته .
موت ملك الموت عليه السلام(الموكل بقبض الأرواح)
فيسأل الله ملك الموت من بقي يا ملك الموت؟_وهوا علم_فيقول مولاي وسيدي أنت اعلم بمن بقي بقي عبدك الضعيف ملك الموت فيقول الجبار عز وجل : وعزتي وجلالي لأذيقنك ما أذقت عبادي انطلق بين الجنة والنار ومت, فينطلق بين الجنة والنار فيصيح صيحة لولا أن الله تبارك وتعالى أمات الخلائق لماتوا عن أخرهم من شدة صيحته فيموت .
ثم يطلع الله تبارك وتعالى إلى الدنيا فيقول:يا دنيا أين أنهارك أين أشجارك وأين عمارك؟ أين الملوك وأبنا الملوك وأين الجبابرة وأبناء الجبابرة؟ أين الذين أكلوا رزقي وتقلبوا في نعمتي وعبدوا غيري,لمن الملك اليوم؟ فلا يجيبه أحد
فيرد الله عز وجل فيقول الملك لله الواحد القهار ")
التعليق:
يثير هذا الموضوع مجموعة من التساؤلات الجديرة بالنقاش:
أولا :- كما يقول المثل العامى " أول القصيدة ...." فقد بدأ الكاتب حديثة بقوله " والصلاة والسلام على خير البرية محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم...." قد يرى البعض – وأنا أختلف معه وبشدة - أنه لا ضير فى هذه العبارة كوننا جميعا نسمعها مرارا وتكرارا والتى تعنى إصدارنا - نحن - البشر حكما بتفضيل محمد عليه السلام على البشرية جميعا من أول أدم إلى أخر نفس يخلقها الله عز وجل، ولكن الله تعالى يقول " آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ " فلا يسع المؤمن الحق عندما يأمره رب العزة فى كتابه العزيز بـ " لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ " إلا أن يقول " سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ " وصدق الله العظيم.
قد يثور تساؤل أن الله جل وعلا قد فضل الرسل بعضهم على بعض، ولكن المقصود من الأية ليس إنكار التفضيل وإنما منعنا - نحن البشر- من تفضيل البشر بعضهم على بعض . قد يكون محمد عليه السلام هو أفضل الخلق عنده تعالى وقد لا يكون ، . هذا أمر ليس لى فيه رأى لبشر أو حتى تفكير ، لأننا لا نعلم الغيب ، غيب القلوب ، ولم يعش أحدنا ليشاهد ويصاحب الرسل والأنبياء ، وعليه فلا نملك إلا السمع والطاعة لأمره جل وعلا بمنع التفضيل بين الرسل والأنبياء تاركين الحكم فى هذا لرب الأنبياء والرسل و الخلق جميعا سبحانه وتعالى .
النقطة الثانية المثيرة للانتباه هى السرد التفصيلى لأحداث قبض روح الملائكة . فالسرد تفصيلى بدرجة مدهشة تجعل المرء يتساءل : هل كان الراوى حاضرا شاهدا لهذا الغيب الذى لا نعلم عنه شيئا ؟ ثم هل يجوز نسبة هذا الكذب والافتراء للرسول محمد عليه السلام.؟؟!!
وهنا تحضرنى عبارة لجوبز وزير الدعاية فى ألمانيا النازية " إذا أن أردت الكل أن يصدق كذبتك أحرص على أن تجعلها كذبة كبيرة " وهنا أزيد عليه بأنه " إذا أردت أن تجعلها مقدسة ومحصنة ضد النقد فأحرص على أن تنسبها للنبى محمد ، ولا يهم فى هذه الحالة أنك تضع النبى محمد فى موقف المساءلة أمام الله عز وجل فيبادر الرسول الكريم بالدفاع عن نفسه أمام رب العزة قائلا " يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا "؟؟!!
النقطة التالية وهى عبارة مضحكة ، وهى قوله "وعزتي وجلالي لأذيقنك ما أذقت عبادي انطلق بين الجنة والنار ومت, فينطلق بين الجنة والنار فيصيح صيحة لولا أن الله تبارك وتعالى أمات الخلائق لماتوا عن أخرهم من شدة صيحته فيموت " فالمفهوم هنا أن الله جل جلاله - تعالى عن ذلك علوا كبيرا- قد أحس برغبة فى الأنتقام من ملك الموت كونه يقبض الأرواح - وكأن ملك الموت قام بما قام بمحض أرادته - فيأمره رب العزة - تعالى عن ذلك علوا كبيرا - بأن يقبض روحه بطريقة مؤلمة مجحفة له .
وأخيرا هناك بعض الملاخظات الشكلية على طريقة السرد فى هذه الرواية الملفقة :
فمثلا ينثر الكاتب البائس بين طيات كذبه عبارات التقديس والأجلال لرب العزة والتكريم للملائكة بينما فى طيات الحديث يتهمهم إتهامات غير مباشرة، فمثلا وصف رب العزة سبحانه وتعالى بـــ " ذو الجلال والإكرام" وفى المقابل يذكر عنه ـ سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا ـ أنه ينتقم لنا من ملك الموت ويأخذه أخذة مؤلمة جزاءا له على تنفيذه لأوامر رب العزة .
وتكرر نفس الحال مع الملائكة فبعد إضفائه لصفات التكريم للملائكة ؛ فجبريل " الساجد الراكع " وإسرافيل " الملك العظيم " ، وميكائيل " المنكب على عمله حسب ما رواه الكاتب ، فإننا نراه يتهمهم بالغفلة عن أهوال يوم كهذها " ما أغفلك يا مسكين" .
ثم هناك ملاحظة أخيرة وهى الأختلاف الكبير فى طريقة السرد فى القصص القرآنى عنها فى هذا النص البائس.
إن القرآن الكريم لا يهتم كثيرا بشخوص الحكاية نفسها بقدر أهتمامه بالعبرة التى يجب أن يخرج بها المتدبر للقصص القرآنى ، فمثلا لا يعرف أيا منا أسم فرعون موسى على وجه الخصوص بينما نعرف إلى أين إنتهى وكيف ولماذا. وأيضا لا نعرف أسماء سحرة فرعون ولكننا نعرف قيمة عملهم الصالح عند الله وأنه سبحانه وتعالى جعل ما قاموا به مثلا يحتذى به المؤمنون .
وقد يسرد القرآن الكريم القصة الواحدة أكثر من طريقة للسرد سواء بالحكى عن الماضى أو – الفلاش باك- أو البدء من المنتصف أو البدء من النهاية وفى كل هذا لا يتوه القارىء عن الغرض الأساسى لكل القصص القرآنى وهو العبرة (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ ) ( يوسف 111)
أما فى هذا النص البائس فقد اعتنى بالتفاصيل الصغيرة جدا فى سرده للأحداث وجعلها هى الأساس على حساب الهدف من القصة ، واكتفى الراوى بخلق رواية بدائية لها بداية ووسط ونهاية بها عوامل التشويق والأثارة التى تظهر فى التركيز على شدة الموت وعذابه وتنتهى نهاية درامية بدائية بأن يقوم البطل بسرد خاتمة مؤثرة ليصفق الجمهور أو ليبكى .
وفى النهاية لا يسعنى إلا أن أقول دائما وأبدا صدق الله العظيم وكذب الرواة .