الحج أشهر معلومات من زاوية أخرى
إستاذي الكريم الدكتور أحمد منصور لقد قرأت لكم مقالكم عن الحج أشهر معلومات وأحسست أننا في نفس السباق سباق نحو الحقيقة وهدفنا جميعاً توحيد الرؤية لتلك الحقيقة القرآنية, لقد استفدت كثيراً من مقالتكم التي تنظر إلى الموضوع من زاوية تاريخ الحديث والسيرة والمنطق الحر.
إليكم الموضوع من زاوية أخرى أعتمد فيها على النص القرآني ثم على موضوع النسيء والذي هو من النص القرآني أيضاً ثم أضيف عليه منطقي المتحرر من الأبائية.
أحببت أن أقدم لموض&aelilig;ع النسيء بشكل مبسط حتى يكون مفهوماً تماما للقارئ الكريم عندما يقرأ ما كتبه أبي في كتاب ما هو النسيء وبالملحق الجديد : التقويم الهجري كيف كان وكيف أصبح
إليكم شرحي المبسط الذي أعتبره مدخلاً إلى موضوع النسيء المتكامل :
النسيء : كما سيتبين لكم هو شهر كبيس يضاف على السنة الهجرية أو القمرية عند أغلب الأمم التي تعتمد على القمر كتقويم لها في أغلب قارات الأرض الخمسة كل 32 شهر مرة مثل شعوب أسيا القصوى وشعوب أمريكا الأصليين وشعوب القوقاز وشعوب بريطانيا القدماء والذين نصبوا معبد الشمس (Stone hedge) وحتى العبريون.
والإمبراطورية الرومانية لم تستغن عن التقويم القمري إلا لصعوبة رؤية القمر في أوروبا الغائمة في أغلب فصول السنة فوزعت الفروق 11 يوم على أشهر السنة وكان من نصيب شهر شباط "فبراير" 28 يوم يضاف إليه يوماً كل أربع أعوام.
أما بقية التقاويم والتي اعتمدت القمر فاعتبرت إضافت لشهر قمري كامل لتقويم الشهور على الفصول, ففي السنة الأولى يتخلف القمر عن الشمس بزمن وقدره 11 يوم ثم في السنة الثانية يكرر الإختلاف بـ 11 يوم أخر وبعد ثمانية أشهر يصبح الإختلاف بما يعادل شهر قمري كامل فيضاف الشهر وتعود الفصول إلى ماكانت عليه من جديد.
ولأن هذه الإضافة لا تحدث كل 3 سنوات كاملات بل بعد سنتين وثمانية أشهر فإنها تأتي في ثلاث مواقع بعد ترارها للأعوام التي تليها:
الموقع الأول : بين الشهر الثامن والتاسع أي بين شعبان ورمضان
الموقع الثاني : بعد شهر ذو الحجة فيصبح الحج (حج أكبر) وقبل شهر محرم.
الموقع الثالث : بعد شهر ربيع الثاني.
إن الآيات التي تقول : (إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاماً ويحرمونه عاماً ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله زين لهم سوء أعمالهم والله لا يهدي القوم الكافرين ) 37 : 9
كما نعلم فإن إبليس بعد ان كفر تكفل هو وأتباعه على ضلال المؤمنين ولا يضلهم أحد سواه إلا شياطين الإنس وهم من الذين كفروا, وفي القرآن لم ترد كلمة يضل ومشتقاتها مبنية للمجهول أبداً ومنها نعلم أن الذين كفروا هم الذين يضلون الناس فيجب تصحيح قراءة كلمة يضل المبنية للمجهول على قراءة تفسير الباني الذي يقرأه برفع الياء وكسر الضاد.
وبما أن القرآن لا يأتيه الباطل لا من بين يديه ولا من خارجه فكلمات القرآن كما رأيتم ترفض هذه القراءة الشاذة.
كمثال الآية التالية : (.... أن الله بريء من المشركين ورسولُهُ وجهاد في سبيله ... ) 3 : 9
كان من المفروض علينا أن ترفع كلمة رسوله لتقرأ على أن الله ورسوله بريئان من المشركين. إنتهى المثال.
وعليه فإن زيادة الكفر هي هنا جملة اعتراضة لا محل لها من الإعراب وليست خبراً ويجب أن تقرأ زيادةً بفتح التنوين على التاء وليس بضمه وبعدها يستقيم المعنى ويتبين لنا ان النسيء ليس زيادة في الكفر وإنما التحليل والتحريم والمواطئة فيها والتي يقوم بها الكافرون هي الزيادة في الكفر.
وكان هذا رأي يفتقر إلى البرهان فبدأنا بالبحث في التاريخ لنجد هل ألغى الرسول الكريم شهر النسيء بعد نزول الآية مباشرة فوجدنا حادثتين قد تمتا في تاريخ قريب من حياة الرسول حربه على هرقل وثم حرب الراشدين على الروم بعد وفاة الرسول بأعوام قليلة وكلتا الحربين قد أرختا من قبل المسلمين في ذلك العصر كما تم التأريخ عنهما من قبل أعداء المسلمين ولكن بتاريخ ميلادي , ونحن نعلم من كتب السيرة أن سورة التوبة قد نزلت في السنة التاسعة للهجرة وأنها تحوي على الحج الأكبر أي أن شهر النسيء يأتي مع أشهر الحج فيها فتصبح عدة شهور الحج فيها 4 شهور وليست ثلاثة كما تأتي عادة, ولهذا دعيت بالحج الأكبر وليس هناك أي علاقة ليوم الجمعة في كبر وصغر الحج كما يقول السلفيون عن ذلك, وعندما وضعنا التواريخ على جدول حاوي للشهر النسيء فوجئنا بأن التواريخ تتطابق باليوم تماماً باليوم والشهر والسنة وبما أن العرب قد ذكروا اليوم في تأريخهم فكانوا يقولون في يوم الجمعة من الخامس من شهر رجب سنة 15 للهجرة فهذا أيضاً أتى منطبقاً تماماً مع التاريخ الغربي 20 آب سنة 636 م وبما أن الغزوة الأولى مع هرقل قد حدثت خلال حياة الرسول وكذلك الحج الأكبر ولو أن الرسول كان قد ألغى يومها الشهر النسيء لما انطبقت حادثة معركة اليرموك والتي حدثت بعد 6 سنوات من نزول سورة التوبة لأن انزياح القمر سيكون 11 يوم في السنة تقريباً ففي 6 سنوات يجب أن يتم الإننزياح 60 يوما تقريبا أو شهرين ولكن لم يكن هناك أي إنزياح على الإطلاق دليل أن النسيء كان مازال مفعولا به في حياته وبعد موته بخمس سنوات.
بعد هذه المقدمة عن الشهر النسيء نعود إلى موضوع الحج أشهر معلومات :
كما نوه السيد الدكتور أحمد منصور في مقاله وأشار إلى تاريخ السيرة وأرانا أن المؤرخين العرب اعترفوا أن أشهر الحج هي شوال وذي القعدة وذي الحجة والتي استنتجناها نحن من سياق الآية التي تقول :
(براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين * فسيحوا في الأرض أربعة أشهر واعلموا أنكم غير معجزي الله وأن الله مخزي الكافرين * وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر ان الله برىء من المشركين ورسوله فإن تبتم فهو خير لكم وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزي الله وبشر الذين كفروا بعذاب أليم * إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئاً ولم يظاهروا عليكم أحداً فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتقين * فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم) 1-5 : 9
نجد أن الأذان الذي هو الإعلان أتى تماماً في وقت نزول الآيات الكريمة أي في السنة التاسعة للهجرة (السنة التي حج فيها أبو بكر الصديق) وتبين معنا ان الحج الأكبر هو عندما يأتي النسيء من أشهر الحج فيصبح أربعة شهور ثم يأتي شهر صفر أول أول شهر في السنة والذي بدل رسولنا الكريم اسمه في نفس العام ودعاه محرم أي أول شهور التحريم والنتيجة التي وصل إليها السيد الدكتور صبحي صحيحة تماماً بأن الشهور الحرم أربعة متتالية تبدأ بمحرم وتنتهي بربيع ثاني وبما أن النسيء معمول به اليوم يجب أن تأتي أشهر ربيع أول وربيع ثاني في الربيع أي في فصل الربيع والله سبحانه وتعالى قد حرم شيئاً آخر في هذه الأشهر عدا الحرب وهو الصيد البري وإليكم آيات التحريم تلك :
(يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم غير محلي الصيد وأنتم حرم إن الله يحكم ما يريد ) 1 : 5
(يا أيها الذين أمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمداً فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هدياً بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياماً ليذوق وبال أمره عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو اتقام ) 95 : 5
( أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر مادمتم حرماً) 96 : 5
من الآيات الثلاثة نجد أن الله يحرم الصيد أثناء الأشهر الحرم التي لا علاقة لها بالحج ولا بأشهر الحج والدليل أن الله يقول في الآية الأخيرة (أحل لكم صيد البحر) ونحن نعلم أن الحرم المكي لا يوجد فيه بحر ليحل الله لنا فيه صيد البحر, وبما أن القرآن لا يأتيه الباطل لا من بين يديه ولا من خلفه فإذاً المعنى الذي أتى به السلف يجب إعادة النظر فيه بحسب حقائق القرآن الأخرى.
والله الذي نوه على تحريم الصيد البري في آيات ثلاثة في القرآن لم يربطها سبحانه بالحج بل بالأشهر الحرم الأربعة, وكلمة "بالغ الكعبة" أي أن الحكم الذي يجب أن تقبلونه يجب أن يحكم بالأمور التالية :
1- أما : عقوبة المخالف فقد صعبها سبحانه ليكون فدائها ضحية يأتي بها إلى الكعبة. 2- أو إطعام مساكين. 3- أو صيام.
وعند فهم النسيء كموضوع تقويمي لأشهر السنة عندها تصبح الأشهر الحرم أشهراً معلمومات وهي محرم وصفر وربيع أول وربيع ثاني وقد حددها سبحانه في أول سورة التوبة التي نزلت وتليت على الناس في شهر الحج الأكبر الذي حج به أبو بكر الصديق في الناس وتلا على الناس الآيات الأولى من سورة التوبة عليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه كما ورد في تاريخ بن كثير تحت عنوان (ذكر بعث رسول الله أبا بكر الصديق اميراً على الحج سنة تسع ونزول سورة براءة)
والتحريم في القرآن أقوى من النهي لا يأتي لزمان ما ثم يلغى لعدم وجود الغزلان والأرانب في طرقات الحج أو أثنائه وإن وجدت هذه كلها فليس هناك بحر في الحج كما قلنا ليحل الله لنا في ذلك الأثناء صيد البحر كما قلنا سابقاً.
التحريم أتى في القرآن لسبب أقوى من ذلك وهو الحفاظ على الثروة الحيوانية البرية التي تتوالد في فصل الربيع فشهر محرم يأتي كما يعلمنا موضوع النسيء في آخر فصل الشتاء أي في شهر شباط "فبراير" وربيع أول في آذار "مارس"وربيع ثاني في شهر نيسان "إبريل". وهذه الأشهر الأربعة حرم الله فيها صيد البر وأحل فيها صيد البحر للناس.
إذا عدنا الآن إلى آية النسيء وقرأناها من جديد : (إنما النسيء زيادةً في الكفر يُضِل به الذين كفروا يحلونه عاماً ويحرمونه عاماً ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله زين لهم سوء أعمالهم والله لا يهدي القوم الكافرين ) 37 : 9
نجد أن عملية الإضلال كانت تتم من قبل الذين كفروا لكونهم كانوا يحلون الشهر النسيء عندما يصادف قدومه مع الأشهر الحرم في المرة الأولى ويعودون ليحرموه في المرة الثانية عندما يصادف مجيئه مع الأشهر الحرم أيضاً ولكن بعد ثماني سنوات.
(بإمكانكم الإطلاع على الدورات الإقترانية لشهر النسيء في كتاب النسيء طبع دار الأهالي بدمشق... أو بالإنتظار إلى أن يفرغ والدي من إعداده لكم على صفحاته الخاصة من هذا الموقع)
ولقد وضع الله تعالى هذه الآيات في القرآن كيى ينتبه إليها الذين يتفكرون بكلام الله ثم يستنبطونه منه ليعلموا أن الشهر النسيء يجب اعادته إلى التقويم الهجري ليعلموا مواقيت الأشهر الحرم ومواقيت الصيام والحج لكن السلف قد أضاعوا كل ذلك مع الأيام.
فالآن نعلم أن الحج يمكن أن يكون 3 أشهر أو 4 ومن أراد ان ينوي بهذه الشهور أن يؤدي فريضة الحج يجب أن يبدأ بها بعد رمضان مباشرة في شهر تشرين الثاني "نوفمبر" وحتى نهاية شهر كانون الثاني "جانيواري" ويستطيع ان يذهب إلى الحج في أيام معدودات ضمن هذه الشهور وإن كان في عجلة من أمره يستطيع أن يقضيها في يومين (يطوف في يوم ثم يقف على عرفة في اليوم الثاني) وليس هناك يوماً واحداً فقط يجب على جميع الحجاج أن يقفوا فيه في عرفة بل كل أيام الحج ممكن أن تكون للطواف أو للوقوف في عرفة.
والسلام عليكم وأدامكم وأدام الله علينا هذا الموقع الذي هو دخراً لنا نحن أهل القرآن.
وسام اسحق