الحقيقة في الحديث والسنة أم في القرآن

أحمد خلف في الخميس ٠٧ - فبراير - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

‎ ‎أين يمكن للإنسان أن يجد‎: ‎
الحقيقة
في الحديث والسنة
أم في القرآن
‎ ‎‏(‏‎ ‎‏ قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله‎ ‎ينشا النشأة ‏الآخرة إن الله على كل شيء قدير*) 20- 29‏‎.‎
يعتبر الجهل نتيجة توقف غالبية المسلمين عن القراءة اليوم من‎ ‎أكبر العوائق ‏التي تقف في سبيل تقدمهم والدخول إلى عالم الحضارة‎.‎
ومن جهل المسلمين بكتابهم العظيم يظنون أن من حقهم إكراه الناس‎ ‎على ‏الإسلام والإيمان، علما أنهم لو كانوا يعلمون بما في آيات الله في القرآن‎ ‎لعلموا أن ذلك ليس من حق أحد في الأرض: ‏‎ ‎‏( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) 256-2‏‎.‎‏ ‏‏( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) 29-18‏‎.‎‏ ‏ومن جهل المسلمين أيضا، ظنهم أن العلم الحقيقي النافع هو في‎ ‎علوم ‏الحديث التي أطلق عليها علماء السلف الصالح مصطلح : العلم‏‎. ‎‏ ‏لقد أصبح غالبية المسلمين اليوم محجوزين في دائرة الوهم التي‎ ‎تقول: أن ‏العلوم النافعة في الأرض للإنسان هي: في علوم الحديث النبوي الشريف ‏وحده،‎ ‎معتبرين العلوم الأخرى مثل الفيزياء والكيمياء والفلك والرياضيات ‏والفلسفة أن‎ ‎العلم بها لاينفع والجهل بها لايضر‎.‎
واليوم إن كنا نريد التقدم والمعاصرة لاسبيل لنا إلا أن نتجاوز‎ ‎مقولات ‏السلف وأفكارهم تلك مع تجاوز كل من بقي على هداهم من الخلف لكونهم ‏جميعا لم‎ ‎يدركوا بعد معنى قوله تعالى‎:‎‏ ‏‏( قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ) 29-20‏‎.‎
وهو مافعله علماء الغرب من أمثال العالم داروين الذي خرج‎ ‎بنظرية ‏التطور، حيث أصاب في كثير منها وإن أخطأ في بعض النقاط في نظريته ‏حول كيفية‎ ‎التحول في مرحلة التطور إلى إنسان لكون القرآن هو الكتاب ‏السماوي الوحيد الذي شرح‎ ‎أن عملية خلق آدم الذي اصطفاه سبحانه من ‏البشر كانت بطفرة لاعلاقة لها باالتطور‎ ‎الطبيعي بل كانت عملية خلق جديدة ‏لتحويله من مخلوق بشري إلى مخلوق آخر إنساني‎:‎‏ ‏‏(‏‎ ‎ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين*) 14-23‏‎.‎‏ ‏لقد أصبح آدم مخلوقا جديدا مختلفا عن سابقيه من البشر بالعقل‎ ‎والإرادة بعد ‏أن أصبح له القدرة على تسمية الأشياء بصفاتها‎:‎‏ ‏‏( وعلم أدم الأسماء كلها...*) 31-2‏‎.‎‏ ‏‎ ‎مع إمكانية القدرة على الكتابة لمستقبل أبناء نسله برموز تعبر‎ ‎عن الأحرف ‏فانتقل أدم ونسله من بعده بذلك من عصر البشر الذي عرفناه في التاريخ‎ ‎بالعصور الحجرية إلى عصر الإنسان الذي بدأ يعلمه الله مما كان لا يعلم ‏من قبل‎:‎‏ ‏‏(‏‎ ‎‏... إقرأ وربك الأكرم * الذي علم بالقلم * علم الإنسان مالم يعلم*...) ‏‏3-5-96. ‏‎ ‎‏ ‏وجعل سبحانه مخلوقه الجديد بصفاته الحديثة خليفة الله على‎ ‎الأرض ليبدع ‏في خلق الأشياء فيكتشف بعقله الكهرباء ويسخر بعقله ماحوله من الأشياء‎ ‎ولم يعد يكتفي بما تنبته الأرض من نباتات وأشجار بل تعلم الزراعة ودرس ‏أصول تحسين‎ ‎الثمار والحبوب، ثم بدأ سبحانه بتعليم الإنسان مبدأ الفرن ‏العالي لاستخراج الحديد‎ ‎من فلزه كما وردت في سورة الكهف على لسان ذو ‏القرنين: ‏‏(آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى‎ ‎إذاجعله ‏نارا قال آتوني أفرغ عليه قطرا*) 97-18‏‎.‎‏ ‏‏* القطرمن القطران وكان يطلق أيضا على البترول الأسود الخام‎ ‎الذي كان يتدفق أحيانا لوحده إلى سطح الأرض ‏نتيجة للزلازل‎.‎‏ ‏لكن المسلمين عجزوا عن الدخول إلى عصر العلم الحديث نتيجة ظنهم‎ ‎الخاطئ بداية: أن تلك العلوم لاضرر في جهلها ولا نفع أصلا في معرفتها ‏ظنا منهم‎ ‎أنها لاتنفعهم في آخرتهم، وكما أنهم لم يدركوا بعد أن توقفهم عن ‏دراسة تلك العلوم أدى‎ ‎بهم في النتيجة إلى التوقف عن تنفيذ عهد الإستخلاف ‏الذي قبل به آدم في عهده مع‎ ‎الله بداية من أجل إمكانية مسك زمام المبادرة ‏في مجالى الخلق والإبداع ضمن‏‎ ‎المجالات المتاحة للقدرة الإنسانية أن ‏يتدخل فيها مما سخر سبحانه منها للإنسان في‎ ‎الأرض‎.‎‏ ‏‏(‏‎ ‎ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السموات والأرض...*) 20-31‏‎.‎‏ ‏لكن المسلمين بعد هجرهم للقرآن كمصدر للعلم والمعرفة بعد عهد‎ ‎الراشدين ‏واستبداله بعلم الحديث عجزوا عن الدخول إلى عصر الصناعة والزراعة‎ ‎الحديثة للتفسيرات والمفاهيم الخاطئة التي أدخلت من قبل بعط المغرضين ‏في عقولهم‎ ‎مثل فكرة أن الأرزاق مقسومة للناس من يوم ولادتهم وأنها ‏ستأتيهم وحدها ولامجال‎ ‎للتدخل فيها سلبا ولا إيجابا، تماما كما نقرأها قي ‏كتب الحديث التي لقبها الحكام‎ ‎بالصحيحة ظلما وبهتانا‎.‎
إن أي مفكر يدرس القرآن متتبعا معاني آياته يلاحظ بعض التشكيلات‎ ‎الخاطئة في خمس آيات تبحث في مواضيع هامة من الأمور التي تهم ‏الإنسان في عقيدته‎ ‎وفي حياته الدنيوية، فيكتشف أنها قد قلبت المفاهيم ‏بحيث تصبح في غير صالح الفرد‎ ‎المؤمن أو ضد مصلحة المؤمنين جميعا، ‏وكمثال عن النوع الأول أورد الآية التالية‎:‎‏ ‏‏(‏‎ ‎إتخذ الله إبراهيم خليلا ) 125-4‏‎.‎‏ ‏ليجعلوه بابا للإشراك بالله بأن يقولوا :إتخذ الله محمدا شفيعا‎ ‎وخليلا وحبيبا, ‏رغم استنكار تعالى لكل مواضيع الإتخاذ في القرآن.، علما أن التشكيل‎ ‎يجب ‏أن يجعل إبراهيم هو فاعل الإتخاذ لأن العبد هو الذي يتخذ ربه المحبوب ‏خليلا‎ ‎وليس العكس‎.‎‏ ‏كمثال عن النوع الثاني أورد آية النسيءالتي تقول في القرآن‎ ‎الكريم‎:‎‏ ‏‏(‏‎ ‎إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا...*) 37-9‏‎.‎‏ ‏التشكيل الوارد في المصاحف اليوم تضع علامة التنوين بالضمة في‎ ‎آخر ‏كلمة : (زيادة ) وفي كلمة (يضل) نجد ضمة على الياء وفتحة على ‏الضاض، وهذا يجعل‎ ‎استخدام الشهر النسيء في التقويم العربي زيادة في ‏الكفر يستخدمه الذين كفروا‎ ‎ليضلوا به المؤمنين، مما يوجب التوقف عن ‏إستخدامه عند المسلميــن وحدهم في الأرض مع‎ ‎أن كل أمم الأرض ‏الباقية ما زالت تستخدمه إلى هذا اليوم لضرورة ورود الشهر النسيء‎ ‎كشهر ‏كبيس كل 32 شهر قمري من أجل تعديل الإنحراف الذي يتراكم خلال تلك ‏الفترة‎ ‎مساوية مدة شهر قمري كامل فتعود بعدها أسماء الأشهر لتقع في ‏مواسمها الطبيعية‎ ‎فتأتي أشهر الربيع لتقع في فصل الربيع، وأشهر الجماد ‏في فصل جماد الحبوب وموسم‎ ‎حصادها وموسم رمضان في فصل الخريف ‏لتساوي طول الليل والنهار في كل‎ ‎الأرض المسكونة في ذلك الشهر، إذ ليس ‏من العدل أن يصوم مسلمي‎ ‎النرويج والبلاد الإسكاندينافية وشمال روسيا ‏وكندا 22 ساعة في نهار الصيف بينما‏‎ ‎ليلها لايتجاز الساعتان‎.‎‏ ‏ويعود موسم أشهر الحج لتأتي عادة كما كانت تصادف أيام قريش‎ ‎التي كانت ‏لها رحلتان واحدة إلى الشمال في الصيف والأخرى إلى الجنوب فيما تبقى ‏من‎ ‎فصل الشتاء بعد فتح أسواقها في مكة في موسم أشهر الحج المعلومات، ‏لكون فصل الشتاء‎ ‎أنسب وقت لزيارة مكة مناخيا حيث الحرارة تتراوح فيها ‏بين 25 إلى 30 مئوية‏‎: ‎‏ ‏‏(الحج أشهر معلومات) 197-2‏‎.‎‏ ‏وبحسب القرآن الناس جميعا مطالبين أن يحجوا إلى بيت الله‎ ‎الحرام وليس ‏المسلمين وحدهم‎:‎‏ ‏‏(‏‎ ‎ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) 97-3‏‎.‎‏ ‏لكن المسلمين الذين أبعدوا عن القرآن عن قصد ثم منعوهم عن‎ ‎التفكير في ‏معاني ومقاصد آياته بالترهيب والتخويف ثم عادوا ليضعوا بين أيديهم كتب‎ ‎روايات الحديث التي باركها حكام المسلمين من السلاطين لعلمهم أنها ‏الوحيدة التي‎ ‎يمكن أن تخدم مصالحهم الدنيوية ورغباتهم التسلطية مع ‏ترهيب الناس من شعوبهم من‎ ‎الوقوف في وجههم مهما ظلموا أو إنحرفوا ‏عن الحق والعدل وجنحوا للظلم والعدوان‎.‎
حتى المدارس الدينية في كل البلاد الإسلامية بدلا من أن تشترط‎ ‎للإنتساب ‏إلى مدارسها أعلى الدرجات من الناجحين في المدارس الثانوية لتخريج ‏مفكرين‎ ‎من العلماء بدأت تفضل أقل الدرجات لرغبة الحكام من تخريج ‏رجال دين يرددون ما لقنوا‎ ‎في تلك المدارس من دون أن يكون لهم القدرة ‏على التفكير والتحليل والإستنتاج (الإستنبااط)‏‎ ‎لما تلقوه من مدرسين حفظة ‏من أمثالهم لاقرة لهم على التفكير والإستنباط أصلا، لذا‎ ‎يندر أن يخرج من ‏بينهم مفكر حقيقي، وإن حصل ذلك بالصدفة حورب من الأغلبية التي‎ ‎لاقدرة ‏لها أن تفهم مايقوله أصلا من رؤسائه‎.‎
وهكذا بقي حال المسلمين على ماترونه اليوم من ضعف وتخلف، وإذا‎ ‎تابعنا ‏اعتبار خريجي تلك المدارس من العلماء والفقهاء فلن نرى علما ولافقها إلى‏‎ ‎يوم الدين‎.‎‏ ‏إن الذين يستحقون هذا اللقب ( أقصد لقب المفكرين) في البلاد‎ ‎الإسلامية ‏يمكن أن يعدوا مع الأسف على أصابع اليد الواحدة، وهذا بالطبع لم يحصل‎ ‎سابقا كما لايحصل اليوم بالصدفة بل يتم عن قصد وتدبير من حكام ‏المسلمين لعدم‎ ‎رغبتهم بعلماء حقيقين يكشفون ظلم الرعاة على الرعية، ‏تكون نتيجتها ضياع إمتيازاتهم‎ ‎مع عروشهم‎.‎‏ ‏إن رجال الدين من أصحاب السلطة العليا والجاه الكبير هم الذين‎ ‎هاجموا ‏ماكتبته للناس من حقائق قرآنية تدعوا الحكام للعدل والشورى وتأمرهم بمنع‎ ‎الظلم والتسلط على الناس، مع الترويج لأحاديث وردت في كتابي الشيخين ‏البخاري ومسلم‎ ‎تقول بعكس آيات القرآن كالحديث التالي‎:‎‏ ‏الحديث رقم(7035) في صحيح البخاري بعد سند الرواة عن ابن عباس‎ ‎يقول‎:‎‏ ‏‏( من كره من أميره( أي:السلطان) شيئا فليصبر، فإنه من خرج عن‎ ‎السلطان شبرا مات ميتة جاهلية ) * ‏‏* أي مات على الكفر والإشراك بالله‎. ‎‏ ‏وفي الحديث رقم: (7068) من نفس المصدر نقرأ: بعد سند الرواة‏‎ ‎عن ‏الزبير بن عدي قال‎:‎‏ ‏‏( أتينا أنس بن مالك فشكونا إليه مانلقى من الحجاج فقال‎: ‎‏ ‏‎,, ‎إصبروا فإنه لايأتي عليكم زمان إلا الذي بعده شر منه حتى‎ ‎تلقوا ربكم.،، ‏سمعته من نبيكم‎.‎‏* ‏‏* أي لاترجوا الفرج من الله فهذا الظلم من قضاء الله وقدره‎.‎‏ ‏ألمثل هذا المستقبل الأسود الظالم أرسل الله تعالى رسوله‎ ‎الكريم إلى الناس ‏برسالة السلام والإسلام؟‎ ‎‏ ‏ألمثل هذا الدين الظالم بشر رسل الله الناس وهم يقولون لهم‎: ‎‏ ‏اصبروا فإن كل يوم جديد سيكون أسوأ من اليوم الذي سبقه إلى يوم‎ ‎قيام ‏الساعة؟ ‏إذا أردنا اليوم كمسلمين الخروج فعلا من حلقة الشيطان التي‎ ‎أحكمت حولنا ‏بإحكام رهيب باسم الدين على أيدي رجال مازال أغلبنا يعتقد أنهم علماء‎ ‎ومفكرين بينما هم في الحقيقة مجرد أبواق تردد محفوظات سعى إلى ‏تحفيظها لهم بعض‎ ‎علماء السوء من كهنة السلاطين الساعين لمتع الدنيا ظنا ‏منهم أنهم بالتوبة قبل‎ ‎الموت وبالإستغفار من الله الغفور الرحيم، سيحققون ‏الدنيا والآخرة معا‎.‎‏ ‏اعلموا أيها الإخوة والأخوات أن كل عالم يبشر بحديث غير أحسن‎ ‎الحديث ‏الذي في كتاب الله هو عالم سوء، وليس بعالم خير: ‏‏(‏‎ ‎الله نزل أحسن الحديث*) 23-39‏‎.‎‏ ‏والله تعالى إستنكر سلفا أي حديث مع حديثه في الدين ليكون شرعا‎ ‎مرشدا ‏للمسلمين في آيتين لتكونا شاهدتين من الله تعالى على صدق حديثه الذي ‏يتصدر‎ ‎كل أحاديث خلقه جميعا‎:‎‏ ‏‏(‏‎ ‎فبأي حديث بعده يؤمنون*) 185-7‏‎.‎‏ ‏‏(‏‎ ‎فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون*) 6-45‏‎. ‎‏ ‏كل تلك الآيات تقول لمن له عين ترى وأذن تسمع وعقل ما زال يعمل:‏‎ ‎‏ ‏إذا أردت سبيل الخلاص في الدنيا والآخرة اهجر كل القيل والقال‎ ‎من ‏روايات الأحاديث حتى وإن كنت تظن أنها صحيحة وعد إلى كتاب الله ‏المهجور من أمة‎ ‎الرسول الكريم محمد عليه الصلاة والسلام، القرآن العظيم: ‏والناس الذين هجروا القرآن اليوم من العرب المسلمين لم يفاجئوا‎ ‎بذلك ربهم ‏بفعلهم هذا بل تنبأ سبحانه وأخبرنا عنهم في كتابه سلفا على لسان رسوله‎ ‎الكريم: ‏‏(‏‎ ‎يارب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا*) 30-25‏‎.‎‏ ‏إن القرآن الذي هو دستور المسلمين وكتابهم الأساسي في الفقه‎ ‎والشرع ‏والإيمان، أصبح كما تعلمون لايتلى إلا على الأموات وفي مناسبات الموت‎ ‎والجنازات، وإن كنت أقول في هذا غير الحق ليضع من يكذبني إصبعه في ‏عيني جهارا أمام‎ ‎الناس‎. ‎‏ ‏لكن ماهو الحل برأيكم للخلاص مما نحن فيه من ضلال واضح مبين،‎ ‎يشهد ‏به حالنا البائس المتخلف كمسلمين وحال أوطاننا التي تصحرت كلها وخلت ‏من‎ ‎الغابات والحيوانات التي كانت موجودة حتى في الجزيرة العربية التي ‏مازلنا نقرأ في كتب‎ ‎تاريخ السيرة وأشعار المعلقات التي مازالت تروي لنا ‏أن قطعان الحمر الوحشية‎ ‎والوعول والمها التي تغزل بعيونها الشعراء، ‏والسباع والأسود والذئاب كانت تعيش في‎ ‎غابات تلك المنطقة التي تصحرت ‏نتيجة إلغاء الشهر النسييء من قبل خليفة حاقد على‏‎ ‎الإسلام والمسلمين ‏وناسبا الإلغاء للرسول رغم أن كل التواريخ لكل الأحداث من ولادة‎ ‎الرسول ‏إلى هجرته وتواريخ كل غزواته منتهيا بمعركة اليرموك يتطابق فيها مع ‏التقويم‎ ‎الغربي إذا تابعنا إستخدام الشهر النسيء وإضافته كل اثنتين وثلاثين ‏شهرا مرة، كما‎ ‎بينت ذلك كله بالتفصيل في كتاب النسيء‎.‎‏ ‏المهم في الموضوع أن الأشهر الحرم التي حرم فيها سبحانه صيد‎ ‎الحيوانات ‏البرية تصادف دائما في حال استخدام ذلك الشهر المضاف ( النسيء) في ‏فصل‎ ‎الربيع التي حرم فيها سبحانه القتال وصيد الحيوانات البرية لعلم ‏سبحانه أن ذلك هو‎ ‎موسم توالدها، وهذا التحديد للأشهر الحرم نقرأه في ‏أوائل آيات سورة التوبة‎.‎
كما أننا إذا قرأنا تاريخ السيرة سنكتشف أن كل غزوات الرسول‎ ‎وحتى ‏غزوات قريش ضده كانت تتحاشى دائما فصل الربيع مع أنها الأنسب ‏بالنسبة‎ ‎للمقاتلين من حيث إعتدال المناخ ولكن لعلم الجميع أنها كانت محرمة ‏منذ أيام‎ ‎إبراهيم عليه الصلاة والسلام كان حتى الجاهليون يتحاشون الغزو ‏فيها لعلمهم أنها‎ ‎أشهر محرمة للقتال وللصيد. ‏حتى معركة اليرموك التي نقرأ تاريخها في كتب المؤرخين الغربين‎ ‎نجدها ‏قد بدأت يوم السبت في العشرين من أب وتصدف أيضا يوم السبت في ‏الخامس من رجب‎ ‎بحسب التأريخ الإسلامي*. ‏‏*‏‎ ‎راجع كتاب النسيء للمؤلف، السنة 15 هجرية الموافقة لسنة 636‏‎ ‎ميلادية‎.‎‏ ‏لكن هذا التطابق في التواريخ يفقد بعد معركة صفين وبعد انتقال‎ ‎الخلافة ‏الإسلامية إلى دمشق رغم أن المؤرخين الإسلاميين ينسبون إلغاء الشهر ‏النسيء‎ ‎للخليفة الراشدي عمر بن الخطاب، ولوكان هذا صحيحا لما وجدنا ‏التطابق الذي رأيناه‎ ‎عن معركة اليرموك التي حصلت في عهده‎.‎
إن كل تلك الأمور تدل على أن قلوب كثيرة من بين المؤمنين قد زاغت‎ ‎عن ‏الحق في عهد الخليفة الراشدي الرابع، خاصة بعد موقعة الجمل بين عائشة ‏أم‎ ‎المؤمنين رضي الله عنها وبين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وبعد ‏موقعة صفين‎ ‎وماحصل فيه من خداع رفع المصاحف عندما مالت كفة ‏النصر لأتباع علي رضي الله عنه وما‎ ‎نتج عن الإحتكام من خلاف قسم ‏جيش الخليفة الراشدي بخروج الخوارج منه والذي أدى إلى‎ ‎إنتصار أتباع ‏معاوية الذي نقل الخلافة إلى دمشق منهيا بذلك عصر الرشد والشورى في‎ ‎الحكم لجعلها وراثية من بعده‎.‎
أيها الإخوة لم يحصل كل ذلك بالصدفة، بل حصل لتغير طرأ على‎ ‎النفوس ‏المؤمنة التي مالت للدنيا وشهواتها أكثر من ميلها للحق والعدل والخير ولله‎.‎
هذا ماحصل في الماضي إن شئتم معرفة الحقائق كما هي مبينة بداية‎ ‎الإنحراف الذي مازلنا عليه إلى اليوم ، وأنا شخصيا لاأرى أي حل لأحوال ‏المسلمين‎ ‎المتردية للتحسن إلا أن يعودوا قرائين لكتاب الله وحده ومستمسكين ‏بهدي الله وحده‎ ‎كما كان الراشدون‎. ‎
إذا لابد من العودة للقرآن الحاوي على أحسن الحديث مطيعين أمر‎ ‎الرسول ‏الواجب طاعته الوارد في كل كتب الحديث المعروفة عند المسلمين، ذلك ‏الأمر‎ ‎الذي أطاعه كل الراشدين بمن فيهم الخلفاء الأربعة المشهورين ‏بالرشد‎:‎‏ ‏‏( لا تكتبوا عني غير القرآن، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه)‏‎.‎‏ ‏هذا وقد بينت في كتبى السابقة أن أبابكر وعمر أتلفا كل‎ ‎ماكتباه، وأن عثمان ‏وعلي رضي الله عنهم جميعا لم يكتبا عن الرسول الكريم شيئا غير‎ ‎القرآن‎.‎‏ ‏أما إذا سئلت من إحدكم قائلا: ‏على فرض أننا قد آمنا بما قدمته الليلة، ماهو الحل الذي تراه‎ ‎وتقترحه ‏للخروج لما نحن فيه؟ ‏أقول‎:‎‏ علينا أن نهجر بدفع وتأييد من كل مفكري الأمة وعلمائها‎ ‎الحقيقين، ‏وهم العلماء في كل العلوم الحقيقية من طب وهندسة وفيزياء وكيمياء‎ ‎وجيولوجيا ورياضيات وتاريخ وفلك متفقين معا أن العارفين في الدين لقبهم ‏سبحانه بالفقهاء‎ ‎ولا علاقة لهم بالعلم إلا إذا كان الفقيه عالما مع فقهه بإحدى ‏تلك العلوم‎. ‎‏ ‏أقول علينا أن نهجر كل مصادر الدين لنعود كما كان الراشدون‎ ‎ومصدر ‏فقهنا الوحيد هو كتاب الله العظيم: القرآن الكريم‎.‎‏ ‏أما باقي اللأمة فتتجه بتأييد وتشجيع كل علماء الأمة لدراسة كل‎ ‎العلوم ‏الحقيقية، والإنتقال بعدها لمرحلة تطبيق تلك العلوم على الواقع كل في‎ ‎مجاله، لنلحق بالعالم الذي سبقنا سياسيا وعلميا وصناعيا وتجاريا وزراعيا ‏وحضاريا،‎ ‎رافضين أسلوب التغيير بالعنف والثورات والإنقلابات متخذين ‏من القرآن بوصلة ودستورا‎ ‎وإماما وهديا ونورا، وجاعلين مجال بحث ‏علمائنا في العلوم الحقيقية، متخذين أسلوب‎ ‎الشورى التي ترادف ‏الديموقراطية أسلوبا لنظامنا السياسي كما كان الراشدون من قبلنا‎ ‎هذا بشكل ‏عام‎. ‎‏ ‏مؤمنين أن الحل لن يهبط علينا بالدعاء من السماء بل أن التغيير‎ ‎له قانون ‏وسنة سماوية معلنة في القرآن سنجده إن قرأناه، حيث يقول ربنا لنا فيه‎ ‎علنا‎:‎‏ ‏‏( إن الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا مابأنفسهم*) 11-13. ‏والمطلوب تغيييره من نفوس المسلمين كمنهج يجب اتباعه هو: ‏أولا: هجر الأوهام والظنون والأدعية التي لايسبقها عمل حقيقي‎.‎‏ ‏ثانيا: أن نؤمن بعد الله بالعلوم عامة مع السعي لتعلم‎ ‎تطبيقاتها عمليا‎. ‎‏ ‏ثالثا: أن نؤمن أن العمل الصالح الذي يشترطه سبحانه لنوال‎ ‎الجنتين، جنة ‏الدنيا وجنة الآخرة هو العمل الذي يقوم به كل فرد منا في الأرض وفيه‎ ‎منفعة للناس ينال به أجره من رب العمل، أو كان العمل صناعة أو تجارة ‏أو نالها من‎ ‎ثمرات الأرض إن كان عمله في الزراعة، مثل تلك الأعمال ‏المطلوبة من الناس لمنافعها‎ ‎تعتبر من الأعمال الصالحة، وهي الأعمال التي ‏يعدنا سبحانه بأن يوفينا بما يقابلها‎ ‎أجورا تفوقها عندما يقول‎:‎‏ ‏‏(‏‎ ‎فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من‎ ‎فضله، ‏وأما الذين استنكفوا‎ ‎‏"عن العمل الصالح في الأرض" واستكبروا‎ ‎‏ فيعذبهم‎ ‎‏"‏‎ ‎في الدنيا قبل ‏الآخرة‎ ‎‏"‏‎ ‎عذابا‎ ‎أليما ولايجدون لهم من دون الله وليا ولانصيرا*) 173-4. ‏رابعا: هجر فكرة العنف كأسلوب للتغيير‎.‎‏ ‏خامسا: الإقرار بفكرة لا إكراه في الدين ومن حق الآخر أن يؤمن‎ ‎أو يكفر ‏أو يرتد عن دين آبائه وحسابه في جميع الأحوال على الله تعالى وحده وليس‎ ‎كما يظن أغلب المسلمين بدليل الآيات القرآنية كما بينت من البداية‎:‎‏ ‏‏(‏‎ ‎لاإكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) 256-2‏‎.‎‏ ‏‏(‏‎ ‎فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) 29-18‏‎.‎‏ ‏‎ ‎والله تعالى لم يقل اقتلوا المرتدين عن الدين ولم يقاتلهم أبا‎ ‎بكر لإرتدادهم ‏عن الدين بل لتوقفهم عن دفع الزكاة التي منها كان يتشكل بيت مال‎ ‎المسلمين: ‏‏(يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله‎ ‎بقوم يحبهم ‏ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين...*) 54-5‏‎.‎‏ ‏‏(‏‎ ‎ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في‎ ‎الدنيا والآخرة...*) 217-2‏‎.‎‏ ‏وليس في كل القرآن غير هاتين الآيتين عن المرتدين عن الدين‎ ‎وليس فيهما ‏كما تلاحظون أي عقاب للمرتد عن الدين يقع عليه في الأرض بل حسابه ‏على‎ ‎الله تعالى وحده لاشريك له‎.‎‏ ‏علما أن هذا الكلام مع مارأيناه واضحا في الآيتين السابقتين‎ ‎يعاكس تماما ما ‏يؤمن به المسلمون وما يقولونه عن وجوب قتل المرتد عن دينه‎.‎‏ ‏ومن يدرس تاريخ السيرة سيعلم أن الراشدين كانوا يتحركون بأمر‎ ‎الله ‏ولتحصيل نصر الله الذي وعده سبحانه للمؤمنين كان بالإنتصار معا على ‏القوتين‎ ‎المتصارعتين في الأرض وهما الروم والفرس. محددا سبحانه موعد ‏النصر في بضع سنين من‎ ‎بعد أن تأخذ الروم ثأرها من الفرس التي غلبت ‏الروم في فلسطين محتلة القدس عام 614‏‎ ‎م، والروم التي أخذت ثأرها ‏بالفعل ودخلت عاصمتها عام 628م الموافقة للسنة السابعة‎ ‎للهجرة، ونحن ‏مازلنا نقرأ قصة هذا الوعد من الله للمؤمنين في أوائل سورة الروم من‎ ‎القرآن دون أن يفقه غالبيتنا مايقرأون، ولو تحققوا لوجدوا أن المؤمنين من ‏الراشدين‎ ‎انتصروا في معركة اليرموك الفاصلة على الروم: في رجب سنة ‏‏15 هجرية، الموافقة لشهر‏‎ ‎آب سنة 636 م، وعلى الفرس في معركة ‏القادسية الفاصلة سنة 16 هجرية الموافقة لسنة 637م،‎ ‎أي أن اليرموك ‏حصلت في السنة الثامنة بحسب وعد الله الذي مازلنا نتلوه في القرآن،‏‎ ‎والقادسية حصلت في السنة التاسعة من الوعد وكلاهما يقعان ضمن ماحدده ‏سبحانه بقوله‎ ‎الكريم: في بضع سنين. علما أن بضع تقع في العربية بين ‏ثلاثة إلى تسعة‎.‎‏ ‏وهكذا نتأكد أنه سبحانه لم يخلف وعده كما ورد في الآيات إن كنا‎ ‎مؤمنين ‏به وبكتابه العظيم‎.‎‏ ‏وآيات سورة الروم تلك التي ما زال المسلمون يتلونها على‎ ‎الأموات ‏ويسمعها أغلب الأحياء بعقل ميت بدليل أنهم لايدركون مايقرأون في آيات ‏الله‎ ‎من القرآن وحتى مشايخ المسلمين السابقون منهم واللاحقون ما زالوا ‏يظنون أن الوعد‎ ‎بالنصر كان للروم لأنهم مع الأسف من الذين لايفقهون‎:‎‏ ‏‏(‏‎ ‎غلبت الروم* في أدنى الأرض وهم‎ ‎‏"الروم الفرس معا" ‏‎ ‎من‎ ‎بعد غلبهم‎ ‎‏" لبعضهم" ‏سيغلبون* في بضع سنين، لله الأمر من قبل ومن بعد،‎ ‎ويومئذ يفرح ‏المؤمنون* بنصر الله، ينصر من يشاء وهوالعزيز الرحيم* وعد الله،‎ ‎لايخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون* يعلمون ظاهرا من الحياة ‏الدنيا وهم‎ ‎عن الآخرة هم غافلون*) 2-7-30‏‎.‎‏ ‏أغلب المسلمين اليوم لأنهم في حقيقتهم قد استحبوا حديثا آخر مع‎ ‎حديث الله ‏تعالى وسنة أخرى مع سنة الله آمنوا بها إشراكا بالله تعالى فوقع عليهم حكم‎ ‎الله وسنته التي في القرآن وإن كان أغلب المسلمين لا يستطيعون رؤية تلك ‏الحقائق في‎ ‎كتاب الله المعجز في كل شيء‎:‎‏ ‏‏(أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم * وختم على‎ ‎سمعه ‏وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون؟*) ‏‏23-45‏‎.‎‏ ‏إتخذ إلهه هواه: أي يؤمن بما يحب، والحب من الهوى فإذا أحب‎ ‎المؤمن ‏حديث الرسول ظنا أن الرسول قد قاله تاركا حديث الله اليقيني، ينتقم منه‎ ‎سبحانه فيضله مع كونه عالما في الموضوع عارف به، فتغشى عينه مع ‏قلبه (عقله) عن‎ ‎الحق الذي في كتاب الله حتى لو وضعته أمام عينيه لوجدته ‏عاجزا عن رؤيته، ولما‎ ‎استطاع إدراكه، وهذه لعنة من الله تعالى مستمرة ‏ودائمة وإن كان أغلب المسلمين‎ ‎اليوم لايستطيعون إدراكها مع الأسف، ‏فيحتج الجهلاء منهم قائلين: كل علماء المسلمين‎ ‎في الأرض لم يدركوا ذلك ‏وأدركته وحدك؟ وأنا لاألومهم على هذا الإستنتاج المنطقي‎ ‎لأنهم لايعلمون ‏على من تقع لعنات الله في القرآن المبين أسهل كتاب للفهم والإدراك‎ ‎والحفظ‎. ‎‏* ‏‏*‏‎ ‎أضله الله على علم: أي أضله الله مع أنه ذو علم وليس بجاهل‎ .‎
‎ ‎نيازي عزالدين ‏


اجمالي القراءات 6745