إلقاء بعض الضوء على القواعد والمبادئ
سلسلة دراسات قرءآنية

محمد صادق في الأحد ٠٣ - فبراير - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

سلسلة دراسات قرءآنية

الدرس الخامس 

ختام متابعة القاء الضوء على القواعد التى بنى عليها القرءآن


بسم اللــه الرحمــن الرحيم
سنختم فى هذا الدرس - ان شــاء اللــه - القاعدتين السادسة والسابعة من القواعد والمبادئ التى بنى عليها القرءآن الكريم.

القاعدة الســادسة: المحكم والمتشابه
يقول اللــه تعالى " كتاب أحكمت ءاياته " هود:1
ويقول: اللــه نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مث&Cceانى..." الزمر 23
ويقول أيضا: " هو الذى أنزل عليك الكتاب منه ءايات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات " الأعراف 3
ففى الآية الأولى وصف تعالى القرءآن كله بأنه محكم، وفى الثانية بأنه متشابه، أما فى الآية الثالثة فتقسم القرءآن إلى قسمين محكم ومتشابه.
لا تعارض فى المعنى ولكن أراد اللــه سبحانه – واللــه أعلم – أن يخبرنا عن كتابه بأنه كله محكم وكله متشابه، وبما أن اللــه هو الذى فصل هذا الكتاب " كتاب أحكمت ءآياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير " فجاء يبين أنه فى نفس الوقت:
اولا .. حين وصفه انه متشابه قال عن هذا التشابه أنه " مثانى " أى كل معنى فى القرءآن يأتى متكررا مرة أو أكثر وذلك من خلال التشابه والتداخل فى المعانى والتكرار فيها،
ثانيا.. يبين فى نفس الوقت أن المحكم هو المرجع من ءايات القرءآن والتى ينبغى أن تعرض عليها المتشابه من الآيات. الأعراف 3
والمحكم هو ءايات قاطعة الدلالة وصريحة المعنى، والمتشابه هو ءآيات تتشابه فيها الألفاظ والمعانى وتوضح تفصيلات المحكم.
لقد قال اللــه سبحانه وهو يقرر حقيقة ثابتة " أفلا يتدبرون القرءآن ولو كان من عند غير اللــه لوجدوا فيه اختلافا كثيرا " النساء 82
فكيف يكون التدبر فى القرءآن رافعا لكل اختلاف مع أن فيه ءايات متشابهة لا يمكن الوصول إلى مراده. هذا بالاضافة غلى أن القرءآن وصف نفسه بأوصاف كالنور والهادى والبيان وهذه الأوصاف لا تتفق مع عدم معرفة المعانىوالأدلة.
فحين وصف اللــه سبحانه ءاياته بقوله "ءايات محكمات " وصفها بأنها "أم الكتب "
ومعنى هذا ان الآية المحكمة تشتمل على أمهات ما فى الكتاب من الموضوعات وبقية الآيات متفرعة منها ولازم هذا ان الآيات المتشابهة ترجع الى المحكمات لمعرفة معناها الحقيقى. وقد وصف اللــه المحكمات بأنها أم الكتاب، والأم حسب أصل معناها هو ما يرجع إليه الشئ ولذلك فالآيات المتشابهات ترجع إليها، أو بمعنى آخر أن الكتاب يشتمل على ءايات هى أم ءايات أخر وفى إفراد كلمة أم من غير جمع دلالة على كون المحكمات غير مختلفة فى ذاتها بل هى متفقة مؤتلفة.
نظرا لأن هذه القاعدة من أهم القواعد التى يبنى عليها التدبر لذا أراد اللــه أن يبين لنا أن كل معنى فى القرءآن يأتى متكررا مرة أوأكثر وذلك من خلال التشابه والتداخل فى المعانى والتكرار فيها، والهدف من ذلك أن يكون القرءآن اختبار لكل إنسان، يجد فيه المؤمن به الهداية ويجد فيه المنافق الضلال " وننزل من القرءآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا " الاسراء 82
والمؤمن لا يحاول أن يخضع القرءآن لهواه وانما يجعل هواه خاضعا للقرءآن وفى أى مشكلة يبحث عن حل لها فى القرءآن لا بد أن يستعرض كل الآيات التى تتحدث عن نفس الموضوع، فيجد الآيات كلها من محكم ومتشابه تؤكد الاجابة الواحدة. أما المنافق فقد يكتفى بتأوله لنصف المعنى الموجود فى ءاية متشابهة ويحاول أن يتجاهل الآيات الأخرى التى فيها تأكيد المعنى القرءآنى. فالقرءآن بعضه يبين بعض، وبعضه أصل يرجع إليه البعض الآخر.

القاعدة الســابعة : لقد يسرنا القرءآن للذكر فهل من مدكر
قال اللــه تعالى: " يريد اللــه بكم اليسر ولا يريد بكم العسر " فكانت هذه حكمة اللــه لعباده، اليسر وليس العسر.. النور وليس الظلمات، الهدى وليس الضلال.
فقضت مشيئته أن ينزل القرءآن ليحكم به الناس ويتحاكموا إليه وسيحاسبوا به يوم الدين.
فقد قضت هذه المشيئة ان تيسر هذا للتلاوة والحفظ والتدبر تنفيذا لحكمة اللــه وهى أنه يريد بنا اليسر ولا يريد العسر، لذك ذكر سبحانه ان هذا القرءآن منفذا لمشيئته هذه فقال:
" لقد يسرنا القرءآن للذكر فهل من مدكر." فكيف كان هذا اليسر...
نزل القرءآن الكريم على لسان الرسول عليه السلام، متفرقا على فترة حوالى 23 سنة، ولا شك أن اللــه قد أنزله على مدار هذه الفترة الطويلة لحكم وأهداف يمكن بعد التدبر فيها نقف على بعضها.
نزول القرءآن الكريم وهو يضم 114 سورة فيه ءايات تزيد كلماتها على الخمسين كلمة، مرة واحدة يجعل أمر ظبطه عسيرا ومشقة على الحفظة الذين يردون حفظ القرءآن. إنما نزول الآيات تباعا وعلى فترات يجعل فرصة الحفاظ عليها كاملة وتامة وكذا من أهداف نزول القرءآن على فترات طويلة هو التيسير على الناس فيما تضمنه من أحكام كلها مرة واحدة لشق على الناس أمرها، بل عن طريق التدرج الذى حققه نزول القرءآن تحول الناس الى الاسلام بيسر حيث عالج بالمراحل دون الطفرة كل أمور الدنيا والدين.
فنزلت بعض الآيات ردودا على أسئلة الناس وبعضها نزل فى مواقف معينة، وقصص حدثت فى الماضى وسرد وقائعها بتسلسل حدوثها معناها تدرج فى الأحداث ويسر فى الفهم والاتعاظ. وايضا طول هذه الفترة تجعل الرسول على صلة شبه متصلة بالوحى مطمئنا على تأييد اللــه له مما يقوى من عزيمته ويشد من أزره ويثبت فؤاده.
" وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرءآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا ".
من اليسر سماع ءايات اللــه والحفظ بالذاكرة نجد أن التغنى بالقرءآن لا يسهل على السامع الفهم السريع والحفظ ، ولكن إذا قرء قراءة عادية متواترة فان النطق يصبح واضحا ويسهل فهم الكلمات وحفظها، لذلك نرى أن اللــه عندما امر جبريل بقرائته على الرسول كانت ترتيلا. قال اللــه " فإنما يسرناه بلسانك ..." نزول القرءآن على طوال هذه الفترة، الاتصال بجبريل طوال 23 سنة تقريبا، جبريل يرتل القرءآن على الرسول ترتيلا، ونزول القرءآن بلغة الرسول.. لسانا عربيا، كل ذلك جعل اللــه مشيئته ان ييسر القرءآن بلسان الرسول حتى ينطق به سهلا ميسرا للحفظ والفهم. هذا الجزء الأول من تدبير الأمر، أما الجزء الثانى من هذا اليسر فهو فى داخل الآيات نفسها، مضمونها، كلماتها، حوادثها...الخ، هذا الجزء لا دخل لأحد فيه ، لا جبريل ولا الرسول ولا أى شخص آخر.. إنما تدبير حكيم خبير.
فكانت ءاياته محكمة ولا تناقض فيها وكانت تشبه بعضها البعض اما فى المعنى أو الألفاظ وكانت مكررة على الأقل مرتين، وكانت سرد لقصص وأمثال للاتعاظ والحث على الدراسة واستنباط الأحكام والمعانى من ورائها.
وكانت ءاياته مفصلة تفصيلا، وكانت ءاياته شاملة لكل شئ، ولم تفرط هذه الآيات فى أى شئ نحتاجه فى الحياة الدنيا والآخرة. وبين اللــه ءاياته بعضها ببعض حتى لا يكون هناك فرقة واختلاف ولم يجعل اللــه لآياته عوجا بل كانت فرقانا يهدى الى النور، وكانت فرقانا يبين الحلال والحرام وجعل اللــه ءاياته جزءا منه لا يتجزء ودائما كلن ينسب الآيات لذاته العلية فيقول باللــه وءاياته أو ءايات اللــه.
فكان القرءآن يبين نفسه بنفسه " ان الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس فى الكتاب أولئك يلعنهم اللــه " فكان هذا القرءآن، بينا، حكما، عربيا، وشامل لكل شئ، وأن سبحانه أمرنا فى هذا القرءآن حيث قال " وهذا كتاب مبارك فاتبعوه " ونجد ان الرسول تنفيذا لهذا الأمر قال للكفار وغير المؤمنين بهذا القرءآن " فأتوا بكتاب من عند اللــه هو أهدى منهما أتبعه " نزل على الرسول فاتبعه وأمرنا أن نتبعه ونتدبره فكان سهلا ومبينا ومفصلا .. " لقد يسرنا القرءآن للذكر فهل من مدكر "..
فهل من مدكر. ...
وبنهاية هذا الدرس نكون قد إنتهينا من القاء بعض الضوء على القواعد الأساسية التى يجب التمسك بها ويجب أن تكون فى الأذهان دائما عند محاولةتدبر وفهم ءايات اللــه.
وباللــه التوفيق...

 

اجمالي القراءات 16055