انقطت صلتي منذ ستة وأربعين عاما بالكشّافة، لذا فإن معلوماتي عن كيفية نصب خيمة، وتثبيت الأوتاد وغيرها ضئيلة وتكاد تكون صفرا.
ومع ذلك فتطاردني تساؤلات كثيرة عندما أقرأ عن رحلات العقيد معمر القذافي الذي أضحى هو وخيمته توأمين لا ينفصلان.
طائرات الزعيم التي تُقل على متنها الخيمةَ واثاثها وأدوات تثبيتها، وكذلك أعضاء الوفد الجماهيري المصاحب للعقيد، وكان الزعيم الليبي الذي تقترب التصاقة مؤخرته بكرسي العرش من أربعين عاما قد اعتاد على أن تصحبه أيضا ناقتان لأهمية أن يشرب مع اشراقة كل صباح حليبهما النقي والمنعش ، لكن يبدو أنه توقف عن تلك العادة العجيبة.
لماذا لا تُقِلّ طائرات العقيد مع الخيمة أطنانا من رمال الصحراء حتى تقترب الصورة أكثر من المشهد الصحراوي، فتأتي حاملات الأتربة والرافعات لوضعها في مكان نَصْب الخيمة حول قصر الاليزيه مثلا ، أو بالقرب من قصر العروبة بقاهرة المعز أو حول المقر البابوي في الفاتيكان لو قام قائد ثورة الفاتح بزيارة الحبر الأعظم؟
تبقى مشكلة كبيرة لو قام الزعيم العربي الكبير بزيارة العاصمة النرويجية في فصل الشتاء عندما تهبط درجة البرودة إلى ما تحت الصفر ، ولا يستطيع عمال نصب الخيمة تثبيتها فوق الجليد بالقرب من قصر الملك هارالد.
كيف يمكن وضع الحمامات والمراحيض داخل الخيمة التي تم نصبها حول قصر الاليزيه أو بالقرب من قاعة المؤتمرات للاتحاد الأوروبي؟
هل يستبق العمالُ زيارة الزعيم بعمل شبكة مجاري جماهيرية في باريس، وكذلك توصيلات كهربية ومياه ساخنة وباردة، ثم يأتي الوفد العملاق المصاحب للقائد والمكون من عدة مئات من المسؤولين وحارسات العقيد السمراوات القصيرات ورجال أجهزة الاستخبارات والأمن وبعض الذين سيعاينون مواقع الانفجارات اللاحقة أو يقومون بتصفية الكلاب الضالة من المعارضة الليبية في الخارج؟
وإذا لم تسمح سلطات البلد المضيف بالحفر لعمل شبكة المجاري الجماهيرية فماذا يفعل أعضاء الوفد الذين يستيقظون ليلا ويريدون أن ( يطرطروا ) قبل العودة للنوم في الخيمة؟
هل الخيمة للاستقبالات فقط، أم للاقامة الكاملة والنوم والساونا ومكان اقامة الناقتين اللتين تمدان قائد الفاتح بحليب طازج ينعشه قبل اطلاق مشروع جديد أو دفع تعويضات لضحايا أوامر العقيد؟
ماذا لو لم تسمح سلطات البلد المضيف بالحفر لانشاء شبكة المجاري الخاصة بخيمة العقيد، فهل هناك مثلا مراحيض متنقلة يتم اغلاقها بعد ذلك باحكام، ثم العودة ببول وغائط أعضاء الوفد والحارسات لصبها في شبكة المجاري الجماهيرية؟
معذرة للقراء الأفاضل فكما قلت بأن صلتي بالكشافة انقطت منذ أن كان عمري أربعة عشر عاما، وكنا ونحن صغار نترك الخيمة لــ ( نطرطر ) بجوار نخلة أو خلف تلة ترابية.
في زيارة العقيد الأخيرة لباريس التي اكتفى الغرب منها بوعد هلامي لذر الرماد في العيون بأن نظام الفاتح سيقوم بتحسين ملف حقوق الانسان قفزت إلى ذهني أضعاف التساؤلات التي لم أجد على أي منها جوابا من قبل.
ما معنى تحسين ملف حقوق الانسان؟
هل هذا يعني أنه بدلا من تصفية عدة آلاف يتفضل القائد بتصفية مئات فقط؟
هل يعني أنه بدلا من سبعين سجنا تكتفي أجهزة أمن العقيد بخمسين فقط؟
أتذكر قصيدة مظفر النواب التي يقول فيها:
شارك في الحل السلمي قليلا
أولاد القحبة كيف قليل
نصف لواط يعني؟
نعود إلى موضوع المراحيض والحمامات في خيمة العقيد, وأحاول العثور على حل عبقري لعله لم يطرق ذهن رجال القائد وناصبي خيمته، أو قبل أن يتوصل العلم إلى اختراع مراحيض ديجيتال تسمح لعصو الوفد أن يطرطر في أرضية الخيمة مخلفات البطن لتظهر على أرض الجماهيرية، بل يمكن أن تظهر في أي بقعة على القارة السمراء بحكم قيادة طرابلس الغرب للولايات المتحدة الأفريقية!
لي رغبة شديدة أن ألطم وجهي وأبكي بحرقة على شعبنا الليبي الذي لم يعرف أربعة أخماسه زعيما آخر غير القذافي، ولا يزال الليبيون يحتفلون كل يوم تقريبا بمناسبة تحقيق انجازات
ومكتسبات، ويخرجون في مظاهرات تجوب شوارع المدن والقرى حتى لو باعهم العقيدُ مقابل رضا الغرب وأمريكا عنه أو رفع العقوبات في أي جريمة تم اتهام النظام بارتكابها؟!
ماذا لو قام عباقرة الحاجة أمّ الاختراع بانشاء مشروع مثل النهر الاصطناعي العظيم لتصبح المجاري الاصطناعية العظيمة ويتم مَدّ مواسير إلى كل شبر تطأه قدما العقيد الطاهرتان، فيخفف الحِمْلَ على ناصبي الخيمة ويتم جمعُ فضلات كل من يقوم بزيارة الخيمة دونما حاجة إلى انشاء شبكات متحركة؟
ملايين من الدولارات يتم انفاقها سنويا على نَصْبِ وحَلّ الخيمة، ونقل الأثاث، وانتقال مئات من الأشخاص كل في تخصصه حتى يشعر العقيد أنه في الصحراء.
أموال انتقال الخيمة في أكثر من ثلاثة عقود تعادل تعويضات لوكربي ثلاثة أضعاف أو أكثر، والكارثة أن يطلب العقيد سماءً صافية ونجوما تتلألأ كما في الجماهيرية، ففي هذه الحالة سيكون من الصعب على محققي أحلام ورغبات وأوامر القائد رسم سماء في سقف الخيمة تتغير من الأزرق إلى الأسود لتوحي إلى فخامته بتعاقب الليل والنهار لو كان في زيارة لبلد يختلف مناخه عن مناخ ليبيا الخضراء.
في العالم المتقدم يسعى الزعيمُ لتحقيق رغبات الشعب، وفي عالمنا العربي يلهث الشعبُ من أجل تحقيق أحلام الزعيمِ.
ورغم ذلك فنادرا ما يرضى الزعيمُ عن خدمات الملايين الذين تسحق هاماتهم أحذيةُ زبانيته،
وتظل معضلةُ مراحيض خيمة العقيد تؤرقني أكثر من ناقتيه وعمليات نقل الخيمة والأوتدة والعمال.
كل هذا ولم أفترض بعد أنَّ اسهالا قد يصيب بعضَ الأعضاء المصاحبين للعقيد، أو أنهم من الخوف والرعب يضطرون للتبوّل عدة مرات خشية أن يغضب العقيد عليهم.
ألا تشعرون معي بنفس الرغبة في اللطم على الوجوه شفقةً على شعبنا الليبي؟
محمد عبد المجيد
رئيس تحرير مجلة طائر الشمال
أوسلوفي 01 يناير 2008
http://taeralshmal.jeeran.com
Taeralshmal@gawab.com
http://Againstmoubarak.jeeran.com
http://blogs.albawaba.com/taeralshmal