مذكرات «السادات»: انتحار عبدالحكيم عامر أشجع وأنجح قرار اتخذه في حياته (2)

في الجمعة ٠٤ - أكتوبر - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

السادات يقف أمام عبد الناصر وعبدالحكيم عامر أثناء إلقاءه بيانًا عن الضباط الأحرار - خاص الشروق

ياسر محمود 



لم تكن العلاقة بين أنور السادات وعبدالحكيم عامر ــ على ما يبدو ــ علاقة طيبة، فالصفات التى شاعت عن عامر وشكل علاقته بجمال عبدالناصر، توحى بأنه كان لا يعتد سوى بذاته، وهو ما ألمح له السادات كثيرا فى سيرته الذاتية.. «طالما بقى جمال عبدالناصر رئيسا للبلاد، لابد وأن أكون قائدا للجيش»، هكذا نقل عن السادات عقب نكسة 67، وكثيرا ما تساءل عن السر فى تعامل قائد الجيش مع رئيس الجمهورية، وصبر الأخير عليه: «عبدالناصر كان يراقب ما يفعله عامر وهو ملىء بالمرارة، عاجز لا يستطيع أن يفعل شيئا ــ بينما عامر يزيد كل يوم من رقعة سلطته».

السادات الذى أسهب على مدار أجزاء من سيرته الذاتية «البحث عن الذات» فى تناول مواقف عبدالحكيم عامر، وأخطائه التى تسببت فى النكسة والانفصال عن سوريا وحرب اليمن، لم يتوقف كثيرا فى «كراسة خواطره» أمام نهاية عامر المأساوية، بينما كان الرثاء خاتمة الحديث عن زميله «المنتحر» فى كتابه سالف الذكر.. تحدث السادات عن آخر لقاء جمعه وعامر فى منزله بالجيزة، وتحدث عن صديقه الأسمر المسجى أمامه جثة هامدة، مسترجعا ذكريات شرخ الشباب.. بينما كانت سعادته بنهاية حقبة عامر هى الأبرز فى تدويناته الخاصة.

رثاء عامر فى النور.. والشماتة فى السر

لم أشاهد فى وجهه صفرة الموت.. رأيت أمامى عبدالحكيم الأسمر الهادئ اللطيف.. ومات فحل جميع المشاكل

يقول السادات عن عامر فى مذكراته بعد أيام من النكسة: «دعوته إلى العشاء عندى فى البيت، ورحبت به واستقبلته أسرتى أحسن استقبال كما كنا نستقبله دائما عندما يأتى لزيارتنا.. ولكنى لاحظت أنه قد تغير تغيرا كاملا.. كان قد فقد الثقة فى نفسه، وفقد معها استقباله للحياة، وأصبح شخصية مهتزة وأبنائى يداعبونه كعادتهم، وقال: «أنتم بتكرمونى قوى يا جماعة.. لسه لغاية دلوقت بتكرمونى؟» فقلت له: دلوقت يعنى إيه يا عبدالحكيم؟ علشان إنت ما بقتش قائد عام؟ هو أنا كنت صاحبك عشان إنت كنت قائد عام؟ ده برضه كلام حد يقوله..؟».

حسبما ورد فى تاريخ تلك المرحلة، كان لجمال عبدالناصر جلسة مواجهة مع عبدالحكيم عامر فى حضور عدد من أعضاء مجلس قيادة الثورة ــ بينهم السادات ــ فى منزله بمنشية البكرى، وفى مدونات السادات عن تلك الجلسة، كتب فى يوم الجمعة 25 أغسطس من العام 67، سطورا قليلة جدا، التى جاءت فى شكل نقاط مبهمة:

ــ الاتصالات وخاصة بالجيش والطيران.

ــ المنشورات.

ــ الضباط الموجودون بالمنزل والسلاح.

ــ جلسة طويلة من حوالى الساعة التاسعة إلا ثلث إلى السابعة من صباح السبت، تخللها «حكاية الانتحار»...

ويسرد السادات تفاصيل تلك الجلسة فى موضع آخر من سيرته الذاتية: «وجدت نفسى وجها لوجه مع عامر، الذى قال لى إنه ذاهب إلى دورة المياه، فصاحبته، ثم عدنا إلى الحجرة، فإذا به يفاجئنى بقوله إنه تناول (سم) سيانور لينتحر.. لكن الموقف عصيب للغاية، فقد آلمنى أن أرى عامر على هذه الحال، وآلمنى أكثر إحساسى بأنه يحاول أن يفلت من المأزق الذى شعر أنه سعى إليه بنفسه».

مشاعر الصداقة الجارفة نحو عامر يسجلها السادات فى سطور يصف خلالها مشهد مناظرته جثمان عامر عقب «انتحاره»: «تأملت وجه عامر قبل أن أغادر المكان.. فلم أشاهد عليه صفرة الموت ــ بالعكس، كان وجهه يبدو طبيعيا وكأنه مستغرق فى نوم عميق، فلا انفعال ولا تقلصات ولا أى شىء من هذا القبيل ــ بالعكس عادت السماحة إلى وجهه، فرأيت أمامى عبدالحكيم عامر الأسمر اللون، العادى الهادئ اللطيف، الذى رأيته أول ما رأيته فى رفح، وهو فى مقتبل عمره منذ سنوات وسنوات».

وبعد أن تمر الحادثة بأيام، يجلس السادات إلى كراسته الخاصة ليسجل خواطره بشأن الحادثة، فيكتب فى 28 سبتمبر:

انتحر عبدالحكيم يوم الخميس 14/9/1967 ودفن فى اسطال فى اليوم التالى بدون احتفال.

فى رأيى أن هذا هو أشجع وأنجح قرار اتخذه عبدالحكيم مدى حياته كلها، فقد حل بهذا القرار عدة مشاكل:

مشكلته مع البلد والأمة العربية.

ــ تحديد مسئولية النكسة.

ــ وأخيرا الوضع الشاذ مع جمال ومعنا جميعا.

وعلى المدى البعيد، فسيتضح أنه حل مشاكل كثيرة لأولاده، وسيتضح أيضا أن هذا القرار كان فى مصلحة البلد من جميع الجوانب، ولو أننى أشك أنه اتخذه على هذا الضوء ولكننى أريد أن يكون كذلك.

الزعيم يبلغ الخمسين

فى يوم الاثنين 4 نوفمبر عام 68 كتب السادات فى مذكراته يقول:

فى ديسمبر المقبل، أى بعد شهر سأدخل العام الخمسين من عمرى.. وأى معركة نعيشها اليوم، وقد كنت أرجو أن أبدأ الاعتزال فى هذه السن أو على الأقل أحدد نشاطى وأعيش وقتا أطول للقراءة والكتابة.

إنها إرادة الله سبحانه وتعالى، ولقد أخطأنا وعلينا أن نكمل هذه المعركة بالشعب، ومن أجل الشعب، ولعلها خير.. وخير جدا من أجل المستقبل..

وبعد أن يتجاوز السادات العام الخمسين بأيام، يعود إلى الكتابة عن عيد ميلاده، ويقول:

السبت 28/12/1968 الهرم

.. وجاء عيد ميلادى الخمسين منذ ثلاثة أيام وأنا فى معركة الترشح لمجلس الأمة... لدرجة أننى عملت فى هذا اليوم سبع عشرة ساعة متوالية من أجل إنجاز العمل..

الحمد لله على كل حال.. رب آتنى اليقين.. وأحسن خاتمتى.. واجعل ابنى صالحا.

سطور على جدران الزنزانة

الحق والقوة

- من طلب عزا بظلم وباطل أورثه الله ذلا بإنصاف وحق. على بن أبى طالب

- الحق وإن انسحق على الارض..يعود فيقوم. فولتر

- القوة لا تلغى الحق..ولكن الحق لايبقى بلا قوة. بلزاك

- كل صاحب بدعة مصلح فإن كان محقا هدى الناس إلى الحق وإن كان مخطئا جعلهم متعصبين للحق. حكيم

- إن فناء في الحق لهو عين البقاء. محمد عبده

- إن القوة مخيفة ومريعة..حتى ولو كانت من أجل مبدأ قويم. هويتلى

- دعوا القوة تسود الارض..والحقيقة تسود في قلوبنا. أناتول فرانس

- يجب الا نصنع امالا كبارافي نفوس صغيرة. راسكن

- هم يقولون..ماذا يقولون..دعهم يقولون. برنارد شو

- العقول الصغيرة تناقش الاشخاص والعقول المتوسطة تناقش الاشيائ والعقول الكبيرة تناقش المبادئ. حكمة صينية

- احكم نفسك تحكم العالم. أرسطو

عقد من المعاناة

الأربعاء 31 ديسمبر 1969 - الهرم

أكتب اليوم وأنا جالس فى الشمس، بعد غياب أحد عشر يوما، قضيتها فى العروبة فى مصر الجديدة، وهى الفترة التى قضاها الرئيس فى رحلة مؤتمر الرباط، ثم زيارة ليبيا التى عاد منها، أمس فقط، فقد سافر الرئيس يوم 20 ديسمبر إلى الرباط، ثم إلى طرابلس، يوم الخميس 25 ديسمبر..

وفى يوم 20 ديسمبر، يوم سفر الرئيس، صدر قرار تعيينى نائبا، حلفت اليمين قبل سفر الرئيس مباشرة.

لقد كان مؤتمر القمة فى الرباط مواجهة من نوع جديد، برز فيه القذافى ببساطته الحاسمة..

ثم كانت المواجهة الصريحة من جمال.. وأيا كانت نتيجة المؤتمر، فقد كان جمال، كما قال القذافى، فوق مستوى الجميع.

واليوم تنتهى حقبة الستينيات لكى نبدأ السبعينيات بعد بضع ساعات.. لقد كانت حقبة مريرة فى حياة ثورتنا.

بدأت هذه الحقبة سنة 1960 بمرض القلب لى فى 15 مايو 1960.. وفيما بيننا، كان هناك بدء ظهور انفعالات على السطح بعد أن كانت راكدة تحت السطح فيما بين صفنا فى مجلس قيادة الثورة.

وكان هناك أيضا مشاكل الوحدة مع سوريا، التى بدأت مع عام 1960تأخذ شكلا خطيرا ومحيرا.

وفى عام 61 كانت القوانين الاشتراكية، ثم الانفصال وكارثته فى نفس السنة.

وهنا بدأت مشكلة عبدالحكيم التى ظلت تتطور حتى كانت نهايتها 1967، وفى 62 كانت معركة اليمن بعد مؤتمر شتورا المشهور..

وفى 63 اليمن أيضا، وبدء المتاعب بالنسبة للخطو والبناء الداخلى.

64 جونسون فى أمريكا، وبدء المشاكل الخطيرة.

65 مضاعفات ووزارة زكريا محيى الدين.

66 مضاعفات أكثر ووزارة صدقى سليمان.

67 فبراير، فى مكتب الرئيس.. والعصابة تحكم مصر.. ثم العدوان فى يونيو، والكارثة، لولا 9 و10 يونيو، ثم بقية 67 بأكملها..

68 مظاهرات الطلبة، وضغوط أمريكا، واهتزاز الجبهة الداخلية، ومرض الرئيس، ثم بيان 30 مارس وإعادة البناء السياسى.

69 بدء الردع، بعد بناء القوات المسلحة.

ثم فى مايو ثورة السودان، وسبتمبر، ثورة ليبيا.. علامات من الله سبحانه وتعالى..

واليوم تنتهى الستينيات بكل آلامها ومرارتها وانتصاراتها.. والله أسأل أن تعوضنا السبعينيات، وأن نقطف ثمار ما عانيناه فى الستينيات.

الحلقة الاولي..

اجمالي القراءات 8288