عدا الحتميات المقدرة سلفا ( الميلاد ، الموت ، الرزق ، المصائب ) فكل انسان له مشيئته وحريته فى الايمان او الكفر وفى الطاعة او المعصية . ترتبط هذه الحرية بحقيقتين : 1 ـ إن وقوع بعض الحتميات تكون بتدخل بشرى ( فالرزق له اسبابه ، والقتل له تدابيره ..الخ ) ، 2 ـ أن الانسان لا يعلم الغيب ، فهو يقرر أن يفعل شيئا بكامل إرادته كأن يقتل شخصا مع الاصرار والتعمد والترصد ، وهو لا يدرى موعد موت هذا الشخص . موعد موت هذا الشخص غيب لا يعلمه إلا الله جل وعلا ، ولكن علم الله جل وعلا لم يرغم القاتل على إرتكاب جريمته فى هذا الوقت وفى هذا المكان . فالقاتل إرتكب جريمته متعمدا ، وهنا أساس مسئوليته عن جريمته ، والتى فعلها بقدرة جسدية خلقها الله جل وعلا فيه وبتدبير من مخه الذى خلقه الله جل وعلا فيه . والمقتول لفظ أنفاسه فى الزمن المحدد سلفا وفى المكان المعين سلفا .
فى موضوع أبى لهب فهو الذى إختار بمشيئته أن يكون كافرا وأن يظل كافرا حتى موته . لم يقع عليه إرغام لكى يختار هذا . ولقد أخبر جل وعلا بمصيره سلفا وكان لا يزال حيا وقت نزول هذه الآيات . كان بإمكانه أن يدخل فى الاسلام ليثبت أن كلام الله عنه لم يتحقق ، وحتى لو فعل هذا فهو دليل على كفره بالقرآن وإصراره على تكذيب الرحمن . الله جل وعلا عالم الغيب والشهادة يعلم قبل خلق ابى لهب ماذا سيحدث من أبى لهب ، وكتب هذا فى اللوح المحفوظ ، وجاء أبو لهب ففعل بإختياره ما فعل وكفر بإختياره ، وظل بإختياره على كفره حتى موته .
هنا ندرك خطورة المسئولية المترتبة على حريتنا ومشيئتنا وإختيارنا . إنظر حولك الى المستبدين الظالمين وحاول أن تعظهم سيسجنونك . قم بوعظ الكهنوت سيحكمون بكفرك ، حاول أن تعظ الارهابيين سيقتلونك . هم جميعا يكفرون ويظلمون بكامل حريتهم ويظلون مستمرين حتى الموت دون توبة . هى حريتهم وهى مسئوليتهم .